أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - القتلُ الرحيم














المزيد.....

القتلُ الرحيم


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 3182 - 2010 / 11 / 11 - 08:35
المحور: حقوق الانسان
    


أنتم لا تعرفون جاك You Don t Know Jack
بطولة: آل باتشينو
قصة: آدام مازر
إخراج: باري ليفنسون- 2010
بعضُ الناس لا يفضّلون احتساءَ الكأس حتى نهايتها. يفضلون الذهاب إلى الموت، لا انتظاره. حين يقفُ الموت بأعتابهم، يبادرون بفتح الباب بحفاوة وابتسامة، قبل أن يطرقه الموت. بعضُ الناس يزعجهم أنهم لم يختاروا لحظةَ ميلادهم، فيعوّضون ذاك "الإرغام القسريّ" باختيار لحظة رحيلهم. بعضُ الناس، حين يباغتهم مرضٌ خبيث، سينتزعهم من أعمارهم خلال شهور، بعدما ينتزع آدميتهم، يقررون إنهاء الأمر بكرامة، قبل أن يتعذبوا، ويُعذّبوا مَن حولهم. هذا بطلٌ رياضي ضربه فيروس غامض أفقده التحكم في ساقيه، ثم ذراعيه، ثم راحت كافة عضلاته تضمر. وتلك امرأة ضربها آلزهايمر، ويرعبها يوم قريب سيأتي لن تتعرف فيه على زوجها وأولادها، فتمنّت أن تودعهم بابتسامة وهي تدري مَن يكونون. أولئك هم زبائن د.جاك كيفوركان، الطبيب الأمريكي الذي ساعد مئات المرضى على إنهاء حياتهم في لحظة، دون ألم، وعلى نحو كريم.
فيلم تليفزيوني حديث من إنتاج نيويورك هذا العام. عن قصة واقعية هزّت أركان أمريكا في التسعينيات الماضية. ولعلّه أعظمُ ما قدم آل باتشينو منذ "عطر امرأة" الذي لا يملّ المرء من الافتتان به. عينا آل باتشينو العميقتان، ووجهه الكاريزمي، يوقعك في شّرّك الحيرة طوال مدة العرض. تحاول أن تبحث، في تلك الملامح عن وجه قاتل محترف، لتحنق عليه، كما يليق بالحنق على سفاح يزهق الأرواح، لكنك لا تجد إلا ملامحَ طيبةً، ترغمك على التعاطف معه، بل واحترام نظريته، التي تحمل شِقّها النبيل، جوار شِقها الدمويّ. وهو أمرٌ خارج حسابات المنطق، كما علمنا أرسطو: أن أمرًا ما، إما يكون صوابًا وإما خطأ، مستحيلٌ أن يكون الاثنين معًا، وهو ما أسماه "الثالث المرفوع"، أي الاحتمال الثالث المرفوض.
بدأت الفكرة حينما تأمل د.جاك أمَّه في أيامها الأخيرة، محاطةً بالخراطيم في أنفها وأوردتها، ومن حولها الأطباءُ يحاولون إبقاءها حيّة، بينما الابن، يراقبها من وراء لوح زجاجي، عاجزًا عن فعل شيء، وهو الطبيب الذي ساعد مئات المرضى على الشفاء. نظرت إليه الأمُّ بوهن، نظرة صامتةً، مفعمة بالقول، كأنما تقول له: ساعدني يا ولدي، خلصني من العذاب وإهانة انتظار الموت! لكنه ظل بلا حيلة، حتى رحمها الموتُ، بعد شهور طوال ملقاةً على فراشها مثل ورقة شجر جافة، لا هي حيّة، ولا هي ميتة.
لم يكن حلم د.جاك، أو Dr. Death، كما أسموه، فقط أن يرحم الناس من أوجاعهم، ويضمن لهم ميتة كريمة، بل كان حلمه أوسع من ذلك، وأخطر. أن يشرعن هذا القتل الرحيم في دستور ولاية ميتشجن، ثم في أمريكا، ثم في العالم، إن أمكن. لذلك كان يصوّر مرضاه بالفيديو، قبل قتلهم. يتحدث مع المريض ويسأله إن كان حقًّا يريد الموت الآن، ولماذا. ومثلما رفض حالات رأى أن أصحابها مكتئبون، ورغبتهم في الموت عابرة، قبِِل مساعدة آخرين، تأكد فيها أن الموت هو الحل الطبي الحاسم لأمراضهم، وكان يصور نفسه وهو يُنهي الأمر بحقنة بوتاسيوم تشلّ عضلة القلب، أو بقناع غاز سام، وقبل موتهم يبتسمون قائلين له: شكرا! لذلك، أثناء محاكمته في المحكمة العليا، رفض تسمية القاضية لما يفعل بـ"القتل الرحيم" Mercy Killing، قائلا إنما ما يفعله هو محض "خدمة طبيبة" ’Medical service، مثلها مثل كافة ألوان خدمات الطب الأخرى. فأولئك المرضى يستحقون الاحترام. مضيفًا أنه يود أن يطمئن إلى وجود مَن يساعده على الموت الهادئ الكريم، إذا ما احتاج إليه. لكن القاضية قالت إن لا مكان للعواطف في ساحة محكمتها، وحكمت عليه بالسجن عشرين عامًا. قضى منها بضع سنوات، خرج بعدها د. جاك، الحقيقي، عام 2007، وهو في التاسعة والسبعين.
اتفقنا مع نظريته، أو اختلفنا، لا نملك إلا أن نحترم بكارة الفيلم وحِرفيته العالية، والأداء الساحر، لفاتن هوليوود، آل باتشينو.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزمن الأخير، اللعبةُ على نحوها الصحيح
- حبيبتان، من مصر!
- الأحدبُ في مصعد العمارة
- لستُ إرهابيًّا، بل مريضٌ بالجمال
- في صالون الرئيس مبارك
- ولاد العمّ- دراما تنتصر لكل ما هو إسرائيلي، ضد كل ما هو مصري ...
- تخليص الشباب، في تلخيص الكتاب
- رغم إن اللصَّ مازال طليقًا! شكرًا وزارة الداخلية
- آسف على الإزعاج- مضطرون أن نعيش الحُلمَ مادام الواقعُ مُرًّا
- سأختارُ دينَ الحرامي
- سوزان مبارك، والبرادعي
- صور آل البرادعي على فيس-بوك
- فليحاسبْني القانونُ على ذلك!
- شكرًا للصّ زهرة الخُشخاش
- الرحابُ فى جفاف
- مسرحية -قطط الشارع-
- مجدي أحمد علي مُخرج اللقطات الملهمة
- عسلٌ أسود، مرآةُ ميدوزا
- البنت المصرية سعاد حسني
- مسرحية -أوديب وشفيقة-


المزيد.....




- ميلانو.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يطالبون بتنفيذ مذكرة المحكم ...
- كاميرا العالم توثّق تفاقم معاناة النازحين جرّاء أمطار وبرد ا ...
- أمستردام تحتفل بمرور 750 عاماً: فعاليات ثقافية تبرز دور المه ...
- أوبزرفر: اعتقال نتنياهو وغالانت اختبار خطير للمجتمع الدولي
- -وقف الاعتقال الإداري ضد المستوطنين: فصل عنصري رسمي- - هآرتس ...
- الأردن.. مقتل شخص واعتقال 6 في إحباط محاولتي تسلل
- بورل: أندد بالقرار الذي اعتمده الكنيست الاسرائيلي حول وكالة ...
- بوريل: اعتقال نتنياهو وغالانت ليس اختياريا
- قصف الاحتلال يقتل 4 آلاف جنين وألف عينة إخصاب
- المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - القتلُ الرحيم