|
محي الدين بن عربي ونصر حامد ابو زيد........ العلاقة الفكرية والرؤية المعرفية ....
ياسر جاسم قاسم
(Yaser Jasem Qasem)
الحوار المتمدن-العدد: 3183 - 2010 / 11 / 12 - 23:06
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
(( ان كل من مسه طائف من فكر ابن عربي يظل يحلم دائما بتجديد صلته به سعيا للتدقيق المعرفي من جهة،ولاستيعاب التجربة الروحية الثرية التي تتجلى في كتاباته من جهة أخرى))
نصر حامد ابو زيد ((هكذا تكلم ابن عربي))
ان العلاقة التي جمعت بين نصر حامد ابو زيد ومحي الدين بن عربي هي علاقة اساسية ومهمة في قراءات ابو زيد المعرفية للتراث واستلهاماته النهضوية للقضايا الاساسية فيه لاسيما دراسته للمعتزلة وابن عربي وغيرها من الشخصيات التراثية الاسلامية ولكن تكاد تكون تركيزاته على ابن عربي كقراءة معرفية واضحة في هذا المجال ولذلك حاولنا في هذه الدراسة ان نستقرا سر العلاقة بين ابو زيد وابن عربي ولماذا تمت قراءة ابن عربي من قبل ابو زيد بصورة اساسية كما اشرنا في بحثه التراثي .. معروف ان ابو زيد ركز في مجمل قراءاته الفكرية على اليات الانتاج المعرفية ضمن التراث وضمن القراءات الجديدة للدين ومحاولة استلهام اليات جديدة للنهضة بالنص وتحويله من مقدس الى دنيوي ....مما حداه الى تاليف مجموعة من الكتب الاساسية في هذا المجال منها فلسفة التاويل وهكذا تكلم بن عربي ومفهوم النص ..دراسة في علوم القران وغيرها من العناوين التي ساهمت وستساهم في فهم الدين فهما انسانيا يتناسب وتطلعات العصر فهو يقف بالضد مما يعرف بالمؤسسة الدينية ،بل وصل بابي الزيد الامر الى اعتباره التجربة الصوفية في التراث الاسلامي في جانب منها ثورة ضد المؤسسة الدينية والايدولوجية المنبثقة من الدين ،المؤسسة الدينية التي حولت الدين الى مؤسسة سياسية اجتماعية مهمتها الاساسية الحفاظ على الاوضاع السائدة ومساندتها من خلال اليات انتاج معرفية ثابتة يقف على راسها الاجماع وغيره من اصول الدين ،مما دعا نصر ابو زيد لقراءة ابن عربي الذي كان يعتبره قامة من قامات الفكر العربي وتجربته التي تمثل في نظر ابو زيد حالة نضج في الفكر الاسلامي في مجالاته العديدة من فقه ولاهوت وفلسفة وتصوف فضلا عن علوم تفسير القران، وعلوم الحديث النبوي وعلوم اللغة والبلاغة. كذلك فان ((دراسته في السياق الاسلامي تكشف عن بانوراما الفكر الاسلامي في القرنين السادس والسابع الهجريين (الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين ) كان ابو زيد يعتقد ان ابن عربي ما زال قادرا على المساهمة في مخاطبة قضايا عالمنا المعاصر,كما لاننسى ان ابي زيد كانت رسالته للدكتوراه عن تاويل ابن عربي للقران ....
كما اعتبره ابو زيد يمثل همزة الوصل بين التراث العالمي والتراث الاسلامي حيث يمكن النظر لتراث ابن عربي بوصفه تواصلا حيا خلاقا مع التراث العالمي الذي كان معروفا ومتداولا في عصره ،سواء اكان تراثا دينيا ،مسيحيا او يهوديا او كان تراثا فلسفيا فكريا ولكن اهمية ابن عربي كهمزة وصل لا تقف عند حدود استيعابه للتراث الانساني وتوظيفه له في اقامة بنائه الفكري الفلسفي الشاهق بل تتجاوز ذلك الى المساهمة في اعادة تشكيل التراث الانساني بالتاثير فيه تاثيرا خلاقا.... لذلك قال عنه ابو زيد بما نصه :/ مشروع ابن عربي تضمن بحكم الوضع الاندلسي كل الثقافات الدينية، لقد اراد ابن عربي ان يقدم مشروعا انسانيا يتسع لكل الاديان ولكن من داخل عباءة الاسلام . ايضا كان من ضمن الحوافز التي دفعته لدراسة ابن عربي هو شوقه لتجارب الطفولة الدينية في قريته التي امتازت بوجود الطرق الصوفية فيه ومشاهدته اليها .كذلك رغبته في استكمال معرفته بقطبي التراث الاسلامي الاساسيين :العقلانية والروحانية ، يقول ابو زيد معلقا عن استدعائه لابن عربي : (( ان استدعاء ابن عربي يمثل مطلبا لعلنا نجد في تجربته ،وفي تجاربهم ما يمكن ان يمثل مصدرا للالهام في عالمنا الذي سبق ان المحنا لبعض مشكلات الحياة فيه، ان التجربة الروحية هي مصدر التجربة الفنية –الموسيقى والادب وكل الفنون السمعية والبصرية والحركية –فهي الاطار الجامع للدين والفن ،هذه اهمية استحضار ابن عربي في السياق العام ،لكن استحضار ابن عربي في السياق الاسلامي واستعادته من افق التهميش الى فضاء المتن مرة اخرى لا يقل اهمية وذلك بسبب سيطرة بعض الاتجاهات والافكار والرؤى السلفية على مجمل الخطاب الاسلامي في السنوات الثلاثين الاخيرة من القرن العشرين الى ان يقول ابو زيد: كما ان فكر ابن عربي يقدم للقارئ غير المسلم صورة اخرى لروحانية الاسلام ،واسهاماته في التراث الانساني ،ويوضح مفهوم الجهاد الذي اصابه من التشوه الكثير)) كذلك فان من اهم الجوانب التي دعت ابو زيد لقراءة ابن عربي ان يرى الحب منتشرا بين ابناء الانسانية في مصر وخارجها والا يسود التطرف الديني في هذا المجال بعيد عن الغلو في الاديان ولسان حاله يردد ما كان يردده ابن عربي :
لقد صار قلبي قابلا كل صورة فمرعى لغزلان ودير لرهبان وبيت لاوثان وكعبة طائف والواح توراة ومصحف قران أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه فالحب ديني وايماني حيث علق عليها ابو زيد قائلا ((كم سعدت وانا استمع لهذه الابيات ملحنة مغناة على شرائط كاسيت وسي دي وكم غمرني الفرح حين علمت بتاسيس جمعيات في بلدان غربية باسم ابن عربي اذكر منها على وجه الخصوص جمعية اكسفورد وموقعها على الشبكة الالكترونية هو: http://www.ibnarabisociety.org )) هذا المشروع الذي صاغه بن عربي صياغة شعرية باسم((دين الحب)) يجمع بين الدير والكعبة وبيت الاوثان ومرعى الغزلان فقلب العارف يتسع لكل هذه الصور من العبادات والشعائر ويؤمن بكل هذه المعتقدات لانه يعرف الاصل الوجودي الذي تستند اليها جميعها .في البدء كان الحب . وهكذا كان ابو زيد عندما ركز على هذه المفاهيم فكانما اراد ان يقول ان الغرض من دراسته لابن عربي هو ان يكون الانسان في معتقده محبا وليس متطرفا كارها للاخرين مكفرا لهم وممن هم لا يدينون بما يدين به.
ان اهم نقطة في فكر ابن عربي والتي استند اليها ابو زيد وعلق عليها كثيرا هي مناقشة ابن عربي للاصول الاسلامية الاربعة واعطاءها بعدا انسانيا معرفيا ،اي قراءته قراءة انسانية بعيدا عن تقديسها وهذه هي النقطة الاساسية التي نقلت الدين عند ابن عربي من دين التطرف الى دين الحب ،وقد علق ابو زيد تعليقات مهمة على رؤية ابن عربي للاصول الاربعة وسناتي على ذكرها ،ونعرف مدى الخطورة التي يتعرض لها الانسان الى هذا اليوم عندما يقدم على مناقشة اصول الدين ،فالاقدام على مناقشة فروع الدين في العصر الحديث هو كارثة كبيرة بالنسبة للباحث فكيف الاقدام لمناقشة اصوله كما فعل ابن عربي وابو زيد. وقبل الخوض في هذه المناقشات ينبغي معرفة نقطة اساسية تستند عليها فلسفة ابن عربي في قراءته للدين واصول الشريعة هذه النقطة تتمثل في استناد قراءته على ثلاثة ابعاد شانه شان كل مفردات فكر ابن عربي :البعد الانطولوجي(الوجودي) ،والبعد الابستمولوجي(المعرفي) ،والبعد الانثروبولوجي(الانساني) وكل بعد من هذه الابعاد الثلاثة يتضمن في النسق الدائري لفكر ابن عربي البعدين الاخرين . 1- مناقشة ابن عربي للكتاب: يعتبر ابن عربي انه بالاضافة الى وجود التشريعات النصية –اي المنصوص عليها في القران- هناك التشريعات القلبية :كما قال تعالى: كتب في قلوبهم الايمان فهي كتابة الله وقول الرسول: استفت قلبك وان افتوك المفتون.وهنا يضيف ابن عربي الى هذا الاصل (الكتاب) اصلا اخر يتبين لنا في قلب الانسان ويعلق ابو زيد قائلا عن هذه الفكرة: (( وكأن الشيخ يقول-يقصد ابن عربي-ان قلب المؤمن كتاب له قدرة على التشريع بحكم ما كتب الله فيه من ايمان من جهة ،وبحكم توجيه النبي للمؤمن ان يستفتي قلبه ،اي اناه الداخلية، قبل ان يستفتي المفتين، ويضيف ابو زيد : بل وبرغم فتوى المفتين من جهة اخرى )) هكذا يضيف ابن عربي لاصول الشريعة قلب المؤمن في موازاة للكتاب .بل يعلق ابو زيد اكثر مما مر بصورة انسانية اكثر بقوله متسائلا: اليس الانسان في النهاية صورة الله ؟ واليس المؤمن هو صورة الكمال الالهي ؟ فهو = الله سبحانه وتعالى . فيتبين من هذه النقطة ضربة كبيرة وجهها ابو زيد لكل المفتين الذين انشاوا بيوتا للفتوى ومرجعيات متعددة كثيرة وكبيرة يحار بها الانسان ولا يعرف بايها يقتدي او يهتدي الطريق بالنتيجة ضرب ابو زيد من خلال فكر ابن عربي بكل هذه المرجعيات الدينية التقليدية واوجد قلب المؤمن بديلا عنها ،اي قلب الانسان ،بعبارة اخرى ان الله هو اكبر من ان يحاسب عبده على كيفية اداءه لوضوئه او صلاته او صيامه فهي كلها عبادات بين العبد وربه وطريقة الالتزام بها من شان الانسان نفسه وليس من شان الاخرين ،وان قضية التقليد والافتاء باطلة لا اساس لها .
2- السنة النبوية: السنة هي اقوال النبي وافعاله وتقريراته لكن سر السنة في تحليل ابن عربي تعود به الى المعنى اللغوي الاصلي ((الطريق))او الصراط ولان هناك طريقان كما يقول ابن عربي لان الامر محصور بين رب وعبد فللرب طريق وللعبد طريق (الفتوحات المكية3/165) ويناقش ابو زيد هذا النص قائلا: الرب طريقه النزول في اوصاف الخلق وطريق العبد الصعود للاتصاف باوصاف الحق ،اي بلوغ الكمال ،فان السنة هي طريق العبد للوصول للرب ،في حين ان الكتاب هو طريق نزول الرب الى العبد ،ولما كان محمدا هو سر الكلمة والحقيقة بالاضافة الى انه ((لاينطق عن الهوى))فان سنته هي الطريق الى الله وهنا يستشهد ابو زيد بما ورد عند ابن عربي ((والطريق لا يراد لنفسه وانما يراد لغايته))(ف:2/184) اي الغاية هي الوصول الى الله . هكذا اذا كان الكتاب طريق الرب الى العبد فان السنة هي طريق العبد الى الرب فيلتقي الطريقان والشكل المرسوم التالي يبين وجهة النظر هذه :
الكتاب= طريق الرب ــــــــــــــــــالى ـــــــــــــــــــ العبد . السنة = طريق العبد ـــــــــــــــــــالى ــــــــــــــــــ الرب . اذا تحولت السنة بمفهوم ابن عربي الى طريق وغاية الطريق الوصول الى الله من خلاله ومن خلال الحب الذي كان منهجا انسانيا لابن عربي بعيدا عن تقديس السنة نفسها .
شكل رقم ((1))
3- الاجماع: الاجماع كما هو معروف الاصل الثالث من اصول الشريعة وله جانبان :الاجماع بالمعنى الذي يناقشه الفقهاء وعلماء الاصول ،اي المعنى الظاهر، والاجماع بالمعنى الصوفي وهو الجمع بين العبد والرب وهنا يعلق ابو زيد قائلا: وكما يتاسس حجية الاجماع ومشروعيته عند الاصوليين من الفقهاء على كل من الكتاب والسنة فان طريق الجمع او الاجماع بالمعنى الصوفي هو مجمع الطريقين السالفين طريق الرب الى العبد –الكتاب- وطريق العبد الى الرب –السنة- ويقر ابن عربي على ان الاجماع ياتي بالمرتبة الثالثة بعد الكتاب والسنة:يقول ابن عربي (( اعلم ان احكام الشرع المتفق عليها ثلاثة :الكتاب والسنة المتواترة والاجماع ،واختلف العلماء في القياس ،فمن قائل بانه دليل وانه من اصول الاحكام ، ومن قائل بمنعه ،وبه اقول. القران اقوى دليل يستند اليه، او ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،الذي قام الدليل العقلي على صدقه في انه مخبر عن الله جميع ما شرعه في عبيد الله .وقد يكون الخبر اما باجماع من الصحابة وهو الاجماع ،او من بعضهم بنقل العدل عن العدل ،وهو خبر الواحد وباي طريق وصل الينا فنحن متعبدون بالعمل به ،بلا خلاف بين علماء الرسوم ولهذا يقول اهل الاصول في الاجماع انه لا بد ان يستند الى نص وان لم ينطق به)) فالملاحظ ان ابن عربي يحصر مفهوم الاجماع في جيل الصحابة فقط باعتبار ان اجماعهم على امر من الامور لا بد ان يكون مبنيا على نص قولي او فعلي من سنة النبي ،حتى لو لم يكن النص مرويا فلنر كيف علق ابو زيد على راي ابن عربي يقول: (( وهو بهذا الحصر لا يقول باجماع العلماء او الفقهاء ،وكيف يقول بحجية اجماعهم وهو لا يفتأ يطلق عليهم اسم علماء الرسوم ولا يكف عن نقد منهجهم التكفيري خاصة حين يتصل الامر بمعارف الذوق والكشف .ومن جهة اخرى من الصعب ان يتقبل ابن عربي حجية اجماع الفقهاء وهو صاحب نظرية قدرة العارف على الاتصال بمصدر التشريع اتصالا مباشرا ،وقدرته من ثم على تصحيح الروايات الضعيفة او تضعيف الروايات التي حصل تلقيها على انها صحيحة)) ويستشهد ابو زيد عن سر الاجماع بكلام لابن عربي يقول فيه(( ما اجمع عليه الرب والمربوب في ان الله خالق والعبد مخلوق ،وهكذا كل اضافة فلا خلاف بين الله وبين عباده في مسائل الاضافة اينما وجدت وكذلك في المعلومات من حيث هي معلومات)) والمتبين من كلام ابو زيد الضربة الاخرى التي يوجهها للمؤسسة الدينية المتمثلة بالفقهاء واجماعهم عن طريق فكر ابن عربي يوجه هذه الضربة فلا غرابة ان يكفر ابو زيد وهو يحاول ان يسحب البساط من تحت اصحاب المؤسسة الدينية المتمثلة بالفقهاء وهو يحاول ايضا ان يسلب حتى شرعيتهم الدينية والالهية التي يستندون عليها بمنطق عقلي . ولكن وقع ابو زيد باشكالية عندما ايد كلام ابن عربي مجملا في ان الاجماع فقط ما هو حاصل في زمن الصحابة وليس في الفقهاء من بعدهم ،فكان الاولى كذلك ان يشير ابو زيد الى الخلاف الكبير الذي وقع بين الصحابة على عهد النبي ومن بعده بل ان المتبين لسيرة الصحابة يجد الخلاف على اوجه ومستعر وهو ما تفجر بشكل حروب تمثلت بالجمل وصفين والنهروان وقبلها مواقف الصحابة من بعضهم البعض ولاسيما ابو ذر من عثمان وغيرها ،اذا يتبين ان الاجماع لدى الصحابة كان موجودا في بعض القضايا القليلة اما اوضاعهم العامة الاخرى فكلها خلاف ،نعم االاشارة من ابي زيد الى ان الاجماع كان فقط في زمن الصحابة والاعتماد الكلي على مقولة ابن عربي دون مناقشتها هو استنادا لطيفا من باب سحب البساط من الفقهاء ولكن بنفس الوقت كان من الاولى الاشارة الى الخلاف الكبير الذي وقع بينهم على المستوى الفقهي والعقائدي والسياسي وغيرها من الجوانب. 4- القياس : وهو احد ادواة الاجتهاد في تحديد حكم الشريعة في امور لم ينزل فيها نص قراني ولم يرو فيها سنة عن النبي او اجماع بين الصحابة وقد رفضه ابن عربي ان يكون اصلا من اصول الشريعة ، يقول: ((القياس ممن ليس بنبي حكم على الله في دين الله بما لا يُعلم ،فانه طرد علة وما يدريك لعل الله لا يريد طرد تلك العلة ،ولو ارادها لابان عنها على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وامر بطردها ،هذا اذا كانت العلة مما نص الشرع عليها في قضية، فما ظنك بالعلة يستخرجها الفقيه بفقهه ونظره من غير ان يذكرها الشرع بنص معين ثم بعد استنباطه اياها يطردهافهذا تحكم بشرع الله لم ياذن الله به)) وواضح ان غرض ابن عربي من هذا الكلام هو ايضا سحب البساط من فقهاء المؤسسة الدينية كي لا يتحكموا بالناس وفق اهوائهم التي يدعون انها مستنبطة من واقع الدين ويلزمون الناس بتاديتها وتقديسها .ويعتبر ابن عربي على ما يرى ابو زيد محرما رافضا للقياس كمات فقهاء الظاهرية ولكن الفرق بينه وبينهم على ما يقول ابو زيد: انهم يحرمون القياس تحريما تاما بينما يكتفي ابن عربي بعدم الاخذ به دون ان يخطئ الاخذين به وهذا من باب التدليل من قبل ابو زيد على انفتاح ابن عربي وتنويريته التي تجعل منه مختلفا مع الاخرين ولكنه محترما لهم في نفس الوقت ولوجهات نظرهم. يقول ابن عربي: ((واما القياس فمختلف في اتخاذه دليلا واصلا، فان له وجها في المعقول :ففي مواضع تزهر قوة الاخذ به على تركه، وفي مواضع لا يظهر ذلك، ومع هذا فما هو دليل مقطوع به،فاشبه خبر الاحاد، فان الاتفاق على الاخذ به مع كونه لا يفيد العلم وهو اصل من اصول اثبات الاحكام، فليكن القياس مثله اذا كان جليا لا يرتاب فيه، وعندنا –وان لم نقل به في خفي- فاني اجيز الحكم به لمن اداه اجتهاده الى اثباته،اخطأ في ذلك او اصاب ،فان الشارع اثبت حكم المجتهد وان اخطأ وانه مأجور ،فلولا ان المجتهد استند الى دليل في اثبات القياس من كتاب او سنة او اجماع او من كل اصل منها ،لما حل له ان يحكم به ،بل ربما يكون في حكم النظر عند المنصف القياس الجلي اقوى في الدلالة على الحكم من خبر الواحد الصحيح)) ، هكذا لا يتبنى ابن عربي مفهوما ساكنا ثابتا للقياس يحاكم على اساسه المجتهدين ،بل يترك باب الاجتهاد مفتوحا بالقياس ،رغم انه لا يقول به، ويعلق ابو زيد على كلام ابن عربي السابق: (( بعد ان يشرح ابعاد الخلاف بين المختلفين ،ويميز بين القياس الواضح الجلي وبين القياس الخفي الغامض ،يؤكد ان العبرة بحق كل مجتهد انه مكافأ ومثاباخطأ في اجتهاده ام اصاب وان هذه القاعدة تترك المجال مفتوحا للمختلفين الا يخطئ احدهما الاخر ،فضلا عن ان يصفه بالكفر والمخالفة لدين الله، ويبلغ دفاع ابن عربي عن القياس رغم انه لا يقول به ولا يتبنى العمل به ،حد اثباته اثباتا عقليا اي من خلال النظر العقلي الذي بسقوطه تنهد الشريعة ذاتها)) ويتضح من كلام ابو زيد ابعاد التكفير عن منهج الفقهاء من خلال كلام ابن عربي واسلوبه التفكيري وانه يجب على الفقهاء اليوم الاقتداء برؤية ابن عربي للامور .بل يبلغ حرص ابن عربي على الدفاع عن ادوات اخرى للاجتهاد الى جانب القياس مثل الاستحسان الذي يستند ابن عربي فيه على قول النبي الاتي بجواز ان يشرع الانسان له طريقا الى الله بقول الرسول :من سن سنة حسنة فله اجرها واجر من عمل بها ومن سن سنة سيئة.....الخ.وهنا يعلق ابن عربي على هذا الحديث وعلى حديث الشافعي المستند على هذا الحديث وهو قوله :من استحسن فقد شرع قائلا: ((فلا شك ان الشرع قد اباح له ان يسن سنة حسنة ،وهي من جملة ما ورث من الانبياء، وهي حسنة اي استحسنها الحق فيه، وهو سنها ، فمن استحسن اي سن سنة حسنة فقد شرع، وقد اقره الشارع وهو حكم شرعي مقبول لا يحل لاحد من الحكام رده ، وقواعد الشرع واصوله تحفظه وكالمصالح المرسلة في مذهب مالك وما قرر الشرع حكمها مجملا وابان ان واضعها ومتبعيه فيها ماجورون ونهاية التابعين فيها الى واضعها على قدره وعلى قدر ما سن .نبهتك على هذا لان تكون اوقاتك كلها معمورة بالشرائع النبوية والسنن الاصلية ،فان الكيس ينبغي ان لا يكون غاية عمله الا نبوة اصلية لا فرعية))(الفتوحات،2/187) ،يتضح مما ورد ان السنة قد حولها ابن عربي الى وجود انساني غايته الطريق الى الله فالسنة هي اعمال الانسانية الجميلة الحسنة التي توصلنا الى الله فهي الطريق وهي ليست النصوص المحفوظة عن الرسول واعمال الرسول بل هي الاعمال الطيبة التي يقوم بها الانسان تجاه الانسانية والتي تكون مستحسنة من قبل الله اي الانسان –اي تجلي الله في الانسان- من وجهة نظر صوفية ،فالسنة تحولت من نصوص الى رؤى انسانية فكرية ولهذا السبب ركز ابو زيد على تناوله لابن عربي لانه اي ابو زيد مهتم بفلسفة التاويل للنصوص وتحويلها كما مر لدينا من واقع مقدس الى دنيوي وهكذا راينا التاويل لقضية الكتاب والسنة . وهنالك قضية اساسية حدت بابي زيد ان يقرا ابن عربي هذه القراءة الكبيرة الا وهي انه ابن عربي ماكان يكفر احدا من الانسانية بتاتا فهو يبرئ النصارى من ارتكاب خطيئة االشرك ويفسر كفرهم بمعنى الستر وفسر قوله تعالى ((انه من يشرك بالله فقد حرم عليه الجنة)) اي حرم عليه كنفه الذي يستره وما يهم ابو زيد من ذكر هذه الامور هو ابعاد التكفير في هذا الزمن من القاموس الاسلامي ومحاولة القيام بالبعث التنويري المراد في شخصية ابن عربي. بل ان ابن عربي يتمتع عنده المشركين في الافق التاويلي له بحق الانتماء الى الخلاص العام-على حد تعبير ابو زيد- وفي ذلك يقول ابن عربي(( ما عبد المشرك الا الله ،لانه لو لم يعتقد الالوهية في الشريك ما عبده ( وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه) ولذلك غار الحق لهذا الوصف فعاقبهم في الدنيا –اذ لم يحترموه- ورزقهم وسمع دعائهم اذ سألوه الارزاق لعلمه تعالى انهم ما لجأوا الا هذه المرتبة وان اخطأوا في النسبة)) وهكذا يتضح النهج التوفيقي لمسلك ابن عربي العرفاني ورؤيته الى البشرية جميعا على اساس انساني خالص وليس نهج تكفيري كما يفعل اليوم وهذا اهم امر اراد ابو زيد ان يركز فيه الجوانب التنويرية في شخص ابن عربي وضرورة اعاد بعث افكاره من جديد كمسلك لمراجع التقليد واصحاب المؤسسات الدينية ولكنهم بالنتيجة لو سلكوا هذه المسالك لضاعت الامتيازات التي توفرها لهم المؤسسة الدينية.
#ياسر_جاسم_قاسم (هاشتاغ)
Yaser_Jasem_Qasem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشريف الرضي بين عناد غزوان وعزيز السيد جاسم... دراسة مقارنة
...
-
خطاب المرأة بين السلب والايجاب
-
هل لدينا خطاب نواجه به الاخر
-
خطاب المراة المستقل ضمان لتحقيق حريتها
-
البريكان شاعر الانسانية بصمت
-
التنوع الفكري لدى العلامة الدكتور علي الوردي
-
النظرة الى الموروث والقدرة على التقدم
-
هل قامت الاديان باختزال مفاهيم الانسانية
-
لقاء مع الدكتورة نوال السعداوي
-
اس وتراب ..... دلالات فنية ومسيرة شعرية قراءة في مجموعة احمد
...
-
المجتمع بين الواقعية والرمزية دلالات اليوتوبيا في تجسيد الوا
...
-
الفلسفة التربوية لمعاني الثورة وأسس التربية التاريخية في نظر
...
-
العولمة ... الاتجاهات والمناهج الفكرية ج2 : سياسات العولمة و
...
-
العولمة ..الاتجاهات والمناهج الفكرية
-
اشكالية الشرق والغرب في الاتجاهات الفكرية
-
العقل الايماني وارتباطه بمظاهر العنف
-
هشام شرابي قراءة في نظرية البعث الاسلامي والاصولية
-
الفكر النقدي الادبي
-
الارهاب وتقاطعات الانسنة في المشاريع الحيوية
-
ثقافة العصر وتحديات الحداثة
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|