|
مشروع القانون المالي لسنة 2011 وتطلعات الطبقة الكادحة
عبد السلام أديب
الحوار المتمدن-العدد: 3181 - 2010 / 11 / 10 - 14:19
المحور:
الادارة و الاقتصاد
أجرى الصحافي بجريدة المنعطف السيد عبد الواحد الأشهب حوارا صحافيا مع عبد السلام أديب بتاريخ 28 أكتوبر حول مشروع القانون المالي لسنة 2001 ومدى تحقق تطلعات الطبقة الكادحة من موظفين وعمال وفلاحين وباقي الكادحين، وفي ما يلي نص الحوار. * هل تظنون أن مشروع القانون المالي يستجيب لتطلعات المواطن في ظل الاحتقان الاجتماعي؟ ** مشروع القانون المالي لسنة 2011 لا يختلف عن قوانين المالية السابقة من حيث خدمته لرأس المال على حساب العمل، بل أنه يكرس مأساة الكادحين من حيث رفع عتبة تحملاتهم سواء على مستوى عودة ظاهرة الاقتراض الخارجي بقوة بعدما كانت هناك محاولات تقليص المديونية الخارجية في عهد وزير المالية السابق أو على مستوى ارتفاع الأسعار والضغط الضريبي وتجميد الأجور أو على مستوى التوزيع غير العادل للنفقات العمومية. فعدد المناصب المالية التي يقترحها مشروع القانون المالي لا تتجاوز 18.682 منصب شغل، وحيث لا يساهم هذا العدد، الذي لا يتجاوز حتى نصف عدد المتخرجين سنويا من المعاهد والجامعات الذين يكرسون تراكم عدد المعطلين حاملي الشهادات العليا، الا بقدر ضئيل في امتصاص عدد الأطر. كما أن المشروع لا يحمل أي تحسين في أجور المستخدمين في القطاع العمومي والتي تعرف تآكلا عميقا بفعل غلاء المعيشة الذي ما فتئ يتفاقم وبفعل القروض الاستهلاكية التي تلتهم جزء كبير من فائض القيمة وتجهز على هذه الأجور المتدنية. من جهة أخرى لا يدخر مشروع القانون المالي جهدا في خدمة مصالح رأس المال، سواء عن طريق الإعفاءات والامتيازات الضريبية أو عن طريق الدعم المادي والمعنوي المباشر. كما أن مشروع القانون المالي بمسحته الانكماشية الواضحة يعترف بالانعكاس القوي للأزمة على الاقتصاد المغربي ويحاول مواجهتها عبر دفع الطبقات الكادحة والوسطى رغم مختلف الشعارات الفارغة المرفوعة، الى سداد فاتورتها. فاليوم نجد أن الطبقة الشعبية الكادحة هي التي تؤدي فاتورة الأزمة لكي تحافظ البرجوازية الحاكمة على مستوى عيشها وأرباحها، وحيث وصلت درجة الاحتقان الاجتماعي درجة لا تحتمل تنذر بانفجار قوي على شاكلة انفجارات سنوات الرصاص 1981 و1984 و1990، ولعل أحداث العيون تسجل بقوة في هذا الاطار، بينما الأحزاب السياسية والمركزيات النقابية تلعب مرة أخرى دور الوقاية المدنية وتخذير الطبقة الكادحة. أيضا ومن خلال تحليل الاعتمادات المالية المخصصة لمختلف القطاعات نجد أن القطاعات السيادية والأمنية وخاصة منها الميزانية المخصصة لوزارة الداخلية تتجاوز بشكل ساحق مختلف الاعتمادات المخصصة للقطاعات الاقتصادية والاجتماعية ما عدا ما خصص من اعتمادات لقطاع التعليم العمومي الذي راكم العجز لسنين طويلة خصوصا بالنسبة لغياب البنيات التحتية التعليمية في البوادي، والذي ابتلي حاليا بالمخطط الاستعجالي الذي يرمي الى تصفية هذا القطاع نهائيا لصالح القطاع الخاص. * لأول مرة، خلال تقديمه للقانون المالي، اعترف وزير الاقتصاد والمالية بانعكاسات الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد الوطني، كيف ترون تعامل الحكومة المغربية مع هذا الواقع؟ ** إن اعتراف الحكومة أو عدم اعترافها بوقع الأزمة المالية والاقتصادية على الطبقة الشعبية ينطلق من الأهداف التي تضمرها. فمع انطلاق الأزمة كان وزير الاقتصاد والمالية صلاح الدين مزوار ينفي دائما تأثر المغرب بها، في الوقت الذي اجتمعت فيه خلية ازمة حكومية مع الباطرونا في 24 فبراير 2009 واتفقت معها على اتخاذ عدد من الاجراءات اللاشعبية لوقايتها من الأزمة فبالاضافة الى تخصيص 13,5 مليار درهم من الميزانية العامة لمساعدة الشركات المتضررة وأيضا الاعفاءات من الضريبة ومن حصة المشغل فقد مكنتها من صلاحية تسريح 5 % من عمال كل شركة تتأثر بالأزمة كما خولت لها صلاحية تقليص مستوى الحد الأدنى للأجور الى حدود 1200 درهم. وقد أدى هذين الاجرائين الأخيرين الى كوارث متعددة في صفوف البروليتاريا المغربية. فقد شاهدنا سنة 2009 تسريح 50 ألف عاملة في معامل النسيج كما تجاوزت التسريحات في هذا القطاع خلال سنة 2010 ال 20 ألف عاملة، وهذا عدا عن تقليص الأجور وتدني شروط العمل ومحاربة العمل النقابي... لقد كان الاعتقاد أن تلك الاجراءات اللاشعبية المتخذة ستكون كافية لحصر تأثيرات الأزمة، لذلك كان وزير المالية مقتنع بعدم جدوى الاعلان عن تأثر المغرب بالأزمة فضل يتغنى بمعزوفة أن بلادنا بمعزل عن التأثر بالأزمة وهو يقصد بالفعل عدم تأثر البرجوازية بالأزمة والتي نقلتها على كاهل البروليتاريا. لكن تفاقم الأزمة في العالم بسبب كونها ذات طبيعة هيكلية مرتبطة باحتضار نمط الإنتاج الرأسمالي الذي عمق التناقض بين قوى الإنتاج المتطورة جدا وعلاقات الإنتاج المتخلفة جدا والمتجسدة في اتساع البطالة والفقر وضعف الأجور والقدرة الشرائية لامتصاص الإنتاج الهائل المتراكم، جعل الأزمة تستفحل بشكل خطير على المستوى الكوني وتهدد بالمزيد من الضحايا في صفوف الكادحين وبالمزيد من الإجراءات التقشفية من طرف الأنظمة السياسية التي بدأت تحت توصية مجموعة العشرين الامبريالية تغترف من الميزانيات العمومية لإنقاذ برجوازيتها من الإفلاس المطلق، فتقود بذلك الدول نفسها الى الافلاس. حاليا نلاحظ أن اعتراف وزير المالية بوقع الأزمة على الاقتصاد المغربي هو بدون شك من أجل تبرير الإجراءات اللاشعبية والتدابير التقشفية التي يتم التحضير لها من قبيل الغاء صندوق المقاصة ورفع المعدلات الدنيا للضريبة على القيمة المضافة وتقليص معدلاتها العليا مع تقليص معدل الضريبة على الشركات وزيادة سن التقاعد الى 65 سنة وتقليص الرواتب وتجميد التوظيف على غرار ما تفعله حاليا البلدان الأوروبية المفلسة بسبب الأزمة كاليونان وايطاليا واسبانيا وفرنسا وألمانيا. * هناك قطاعان أساسيان تدعي الحكومة أنها حققت فيهما مكاسب وضخت لهما مبالغ كبيرة ضمن القانون المالي: هما الصحة و التعليم: هل تظن أنه وفقا لهذا الطرح وقع تقدم في هذين القطاعين؟ ** الواقع يكشف زيف هذا الادعاء، فالصحة والتعليم العموميين يوجدان في أوضاع كارثية، سواء على مستوى ضعف البنيات التحتية أو تراجع عدد ونوعية الأطر الكفأة أو من حيث تفشي ظاهرة تدني الضمير المهني حيث يمكن ملاحظة مستوى تغلغل ظاهرة الرشوة حتى في المستشفيات الجامعية كمستشفى ابن سينا بالرباط، بين الأطباء والممرضين والمستخدمين والتي تحاصر المرضى من كل جانب، كما تراجع مستوى الأداء التعليمي أمام اكتظاظ الأقسام في المدن أو غياب المدارس في البوادي. فعن أي جدوى للاعتمادات المالية المرصودة للتعليم العمومي يتحدثون؟ * كرر الوزير نغمة كثيرا ما ترددها الحكومة و هي نغمة النهوض بالقدرة الشرائية للمواطن من خلال رفع الأجور و خفض الضريبة العامة على الدخل، هل هذا يترجم الواقع المعيش من طرف المواطنين محدودي الدخل؟ ** منذ ما قبل انتخابات شتنبر 2007 وأحزاب الحكومة الحالية تطلق الوعود خاصة حول رفع مستوى التشغيل ومحاربة الغلاء وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين، لكن منذ ذلك الحين ما فتئت أعداد المعطلين حاملي الشهادات تتزايد حتى بدأت تقترب حاليا من حوالي المليونين كما أن الغلاء الفاحش الذي ما فتئ يتفاقم في مختلف المجالات مما أجهز على الأجور الزهيدة للطبقتين البروليتارية والوسطى، يفند ادعاء ارادة الاعتناء بالطبقة الوسطى، كما أن ما يسمى بالحوار الاجتماعي أضحى بمثابة مخدر اجتماعي بتواطؤ مكشوف من طرف المركزيات النقابية والأحزاب السياسية فلم تتم الاستجابة لأي مطلب بتحسين مستوى الأجور المتدنية جدا. إذن فما تتحدث عنه الحكومة هو مجرد وهم يقدم لاستهلاك الكادحين وللاستمرار في الواقع المعيشي المتدهور للكادحين. بل أننا مع اقتراب الانتخابات التشريعية لسنة 2012 ستتكرر المسرحية وتنزل أحزاب الطبقة الحاكمة ومركزياتها النقابية لتقديم خطاب أجوف للكادحين وتقديم الوعود المعسولة لهم فقط من أجل اصطياد أصواتهم، أما على أرض الواقع فلا شيء من كل ذلك سيتحقق، لأن مصلحة البرجوازية متناقضة تماما مع مصالح الطبقتين الوسطى والبروليتاريا. * من القطاعات التي تعاني أزمة القطاعات التصديرية ما يفسره اضطراد عجز الميزان التجاري، هل تجدون في مشروع القانون المالي ما يوحي بحل لهذه الأزمة؟ ** مهما قدمت الحكومة من تسهيلات ضريبية وجمركية وتجميد متواصل للأجور لتقليص الكلفة ورفع مستوى التنافسية من أجل تحفيز التصدير والتجارة الخارجية، إلا أن واقع الأزمة عالميا ومحليا وانعكاسها خصوصا على مستوى الطلب العالمي على الصادرات المغربية يزيد من تكريس عجز الميزان التجاري. هذا في الوقت الذي يتم فيه اهمال السوق الداخلي وتدهور الأمن الغذائي لفائدة الانتاج الموجه للتصدير وضرب القدرة الشرائية للمواطنين وهو ما يزيد من تعميق آثار الأزمة والكساد ببلادنا. * هناك ملف حيوي أقصته الحكومة من القانون المالي و هو ملف التقاعد، كيف تفسرون ذلك؟ ** اشكالية صناديق التقاعد صنعتها الحكومات المتعاقبة التي لم تكن تؤدي ما بدمتها كحصة المشغل خصوصا للصندوق المغربي للتقاعد والتي تتجاوز 20 مليار درهم. كما ان نسبة ما تدفعه الحكومات كحصة المشغل يجب أن يشكل مرتين ما يقتطع من الموظف كما تفعل مختلف البلدان وليس مرة واحدة فقط كما هو معمول به في المعاشات المدنية. وهذا بالإضافة الى أن الصندوق المغربي للتقاعد يسدد رواتب تقاعد خيالية لفئات لم تساهم قط من قبل في تمويل الصندوق كالوزراء السابقين والبرلمانيين ... الخ. إذن فبدلا من أن تتحمل الدولة مسؤوليتها في معالجة عجز هذه الصناديق تريد الآن على غرار ما يجري في البلدان الأوروبية تحميل العجز والمسؤولية للكادحين عن طريق رفع سن التقاعد الى 62 سنة مع اتخاذ تدابير مصاحبة تؤدي الى رفع نسب الاقتطاع وتقليص مستوى رواتب التقاعد. إذن فسلوك الحكومة كممثلة للبرجوازية الحاكمة تعمل على خدمة رأس المال على حساب العمل، فهي إذن ليست ممثلة للطبقة الشعبية التي قاطعت انتخاباتها البرلمانية والجماعية بشكل عارم، فمقاومة الطبقة الشعبية للسياسات الطبقية تتزايد حدة، كما أن الأثر المخدر للأحزاب السياسية والمركزيات النقابية عبر شعاراتها الجوفاء بدأت تتطاير.
#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في اليوم الدولي للنضال ضد الفقر أزمة الرأسمالية تجر الإنساني
...
-
الدخول الاجتماعي وتصفية القوت اليومي للكادحين
-
خصائص الصراع الطبقي في المغرب
-
أزمة تدبير الأزمة العامة للنظام الرأسمالي
-
في ذكرى تأسيس تنسيقيات مناهضة الغلاء وتدهور الخدمات العمومية
-
تعمق الفقر في زمن الامبريالية
-
ذبحتونا .. ذبحتونا
-
التطهير الاداري والبنيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ال
...
-
أوضاع السجناء والمؤسسات السجنية بالمغرب
-
مجرد دردشة
-
هل يتحمل القاموس السياسي مفهوم -التقاعد السياسي-
-
الموجة الاشتراكية الأولى ورهانات تفكيك الرأسمالية
-
السياسات الاقتصادية والاجتماعية في ظل الأزمة العالمية وانعكا
...
-
أزمة الفكر البرجوازي وإرهاصات العواصف الثورية
-
لتتضامن البروليتاريا العالمية ضد الهجوم البرجوازي على الطبقة
...
-
الدور الانتهازي للبرجوازية الصغرى
-
معالجة إفلاس الدولة البرجوازية على حساب الطبقة العاملة
-
ثورة نسائية جذرية جديدة في مؤتمر عالمي بفنزويلا سنة 2011
-
وزارة الاقتصاد والمالية تسترق موظفيها
-
قراءات في النظرية الاقتصادية الماركسية
المزيد.....
-
عالم روسي: الغرب يطرح مشكلات علمية زائفة من أجل الربح
-
مسؤول إسرائيلي: وضع اقتصادي -صعب- في حيفا جراء صواريخ حزب ال
...
-
مونشنغلادباخ وماينز يتألقان في البوندسليغا ويشعلان المنافسة
...
-
وزير الخارجية: التصعيد بالبحر الأحمر سبب ضررا بالغا للاقتصاد
...
-
الشعب السويسري يرفض توسيع الطرق السريعة وزيادة حقوق أصحاب ال
...
-
العراق: توقف إمدادات الغاز الإيراني وفقدان 5.5 غيغاوات من ال
...
-
تبون يصدّق على أكبر موازنة في تاريخ الجزائر
-
لماذا تحقق التجارة بين تركيا والدول العربية أرقاما قياسية؟
-
أردوغان: نرغب في زيادة حجم التبادل التجاري مع روسيا
-
قطر للطاقة تستحوذ على حصتي استكشاف جديدتين قبالة سواحل ناميب
...
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|