خالد عبد القادر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3180 - 2010 / 11 / 9 - 15:34
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
حقيقة الازمة الاقتصادية الامريكية:
يبدوا ان الحزب الديموقراطي, لم يكن محظوظا, ان تسلم مرشحه باراك اوباما ادارة الشأن الاميركي, في ظل ازمة اقتصادية بوزن وحجم يحيلها الى مستنقع رمال متحركة قادرة على ابتلاع اكثر من ادارة واكثر من فترة حكم. ولا اظن ان الحزب الديموقراطي وادارة اوباما قادران على اجتراح معجزة يستطيعان معها التملص من حقيقة انهما لن ينالا فترة حكم ثانية. واذا تذكرنا ان المؤسسات الحكومية هي عادة ما توجه سياسات الولايات المتحدة, واذا تذكرنا ان هذه المؤسسات نفسها تعجز عن الاتيان بحلول فورية نهائية لهذه الازمة, لاستطعنا تقدير حجم الورطة التي يجد الحزب الديموقراطي وادارة اوباما نفسيهما بها,
ان الدلائل تشير الى استمرار التراجع في معدلات نمو الاقتصاد الامريكي, واهم هذه الدلائل استمرار تتامي ظاهرة اعلان افلاس واغلاق المؤسسات المالية الربوية البنوك, والتي تعكس بالطبع تراجع حجم نطاق الاستثمار في الاقتصاد الامريكي, فراس المال الربوي ينمو على الفارق بين الاستقراض الذي تمثله الايداعات البنكية, والاقراض الذي يضخه البنك في مجال الاستثمار الاقتصادي في عملية الانتاج القومي, وحين يضيق حجم الاقتراض من البنوك فان ذلك يعني بالضبط كسرا مضاعفا لجناح من اجنحة راس المال الربوي, تتضاعف اضراره بالاثار اجتماعية المترتبة عليه, فالبنوك تبقى مضطرة لدفع فوائد ايداعاتها البنكية, في نفس اللحظة التي يتضائل معها حجم مردودها من فوائد الاقراض الذي تكون قد ضخته في عملية الانتاج القومي والسوق المحلي,
ان المعنى الحقيقي والجوهري والاخطر للازمة الاقتصادية الامريكية هيانها تعكس مقدار تراجع قدرة الاقتصاد الامريكي على التنافس في السوق العالمي, الامر الذي عكس نفسه على حجم قدرة الاستثمار المحلي, فزادت تكلفة عملية الانتاج وتقلص حجم ربحيتها ومردودها, الذي لا علاج له في منطق الفردية الراسمالي, إلا العمل على خفض تكلفة الانتاج, الذي تاخذ اول صوره عملية تسريح اليد العاملة, مما يزيد ويرفع نسبة البطالة ويخفض القدرة الشرائية للطبقات الشعبية, والتي كان من الطبيعي ان تتكثف صورتها في عدم التزام المقترض من البنك بالسداد, في مجنمع اصبح الاقتراض من البنك هو وسيلته الرئيسية لتملكه السيولة اللازمة للاستجابة لمتطلباته المعيشية. وبذلك حصل قصر في دورة الدولار الامريكي, ( ن ب ن ) شكله عدم تحول الدولار الى حجم الانتاج والتسويق البضاعي المكافيء لحجم التكلفة القومية لعملية الانتاج, فالدولار لم يعد يتحول بالمعنى الاقتصادي الى حجم نفوذ اقتصادي عالمي, او ان حجم النفوذ الاقتصادي المتوفر لا يكافيء حجم العملة النقدية القومية وعملية الانتاج القومية الامريكية الكبيرة والعالية التكلفة. مما ينعكس في صورة انخفاض في قيمة الدولار الشرائية محليا والتبادلية عالميا. مع استمرار فقدان التنافسية لوجود عملية نقدية وقدرة عملية انتاج قومية اخرى اكثر تنافسية منه.
ان الازمة الاقتصادية في الولايات المتحدة, في جوهرها هي انعكاس, ومردود, لوضع الصراع الاقتصادي العالمي, الذي تتداخل به ومعه تباينات الااسباب الذاتية لقومياتها خلال عملية التناحر العالمي, وفي هذا السياق لا بد من ملاحظة ان معدلات نمو الاقتصاد الصيني تبقى هي التصاعدية ازاء بطؤ معدلات نمو اقتصاديات المراكز العالمية التقليدية كاوروبا واليابان وغيرها, ولا شك ان ذلك يعود بصورة رئيسية الى ان حجم قيمة العمل الذي تضمنه الانتاج البضاعي الصيني اكبر, وتعكس سعة الحجم الضخمة للطبقة العاملة الصينية, وفي نفس الوقت اقل تكلفة, الامر الذي منحها ميزة السعر عالي التنافسية امام الاخرين عالميا, فتكلفة تشغيل هذه الطبقة العاملة لم تتطلب بعد مستوى معيشي من الوزن والحجم الذي وصلت اليه الطبقات العاملة في مجتمعات المراكز الاقتصادية العالمية الاخرى. لذلك كان اضطراد تزايد معدلات نمو الاقتصاد الصيني يعني اضطراد خسارة في معدلات نمو اقتصاد المحاور الاخرى.
ان الحقائق السابقة تعني ان الازمة الاقتصادية الامريكية مرشحة لمزيد من التصاعد, بل وان حجم ارتداداتها العالمية سيكون اوسع يلازمه احتمال ان تلحق الازمة بمراكز اقتصادية عالمية اخرى, ولا اظن ان معالجات الترقيع التي تجري الان ستؤدي الى تعافي اقتصاد هذه المراكز إلا اذا تم معالجة السبب العالمي الجوهري لها وهو تحجيم او وقف او ضرب القوة التنافسية المتصاعدة للاقتصاد الصيني.
ان المعنى السياسي الرئيسي للاستنتاج السابق, هو اما الحرب كملاذ اخير اذا لم تفلح حلول اقتصادية اخرى, وهو امر يدركه قادة هذه المراكز العالمية, ويعملون على تفاديه بشتى الطرق, لاعتبار ان حربا من هذا المستوى وبين مثل هذه المراكز ستكون حربا تدميرية لم يمر مثلها سابقا على الانسانية, وهي بالتاكيد ستكون ذات نتائج حضارية كارثية على الجميع, او ان هذه المراكز ستسعى لحل استعصاء هذه الازمة سلميا عن احد طريقين
الاولى: رفع مستوى تكلفة عملية الانتاج الصيني, الى حجم يفقدها قدرتها التنافسية العالية, ( المفهوم والتوظيف الامريكي لمقولة حقوق الانسان في الصراع السياسي الاقتصادي )
الثانية توظيف العالم الثالث ( السوق العالمية الموازية للسوق التبادلية بين المراكز نفسها ) في حصار بعضها البعض اقتصاديا, وهنا الصين تحديدا. بما ينتهي الى تحطيم قسم منها مرحليا, ومن الواضح ان تحالفات عالمية ستقوم بين بعض من هذه المراكز ستسعى تحديدا الى اما الى وقف اندفاع الاقتصاد الصيني, او كبديل لذلك الى تسريع انهيار الولايات المتحدة الامريكية, والخيار الاخير اقرب ما يكون لاعلان حرب عالمية.
مؤشر الحلول الامريكية:
من الواضح ان التمايز السياسي بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي, هو تمايز اداري, لا يتعلق بمصداقية وشفافية المشاعر القومية الامريكية ولا يتعلق بالعمل على اساس مبدأ تفوق اميركا عالميا, ففيما يتعلق بالعلاقات الدولية يميل الجمهوريون الى التشدد والحسم والعنف اكثر فيما يعتبر ذلك الديموقراطيون الملاذ الاخير, اما على الصعيد الداخلي فان الجمهوريون اكثر ميلا الى المركزية وحصر الحريات الديموقراطية في اطار الطبقة الامريكية الثرية على حساب باقي الطبقات الشعبية الامر الي يعزز دور المؤسسة الحكومية ويزيد من توظيفها لصالح الاثرياء, في حين ان الديموقراطيون يميلون الى التمسك بالديموقراطية وتعزيز سلطتها, لكن ذلك ليس بالمعنى المطلق, ففي النهاية, وبخصوص هذه الازمة الاقتصادية, لا يمكن القول ان كلا الحزبين الجمهوري والديموقراطي, يريان في الشعب الامريكي الخاسر الاكبر في هذه الازمة الاقتصادية وحلولها, فالبرجوازية الامريكية ترى نفسها على انها الخاسر الاكبر في هذه الازمة الاقتصادية, وهي حين تبحث عن حلول لهذه الازمة, فانها بالواقع تبحث بصورة خاصة عن حل لازمتها الخاصة, وان في هذا السياق ينعكس حمل الحل مردودا طيبا للطبقات الشعبية الامريكية, فهي قوة العمل التي لا تستطيع هذه البرجوازية الاستغناء عنها, لذلك فان القيادة السياسية الامريكية في ادارتها للازمات الاقتصادية تلجأ الى مستويين من الحلول,
الاول منها الحلول العملية المباشرة التي تخدر احساس الطبقات الشعبية بضرورة معاقبة البرجوازية, وفي هذا الصدد نراها مضطرة الى توفير اكبر قدر من السيولة ليد الطبقات الشعبية ولو باعلى تكلفة اقتصادية, تنعكس حتما, سلبا على قدرتها على التنافس عالميا, لكنه حل من نمط مجبر اخاك لا بطل, لذلك لجأت الولايات المتحدة الامريكية الى طباعة وضخ مليارات الدولارات في السوق الامريكية, وتحملت باهظ تكاليف المعونات الاجتماعية والتامين والرعاية الصحية. وهي لا تلتفت مؤقتا الى انعكاس هذه العملية على علاقاتها العالمية, وصرخات الاطراف الدائنة للاقتصاد الامريكي كاوروبا والصين, والتي انخفضت قيم مديونيتها للولايات المتحة الامريكية تبعا لتزايد انخفاض القيمة التبادلية له عالميا, طالما انه متدني القيمة الانتاجية, وهي بالضبط كاسترداد دين شخصي مرت عليه سنوات تاكلت معها القيمة الشرائية للقيمة المدانة,
الثاني الحل الاستراتيجي الرئيسي الذي يعالج ازمة البرجوازية نفسها والذي يتمحور حول استردادها الوضع التنافسي لعملية انتاجها في السوق العالمية, والذي لا يمكن معالجته بمدة زمنية وجيزة بل يحتاج الى مدى زمني طويل نسبيا, وملاذها في ذلك اعادة توظيف نفوذها السياسي الواسع عالميا ليؤتي مردود تنموي اقتصادي يعيد تحسين الشروط التنافسية في الصراع الاقتصادي العالمي,
والحقيقة ان الحزبين في الولايات المتحدة الامريكية لا يملكان حلولا غير ما مر ذكره هنا, خاصة ان ناظمهما واحد فكلاهما يحتكم الى رؤية المؤسسة الحكومية الامريكية المتنوعة الاختصاصات ووجهة نظرها والحلول التي تقترحها, ولا يتميز حزب عن الاخر من حيث الجوهر في شيء. الا في ما يخص المناورة في كيفية تنفيذ توصيات المؤسسة الحكومية الامريكية,
ان العقاب الذي تلقاه الحزب الديموقراطي في الانتخابات النصفية, كان سيتلقاه ايضا الحزب الجمهوري لو كان هو في نفس هذا الوقت مكان الحزب الديموقراطي, ولربما كان يجب فهم تصريح باراك اوباما عن ان الوضع الاقتصادي هو سبب خسارة الحزب الديموقراطي هذه الانتخابات, ودعوته للتعاون بين الحزبين بهذا الصدد يمثل اشارة للحزب الجمهوري في ان كلاهما في نفس المركب ويواجهان نفس المصير, وانه دعوة للتعاون المشترك, اكثر من كونه نقدا وجلدا لذات النهج والادارة الديموقراطية للازمة الاقتصادية, فقد سبق لادارات جمهورية ان مواجهت اوضاع شبيهة وان لجأت الى نفس الاساليب والوسائل, رغم ان الازمات التي واجهتها وان كانت من نفس النوعية الا انها لم تكن من نفس الحجم والوزن.
وفي هذا السياق يمكن القول ان جولة اوباما الاسيوية تحمل رسالة الى الحزب الجمهوري مفادها ان الادارة الديموقراطية لا تمانع مشاركة الحزب الجمهوري في ادارة حل الازمة الاقتصادية واعتمادهما اساليب مشتركة يمكن للحزب الجمهوري النفاذ اليها من خلال التعاون في المجالس التشريعية الامريكية النواب ذي الاغلبية الجمهورية والشيوخ ذي الاغلبية الديموقراطية,
جولة اوباما الاسيوية:
لم نكن مخطئين حين قلنا في عنوان المقال ان جولة اوباما الاسيوية لها في نفس الوقت طابعي الابتزاز والتسول, ولربما يوضح الشرح السابق ان السلاح الوحيد الذي يحمله اوباما معه في هذه الجولة هو النفوذ السياسي الامريكي, الذي سوف يوظفه في كلا اسلوبي الابتزاز والتسول في ان واحد, اما التسول فهو بهدف الحصول على اتفاقيات تسويق فورية لا يهم نوع البضاعة التي يسوقها بها مقابل الحصول على عقود بمليارات الدولارات تعيد تحريك عجلة الاقتصاد الامريكي وتخلق فورا فرص عمل تقلل من تنامي حجم البطالة الامريكية, وترفع من قدرة الطبقات الشعبية الشرائية فتمتص غضبها, الى حين انتظام تعافي الاقتصاد الامريكي وانتظام عجلة حركته على المدى الاستراتيجي. هذا الامر الذي سوف يؤمنه توظيف نفس النفوذ السياسي الامريكي في خلق تحالفات عالمية تحاصر به اندفاعة الاقتصاد الصيني, لذلك لم يكن مستغربا ان تبدأ جولته بالهند التي لها موقفا على درجة من الصراع مع الصين بسبب دعم واسناد هذه الاخيرة لباكستان عدو الهند اللدود, كما لم يكن مستغربا ان ينتقد اوباما باكستان من الهند, بالرغم من وجود مهمة مشتركة بينهما في محاربة الارهاب والوضع في افغانستان, ملوحا في نفس اللحظة للهند بامكانية دعمه طلبها الحصول على مقعد دائم في مجلس الامن, وفك الحظر الموجود على تصدير التقنيات المتقدمة لها, ان تباين نتائج اوجه هذه الحركة يعكس تباين نمطي الابتزاز والتسول, لكنهما يصبان في الهدفين المباشر والاستراتيجي,
ان اتفاقية العشرة مليارات دولار على اهميتها المباشرة بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية والهند, الا انها ليست الاهم من نتائج هذه الزيارة, وهي وان استجابت للمطلب الملح من المطالب الامريكية والهندية, الا ان الاهم هو مقدار نظم علاقة سياسية استراتيجية بين البلدين في اتجاه مضاد للاندفاعة الاقتصادية الصينية التي تنعكس سلبا على الهند ايضا, وتقلل من فرص تنافسها الاقتصادي العالمي, وبهذا الصدد لا بد من الاشارة الى ان مستقبل العلاقة السياسية بينهما خطرها الاكبر على الصين مستقبلا, خاصة انه لن يكون وضعا ثنائيا منفردا بل سيكون جزءا من عملية انتظام عالمي اوسع. وفي نفس التوجه وعلى نفس النمط ستكون محاولة اوباما ان تكون نتائج زياراته الى باقي الدول في جولته الاسيوية. بل واظن انه ستتبعها جولات اخرى في نفس اسيا والى افريقيا وامريكا اللاتينية, لكن الاهم من هذه الجولات ستكون ولا شك زياراته الى المراكز الاقتصادية الرئيسية في العالم خاصة الاوروبية,
ان مدى اهداف جولة اوباما الاسيوية في الحقيقة لا تقف عند حد الاستجابة للمطلب الاستراتيجي في حصار الصين فهي تحمل رسالة الصعيد الداخلي تتعدى حد تخدير الطبقات الشعبية الامريكية, انها مؤشرا تصالحيا مع الحزب الجمهوري, الذي باتت اغلبيته في مجلس النواب الامريكي تشكل اما معيقا او معينا لادارة اوباما في ما تبقى له وللحزب الديموقراطي, في الحكم, ومن الواضح ان جولته السياسية الاقتصادية الاسيوية واجراءات اقتصادية اخرى باتت في طابعها اقرب الى المواجهة مع الصين من ان تكون تحاورية تفاوضية, وهو الامر الذي سيشعر ولا شك الحزب الجمهوري بمستوى اعلى من الرضا عن ادارة اوباما ولربما يمنحه ذلك املا في نيل فترة حكم ثانية. ان البرجوازية الامريكية تتحد مرة اخرى في تحد موحد للعالم. انها تعيد تحميل العالم تكلفة حل ازمتها الاقتصادية الخاصة, انها تصدرها للخارج لا كما يقول بيان اللقاء اليساري العربي المنعقد في بيروت في غباء يساري تقليدي, ان الولايات المتحدة كفت عن تصدير ازماتها للخارج.
#خالد_عبد_القادر_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟