فايز السايس
الحوار المتمدن-العدد: 958 - 2004 / 9 / 16 - 09:03
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
مع أنني لست بشاعر ومع أنني أقرأ بعين السياسي وأفكر ب( مخ ) الستراتيجي , وحتى آكل بفم الجوعان النهم للزاد الديمقراطي , فأنا اليوم شاعراً للحرية والديمقراطية , وما دفعني للكتابة هذه اللحظة سوى أنني لا بد من أدافع عن الديمقراطية , فالحرية يا أصحابي هي مختلفة عن الديمقراطية اختلاف كبير في السلوك والممارسة وحتى في المشروعية القانونية , فعندما وضعنا المشروع الفكري لحزب النهضة الوطني الديمقراطي أكد لي الأخ عبدالعزيز المسلط رئيس الحزب بأن المواطن البسيط لا يمكن إلا أن يخلط ما بين مفهومي الحرية و الديمقراطية (( مسكين عبدالعزيز )) فهو متهم في مجتمعنا السوري بأنه عدو للمجتمع وصديق حميم لليبرالية . المهم ربما استوضحت فيما بعد ماذا كان يقصد والى ما كان يرمي آنذاك .
فاليوم قرأت إحدى المقالات الثورية في لندن تحدث فيها الكاتب الثائر وهو على ما أعتقد أنه من التيار الناصري الذي لا نعرف كيف أصبح تياراً في الوطن العربي الكبير , تحدث فيه عن ضرورة العمل بقوانين الحرية السياسية وممارسة الديمقراطية في البلاد العربية , وللتنويه أنا لا أغمز من تيار أو أتهجم على جماعة أو حزب أو قوى , ولكن السؤال الملح بالنسبة لي هو كيفية تحول الناصريين الى تيار عريض كما يقولون هم .
وربما نحن كتيار ليبرالي علماني نتفق فكرياً نوعاً ما مع قوى اليسار الديمقراطي التي تضع معاييراً فكرية ونظريةً واضحة ودقيقة للتفريق بين الحرية , والديمقراطية .
ولسنا الآن بصدد توضيح جملة الاختلافات ما بين المصطلحين , بقدر ما نحن معنيين بالدفاع عن ديمقراطية سوريا وأبناء سورية التي هي بالمحصلة ديمقراطية الخبز والكرامة .
لم يثرني موقف ورأي نائب رئيس الجمهورية السيد عبد الحليم خدام بالقدر الذي أثار الكثير من الشخصيات السياسية والفكرية والقوى الأخرى , لأنني وبعد دراسة وافية على موضوع الدساتير في الدول العربية توقعت هذا الشيء , ولم يأتي أحد بجديد يفاجئنا قط .
في كل حين هناك نظرية سياسية تطرح في مختلف أصقاع العالم , وفي كل حين يعدل دستور مكان آخر وتستبدل فقرة مكان أخرى , ويحل نصاً محل آخر . وكل هذا من أجل الإبقاء على سلامة المفهوم الديمقراطي والممارسة الديمقراطية , وإنضاج المجتمع من خلال تقديم الأولويات التاريخية والزمنية مكان أخرى , وفي سورية اليوم هناك انتقادات واضحة حول تصريح السيد خدام , هذه الانتقادات لم تصل الى مستوى الحوار أو طلب الحوار من أجل توضيح فكرة الإبقاء على فقرة من فقرات الدستور , كان من المفترض أن يتحول هذا الهياج الفكري الذي أنتاب الكثيرين عقب تصريح نائب رئيس الجمهورية الى ورشة عمل حواري وطني ديمقراطي موحد لمناقشة قضايا الاستحقاق الوطني للقوى السياسية الفاعلة ذات الجذر الوطني الحقيقي , و كان من المفيد أن يكون هذا الطرح أو هذا الحوار هو منبراً لطرح قضايا عدة أهمها قانون الأحزاب الذي بات الوطن قبل المواطن بحاجة ماسة الى صدوره ورؤيته للنور الوطني السوري الأصيل .
نعيب على القوى صراخهم من أجل الصراخ , ونعتبر أن أي انتقاد من جانبهم دون السعي لإيجاد قاعدة الحوار للنظر في أهلية المستجدات السياسية والاقتصادية والثقافية أمر هو انفلات من روح الديمقراطية وتهتهة سياسية تدعو أصحابها لدفن الرأس في الرمال .
فناقشنا مع القوى المختلفة في سورية أثبت لنا بأن العيب ليس في الطحين إنما العيب في الميزان , وأتمنى أن تفهم القوى هذا الأمر ودياً على أنه ليس همزاً سياسياً بقدر ما هو تأهيل جديد لشيء أسمه العقل الديمقراطي في مواجهة استحقاقات أصيلة , والأهم من هذا وذاك هو (( ضرورة تجديد عقدنا الاجتماعي الوطني )) حتى نعرف ما لنا وما علينا في هذا الوطن الجميل الدافئ .
لذا نأمل أن لا يكون هؤلاء انقلابيون على الوطن بأسم الوطن , وأن يكونوا أمناء عليه أكثر من أي محدث آخر .
أن القول بصدور قانون الأحزاب والترخيص لها بالعمل السياسي أمر لا يأتي بقرار أو يذهب بقرار أنه حق دستوري مقدس , لا يمنحه شخص أو سلطة أو نظام , وموضوع الحاجة السورية المجتمعية اليوم الى صدور هذا القانون بات من أمس الحاجات والمطالب الديمقراطية الوطنية العريضة , وإذا كان صدور هذا القانون متوقفاً على ما قيل أو يقال هنا أو هناك , فلربما لانعدام الثقة ما بين الدولة والمجتمع , أو ما بين السلطة والفرد .
ولكن الأهم هو التمييز و التفريق ما بين البعث والوطن , فالبعث ليس هو الوطن كاملاً وأي إنسان يختزل سورية والوطن بالبعث كحزب وكفكر وكعقيدة فهو لا يؤمن حقاً بالوطنية والديمقراطية والآخر السياسي والاجتماعي والعقيدي , وعلى درجة الأهمية نفسها يأتي السؤال القائل بمن له الحق في الحديث بلسان حال الدستور , ومن يحاول أن يلبس الدستور بنفسه ولنفسه , إن الدستور هو قانون الوطن , وهو القاعدة القانونية التشريعية الوطنية التي تعمل وفق النواظم والأطر الديمقراطية بما فيها الحريات الأساسية التي تنص عليها جميع الدساتير الديمقراطية في العالم في مقدماتها الأساسية كحق طبيعي للفرد المواطن في ممارسته .
ومن المخول في تفنيد , وتقرير , وصياغة , واختزال , واختصار , الدستور , إنه من حق الشعب فقط , الشعب الذي يضع الدستور , و يدافع عنه , وعلى الدولة حماية هذا الدستور من خلال تطبيقه وتعديله وتعديل أحكامه وفقراته , متى اقتضت المصلحة الوطنية العليا , ومتى استدعت الحاجة الشعبية لذلك .
والحديث عن المادة الثامنة في دستورنا السوري ليس هو حديثاً عن بقاء حزب البعث كقائد للدولة أو المجتمع أم لا , إنما هو حديث عن قانونية هذا الدستور ومشروعيته , وهو تأكيد بغير جدل حاجة هذا الدستور من إعادة مراجعة الكثير من بنوده وأحكامه ونصوصه العامة , وبعث الحياة والروح مجدداً في أحكامه وفقراته التي انتفت أهليتها التاريخية بعد أكثر من 32 سنة على وضعه , وعلى ضوء المتغيرات العامة في الداخل والخارج .
المهم يا أعزائنا أننا اليوم نخشى أن يكون هياجكم كهياج أصحاب النقد الأبستمولوجي ذوو الصبغة الكنائسية الذين يحملون فكراً كنسياً أسقفياً متحجراً , وينادون بروح الكنيسة و علمانيتها الجديدة , والمهم أكثر هو أن يبقى الحديث عن ضرورة معالجة عقدنا الاجتماعي وصياغة جديده وإنتاج آليات جديدة فيه لكي تكون روح المواطنة هي أس الحرية والالتزام , وقاعدة الديمقراطية , وقانونية الدستور , والمهم هو إدراكنا ووعينا لأولوية المرحلة القادمة كاستحقاق وطني يقضي بالعمل كمنتظم اجتماعي وطني ومتحد ديمقراطي نوعي لنهضة سوريا مع من يجد نفسه مشروعاً وطنياً وديمقراطياً جديداً .
لا أن تبقى الروافع الوطنية والفكرية مناطة بالظرف التاريخي , والحمولات صناعة أيديولوجية بحتة , والحامل النهضوي( فكريا)ً ينصب في نخب ذات اتجاه واحد أحد .
وما يبقى من قراءة للدستور أو للفعل الزمني والنوعي في ظل ثقافة المنفتح على الآخر أمر يخضع لاعتبارات الذات والموضوع كلياً .
وما يبقى لنا نحن النخب القائلة بضرورة إحياء منطق الحوار على حساب الغفلة السياسية , لا يبقى لنا إلا أن نطرق أبواب الحوار الديمقراطي الوطني مع أبناء الحلم الوطني , والزاد الوطني , والكرامة الوطنية , لكي ينصفنا تاريخنا الوطني .
فأرجو أن تقرئوا (( لا أن تسمعوا )) وتقدروا (( و تعوا )) .
د. فايز السايس
منسق العلاقات الدولية في حزب النهضة الوطني الديمقراطي – واشنطن
#فايز_السايس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟