أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - ليلى أحمد الهوني - الأهم قبل المهم















المزيد.....

الأهم قبل المهم


ليلى أحمد الهوني
(Laila Ahmed Elhoni)


الحوار المتمدن-العدد: 3185 - 2010 / 11 / 14 - 01:00
المحور: حقوق الانسان
    


( كما كنت..!! )

يعد مصطلح "كما كنت" من المصطلحات العسكرية، التي كنت أسمعها كثيراً أثناء التدريبات العسكرية، التي كنت اتلقاها كغيري من الفتيات والشباب في فترة دراستي بالمرحلة الثانوية، فأمر "كما كنت" العسكري والذي كان يصدره المدربون العسكريون علينا يأتي كالتألي: استريح – استعد – راااحة- ثم "كما كنت"، أي بمعنى وشرح أكثر أن أمر "كما كنت" يعود بنا من حالة الشبه راحة ونحن في حالة الأستعداد إلى حالة الاستعداد القسوة، والتي كنا نشعر أثناء تنفيذنا لها بأن أنفاسنا تكاد تنقطع بالكامل علينا.

في خضم التقدم العلمي والمعرفي وما واكبه من تطورات حقيقية، وتقدم ايجابي ملحوظ للكثير من دول العالم، نجد أن وطني ليبيا وفي ظل وجود هذا النظام الفوضوي الحاكم فيه، لم يطرأ عليه أي تغيير واضح، وإن كان البعض ممن يسعون إلى خداع المواطن وتضليليه، اعتبروا ما تم وضعه من رتوش خارجية طفيفة، على بعض من جوانب الحياة للمواطن الليبي الغير مهمة والغير أساسية، ولا تعنى بالمسائل الجوهرية لمشاكل المواطن الحقيقية التي فرضت عليه، حيث أعتبروا هذه التغيرات هي تغييراً حقيقياً وقفزة إيجابية لصالح الشعب الليبي، وهي في الأساس ليست سوى تغيرات سطحية وقشور خارجية، يمكن تشبييهة كمن يغطي ويزين جروح عميقة، بكريمات أساس مستهلكة ومغشوشة مشترية من "الروبابيكيا"*.

ومع هذا وفي ظل الأحداث الأخيرة التي طرأت على الأوضاع في البلاد نجد أنها - أي هذه التغيرات والرتوش - قد أطلق عليها إيعاز "كما كنت" ليجد نفسه المواطن قد حرم منها بالكامل، وأزيل من عليها (كريم الأساس المغشوش)، وعاد وضعه وحاله لما كان عليه قبل حدوثها أو ربما إلى أسوأ من ذلك.

إن أبناء الشعب الليبي الذين ولدوا وعشوا حياتهم قبل وقوع الانقلاب العسكري، الذي البسوه رداء (الثورة) تزيفاً للتاريخ وسخرية منه وتدليساً على الناس، يعرفون على وجه اليقين، أنه لا شيء البته قد تغير فى ليبيا نحو الأفضل منذ ذلك اليوم الأسود، بل كل ما جرى من تغيير كان نحو الاسوأ والأردى، أما غالبية الجيل الجديد فقد تم تجهيلهم ووقعوا تحت عملية طويلة من غسيل الدماغ، التي عملت جاهدة على تشويه الماضي كله، من خلال ما قام به نظام القذافي من تزييف للتاريخ بأحداثه ورجاله، ولعل المطلع على المناهج الدراسية في ليبيا يعلم جيداً ما يقوم به هذا النظام، من تحريف صارخ لتاريخ ليبيا ما بين استقلالها المجيد حتى انقلاب سبتمبر المشؤوم، لدرجة أنه لم يعد بامكان غالبية هذا الجيل الجديد القيام بأى نوع من أنواع المقارنة، أو إصدار تقييم موضوعي على الأوضاع القائمة في وطنهم، فتعلقوا بالمظاهر السطحية التي تمت تغذيتها بالدعايات والشعارات والوعود الكاذبة، عن ما سمي بالسلطة الشعبية وأوهام العدل والحرية، أوعن رفع مستوى المعيشة وتوفير السكن والعلاج والمركوب للمواطن، ليكتشفوا بعد فوات الآوان زيفها وعدم مصدقيتها.

نتيجة لحالات العوز و الفقر والحرمان، التي عاشها المواطن الليبي لفترة طويلة تحت حكم نظام القذافي، والتي بررها القذافي للشعب الليبي بحجة الحصار الأمريكي الوهمي، الذي ألفه لهم وفرضه عليهم، جعل الكثيرون من أبناء هذا الشعب يرضون بأي شيء حتى بالقليل والغير مهم منه، ثم بمجرد أن أغراهم ببعض الانفتاح تعلقوا بالكماليات والمظاهر الاستهلاكية البسيطة والسطحية، التي بدأت تطفوا على السطح فى العشر سنوات الاخيرة، فاعتقدوا بأنها من صميم التغيير وعلامة من علامات الإصلاح، والتقدم، والتطور، والرقي، التي يحتاجها الشعب الليبي، حتى يلتحق بالركب ويواكب العصر، حيث رأينا البعض يلهث وراء إمتلاك السيارات، والأجهزة المنزلية والكهربائية، وأجهزة الكمبيوتر، وبقية معدات وأجهزة التقنية الحديثة التى أغرقت بها الأسواق الليبية، وسيطر على تجارتها واستحوذ على ارباحها عناصر السلطة وكل من يدور فى فلكهم، فنسوا وعميت عيونهم و طمست عقولهم عمداً عن التغيير الحقيقي، الذى بدونه يصبح الإنسان مجرد كائن لا قيمة له.

هنا يستحضرني موقف كان قد حدث مع زوجي منذ أيام قليلة، حيث أتصل به "تلفونياً" أحد معارفه وهو مقيم في ليبيا وأثناء حديثه معه، وكنوع من الدعاية للبلاد وما جرى عليها من تطورات سطحية – كسابقة الذكر - حيث قال الصديق لزوجي (والله البلاد توا بدت مية مية وكل شيء موجود ومتوفر والسيارات مغرقات السوق لدرجة الواحد بدا يركب سيارة أجرة حتى يصل إلى المكان الذي يريد – طبعا من كثرة السيارات وازدحام المرور -) واستمر يروي له روايات "البزنس" والصفقات التجارية، فأستوقفه زوجي سائلاً سؤال من باب معرفة مدى تحسن الأوضاع الحقيقية والأساسية في ليبيا، وحتى يمكنه وعلى ضوء إجابة هذا الرجل، تحديد ما اذا فعلاً تغيرت ليبيا إلى الأفضل أم أن حالها باق كما هو عليه، حيث سأله (قولي يا فلان هل مازلتوا تكروا في المية في القلونيات "البادين"!؟ فأجابه الرجل نعم والله و"كوفنوا" السيارة لين تصدى منهم.. فرد عليه زوجي: يا خسارة يا فلان للأسف انقولك ياراهو على هالحال ما تغير شيء في البلاد!!!).

موقف آخر أرى من الضروري سرده هنا، وهذا حدث معي في مكالمة أخرى لي مع أحدى معارفي في ليبيا، كانت قد أتصلت بي للسؤال عني، في أثناء حديثي معها وكذلك من باب سردها لما جرى على البلاد من تغيير وتقدم – على حد تعبيرها - حيث بدأت تصف لي البلاد وجمال زينتها قائلة (والله يا وخيتي لو تشوفي البلاد كيف بدت اتمحن** هادوكا الشجرات والنخلات محطوطات على طول الطريق من طرابلس لين وصلنا للحدود التونسية) واستمرت تصف روعة الشجيرات وجمالها الخلاب وتناسقها الفاتن في الطريق المذكورة "طرابلس – رأس أجدير".. فأستوقفتها ومن باب حسن النية سألتها سؤال عفوي وغير مقصود أنتِ كنت في تونس!؟ فأجابتني بحسن نية أيضاً (ايه والله ماهو مشيت انرافق في زوجي للعلاج في تونس) فأجبتها متمنية السلامة والشفاء لزوجها وأغلقت الهاتف مندهشة ومستغربة مما سمعت من صديقتي تلك.

روايتي لهذه الأحداث والمواقف، ليس القصد منها التقليل أوالسخرية والاستهزأ بأوضاع الليبيين، بل القصد منها تبيان الحقائق التي تكاد تنعدم بالكامل عن أعين ورؤية الكثيرين من أبناء الشعب الليبي، والخاصة بطبيعة ونوعية التغيير المفترض حدوثه لهم، حتى يتحقق لهم ما يصبون إليه من تغيير حقيقى وتقدم ورقي، وحتى أوضح من خلال ما رويت لكم من أحداث، بأن الأوضاع الأساسية للمواطن الليبي والأمور المهمة له، والتي على رأسها توفيرالمتطلبات الأساسية كالمياه النظيفة والصالحه للشرب، والتعليم الجيد، وتوفير العلاج في الوطن، بدل من "البهدلة" والتعب والارهاق وعناء السفر والمصاريف الباهضة، التى يتحملها الالآف من الليبيين بحثاً عن العلاج فى الدول والبلدان المجاورة، هذا الأمر الذي لم يستطيع نظام القذافي توفيره للمواطن الليبي حتى اليوم فى داخل البلاد بعد حكم دام أكثر من 41 عام.

لا نستطيع أن ننكر بأن من المهم للمواطن الليبي أن تتوفر لديه سيارة و تلفزيون و كمبيوتر، أو أن تزرع له شجرة و نخلة على حافة الطرقات، أو حتى تبنى له أبراج عالية في قلب السماء، أو تشيد فنادق 10 نجوم، ولكن كل هذه الأشياء لا يمكنها أن تحل مشاكل المواطن الليبي الأساسية والجوهرية، ولا تعد تغييراً أو تقدماً وتطوراً له، لأنها لا تمس وضعيته كإنسان له حقوقه الأساسية، بل ما يحتاجه المواطن الليبي اليوم، وهو الأهم والأكبر من تلك الأوهام التي يرسمها له نظام القذافي هو التغيير الجذري والحقيقي، والذي يكمن في أن يكون له نظام سياسي ديمقراطي حر، يرد له كرامته وإنسانيته التي انتهكت وحريته التي نهبت وحقوقه التي سلبت.

هذا هو الأهم من المهم، أما إذا رأى المواطن الليبي بأن التغيير المطلوب، يكمن في توفير سيارة وكمبيوتر أو زراعة نخلة وزيتونة، حتى في ظل هذا الحكم ومن سيأتي من سلالته من بعده، فسوف لن يتغير حاله ولن تتحقق له حتى أبسط حقوقه التي يطمح لها، وسيجد نفسه مرغماً ومكرهاً على تطبيق إيعاز أو أمر "كما كنت" باستمرار، ليبقى على حالة الاستعداد القسوة التي حتماً ستقضي على أنفاسه بالكامل.
ــــــــــــــــــــــــ
* الروبابيكيا كلمة ايطالية تعني الاشياء المستعملة وكذلك الاشياء الموجودة في السوق الذي تباع فيه البضائع القديمة التى تباع باسعار زهيدة.
** "اتمحن" كلمة طرابلسية مرادفة لكلمة "اتجنن" في اللهجة المصرية الجميلة.



#ليلى_أحمد_الهوني (هاشتاغ)       Laila_Ahmed_Elhoni#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ميليشيات اللجان الثورية الإرهابية
- تعددت الجرائم والقاتل واحد
- 41 عام (غصايص)*
- سيف القذافي وعُقدة الشُهرة
- نداء - في الذكرى 14 لمجزرة سجن أبو سليم
- ماذا تتوقعون من سيف القذافي؟
- في ذكرى معركة باب العزيزية*
- رسالة شكر وتقدير لموقع الحوار المتمدن
- ما الغاية وراء الانتقائية!؟
- أنا والتاء المربوطة*
- ما المطلوب في ليبيا اليوم؟
- أين أهلنا في طرابلس!؟
- مجزرة سجن أبو سليم
- كوميديا سوداء
- أعطيه الصوت -السوط-
- فضلاً.. نقطة نظام!!*
- وماذا عن حي أبو سليم؟؟
- فئات وسيارات
- هل تجدي الأساليب السلمية!؟
- إهانة أمريكية -ذكية- للشعب الليبي


المزيد.....




- ماذا قال منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط قبل مغادر ...
- الأمم المتحدة: 7 مخابز فقط من أصل 19 بقطاع غزة يمكنها إنتاج ...
- مفوضية شؤون اللاجئين: 427 ألف نازح في الصومال بسبب الصراع وا ...
- اكثر من 130 شهيدا بغارات استهدفت النازحين بغزة خلال الساعات ...
- اعتقال رجل من فلوريدا بتهمة التخطيط لتفجير بورصة نيويورك
- ايران ترفض القرار المسيّس الذي تبنته كندا حول حقوق الانسان ف ...
- مايك ميلروي لـ-الحرة-: المجاعة في غزة وصلت مرحلة الخطر
- الأمم المتحدة: 9.8 ملايين طفل يمني بحاجة لمساعدة إنسانية
- تونس: توجيه تهمة تصل عقوبتها إلى الإعدام إلى عبير موسي رئيسة ...
- هيومن رايتس ووتش تتهم ولي العهد السعودي باستخدام صندوق الاست ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - ليلى أحمد الهوني - الأهم قبل المهم