|
الشجاعة والخوف في الحياة
صاحب الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 3181 - 2010 / 11 / 10 - 14:21
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
إن دهاليز الحياة مجهولة وحالما يتحمل الفرد مسؤولية نفسه في المجتمع يخوض صراعاً مع قوى مجهولة ومتنوعة في الحياة، فكلما انتصر على قوة ما في الدهاليز المجهولة للحياة تاه في دهليز آخر وخسر معركته مع قوى خفية أخرى غرست في روحه الخوف والخشية من وجود دهاليز ومسالك مجهولة الأخرى في الحياة. الإنسان بطبعه حذر يخشى العزلة وإن كان شجاعاً فإنه لن يبحث عن الجماعة لتخلص من خوفه، إنها الغريزة الحيوانية الراسخة في رواسبه الكامنة فكلما زاد عدد أفراد الجماعة المتضامنة قل الخوف عند أفرادها وقد يظهر في صفوفها دعاة الشجاعة ليس بقواهم العضلية وإنما بزوال خوفهم لانتمائهم إلى الجماعة التي تؤمن لهم الحماية المعنوية الكافية لادعاؤهم الشجاعة. إن الخوف ليس ضعفاً إنسانياً وإنما غريزة في الرواسب الكامنة تختلف بنسبها من فرد إلى آخر، أما الشجاعة فلا يمكن عدّها غريزة لراسب كامن وإنما حالة مكتسبة خلالها تقل نسبة راسب الخوف الكامن بتأثير دوافع خاصة بالجماعة تؤثر بالفرد وقد تصنع من الجبان بطلاً لانصياعها إلى قيم الراعي والقطيع. إن تحرر الفرد من الخوف ليست حالة عقلانية لأن العقل الواعي حين يدرك الأخطار المحيطة يزرع الخوف في داخل الفرد ليمنعه الإقدام على المخاطرة حفاظاً على الذات من الأذى، فالذي لا يعرف الخوف يعاني خللاً في مرشحاته العقلية لأن الخوف حالة لاإرادية لتلافي مخاطر الحياة. يعتقد (( سمير شيخاني )) " ليس ثمة إنسان عاقل يتمنى أن يكون متحرراً من الخوف إذا شاء أن يعيش حياة أمنة، فالخوف الحقيقي ضرورة ملحة لتحضير أنفسنا لمواجهة مشاكل الحياة ". إن الشجاعة ليست قوة عضلية متفوقة لكنها حالة إقدام للفرد مصحوبة بإندفاع غير عقلاني لمواجهة مشاكل الحياة لأن الخوف حالة عقلانية وليس بالضرورة أن تكون كل حالة عقلانية حالة صحيحة بل أحياناً قد تكون مضرة لأنها تعيق الفرد انجاز الكثير من المهام الحياة. وفي الوقت ذاته الشجاعة من دون خوف متحسب تعدّ تهوراً غير مبرر لمواجهة مشاكل الحياة وليس ضرورياً أن تؤدي كل المواقف الشجاعة إلى نتائج صحيحة، وفي المقابل ليست كل المواقف المصحوبة بالخوف والحذر تجنب الفرد الوقوع في شراك الحياة. الخوف غير المرضي حالة تحسب وحذر في مواجهة الحياة ويمكن عدّه حالة إعادة للتفكير المنطقي لمرات لايجاد سبل حل مشكلة ما في الحياة، على خلافه الشجاعة حالة انعدام التفكير المنطقي لمواجهة مشكلة ما من دون الوصول إلى الحل المنطقي. فقد يكون التفكير الآني عند اقحام الفرد نفسه في المشكلة صحيحاً فتحل المشكلة بسرعة أكبر وبزمن أقصر، وقد يكون التفكير الآني عند اقحام الفرد نفسه في المشكلة غير صحيحاً فتتعقد سبل حل المشكلة وتتطلب زمناً أطول. إن الفرق الأساس بين الخوف والشجاعة هو فرقاً زمنياً في اتخاذ القرار، فالذي يتأخر اتخاذه القرار يخاف عواقبه ليعيد التفكير لمرات والتفكير بحاجة إلى زمن، ومن ثم يكون زمن اتخاذ القرار أطول، على خلافه فالذي يتسرع في اتخاذ القرار لا يخاف ويعدّ أكثر شجاعة في المواجهة فلا يعيد التفكير ومن ثم يقصر الزمن فيأتي القرار سريعاً وبأقل زمن ممكن. يقول (( رالف إيمرسون )) : " إن البطل ليس أكثر شجاعة من غيره، وإنما يسبقه بمدة زمنية أقل في اتخاذ قرار المواجهة من دون تحسب ". إن الخوف العقلاني يعدّ خوفاً متحسباً لاتخاذ القرار يقابله شجاعة غير عقلانية ولا متحسبة في اتخاذ القرار، في حين أن الخوف المرضي يعدّ تردداً في اتخاذ القرار يقابله شجاعة متهورة في اتخاذ القرار وفي كلا الحالتين لا يمكن الجزم بصحة اتخاذ القرار لأن حالة الخوف والشجاعة نسبيتان يحكمها موقف الحدث الذي يتطلب حذراً أو شجاعة لتلافي المخاطر وكلاهما بحاجة إلى تفكير منطقي. ومن ثم إلى زمن معين للتفكير، فالزمن عامل مهم وقاطع في اتخاذ القرار ومرتبط بموقف الحدث فإن تطلب تفكيراً سريعاً لاتخاذ القرار لتلافي مشكلة ما فإن زمن التفكير يطول ويتسبب في تعقيد المشكلة ويجلب الضرر على الذات. إن المفهوم الشائع للشجاعة تعني القوة البدنية لكنها في المفهوم الفلسفي تعني التهور وعدم التحسب، وفي المقابل فإن المفهوم الشائع للخوف يعني الجبن وفي المفهوم الفلسفي يعني الحكمة والتحسب في اتخاذ القرار. وكلا المفهومين يخضعان إلى النسبية، فالشجاعة من دون خوف كامن تعدّ تفكيراً غير منطقي والخوف من دون شجاعة كامنة يعدّ تفكيراً غير منطقي أيضاً، لكن الشجاعة المصحوبة بالخوف تعدّ تفكيراً منطقياً بزمن أقل والخوف المصحوب بالشجاعة يعدّ تفكيراً منطقياً لكنه بزمن أطول. الموقع الشخصي للكاتب : http://www.watersexpert.se/
#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصدق والكذب في الحياة
-
حالة الخطأ والصواب في الحياة
-
عوالم الحياة المختلفة
-
حالة الحزن في الحياة
-
دور العوامل الخارجية والداخلية في حياة البشر
-
الحياة الخاصة والعامة
-
ماهية الحياة
-
صدر في دمشق كتاب جديد للكاتب صاحب الربيعي بعنوان (( رؤية في
...
-
صدر في دمشق كتاب جديد للكاتب صاحب الربيعي بعنوان (( تقنيات و
...
-
صدق الفكرة في العقل واللاعقل
-
الفكرة الخلاقة والعقل اللاواعي
-
ميزات المعرفة
-
مجتمع المعرفة والعقل
-
إنتاج المعرفة
-
ماهية المعرفة المكتسبة
-
اختلال وظائف الجسد والسلوك الإجرامي
-
القانون والجريمة
-
القانون والاتهام
-
تسيس القضاء
-
القانون والسياسة
المزيد.....
-
فيديو يكشف ما عُثر عليه بداخل صاروخ روسي جديد استهدف أوكراني
...
-
إلى ما يُشير اشتداد الصراع بين حزب الله وإسرائيل؟ شاهد ما كش
...
-
تركيا.. عاصفة قوية تضرب ولايات هاطاي وكهرمان مرعش ومرسين وأن
...
-
الجيش الاسرائيلي: الفرقة 36 داهمت أكثر من 150 هدفا في جنوب ل
...
-
تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL في ليتوانيا (فيديو+صورة)
-
بـ99 دولارا.. ترامب يطرح للبيع رؤيته لإنقاذ أمريكا
-
تفاصيل اقتحام شاب سوري معسكرا اسرائيليا في -ليلة الطائرات ال
...
-
-التايمز-: مرسوم مرتقب من ترامب يتعلق بمصير الجنود المتحولين
...
-
مباشر - لبنان: تعليق الدراسة الحضورية في بيروت وضواحيها بسبب
...
-
كاتس.. -بوق- نتنياهو وأداته الحادة
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|