امال الحسين
كاتب وباحث.
(Lahoucine Amal)
الحوار المتمدن-العدد: 3184 - 2010 / 11 / 13 - 14:05
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
في المعرفة و الدياليكتيك الماركسي عند لينين ـ الجزء 7
لقد ناضل لينين ضد تحريف المادية التاريخية لماركس من طرف الماخيين و على رأسهم بتسولدت الذي استعمل كلمة "الإستقرار" لتفسير علاقات الإنتاج ، في كتابه "مقدمة إلى فلسفة التجربة الخالصة" محاولا إرجاع كل ما يقوم به الناس أثناء الإنتاج إلى السعي وراء "الإستقرار" ، و يقول أن "التطور البشري ينطوي على هدفه" و هو يسير نحو "الحالة المستقرة الكاملة".
و يقول عنه لينين :
"إن الناس غير الملمين بالفلسفة لا يدركون كل سعة مباديء استقرار أو إقتصاد التفكير . و على هؤلاء يعرض بتسولدت "نظريت"ه بالتفصيل. "الشفقة هي تعبير عن حاجة طبيعية إلى حالة مستقرة" كما قال بتسولدت. كتاب المادية و المذهب النقدي التجربي.
و تناول لينين منظور بوغدانوف الذي يسميه تطوير الماركسية محاولا كشف العلاقة بين الوعي الإجتماعي و الوجود الإجتماعي ، في مقال له تحت عنوان "تطور الحياة في الطبيعة و في المجتمع" يقول فيها عن ماركس :"العالم لاإجتماعي الأعطم ، أسس المادية التاريخية" ، متهكما عن خلاصات ماركس حول التطور الإجتماعي و علاقته بالأساس الإقتصادي ، و قال عنها:"الصياغة القديمة للأحادية التاريخية لم تعد ترضينا تماما مع أنها لا تزال صحيحة في أساسها".
و يرد بةغدانوف "الأشكال الإجتماعية" إلى "نوع التكييفات البيولوجية" و يرجع التطور إلى الوعي الإجتماعي و يقول أن "الوجود الإجتماعي و الوعي الإجتماعي ، بمعنى هاتين الكلمتين الدقيق ، متماثلان"، و هكذا طور الماركسية في نظره بتشويه استنتاجات ماركس التي تقول أن الوجود الإجتماعي هو الذي يحدد الوعي الإجتماعي ، و أن مصدر أفكارنا هو الصراع بين القوى المنتجة الجديدة و علاقات الإنتاج القديمة ، و ما أن يتغير الأساس الإقتصادي حتى تتغير البنية الفوقية أي أفكارنا.
و يقول لينين عن الماخيين الروس :
"إن مصيبة الماخيين الروس الذين يريدون "التوفيق" بين الماخية و الماركسية ، تتلخص على وجه الضبط في أنهم وثقوا بأساتذة الفلسفة الرجعيين فانزلقوا على منحدر . إن شتى محاولاتهم لتطوير ماركس و تكميله ترتكز على أساليب في غاية البساطة . لقد قرأوا اوستفالد ، و آمنوا باوستفالد ، و عرضوا اوستفالد ، و سموا هذا بالماركسية . قرأوا ماخ ، و آمنوا بماخ ، و عرضوا ماخ ، و سموا هذا بالماركسية ، قرأوا بوانكاره ، و آمنوا ببوانكاره ، و عرضوا بوانكاره ، و سموا هذا بالماركسية ! عندما يدور الكلام حول الفلسفة ، لا يمكن تصديق أية كلمة من أي من هؤلاء الأساتذة مع أنهم يستطيعوا تدبيج مؤلفات ذات قيمة كبيرة جدا في ميدان خاصة من الكيمياء و التاريخ و الفيزياء . لماذا ؟ لنفس السبب الذي يحمل على عدم تصديق أية كلمة من أي أستاذ الإقتصاد السياسي عندما يدور الكلام حول نظرية الإقتصاد السياسي العام ، مع أن يستطيع تدبيج مؤلفات ذات قيمة كبيرة جدا في ميدان الأبحاث العملية ، المختصة ، و ذلك لأن هذه النظرية ، شأنها شأن علم العرفان ، هي علم حزبي في المجتمع المعاصر . و ليس أساتذة علم الإقتصاد ، بوجه عام ، سوى خدم متعلمين لطبقة الرأسمالين ، و ليس أساتذة الفلسفة سوى خدم متعلمين للاهوتيين". نفس المرجع.
و يسمي لينين هؤلاء الأساتذة خدم الرأسمالية ، و يوصي كل الماركسيين بمعرفة كيفية معاملة هؤلاء الخدم باستيعاب و معالجة مكتيباتهم ، و ذلك بالقطع مع كل ما تحتويه من "ميل رجعي" بتطبيق الخط الماركسي ضد جميع "خطوط القوى و الطبقات المعادية" ، ذلك ما لم يستطع الماخيون القيام به و ساروا وراء "الفلسفة الأستاذية الرجعية" .
و اعتبر لينين أن الماخيين بإنكارهم "الواقع الموضوعي المعطى لنا من خلال أحاسيسنا" إنما يغرقون في الإيمانية و ينزلقون إلى اللاعرفانية أو الذاتية ، لأن العالم مادة متحركة و يجب دراستها "إلى ما لا نهاية" إذ لا يمكن أن يكون ثمة شيء آخر خارج هذه المادة ، و العداء الرائج ضد المادية في أوربا "المتمدنة و الديمقراطية" و هو ما زال قائما حتى يومنا هذا يخفيه الأساتذة الرجعيون على الجماهير باعتبارهم خدما للرأسمالية.
و يقول لينين عن الماخية :
"أنظروا إلى موقف الماخية ، بوصفها تيارا فلسفيا ، من علم الطبيعيات ، مطلقة هذه التسمية على المادية الطبيعية التاريخية ، أي الإقتناع العفوي ، غير الواعي ، غير الكتشكل ، للاواعي فلسفيا ، لدى الأغلبية الساحقة من علماء الطبيعيات بواقعية العالم الخارجي الموضوعية ، التي يعكسها وعينا . و هذا الواقع يلزم أصحابنا الماخيون الصمت حوله زيفا و نفاقا ، طامسين أو مشوشين الصلة التي لا تنفصم عراها بين المادية العفوية لدى علماء الطبيعيات و بين المادية الفلسفية بوصفها اتجاها معروفا من قديم الزمان و أكده ماركس و إنجلس مئات المرات". نفس المرجع.
و قد قارن لينين الأسس النظرية للمذهب النقدي التجريبي مع الدياليكتيك الماركسي و أجرى محاكمات فعلية للفلسفة الماخية ، و وقف على "المسائل العرفانية الرجعية التامة" التي تلازم هذا المذهب الذي استعمل كلمات سماها ب"الجديدة" ، و ارتكب عبرها الماخيون الأخطاء القديمة للمثالية و اللاعرفانية حيث لا يمكن الجمع بينه و بين المذهب الماركسي ، كما سعوا للوصول إلى ذلك بطريقة لاعرفانية لجهلهم بالدياليكتيك الماركسي مدعين أنهم يطورون الماركسية.
و حدد لينين موقع المذهب النقدي التجريبي باعتباره مدرسة فلسفية صغيرة بين المدارس الفلسفية الأخرى في العهد المعاصر ، فانطلق ماخ و أفيناريوس من كانط في الإتجاه المعاكس للمادية نحو هيوم و بركلي في محاولة فاشلة لتطهير "التجربة" ، و لم يقعا غير تطهير اللاعرفانية من الكانطية و رسخا المنظور المثالي في الفلسفة الماخية في وحدة مع الكمونية الأشد إغراقا في الرجعية.
و أقر لينين أن الماخية في صلة وثيقة مع مدرسة في فرع من فروع العلوم الطبيعية الحديثة التي تضم مجموع علماء الطبيعة خاصة في الفيزياء ، الذين عجزوا أمام أزمة الفيزياء فانزلقوا عبر مفهوم النسبية نحو المثالية بحكم جهلهم بالدياليكتيك الماركسي ، و تشبثوا بالمثالية الفيزيائية شأنها شأن المثالية الفيزيولوجية فيما قبل.
و أكد لينين أن المذهب النقدي التجريبي يتسم بالسكولايستيك العرفاني الذي يحدد صراع الأحزاب في الفلسفة ، من خلال صراع الطبقات المتناقضة في المجتمعات المعاصرة عبر أيديولوجيتها المتناقضة ، و اعتبر الفلسفة الحديثة حزبية مثلها مثل الفلسفة منذ القدم باعتبار المادية نقيض المثالية و هما في صراع دائم إلى الأبد ، و يقول عن المثالية و اللاعرفانية :
"و ما المثالية غير شكل متفنن ، منعم للإيمانية التي تقف على كامل التأهب ، و تملك منظمات هائلة ، و تواصل التأثير أبدا و دائما في الجماهير ، مستغلة في صالحها أقل تاريخ في الفكر الفلسفي . و أن دور المذهب النقدي التجريبي ، دوره الموضوعي ، الطبقي ينحصر كليا في خدمة الإيمانية بخنوع و مذلة في نضالهم ضد المادية على العموم و ضد المادية التاريخية على الخصوص". نفس المرجع.
و استنتج لينين عبر نقده للمذهب النقدي التجريبي منظوره حول الدياليكتيك الماركسي الذي أعطاه بدا أدق و أشمل ، بحديد أسس "الحركة الذاتية" عبر:
ـ إن إزدواج ما هو واحد و معرفة جزأيه المتناقضين يشكلان جوهر الدياليكتيك.
ـ إن تماثل الأضداد هو إقرار بميول متناقضة ، متضادة ، ينفي بعضها بعضا في جميع ظاهرات الطبيعة و المجتمع و تفاعلاتها.
ـ إن إدراك "الحركة الذاتية" لتفاعلات العالم ، من حيث تطورها العفوي ، من حيث واقعها الحي ، ينبغي إدراكها من حيث هي وحدة من الأضداد ، و يعطينا التاريخ مفهومين أساسيين للتطور:
ـ إن التطور هو نضال الأضداد ، التطور بوصفه نقصانا و زيادة ، بوصفه تكرارا.(المفهوم الأول)
ـ إن التطور بوصفه وحدة الأضداد ( إزدواج ما هو واحد ، إلى ضدين ينفي أحدهما الآخر ، و علاقات بين الضدين). (المفهوم الثاني)
ـ المفهوم الأول جامد ، عقيم ، جاف ، و المفهوم الثاني طافح بالنشاط و الحياة ، و هو يعطينا مفتاح "الحركة الذاتية" لكل ما هو موجود (القفزات ، الإنقطاع في الإستمرار ، تحول الشيء إلى ضده ، تدمير ما هو قديم ، ولادة ما هو جديد).
ـ إن وحدة الأضداد مشروطة ، مؤقتة ، نسبية ، و نضال الأضداد التي ينفي بعضها بعضا ، هو مطلق ، كما هو عليه التطور ، كما هو عليه الحركة.
و يقول لينين عن النسبية و المطلق :
"إن الذاتية (الريبية و السفسطائية ، إلخ) تختلف عن الدياليكتيك ، فيما تختلف عنه ، بما يلي :
ـ إن الفرق بين النسبي و المطلق هو أيضا نسبي بنظر الدياليكتيك (الموضوعي).
ـ بنظر الدياليكتيك الموضوعي يوجد مطلق في النسبي.
ـ بنظر الذاتية و السفسطائية ، فالنسبي ليس سوى نسبي ، و هو ضد المطلق." نفس المرجع.
و أكد لينين أن ماركس تناول في كتابه "رأس المال" أدق الجزئيات في الحركة داخل المجتمعات الرأسمالية ، أبسط الأشياء ، الأشياء العادية ، أكثرها شيوعا ، الأشياء الأساسية ، تبادل البضائع ، و قام بتحليلها و بين لنا "في هذه الظاهرة البسيطة جميع تناقضات المجتمع المعاصر" ، و كذلك يجب أن يكون الدياليكتيك بشكل عام في تناوله لجميع القضايا ، تناول أبسط الجمل العادية ، و أكثرها تواترا ، لكن المادية "الميتافيزيقية" تعجز عن تطبيق الدياليكتيك "على مجرى المعرفة و تطورها" كما قامت بذلك المادية التاريخية.
و يقول لينين عن الدياليكتيك :
"الدياليكتيك ، بوصفه معرفة حية ، متعددة الجوانب (إذ أن الجوانب تتكاثر بلا انقطاع) ، مع ما لا حد له من الأشكال و الألوان ، بغية مجابهة الواقع ، بغية الإقتراب من الواقع (مع نهج فاسفي ينبثق من كل شكل و لون ليشكل كلا واحدا) ، ذلك هو محتوى فائق الغنى بالنسبة للمادية "الميتافيزيقية" ، التي مصيبتها الكبرى أنها غير أهل لتطبيق الدياليكتيك على Bildertheorie(نظرية الإنعكاس) ، على مجرى المعرفة و تطورها". نفس المرجع.
لقد ناضل لينين ضد تحريف الماركسية التي أعطت للدياليكتيك بعده المادي بعد نزع بقايا المثالية من فكر هيكل ، مما ساهم بشكل كبير في تحديد قوانين التطور في الطبيعة و المجتمع الشيء الذي دفع البورجوازية و التحريفية الإنتهازية بعد وفاة ماركس و إنجلس ، إلى محاولة تحريف الدياليكتيك الماركسي من طرف الماخية التي نشرت في أوربا منظور المذهب النقدي التجريبي ، الذي سعى إلى محاربة المادية باسم تطوير الماركسية مما جعل لينين يدحض منطلقات الماخيين العرفانية المتسمة بالمثالية الذاتية ، و طور الدياليكتيك الماركسي إلى أعلى مستوى بتطبيقه على المعرفة و تطورها و وضع أسس اللينينية ، التي قام ستالين بتفسيرها و تحليلها و تطويرها ممارسة و نظريا في ظل دولة دكتاتورية البروليتاريا ، و قد فصل المنظور الماركسي اللينيني للتطور في ظل المجتمعات الإشتراكية في كتابه "أسس اللينينية".
#امال_الحسين (هاشتاغ)
Lahoucine_Amal#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟