|
ملاحظات حول المجلس الوطنی للسیاسات الاستراتیجیة
كمال سيد قادر
الحوار المتمدن-العدد: 3184 - 2010 / 11 / 13 - 23:14
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
مشروع استحداث هیئة حکومیة تحت اسم (المجلس الوطنی للسیاسات الاستراتیجیة) کان کما یبدو مفتاح حل مأزق تشکیل الحکومة العراقیة اذ ان رئاسة هذه الهیئة یمکن ان تعتبر تعویضا او منصبا مساویا لمناصب رئاسة الحکومة او الجمهوریة علی الاقل من الناحیة السایکولوجیة و هذا هو کان الهدف الرئیسی من مبادرة مسعود البارزانی التی کانت فی الحقیقة مبادرة امریکیة صبغت بصبغة عراقیة نظرا لحساسیة العراقیین بصورة عامة ضد التدخلات الاجنبیة امریکیة کانت ام عربیة. مهما کانت تسمیة هذا المجلس فانه لا یمکن ان یکون الا نوعا من انواع المجالس المتشابهة توجد فی اکثر من عشرون دولة فی العالم تحت تسمیات مختلفة کمجلس الامن القومی فی امریکا و بریطانیا و ترکیا، او مجلس الدفاع القومی فی البرازیل والمجلس الاعلی للامن القومی فی الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة، و هی کلها تشترک فی بعض الخصائص ککونها فی اکثر الاحوال هیئات استشاریة تکون فرعا من الحکومة مسؤولیاتها الرئیسیة تکون استشارة الحکومة فی الشؤون المتعلقة بالامن القومی و التنسیق بین الاجهزة الحکومیة المختلفة المعنیة بالامن القومی کالجیش و المخابرات و الشرطة و الطاقة و السیاسة الخارجیة بهدف ضمان اکبر قدر ممکن من الامان و الرفاهیة للمواطنین. تأسیس هذه المجالس یکون اما عن طریق الدستور مباشرة مثل ترکیا و ایران الاسلامیة، او بقرار حکومی کبریطانیا و روسیا، او سن قانون خاص کامریکا و رومانیا مثلا. و فیما یتعلق بالشخصیة القانونیة لهذه المجالس فهی تکون فی الغالب تابعة للحکومة او احد فروعها کما هو الحال فی ایران و ترکیا و امریکا و بریطانیا، او تکون هیئة مستقلة کحالة رومانیا مثلا. و فیما یخص رئاسة هذه المجالس فان الحالة تختلف من دولة الی دولة و حسب نظام الحکم فیها. فی ایران و ترکیا و امریکا و روسیا یکون رئیس الدولة فی نفس الوقت رئیس مجلس الامن القومی، بینما فی بریطانیا تکون رئاسة المجلس من صلاحیات رئیس الحکومة، و لکن یتم فی اکثر الاحیان و لاغراض عملیة تعین سکرتیر عام او مستشار للامن القومی کالرئیس الفعلی للمجلس کما هو الحال فی روسیا مثلا حیث یرأس مجلس الامن القومی احدی الشخصیات العامة کرئیس المخابرات سابقا و الذی یرأس المجلس الامن القومی الروسی حالیا کسکرتیر العام للمجلس، او الهند حیث یقلد مستشار الامن القومی هذا المنصب. و فیما یتعلق بالرقابة العامة علی هذه المجالس فان الامر یتعلق بالوضع القانونی للمجلس زمن استحداثه، اذا کان استحداث المجلس بقرار حکومی و کفرع للسلطة التنفیذیة فان اعماله یقع مباشرة تحت مراقبة رئیس الحکومة بالدرجة الاولی و البرلمان بالدرجة الثانیة کجزء من رقابة اعمال الحکومة بصورة عامة، و اذا کان المجلس هیئة مستقلة تم استحداثها بقانون کحالة رومانیا مثلا فانها تقع تحت الرقابة البرلمانیة مباشرة کهیئة تنفیذیة مستقلة. و الرقابة البرلمانیة علی هذه المجالس لها فی کل الاحوال الاهمیة القصوی نظرا لحساسیة مجالس من هذا النوع و الخطورة القصوی التی یمکن ان تأتی منها علی الدیمقراطیة و الحریات الدستوریة فی حالة سوء استخدامها لاغراض سیاسیة کما کان الحال بین اعوام 1961- 2003 فی ترکیا حیث شکل مجلس الامن القومی الترکی دولة داخل دولة لها سلطات تشریعیة و تنفیذیة و قضائیة حولت ترکیا الی دولة العسکر الی ان اصلاحات عام 2003 اتت ببعض التحسنات اذ ان هناک الآن اکثریة مدنیة داخل المجلس و قراراتها تأخذ صفة استشاریة بدل الالزامیة کما کانت فی السابق.
اعضاء مجالس الامن القومی یکونوا عادة رئیس الدولة او الحکومة، وزراء الدفاع و الداخلیة و الخارجیة والمالیة و الطاقة و رؤساء اجهزة المخابرات و هیئات الارکان للقوات المختلفة و کذلک عدد من الخبراء المعروفین فی مجال الامن القومی. بالاضافة الی الاعضاء فان قائمة العاملین او المساهمین فیها هی اطول و یمکن ان تشمل خبراء تکنوقراط و الباحثین فی الشتی المجالات المتعلقة بالامن القومی.
المجلس الوطنی العراقی للسیاسات الاستراتیجیة المزمع استحداثه لا یکمنه الا ان یتحرک فی هذا الاطار العام الذی تم تعریفه اعلاه. فمن حیث التأسیس، بما ان الدستور العراقی لا یحتوی علی فقرة خاصة حول مجلس من هذا النوع، یجب ان یکون استحداثه اما بقرار حکومی کالحالة البریطانیة مثلا و بهذا سیکون فرعا من الحکومة، او یکون الاستحداث عن طریق سن قانون خاص کهیئة تنفیذیة مستقلة کالحالة الرومانیة و بالاعتماد علی المادة 108 من الدستور العراقی الدائم. و من حیث المراقبة العامة علی نشاطات المجلس فان الامر هو مهم الی اقصی حد بسبب خصوصیات العراق الحالیة و امکانیة سوء استخدامه لاغراض سیاسیة. فاذا کان المجلس فرعا من الحکومة سیکون رئیس الحکومة هو المسؤول الاول لمراقبة نشاطاته و ثم البرلمان العراقی بالدرجة الثانیة کجزء من واجباته لمراقبة اعمال الحکومة، و اذا استحدث المجلس بقانون خاص کهیئة مستقلة کالحالة الرومانیة فان المراقبة تتم مباشرة من قبل لجنة برلمانیة خاصة مع مراعات خصوصیات الامن القومی.
و فیما یتعلق بصلاحیات و درجة الزامیة قرارات المجلس فان هذه الامور تنظم عادة عن طریق قانون خاص او قرار حکومی مع استحداثه و هی تکون فی اغلب الاحیان استشاریة و الا فان هناک خطورة تکرار التجربة الترکیة فی العراق مستقبلا لان فی حالة توسع صلاحیات المجلس و الزامیة قراراته یجب ان تکون للمجلس ادات قضائیة و تنفیذیة خاصة بها کما کان الحال مع المجلس الامن القومی الترکی سابقا، او تکون الحکومة هی الملزمة بتنفیذ قرارات المجلس مع حق المجلس باللجوء الی المحاکم المختصة فی حالة تخلی الحکومة عن التزاماتها اتجاه المجلس. و فی کل الاحوال فان هذا الموضوع هو حساس جدا لذا یجب تحدید صلاحیات المجلس منذ البدایة بدقة تامة حیث لا تدع مجالا لتفسیرات مختلفة تخلق حکومة موازیة للحکومة البرلمانیة.
#كمال_سيد_قادر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من یقف وراء الارهاب فی العراق؟
-
نحو حکومة عراقیة وطنیة شرعیة!
-
النهب الاستعماری للنفط فی اقلیم کردستان
-
حول الوجود الاسرائيلی فی کردستان
-
قانون الفدرالية: عامل تفرقة ام توحيد؟
-
لوبيانكا كالمحطة الاخيرة
-
أسرار ملا مصطفى البارزانى فى وثائق الاستخبارات السوفيتية...
...
-
أسرار ملا مصطفى البارزانى فى وثائق الاستخبارات السوفيتية....
...
-
أسرار ملا مصطفى البارزانى فى وثائق الاستخبارات السوفيتية.. ا
...
-
الحرية او الموت:هكذا هتفت جماهير كردستان
-
المندائيون امام خطر الابادة الجماعية
-
العراق امام مفترق الطريق،ا صلاح من الداخل ام انقلاب؟
-
العلمانية كمنفذ للمحنة العراقية
-
السوق الحرة والاحتكار والفساد فى كردستان
-
الرابح و الخاسر فى الدستور العراقى الجديد
-
العقبات الرئيسية امام فدرالية العراق
-
فرق بين الشيعة و السنة تسد
-
حول حقوق العمال فى القانون الدولى
-
لماذا ستنسحب امريكا من العراق؟
-
نعم، انه عراق المساواة و الديمقراطية
المزيد.....
-
جنوب إفريقيا: مذكرات المحكمة الجنائية الدولية خطوة نحو تحقيق
...
-
ماذا قالت حماس عن قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتني
...
-
بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو.. كندا: عل
...
-
مدعي المحكمة الجنائية الدولية: نعول على تعاون الأطراف بشأن م
...
-
شاهد.. دول اوروبية تعلن امتثالها لحكم الجنائية الدولية باعتق
...
-
أول تعليق لكريم خان بعد مذكرة اعتقال نتانياهو
-
الرئيس الإسرائيلي: إصدار الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق
...
-
فلسطين تعلق على إصدار المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال
...
-
أول تعليق من جالانت على قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار
...
-
فلسطين ترحب بقرار المحكمة الجنائية الدولية إصدار أوامر اعتقا
...
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|