|
الحج والإقتصاد السعودي
متعب عالي القرني
الحوار المتمدن-العدد: 3182 - 2010 / 11 / 11 - 08:35
المحور:
الادارة و الاقتصاد
في الوقت الذي يتحدر علينا موسم الحج، تنساح الأحبار من أقلامها لتسطر الأوضاع الإجتماعية التي تصطبغ بها أجواء مكة والمدينة، إما من ناحية مساواة طبقات المجتمع بإرتدائهم ملابس ذات لونٍ موّحد وإما من ناحية إئتلافهم وتماسكهم كمسلمين مجتمعين في بقعة طاهرة ضيّقة. وفيما يذهب البعض في تحقيق هذة الدلالات، فإنني أجنح في هذا المقال إلى نظرة خاطفة إقتصادية لظروف الموسم وما يعيده من عوائد إقتصادية للمملكة العربية السعودية. ففي الأشهر السابقة القليلة التي تسبق كل حج، تستقبل المملكة العربية السعودية كما هي عادتها في كرمها وفضلها المعتاد، سيلاً جارفاً من الججيج قادمين من ما يقرب من 160 دولة في العالم، فيمر هذا السيل الجارف عبر ثلاث مدن رئيسة ساحلية غربية هي جدة ومكة والمدينة المنورة واللاتي يتصدرن المدن السعودية كلها في الأكثر استفادة من اقتصاد الحج فيرتفع مردودات هذة المدن الثلاث بفعل الحجوزات الجوية والإقامات الفندقية وشراء الأضاحي والهدايا والتزود بالمؤونة والمعيشة إلى غير ذلك من نفقات.
وبنظرة سريعة لتاريخ الحج في العصر الجاهلي وإبان صدر الإسلام، نجد أن مكة المكرمة قد تجسدت في هيئتها كبقعة طاهرة في أعين القبائل العربية كلها، ويستدر ساكنوها من قريش المال من القبائل الأخرى والتي شرعت في تنصيب أصنامها جوار الكعبة كموئل ثيولوجي رئيس، ومن ثم القيام بقصدها والحج إليها (الحج في اللغة بمعنى القصد والزيارة)، فبلغ من قريش أن صار فقيرهم كغنيهم جرّاء تقاطر القبائل عليهم كما قال فيهم الشاعر: الخالطين فقيرهم بغنيهم .... حتى يكون فقيرهم كالكافي وقيل أن الشاعر المكيّ عبدالله بن الزّبعرى هجا قريش لإشتغالهم بالتجارة عن الحروب التي من شأنها علو كعب القبيلة في الفخر والمكانة بين العرب، فكان يهجو العير التجارية التي تصرف انتباه القرشيين عمّا هو أولى، فقال فيهم: الهى قُصياً عن المجد الاساطير ... ورشوة مثلها ترشى السفاسير واكلها اللحم بحتاً لا خليط له ... وقولها رحلت عيرٌ، اتت عيُر
وكان يجد المكيون الذين ينوون الطواف من اللزام ارتداء الملابس التي تتسق مع ملابس أهل قريش (الحُمس) ومن لا يجد تلك الملابس يشتري ومن لا يجد فيستعير ومن لا يجد يطوف بالبيت عرياناً دون ملابس. ولصعوبة ومشقة الحج وبعده عن مراتع تلك القبائل ومناطقها، يعتري التلف بعض مؤونتهم ووسائل نقلهم، درجة أن تدفعهم الشدة إلى استئجار الأماكن والخيام وشراء الملابس والجمال وغيرها من أهل مكة، وتلك المرحلة لا تزال منعكسة منذ ذلك الوقت إلى عصرنا الحالي عند المكيين حيث يقوم بعض سكان الفلل الكبيرة بمغادرة مكة في موسم الحج رجاء الإستفادة من تأجير منازلهم وشققهم على الحجاج، بل يُخرج المسؤولون عن الفنادق المستأجرين أو يضطرونهم لدفع مبالغ باهظة تساوى تلك التي تقدّم من الحجاج. وقد أشار القرآن في سياق الحج إلى هذا الصنف من الفوائد في قوله "وأذّن في الناس بالحجِّ يأتوك رجالا وعلى كلّ ضامر يأتين من كل فج عميق * ليشهدوا منافع لهم" فقال الطبري في تفسيره لهذة المنافع: "وأَوْلَى الأقوال بالصواب قَوْلُ مَن قال: عني بذلك ليشهدوا منافع لهم من العمل الذي يرضي الله والتجارة؛ وذلك أن الله عمَّ لهم منافع جميع ما يشهد له الموسم، ويأتي له مكة أيام الموسم من منافع الدنيا والآخرة، ولم يخصص من ذلك شيئًا من منافعهم بخبر ولا عقل، فذلك على العموم في المنافع التي وصفت". وقال ابن عباس "«هي منافع الدنيا والآخرة، أما منافع الآخرة فرضوان اللّه تعالى، وأما منافع الدنيا فما يصيبون من منافع البدن والذبائح والتجارات».
وقد أعد الدكتور عابد العبدلي، استاذ الإقتصاد الإسلامي المشارك بجامعة أم القرى، دراسة خلصت إلى أن الإيرادات الإقتصادية التي يحققها أصحاب الفنادق والشقق المفروشة ستتضاعف بمعدل 2.6 من عام 2009 إلى عام 2013 وقد تصل هذة الإيرادات إلى 18.6 مليار ريال وهذا الرقم ذا عطاءات مفرحة لمؤجري الفنادق بمكة ولإقتصاد المملكة بشكلٍ عمومي. بل يُساهم هذا الحج في تقليص أعداد العاطلين طيلة إستضافته وذلك بتسخير جهود العاطلين في حملات الحج الخاصة أو العامة فيرتفع متوسط كل دار سكنية بمقدار أربعة عمال، وهو الأمر الذي يشير إلى أن متوسط العمالة في موسم الحج يرتفع تقريبا إلى 14 عاملاً في الدار بحسب الدكتور العبدلي.
ولا أنسى ما يحدث إبان الحج من تسلل المواطنين الغير مسرّحين للبقاع الطاهرة لمشاطرة التجار أرباحهم والعمل في سيارات أجرة سواء خاصة أو عمومية وذلك في ظل طلبات الحجاج لوسائل المواصلات والتي أنفوا في عمرة 2010 نحو 300 مليون ريال سعودي للإنتقال فقط. وقد أخبرني صديق مقرب لي أن ما جناه من استخدام سيارته كأجرة في الحج يصل20 ألف ريال سعودي من بداية الحج إلى نهايته، ولا يدخل في ذلك مشاوير الذهاب إلى المدينة والتي تأتي خلفاً للحج. كما لا ننسى أن الشركات الخاصة تقوم بتوظيف طاقم عملي متكامل يقوم بتوزيع وترويج منتجاتها الخيرية على الحجاج من مأكولات وأطعمة مغلفة تحمل شعار الشركة وصورة المُنتج المستهدف ترويجه، وقد يساعد هذا الترويج لنجاح مبيعات الشركات السعودية على وجه الدقة على الشركات الأخرى الخارجية!
وبحسب صحيفة الإقتصادية الإلكترونية، فأن حج عام 2009 حقق عوائد تصل لـ 20 مليار ريال، مقسمة بـ 35% لقطاع الإسكان، و25% الهدايا خفيفة الحمل و28% لقطاع المواصلات، و%9 للغذاء و3% رسوم خدمية، وبهذا النسبة يرى المتأمل احتمالية تحقيق حج هذا العالم أرباح أكثر علواً وارتفاعاً لاسيما وعمرة 2010 قد استحلبت جيوب 3.950 مليون معتمر بمبلغ نصف مليار ريال سعودي وهذة النسبة تشكل زيادة بنسبة 30 بالمائة عن العام الماضي حسب موقع نقودي.
ومع أن البعض من قاريء هذة السطور قد يظنّ أن هذة الأرباح الإقتصادية تكون مكرورة في دائرة المجتمع السعودي بحيث ينفق السعودي ما يستهلكه السعودي الآخر، إلا أن المتبصر لحال حجاج الداخل يجد صدامهم مع التقييدات التسريحية التي توقف حج السعودي لمدة خمس سنوات، الأمر الذي يفتح المجال للمملكة أن تستقبل أعداد هائلة من الخارج تُنفق أعلى بكثير من حجاج الداخل ذوو المركبات المتوفرة والأسكانات المحلية. وبهذا أتوقع أن موسم 2010 سيشهد أرتفاعاً أقتصادياً يفوق الأعوام الماضية بحسب دراسات بعض المختصين وهذا الأرتفاع سيدفع عجلة الإقتصاد السعودي إلى الأمام وسيرّود المملكة ويقدّمها على دول الخليج الأخرى التي تستند في إقتصادها على مصادر سياحية تستقطب سواح في سنوات معدودة يضاهيها أعداد حجاج مكة في موسم حج يتيم. ولو أن مليار مسلم قرروا أخذ حجة واحدة في العشرين السنة القادمة، فسيصل عدد ما تستقبله مكة - فرضياً - 50 مليون حاج كل سنة طيلة العشرين سنة! ولو فرضنا أن كل حاج ينفق من مقدمه إلى مغادرته مبلغ قدره 5000 ريال فقط كأقل تقدير فستكون أرباح السعودية من الحج في 20 سنة فقط ما نتاجه 5000000000000 (أي خمسة تريليون ريال سعودي) هذا كأقل تقدير وبأقل التكاليف الممكنة.
#متعب_عالي_القرني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحداثة في السعودية
-
الديمقراطية في الوطن العربي
-
فقه المعارضة السياسية
-
ملابسات المشاهد السياسية والإقتصادية
-
لسان المأمون المقطوع!
المزيد.....
-
الدولار بأعلى مستوى في 13 شهرا وبيتكوين تقترب من 100 ألف دول
...
-
مرسيدس تعتزم خفض التكاليف واحتجاجات في مقر فولكس فاغن
-
-غولدمان ساكس- يتوقع ارتفاع أسعار النفط إلى 80 دولاراً
-
أكبر متجر إلكتروني روسي يطرح قميصا بصورة بوتين وخلفه صاروخ -
...
-
كم حصتك من -أموال العالم مجتمعة- لو وزعت على سكان الأرض بالت
...
-
إيران تتقدم بطلب للانضمام إلى بنك مجموعة -بريكس-
-
خبراء يحذرون من تأثر إمدادات الغاز من روسيا إلى أوروبا بسبب
...
-
قطر تطلق مشروعا سياحيا ضخما
-
أوغندا تضع حجر الأساس لمشروع سكة حديد تصل كينيا
-
سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 22 نوفمبر 2024
...
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|