كامل عباس
الحوار المتمدن-العدد: 957 - 2004 / 9 / 15 - 10:45
المحور:
اليسار والقوى العلمانية و الديمقراطية في العالم العربي - اسباب الضعف و التشتت
عندي حماة طيبة درويشة عفوية , تؤمن بقدرة أهل الكرامات على شفاء الأمراض أكثر من أدوية الطب الحديث . وبالصدفة البحتة مرت بجانبي وأنا اقرا مقالا لاتحاد الشيوعيين العراقيين في نشرة الحوار المتمدن على الكومبيوتر, تتصدره صور زعمائهم الثلاث , ماركس انجلز , لينين . تسمرت أمام الشاشة مدهوشة وهي تصيح , صهري يا صهري , لا بد أن هؤلاء من اهل الكرمات , إنني أرى هالة من النور تشع من ذقونهم وعيونهم , أرجوك دلني على مقاماتهم كي أتضرع اليهم علهم يشفعوا لي عند الله فانا مريضة كما تعلم .
صحيح أن الحادثة بسيطة وعرضية لكنها تضع الملح على الجرح في موضوعنا ودلالاتها عميقة جدا .
هؤلاء يقدمون أنفسهم بوصفهم شيوعيون . وألف باء الفكر الشيوعي يعلم أن الفرد مهما عظم دوره في التاريخ يبقى نتاج تربة انعكست خصائصها في ذهنه ضمن زمان ومكان معينين , ونحه وسيظهر غيره لحاجة تلك التربة في التعبير عن خصائصها , كما انه يعلم ان أي شيوعي في العصر الحاضر يفترض أن يكون أقدر من ماركس وانجلز في التحليل والتركيب الآن لما قدم العلم والتطور من معطيات لم تكن موجودة في أيامهما , إذا أضفنا الى ذلك حاجة العلمانيين واليساريين العرب لمواكبة القرن الواحد والعشرين بمحاولة ربط الحركات السياسية والاجتماعية ببرامجها ومؤسساتها بدلا من الرموز الذي تميز بها القرن المنصرم والذي يوصف بحق في منطقتنا بقرن الزعماء الخالدين , لعرفنا لماذا اليسار العربي لايزال بهذا الضعف والتشتت . ترى هل يحق لهؤلاء ان يعتبوا على بعثيي العراق إذا ما استمروا برفع صور زعيمهم صدام حسين في مسيراتهم ؟؟!!
غير بعيد عن هؤلاء . الشيوعيين السوريين الذين يعملون بالقاعدة الفقهية التالية قياس الشاهد على الغائب . مازال هؤلاء يصرون على ان الامبريالية الأمريكية على بعد أمتار من الهاوية وأنها مأزومة وتحاول تصدير أزمتها عسكريا الينا وان ألفرصة مهيأة لدفشها كي تقع في الهاوية إذا أخترنا خيار المقاومة المسلحة تحديدا ضدها , وألف باء العلم والتطور يعلم ان النظام العالمي الجديد الذي تقوده أمريكا متقدم على النظام السابق الذي كان قائما على توازن الرعب والصراع المسلح بين الجهتين في كل ساحة , و الخيار المناسب لهذا الظرف هو المقاومة السلمية (لمشاريع الأمبريالية ) المعتمدة على حشد الراي المحلي والعالمي وراءها . ترى هل يعلم هؤلاء انهم يخدمون امريكا كما يخدمها ابن لادن وشركاه ويعطونها المبرر لشن الحروب علينا باسم الارهاب ؟ !
وحال الشق الثاني من اليسار العربي العلماني ليس أفضل من حال الشيوعيين فما زال القوميون العرب يرون بصدام حسين بطلا قوميا ويقارنون بين احتلال العراق واحتلال فلسطين مع الفارق الكبير بين زمان ومكان وظروف الاحتلالين
مطلوب من اليسار العربي نقد تجربته الماضية وتجديد نظريته وممارسته وخطابه السياسي بما يتفق مع حقائق العصر ولكن اقول وبكل مرارة أن اللوحة سوداوية ومدعاة للتشاؤم ليس في سوريا والعراق بل وفي فلسطين التي كانت فصائلها اليسارية رافعة للنضال العربي وهاهي الآن تتمسك برمز أصبح من مخلفات الماضي ويصر أن يبقى في منصبه حتى الموت وهاهو نايف حواتمة ما زال امينا عاما للجبهة الديمقراطية بعد اكثر من أربعين عاما علما بان هذا الفصيل لعب دورا مهما في نهوض اليسار العربي سابقا .
هذه مساهمة متواضعة من اجل ان ينهض اليسار العربي من كبوته استجابة لدعوة نشرة الحوار المتمدن .
..............................................................................................
حول الاشتراكية :
لقد نظرنا نحن اليساريين والعلمانيين العرب في الماضي الى الاشتراكية وكأنها اعادة توزيع الدخل القومي بحيث نعطي كل طبقة اجتماعية حصة تتناسب مع مساهمتها في الانتاج وكانت الترجمة على الأرض اشتراكية تدخلية نأخذ من الأغنياء لنعطي الفقراء , كما اننا نظرنا الى التغيير الاجتماعي بوصفه قانون طبيعي حيث الاشتركية مرحلة حتمية قي التطور الاجتماعي , لم نقدر بشكل صحيح دور الرأسمالية في مجتمعاتنا , ولكن ماذا تقول الحقائق العنيدة على الأرض .
إنها تقول : إذا كانت الرأسمالية مرحلة أرقى من الاشتراكية فإن الوصول اليها وارد كإمكانية وليس كحتمية تاريخية , لا يخفى على احد أن اسلحة الدمار الشامل قادرة على تدمير الكرة الآرضية بدقائق إذا انفلتت من عقالها
تقول الحقائق أيضا ان تقديراتنا عن حفر الرأسمالية قبرها بيديها من خلال الطبقة العاملة التي لن تخسر بالثورة سوى أغلالها لم يكن دقيقا , هاهي الرأسمالية تتعمق في كل البلدان التي سمت نفسها اشتراكية تحت يافطات شيوعية أي ان الرأسمالية هضمت كل نظرياتنا وجيرتها لمصلحتها وان سنة التطور ان تبدا الاشتراكية في بلد استنفدت فيه الراسمالية كل ما عندها ويستحيل بناء الاشتراكية بدءا من بلد متخلف , و بهذا المعنى فبلداننا تعاني من النقص في تطور الرأسمالية داخلها أكثر مما تعاني من الزيادة فيها وان المطروح علينا في المدى المنظور تنمية رأسملية دورنا فيها ان نجعلها ما استطعنا تجري تنمية لمصلحة المجتمع بكل فئاته , لماذا الاستعجال وحرق المراحل ؟ لقد احتاجت الرأسمالية الى أربعة قرون حتى انتصرت كتشكيلة وقد تحتاج الاشتراكية الى زمن اطول فهي مدعوة لتغيير اشمل واعمق من الراسمالية . قد تحتاج البشرية الى اكثر من ثورة على شاكلة ثورة اكتوبر وقد تفشل عشرات التجارب الاشتراكية حتى ينضج الظرف لكي تنجح احداها وتشكل قاطرة التاريخ .
بكل أسف مازال اليسار العربي يرفع يافطة الاشتراكية وينطلق من الرغبات والنتيجة لن تكون اّذا تمكنت احد فصائله من الوصول الى السلطة في ساحة عربية ما, أفضل من اشتركية الرفاق في اليمن الجنوبي او اشتركية الناصريين في مصر او اشتركية البعث في العراق وسوريا . لماذا لايكون لنا في التطور التاريخي درس نتعلم منه .
في صراع الرق مع الأسياد لم ينتصر الأرقاء وفي صراع الفلاحين مع الاقطاع انتصرت البورجوازية وفي صراع الطبقة العملة مع البورجوازية انتصرت البيرقراطية الحزبية على الأقل في البلدان التي وصل الشيوعيون فيها الى السلطة حتى الان وفي كل مرة كان التاريخ يمشي الى الامام والاستغلال الواقع على المنتجين يخف درجة على الأقل .
..........................................................................................
حول الديمقراطية :
كل اليسار العربي – شيوعيين وبعثيين وناصريين واشتركيين وقوميين أخذوا بالمفهوم اللينيني للديمقراطية وبلوروا مفهومهم للديمقراطية عرف بالديمقراطية الشعبية , طبعا هذا الانبهار بديمقراطية لينين المرسومة في قرآنه ما العمل سببها قدرة حزب لينين اقتناص السلطة عن طريقه , والمأساة تكمن بأن الكثير من الفصائل اليسارية العربية والتي تطرح شعار المقاومة لصد الاجتياح الأمريكي للمنطقة ستروج للنموذج اللينيني في التنظيم بوصفه خير مستجيب لخيار المقاومة, فمثلا عندنا في سوريا يريد الرفاق المتحمسون لوحدة الشيوعيين السوريين ان يوحدوهم في حزب لينيني لا مارتوفي منضبط على أسس المركزية الديمقراطية , وهكذا يصبح طراز ما العمل صالحا لكل زمان ومكان والذي ينظر للديمقراطية السياسية بأنها ديمقراطية صبيان . جاء في قرآن لينين ما العمل ص 155 ما يلي :
(( أما بالنسبة للديمقراطية في صفوف الحزب ضمن الظروف التي يناضل بها في الواقع الروسي , فالحديث عن الديمقراطية الواسعة في صفوفه محض هراء , بل تكفي الثقة الرفاقية بأناس وهبوا كل ما عندهم من أجل الديمقراطية الحقيقية . إن المبدأ التنظيمي الجدي الوحيد ينبغي ان يكون بالنسبة للعاملين في حركتنا المراعاة الدقيقة لقواعد العمل السري والاختيار الدقيق للأعضاء وإعداد الثوريين المحترفين . فإذا ما وجدت هذه الصفات حصلنا على شيئ أكثر من الديمقراطية , حصلنا بالضبط على الثقة الرفاقية التامة بين الثوريين , وهذا الشيئ الأكثر هو أمر لا نستطيع أبدا الاستغناء عنه , لأن الاستعاضة عنه بالرقابة الديمقراطية العامة أمر لا يمكن أن يطرح على بساط البحث عندنا في روسيا بأي وجه من الوجوه . ونخطئ أكثر الخطأ , إذا ما تصورنا استحالة تطبيق رقابة ديمقراطية حقا تجعل أعضاء المنظمة الثورية غير خاضعين للرقابة , فليس لديهم من الوقت ما يسمح لهم بالتفكير في الأشكال الديمقراطية , ديمقراطية داخل نواة متراصة من رفاق يثق أحدهم بالآخر كل الثقة , ولكنهم يشعرون بمسؤوليتهم أعمق الشعور ويعلمون في الوقت من تجربتهم , أن منظمة الثوريين الحقيقيين لا تحجم عن وسيلة للخلاص من عضو فاسد . ولدينا فوق ذلك في الوسط الثوري الروسي والعالمي رأي عام متطور بشكل كاف ومتأصل الجذور في اعماق الماضي يعاقب أشد العقاب على كل خروج عن واجبات الرفاقية , والديمقراطية الحقيقية لا الصبيانية تدخل في مفهوم الرفاقية ))
هل نحن بحاجة الى ايراد أمثلة عن تلك الثقة الرفاقية داخل الأحزاب الثورية الينينية والتي ترجمها علي ناصر محمد بإشهار مسدسه على رفاقه في اجتماع المكتب السياسي للحزب , أم بالانقلابات العسكرية المتكررة من الرفاق البعثيين على بعضهم .
هل من حاجة للتذكير بنتائج المركزية الديمقراطية في الأحزاب اللينينة والتي تعتبر ان القيادة دائما أوعى من القواعد وبالتالي لمصلحة الحركة الثورية التقيد بترشيحاتها
هل من حاجة للتذكير بأن لا أمين عام في حزب لينيني ترك منصبه الا بالموت أو الحديد والنار والكثير منهم عمل بجد لتوريث المنصب ضمن العائلة كما فعل الراحل خالد بكداش
هل من حاجة الى التذكير بانشقاقات الأحزاب الللينينية والتي كانت جميعها تنسى الأمبريالية وتنشغل بشرشحة رفاق الأمس .
على ما أعتقد إن أي نهوض لليسار العربي يفترض إرسال الفهم اللينيني للديمقراطية الى مذبلة التاريخ وعلى فصائل هذا اليسار اذا ارادت ان تلحق بركب التاريخ البدأ بدمقرطة نفسها أولا حتى يثق بها المجتمع أنها فعلا ستعمل من أجل الديمقراطية داخله
...........................................................................
حول الدين :
كل اليسار العربي تقريبا أخذ بالمقولة التالية : الدين أفيون الشعوب : وقسم الناس الى قسمين مادي علماني تقدمي ومثالي مؤمن رجعي وجّيش الصراع بين معسكرين مادي ومثالي وبالتالي عزل نفسه عن جماهيرنا الشرقية المتدينة صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير , مع أن الفكر المثالي وكل الأديان التي تقف على أرضيته غايتها الانسان والعمل من أجل سعادته , وإن وجد داخل هذا المعسكر- إذا أردنا استعمال التعابير القديمة - منافقين أصحاب عمامات تاجروا بمشاعر الدينين واستغلوا جهلهم من أجل تأمين مصالحهم فقد وجد في المعسكر المادي ما يقابلهم وهم المثقفون الانتهازيون الذين جيروا هذا الفكر من اجل خدمة مصالحهم الخاصة . والأحرى بنا أن نعتمد الفكر المثالي والمادي لخدمة قضية الانسان كي نحلق بها كطائر يطير في الجو بجناحين أحدهما يعتمد العقل والثاني القلب . مع الأسف الشديد لايزال اليسار العربي في غيه السابق . سنسوق مثالا هذه المرة من واقع نشرة الحوار المتمدن التي تقدم نفسها أول نشرة علمانية الكترةنية عربية وتطرح محور على كتابها يعالج أسباب ضعف وتشتت اليسار العربي .
لقد حملت السلسلة المنشورة فيها تحت عنوان – غربلة المقدسات - كثيرا من المغالطات بالمعنى النظري والسياسي ولم تحاكم الاسلام ضمن ظروفه وزمانه ومكانه . الأنكى من ذلك عقلية الصدم التي تجابه بها جماهيرنا المتدينة . كيف يمكن أن نصل بهذه العقلية الى تلك الجماهير التي تعتبر ان الحج ركن أساسي من معتقداتها بينما تقدم النشرة الحج بأنه طواف بين صنمين أصلهما عاشقين زنوا في الكعبة ومسخهما الرب _ إساف ونائلة . أما يوم العورة . وما أدراك ما يوم العورة والرضاعة الجنسية في الاسلام , الخ
لم تذكرني تلك الكتابة الا بمجلة صدرت في عام من بيروت عام 1975 تحت عنوان – سلطة المجالس – كان أبرز محرريها العفيف الأخضر جاء على غلاف العدد الأول بالقلم العريض ( إن عقليتنا العربيية بحاجة الى الصدم حتى الخرى والبول عليها ) ما أشبه اليوم بالأمس نحن نريد أن نصدم عقليتنا الاسلامية على طريقة آيات شيطانية للكاتب سلمان رشدي الذي صور نساء محمد داخل ياخور ؟؟ وبعد ذلك نتساءل عن أسباب ضعف وتشتت اليسار العربي .
حول المرأة وتحرهها الجنسي والاجتماعي وكيف نظر اليسار العربي لذلك , نعد أن تكون لنا وقفة طويلة معها في المستقبل إذا سنحت الظروف .
#كامل_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟