|
بلاغ عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي
الحزب الشيوعي العراقي
(Iraqi Communist Party)
الحوار المتمدن-العدد: 3180 - 2010 / 11 / 9 - 01:22
المحور:
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
عقدت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي يوم الجمعة الخامس من تشرين الثاني 2010إجتماعا إعتياديا.
وأفتتحت اللجنة إجتماعها بالوقوف إجلالا لذكرى شهداء الأعمال الإجرامية للقوى الإرهابية، والراحلين من أعضاء الحزب وكوادره، والناشطين الآخرين في الميدان الوطني.
وبحث المجتمعون التطورات والمستجدات التي طرأت على أوضاع البلاد في جوانبها المختلفة، منذ الإجتماع السابق للجنة المركزية في نيسان الماضي. وركزوا قبل كل شيء على قضايا الأزمة السياسية، والأذى الناجم عن تأخير تشكيل الحكومة ، والحالة الأمنية، والمعاناة المعيشية والخدمية للجماهير، وتنامي حركة الإحتجاج الشعبية، وتقدم الجهود الرامية إلى جمع قوى التيار الديمقراطي وتوحيد قدراتها.
وإلى جانب التقرير السياسي في هذا الخصوص، تدارست اللجنة المركزية تقريرا إنجازيا في شأن نشاطات الحزب بقيادته ومنظماته في الفترة المنصرمة، في ميادين العمل المختلفة: التنظيمي والجماهيري والفكري والديمقراطي والعلاقاتي والإعلامي وغيرها. كما تناولت بالبحث النشاط التحضيري لعقد المؤتمر الوطني التاسع للحزب في السنة المقبلة.
واتخذت اللجنة المركزية في ختام مداولاتها مجموعة من القرارات والإجراءات، المتعلقة بالقضايا موضوع البحث والمهمات التي تواجه الحزب في خصوصها، وللإرتقاء بمستوى عمل منظمات الحزب وكفاءتها وقدرتها الإنجازية.
وقد لاحظ الاجتماع عند دراسة التطورات والمستجدات السياسية أن أزمة تشكيل الحكومة ظلت تطغى على المشهد السياسي في البلاد منذ انعقاد اجتماع اللجنة المركزية في نيسان الماضي، وما زالت. وتشكّل هذه الازمة وتداعياتها وانعكاساتها وما ينجم عنها ويترتب عليها، الملامح الرئيسة للوضع السياسي القائم.
وكان الاجتماع السابق للجنة المركزية قد عالج بصورة شاملة ومتكاملة، جميع جوانب انتخابات مجلس النواب في آذار الماضي وتنظيمها، وتناول بالشرح الوافي والتحليل الدقيق ما رافق التحضير لها من قصور وما شاب اجراءها من سلبيات ونواقص ، وحتى تجاوزات وخروقات، كان لها الاثر الملموس في تحديد النتائج التي تمخضت عنها وفي خلق الازمة الراهنة.
وجاء قرار المحكمة الاتحادية بشأن لا دستورية تعديل قانون الانتخابات، الذي اقره مجلس النواب خريف السنة الماضية، ليؤكد بوضوح التجاوزات الفاضحة التي ارتكبت. يضاف الى ذلك الدور الكبير الذي لعبه تدفق المال السياسي من مصادر متنوعة على القوى السياسية المتنفذة، التي استخدمته بنطاق واسع في تمويل حملاتها الانتخابية والاعلامية الباذخة وفي شراء الاصوات، مثلما استخدمت موارد الدولة ومواقع السلطة والنفوذ للتأثير على الناخبين.
وكان من بين العوامل المؤثرة الرئيسة التي اشرها حزبنا ، سواء في التحضير للانتخابات وتمويل الحملات الانتخابية او في تشكيل القوائم الانتخابية وتقرير مواقفها ، الدور الذي لعبه العامل الخارجي والتدخلات الاقليمية والدولية، بالاضافة الى الاستقطابات الطائفية. وان التحليلات والاستنتاجات التي تضمنها تقرير اجتماع اللجنة المركزية في نيسان الماضي، بشأن الانتخابات وادارتها ونتائجها ومواقف القوائم الكبيرة المتنافسة وطبيعة الصراع بينها، تحتفظ بصحتها ، وقد جاءت الاحداث والتطورات اللاحقة لتؤكد صدقيتها.
طبيعة الازمة : ازمة تشكيل حكومة، أم أزمة حكم ونظام سياسي؟
يثيرعجز القوائم الفائزة في الانتخابات عن التوصل إلى التوافقات الضرورية لتشكيل الحكومة الجديدة، تساؤلات مشروعة حول الابعاد الحقيقية للازمة التي تواجهها البلاد. فرغم ما مثله اختيار السيد المالكي مرشحاً للتحالف الوطني ( في غياب واعتراض المجلس الاعلى الاسلامي) من كسر للجمود وتحريك لعملية التداول والتفاوض بين الكتل الفائزة، بقي كل من هذه الكتل متمسكا بموقفه مصرا على مطالبه، وبسبب من ذلك لم يمكن انهاء الجلسة المفتوحة لمجلس النواب المخالفة للدستور، ودعوة المجلس من ثم للانعقاد لانتخاب رئيس المجلس ونائبيه ورئيس الجمهورية.
ولعل التساؤل الاساس هنا يتعلق بقدرة القوى السياسية المتنفذة على التمادي في سلوكها المتعنت هذا، والتشبث بمطالبها المتعارضة في شأن حصصها من مواقع السلطة والنفوذ، وعدم تورعها عن انتهاك الدستور، رغم ما ينجم عن ذلك من فراغ سياسي ودستوري، ينطوي على تداعيات ومخاطر مفتوحة على الاصعدة السياسية والامنية والاقتصادية والخدمية، ذات المساس المباشر بحياة الناس اليومية وبحاضرالبلاد ومستقبلها!
ألا تؤشر أزمة تشكيل الحكومة ياترى،عناصر الضعف والخلل الجديين في العملية السياسية، وفي عملية اعادة بناء مؤسسات الدولة، وفي الآليات الدستورية التي تحكم عمل السلطتين التنفيذية والتشريعية ؟ واذا امعنا النظر في جذور هذه الأزمة، وسعينا للوقوف على الاوضاع والعوامل التي ادت الى ظهورها واستمرارها، فهل نستطيع اغفال كونها، في نهاية المطاف، انعكاسا وتجسيدا ملموسا لأزمة في نظام الحكم نفسه، الذي افرزته العملية السياسية؟ من هنا فان من واجب سائر القوى الحريصة على استمرار العملية حتى بلوغها الهدف المنشود المتمثل في بناء دولة مدنية ديمقراطية اتحادية موحدة مستقلة ، ان تضع في حسابها مهمة اصلاح العملية السياسية، بعد اجراء مراجعة نقدية لما انتجته من اطر وهياكل مؤسسية ، ولما قامت عليه مـن قواعد وممارسات.
فتجربة الاشهر الأخيرة تكشف بصورة لا لبس فيها، أن القوى السياسية المتنفذة والقابضة على مفاتيح السلطة تتحكم واقعا بالدستور، و"تنتقي" ما يناسب مصالحها ويلائم تصوراتها من بنوده وأحكامه فتحترمه وتفعّله، في حين تتجاهل غيره وتنبذه. وهي بسلوكها هذا المناهض للدستور في نصه وروحه، تمارس في الواقع نوعا من التسلط على الشعب، الذي لم يفوضها ناخبوه بأي حال "صلاحية" التجاوز على الدستور وخرقه! فيما غالبية النواب ، خاصة الجدد المنتخبين، ارتضت التهميش والتغييب، والتزمت الصمت إزاء التجاوز المستمر اشهراً على الدستور، دون اعتبار لمسؤوليتها ولواجبها في تمثيل ناخبيها والتعبير عن ارادتهم تحت قبة البرلمان. وان هذا الاداء، فضلا عن بعض جوانب السلوك الانتخابي للناخبين، افقد نظام القائمة المفتوحة مغزاه وجدواه والفوائد المتوخاة منه .
فالمأزق السياسي الذي افضت اليه النتائج غير الحاسمة للانتخابات الاخيرة، لم ينجم فقط عما رافق العملية الانتخابية من نواقص وسلبيات اشرها حزبنا في أكثر من مناسبة ومكان، وانما ايضا عن استمرار هيمنة الهويات الفرعية ، الطائفية والعشائرية والقومية ، في بناء وتشكيل الكتل السياسية المتنفذة ، وفي توجيه سلوك وخيارات الناخبين، على حساب البرامج السياسية واعتبارات الكفاءة والنزاهة والاخلاص لدى المرشحين.
وباسم تحقيق "التوازن" بين "المكونات" في احتلال مواقع المسؤولية العليا في الدولة، تم تكريس المحاصصة الطائفية والأثنية في بناء مؤسسات الدولة، ما يعني عملياً تقاسم النفوذ والسلطة بين الاحزاب والكتل السياسية المتنفذة، القائمة على اساس طائفي او قومي. وقد تراكمت على مدى السنوات القليلة الماضية امثلة ومعطيات كثيرة عن الاثار الخطيرة لاعتماد نظام المحاصصة في بناء الدولة، والمتمثلة في التشظي في عمل الوزارات، وضعف الانسجام داخلها، وصعوبة بلورة الرؤى المشتركة واتخاذ القرارات، وضعف الاداء العام، وظهور مراكز قوى مختلفة، وخلق بيئة مؤاتية لانتشار الفساد المالي والاداري وانتهاك مبدأ المواطنة وتساوي المواطنين في الحقوق ، وغير ذلك من مظاهر الخلل. وهذا ما دفع جميع القوائم إلى اطلاق الوعود بالعمل على انهاء المحاصصة ، او على الاقل حصرها في نطاق ضيق. الا ان سائر المعلومات المتوفرة عن فحوى الاوراق والمشاريع التي تتداولها اليوم الكتل السياسية الفائزة وتناقشها، تؤكد ان العمل بنظام المحاصصة سيتواصل، وربما على نطاق اوسع ، ما يعني ان احد اهم اسباب الخلل في بناء واداء اجهزة الدولة والقوات المسلحة، سيعاد انتاجه.
ومن الواضح ان ارضية المشروع الوطني تنحسر بالضرورة نتيجة لهذا النهج، وبتأثير النظر إلى التوافق السياسي وتطبيقه وفقا لمنطق المحاصصة الطائفية والاثنية، وبفعــــل تسييس الهويات الفرعية.
ويلقي هذا كله ظلالاً من الغموض واللبس على المشروع الذي تحمله العملية السياسية فعلا، ويبيّن مكمن الضعف في بنية القوى المحركة لهذه العملية. فتلك الحاملة للبعد الوطني والديمقراطي في العملية السياسية لا تزال ضعيفة، رغم تمتعها بتأثير فكري وسياسي يتجاوز وزنها العددي. فيما تنعدم الرؤى الموحدة لدى القوى المتنفذة، إلا بالحدود التي تفرضها شروط تقاسم السلطة والنفوذ والمزايا والمنافع، مقابل طغيان مشاعر عدم الثقة على العلاقات في ما بينها ، ما يحول دون تكوينها نواة صلبة ومتماسكة، تؤمن استقرار العملية السياسية وثبات توجهاتها.
ما كشفته الأزمة عن سلوك واداء القوى السياسية المتنفذة
شهدت الأشهر السبعة الماضية تناميا مطردا للقلق العام ازاء لاجدوى الجهود التي بذلتها الاطراف السياسية المتنفذة، علنا حينا ووراء ابواب مغلقة في غالب الاحيان، باسم السعي لتتويج انتخابات 7 آذار بتشكيل الحكومة الجديدة. فاللقاءات والمداولات والحوارات التي لم تنقطع بينها في هذا الخصوص، والتي حفلت من جانب بوعود التوافقات والاتفاقات وقرب التوصل اليها، ومن جانب ثانٍ بتنافر المواقف والانقلابات المفاجئة فيها والتنصل من العهود وتبادل الاتهامات، لم تفض الى النتيجة الموعودة. بل على العكس تماما، ادت في النهاية الى صب مزيد من الزيت على نار التنافس والصراع، خاصة بفعل التحرك المحموم للاطراف بحثاً عن الدعم والاسناد في دول الجوار وفي المحيط الاقليمي والدولي.
ومع امتداد زمن الازمة واشتداد الاستعصاء وتنامي الاحتقان السياسي، رغم اعلان الجميع الرغبة في العمل سوية في اطار حكومة مشاركة، اخذ القلق يتصاعد في المجتمع من استمرار الفراغ السياسي والدستوري، فيما شهدت الاوضاع الاقتصادية ترديا واضحا مع ارتفاع نسب البطالة وغلاء الأسعار المرهق وتفاقم أزمة السكن والنقل، واستمرار معاناة المتقاعدين والمفصولين السياسيين ، وحالة شبه الشلل في المؤسسات الانتاجية الصناعية والزراعية . وفي ظل غياب رقابة مجلس النواب اقدمت الحكومة على مجموعة من الاجراءات الاقتصادية الهامة ذات الطابع الاستراتيجي والمتعلقة باعادة هيكلة شركات الدولة وفقا لخارطة طريق اقرها مجلس الوزراء، كما اجرت جولة التراخيص الثالثــــــة للنفط والغاز.
وتحول القلق إلى غضب لدى الكثيرين، ووجد هذا تعبيره في حركات احتجاجية متنوعة، شملت بغداد والعديد من المحافظات.
في غضون ذلك كشفت الازمة الكثير عن حقيقة مواقف القوى السياسية المتنفذة ونهجها وسلوكها، وهذا أمر لا جدال في اهميته الكبيرة عند تقييم حدود قدراتها وامكاناتها، وطبيعة السياسات التي يمكن ان تنتهجها.
فالقوى المتنافسة تماثلت في التشبت بمصالحها وبحصتها في السلطة والنفوذ والمغانم، وفي الدفاع عنها بضراوة، حتى لو ادى ذلك الى تعريض امن ومصالح البلاد إلى مخاطر جدية. ولفت الانتباه غياب مناقشة البرامج والسياسات عن مباحثات تشكيل الحكومة، فيما كانت حصة كل طرف في المواقع العليا في الدولة موضوع الصراع الارأس. وبقي التعنت والتمسك بتأمين اعلى المكاسب، وما زال، يحول دون تقديم التنازلات الضرورية للوصول الى اتفاقات خدمة ً للمصلحة الوطنية العليا.
ولم تبد القوى النافذة استعدادا لمراجعة مواقفها، رغم مخاطر التدهور الامني وشلل الحياة الاقتصادية وتردي الخدمات العامة.
كما ان القوى المذكورة لم تتردد في قبول التدخلات الفاضحة لدول الجوار وبعض القوى الدولية، وفي التعامل معها، بل وفي استدراجها، في انتهاك سافر للسيادة الوطنية. وليس خافياً ما ينجم عن ذلك من اهتزاز لصورة العراق ومكانته اقليمياً ودولياً، إلى جانب الانتقاص من استقلاله واخضاعه للوصاية الخارجية.
وسلـّطت الازمة الضوء، من جهة اخرى، على الهوة التي تفصل بين اقوال هذه القوى وافعالها. فهي فيما تعلن، جميعا، تمسكها بالدستور كمرجع اعلى واجب الاحترام، تقبل كلها بانتهاك بعض مواده – في تصويتها مثلا للجلسة المفتوحة وتجاوز الاماد الزمنية المنصوص عليها في الوثيقة الاساسية لاختيار الرئاسات الثلاث. تماما كما توافقت على إقرار تعديلات قانون الانتخابات، التي اصدرت المحكمة الاتحادية في ما بعد قراراً بعدم دستوريتها.
ولا يمكن بالطبع التقليل من شأن التهديد، الذي يمثله استمرار الازمة والتعنت في مواقف الكتل السياسية، للعملية الديمقراطية وللنظام الدستوري. فبقاء الازمة، مع ما يرافقه من انتهاك للدستور ومن تسويف والتفاف على ارادة الناخب، من شأنه زعزعة ثقة المواطنين بجدوى العملية الانتخابية، والتقليل من احترامهم للدستور. كما انه يشجع اعادة الترويج للافكار الانقلابية والحلول اللادستورية، ويوفر فرصاً وثغرات ينفذ منها اعداء العملية السياسية والمتربصون من ازلام النظام المقبور والقاعدة وقوى الارهاب والجريمة المنظمة .
وكان لافتاً في سلوك الاحزاب والقوى النافذة، هذا التذبذب في مواقفها واصطفافاتها، الامر الذي لم يؤكد هشاشة الائتلافات القائمة فحسب، بل وشكك في جدية التزامها بالعهود والمواثيق، وفي صدقية وثبات مواقفها السياسية . ومن الواضح ان هذه الذرائعية المفرطة، تساهم في اشاعة اجواء عدم الثقة والتوجس بين القوى السياسية، وتعسر عملية التوصل الى اتفاقات يركن اليها.
في ضوء ما تقدم، لا يبدو الاستعصاء الراهن الا محصلة طبيعية. في حين ينهض التساؤل المشروع، عما اذا كان في وسع هذه الاوضاع ان تثمر حلاً، وان تفضي الى تشكيل حكومة مبرأة من اخطاء سابقاتها ومن ضعفها ونواقصها وقصورها، حكومة قادرة على مواجهة تحديات تسلم الملف الامني كاملاً، وتثبيت الامن والاستقرار، واستنهاض الاقتصاد الوطني، والارتقاء بالخدمات العامة ومعالجة العديد من الملفات العالقة الاخرى.
أزمة تشكيل الحكومة: الحلول المطروحة والآفاق
تتباين التصورات المطروحة في شأن التشكيلة الحكومية، وما يجري تداوله انطلاقا منها كاشكال محتملة لحل الازمة. غير ان التوليفات المحتملة جميعا تواجه مشاكل جدية تحول دون تحقيقها.
ولا تكمن العقبة الكأداء هنا في اختلاف الرؤى والمشاريع السياسية للكتل، الذي يبدو ان تجاوزه ممكن. وانما تتجلى في التنازع على المواقع الاساسية، والتدافع والتنافس بين الشخصيات القيادية للاستئثار بها. ومن الواضح ان تذليل هذه المشكلة يقتضي تنازل احد اطراف الصراع، وإبداءه الاستعداد "للتضحية" بالموقع من اجل فتح الطريق امام تشكيل الحكومة. إلا ان ايا من الاطراف لم يبادر الى ذلك حتى الآن ، وليس في المواقف المعلنة ما يؤشر استعدادا للاقدام عليه، ان لم يكن العكس هو الصحيح. لذلك يبدو ان استمرار الأزمة هو الاحتمال الارجح، ما لم يحدث انعطاف مفاجئ في المواقف.
وقد ينفتح طريق للحل اذا انتقلت قوة سياسية ،أو مجموعة مهمة من النواب من كتلة إلى أخرى، واحدثت بذلك تغييراً حاسماً في موازين القوى ،يتيح تحقيق الاغلبيات المطلوبة لانتخاب الرئاسات. او في حال اقتنع تحالف الكتل الذي يمتلك أغلبية المقاعد في البرلمان، باستحالة تشكيل حكومة شراكة تضم جميع الاطراف، وقرر التوجه نحو تشكيل حكومة أغلبية تستثني الأطراف المتمنعة.
غير أن كلا من المخارج المحتملة للأزمة يحمل في طياته عناصر عدم استقرار، وينطوي على تعقيدات كثيرة. فاذا قامت حكومة شراكة تضم الكتل الفائزة جميعا، فان من الصعب تصور أن لا يترك التوتر في علاقاتها المتبادلة والتراشق بالاتهامات وتبادل المواقف المتشنجة، المتواصل على امتداد الشهور الماضية، تأثيراته السلبية على الحكومة وعلى انسجام اعضائها واجواء الثقة المتبادلة فيها ووحدة توجهها، وبالتالي على فعاليتها وقدرتها على الانجاز. وفي المقابل يمكن لتشكيل حكومة أغلبية ان يزيد من توتر الأوضاع العامة، وان يصعد من عدم رضا بعض دول الجوار ويدفعها الى المزيد من التدخلات غير المشروعة. وفي جميع الأحوال، تصبح عملية اتخاذ القرار ورسم سياسة الدولة أكثر تعقيداً ، ما ينعكس بالضرورة على اداء الحكومة. ان في كل من هذه الاحتمالات ما يثير الشك ويدفع الى القلق في شأن قدرة مثل هذه الحكومات على النهوض بمسؤولياتها الكاملة ، في تحقيق الامن والاستقرار وتوطيدهما، وفي معالجة المشاكل الاقتصادية الكبرى مثل البطالة وتوفير الكهرباء وتأمين الخدمات الاساسية، وتنشيط عجلة الاقتصاد الوطني، وتطبيق استراتيجيتي مكافحة الفقر والفساد، واصلاح ادارة الدولة، واستكمال الاستعداد لتسلم الملف الأمني كاملاً بعد انسحاب القوات الأمريكية نهاية عام 2011، ومواصلة الجهد للخروج من الفصل السابع وتعزيز مكانة العراق واحترامه على المستويات المحلية والاقليمية والدولية. وثمة مخاوف جدية في اوساط واسعة من ابناء شعبنا عمّا يترتب على التنازلات ما بين الكتل المتحالفة والمساومات التي تمت ما بينها بعيداً عن الأضواء واحيطت بتكتم شديد. ويوجد قلق كبير ازاء عودة الميليشيات وعصابات الجريمة المنظمة، سيما بعد حدوث العديد من جرائم السطو المسلح، وازدياد عدد وضحايا العبوات الناسفة والمفخخات وكــــواتم الصوت .
تردي الاوضاع العامة ، والحركة الاحتجاجية
أثارت الأزمة والمواقف المتعنتة للقوى السياسية المتنفذة واللاهثة وراء اقتسام مواقع السلطة والثروة والنفوذ، استياء ملحوظا في اوساط الشعب الواسعة، بما فيها قواعد وجماهير القوائم الفائزة. وتنامى السخط على خلفية خواء وتخبط الخطاب السياسي والاعلامي التبريري للقوى المذكورة طوال اشهر الأزمة، في انعكاس لفشلها في احراز اي تقدم، ودفعها البلاد نحو ازمة سياسية وفراغ دستوري بالغي الخطورة، وإلى اشتداد معاناة العراقيين، والكادحين على وجه الخصوص، بفعل شحة الخدمات ورداءتها وتنامي الصعوبات المعيشية مع ارتفاع معدلات البطالة، التي بلغت 25% حسب الاحصاءات الرسمية، وشيوع الركود التضخمي في حركة الاقتصاد الوطني وتقليص مفردات البطاقة التموينية وعدم انتظام توزيعها وتفشي الفساد في مختلف مفاصل الدولة والاقتصاد، إلى جانب التردي في الاوضاع الامنية.
وقد تجلى هذا السخط في اشكال مختلفة، واتخذ بعضه طابعاً احتجاجياً عنفياً غير منضبط ، ليجري توظيفه لاغراض سياسية فئوية ضيقة. فيما جاء البعض الآخر استجابة لنداءات ومبادرات من القوى الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني في بغداد والمحافظات. وركزت الشعارات والمطالب المرفوعة في التظاهرات والاعتصامات وحملات التواقيع، على تحميل القوى السياسية المتنفذة مسؤولية التأخر في تشكيل الحكومة، وما ينجم عن ذلك من فراغ سياسي ودستوري ذي تداعيات محملة بالمخاطر على مختلف الاصعدة. فضلا عن مطالبتها تلك القوى بالاسراع في تشكيل الحكومة استجابة
نعمل على إستنهاض حركة جماهيرية مطلبية واسعة تستجيب لحاجات الناس ومطالبهم
للمصالح الوطنية العليا، او - في حال فشلها في ذلك - اعادة الامانة إلى اصحابها ( الناخبين ) عن طريق حل البرلمان والدعوة الى انتخابات جديدة، باعتبار ذلك الحل الديمقراطي المناسب، الذي يجنب البلاد الحلول الاستثنائية والاجراءات التي تعطل الحياة الديمقراطية والدستورية او تضيق عليها.
وقد نشطت قوى التيار الديمقراطي في تنظيم وشحذ حركة الاحتجاج، رغم العراقيل والممارسات الرسمية، هنا وهناك ، وبادرت لجان تنسيقية لاحزاب وقوى وشخصيات سياسية من التيار الديمقراطي، إلى مطالبة المحكمة الاتحادية بان تلعب دورها وتتحمل مسؤوليتها في وضع حد للتجاوزات على الدستور، المتمثلة في الجلسة المفتوحة المستمرة من دون نهاية، وفي عدم احترام المدد الزمنية المحددة لانتخاب الرئاسات. وهو ما ينزع عمليا الشرعية عن المجلس الجديد، الذي لم يجتمع سوى لدقائق محدودة بعد مضي اربعة أشهر على انتخابه.
وفي مسار مواز وقريب في الاهداف والمطالب، تنادت منظمات المجتمع المدني للدفاع عن الدستور، وشكلت لجنة تنسيق لنشاطها، قامت برفع دعوى امام المحكمة الاتحادية، وحصرت هدفها بالطعن في دستورية قرار الجلسة المفتوحة الذي اتخذه الرئيس بالسن لمجلس النواب، دون الطعن بشرعية استمرار المجلس نفسه. وجاء قرار المحكمة بعد تأجيل وتأخير غير مبررين، قاضيا باعتبار الجلسة المفتوحة غير دستورية، وملزما رئيس البرلمان بالسن بدعوة المجلس للالتئام وانهاء الجلسة المفتوحة. وسجل القرار، رغم عدم اكتماله ونواقصه ، انتصاراً للديمقراطية ولسائر المنظمات والقوى والشخصيات التي عملت من أجل ذلك. وكانت المحكمة قد اتخذت قبل ذلك باسابيع قراراً آخر لصالح المعترضين على تمرير التعديلات على قانون الانتخابات ، باعتبارها تعديلات غير دستورية.
وكان لرفاق وأصدقاء حزبنا دور ومساهمة بارزان ومتميزان في جميع هذه المبادرات وفي جميع المناطق.
الحراك السياسي الأخير
يكتسب القرار الأخير للمحكمة الاتحادية أهمية في تحريك الأوضاع، ، حيث قضى بوجوب دعوة مجلس النواب للانعقاد وانتخاب رئاسة المجلس، رغم انه جاء بصيغة غير مكتملة، إذ لم يحدد سقفا زمنيا للتنفيذ ولم يرسم آلية واضحة في حالة عدم التقيد به . ونظرا إلى إجماع القوى السياسية على ضرورة تقديم انتخاب الرئاسات الثلاث كسلة واحدة، اصبح قرار المحكمة، إلى جانب المطالبات الشعبية والخارجية المتزايدة، يشكل ضغطا متعاظماً على القوى المتنفذة، ويدفعها إلى تكثيف اتصالاتها وحواراتها والتوصل إلى صيغة حل للازمة.
وفي هذا السياق طرح رئيس اقليم كردستان مبادرة لعقد طاولة مستديرة لقادة الكتل السياسية الفائزة، لبحث خلافاتها والعمل على تسويتها وصولاً الى حل يضمن تشكيل حكومة شراكة وطنية. ورغم الاجواء الايجابية التي سادت اللقاءات التحضيرية الاولية لممثلي القوائم الفائزة ، فانها لم تتجاوز البحث في العموميات ولم تطرح نقاط الخلاف الاساسية. كما انها اقترنت بمواقف وتصريحات لبعض قادة الكتل، شديدة في تعارضها ورؤيتها لمسألة تشكيل الحكومة، الامر الذي لا يشجع على رفع سقف التوقعات.
المبادرة السعودية
من جانب آخر وفي تطور مفاجيء ، طرح العاهل السعودي مبادرة دعا فيها قادة الكتل السياسية إلى الاجتماع في الرياض، لايجاد مخرج لأزمة تشكيل الحكومة. وقد قوبلت الدعوة، كما كان متوقعا، بمواقف متباينة من جانب القوى السياسية، بين مؤيد ورافض ومتحفظ ، كل حسب مصالحها ورؤاها.
وتقدم المبادرة السعودية دليلاً آخر على عمق الأزمة التي يواجهها العراق، وما يفتحه استمرارها من منافذ لتدخلات خارجية سافرة ومتنامية في شؤونه، ولفرض الوصاية على قراره الوطني. وفي الوقت ذاته تكشف ردود فعل ممثلي بعض الكتل السياسية وتعليقاتهم، من جديد، عن تعويلٍ ومراهنة على التدخلات الخارجية في ايجاد مخرج للازمة السياسية يدعم مواقع هذا البعض، في تفريط فاضح بالسيادة الوطنية واستخفاف غير مسؤول بالمعاني السياسية وبعواقب اعتماد حلول خارجية. فمن المعلوم ان هذه المبادرة لم تأت بمعزل عن التصريحات الصادرة عن بعض السياسيين اخيراً، وتهديداتهم بالانسحاب من العملية السياسية.
هل من مخرج للازمة ؟
يواجه العراق اليوم، كما اسلفنا، ازمة سياسية حادة تعكس وتعبر عن أزمة اشمل في الحكم والنظام على حد سواء، وتهدد افق العملية السياسية المتمثل في بناء دولة اتحادية ديمقراطية موحدة كاملة السيادة، ونظام حكم دستوري يقوم على مباديء المواطنة وفصل السلطات والتداول السلمي للسلطة، وضمان الحريات وحقوق الانسان والطابع التعددي للتركيب القومي والديني والمذهبي للشعب العراقي، وضمان الحقوق السياسية والقومية والثقافية لها جميعاً .
لم يعد موضع شك ان تشكيل الحكومة ليس شأناً عراقياً صرفاً. فتطورات الاشهر الأخيرة قدمت ادلة قاطعة أن تشكيلها لا يأتي حصيلة توافق سياسي بين القوى المتنفذة وحسب، وانما يتطلب مباركة الدول الاقليمية والقوى الدولية ، وفي مقدمتها الولايات المتحدة. ويعكس هذا الوضع عدم استكمال مقومات السيادة العراقية التامة في القرار والتصرف على اراضيه وثرواته وامنه. ولذلك ما تزال مهمة انهاء تركة الاحتلال والخلاص من ارث جرائم وخراب النظام الدكتاوري المقبور، قائمة وتؤسس لضرورة وحدة القوى الوطنية وقيام حكومة تجسدها وتأخذ بعين الاعتبار الاستحقاقات الانتخابية.
ويقترب شعار حكومة المشاركة من هذا المضمون ولكنه يختلف عنه باحلاله مفهوم المكونات ، القائم على الانتماءات والهوية القومية والدينية والمذهبية محل التوصيف والتصنيف السياسي المركب. ولعل احد مسببات الاستعصاء الحالي يكمن في هذا الفهم والممارسة، حيث أن الائتلافات على اساس تمثيل المكونات لا توفر بالضرورة المشتركات في الرؤى والبرامج السياسية الضرورية للحكم المشترك الفاعل . ويتجلى ذلك في صراعات وتجاذبات داخل الحكومة وفي صعوبة وضع سياسات ورسم خطط وبرامج ذات تصورات واضحة في مختلف مفاصل العمل الحكومي. فالأسس المعتمدة من قبل القوى النافذة لتشكيل الحكومة ، سواء بصيغة الشراكة أو الاغلبية، تنطوي في اساسها على بذور المشكلة. وفي أحسن الأحوال يمكن الوصول الى تسويات وتوافقات بين القوى النافذة تسمح بتشكيل الحكومة، شرط توزيع السلطات والمواقع والامتيازات بصورة مرضية لجميع الأطراف. ويكمن الأشكال في أن هذا لا يتحقق ،في اجواء عدم الثقة السائدة، إلا عبر نظام المحاصصة الطائفية والقومية، الذي هو في اصل الازمة واستمرارها. ولكن ثمة بعداً يجب أن لا يجري اغفاله، وهو المضمون والمشروع السياسي الذي يحمله كل طرف منها ومدى انسجامه او تعارضه.
وفي الازمة الحالية يكتسب هذا الجانب اهمية كبرى. فالصراع السياسي الجاري ما بين القوى المشاركة في العملية السياسية، يتركز في ظاهره على اقتسام مواقع السلطة والنفوذ بين قوائم وشخصيات ، وهو حقاً كذلك، غير انه يحمل ايضاً صراعاً بين وجهتين ومشروعين وموقفين إزاء العملية السياسية برمتها ووجهة البلد وتطورها اللاحق . فبعض الكتل تضم قوى وشخصيات تعمل من اجل اعادة عقارب الساعة الى الوراء والنكوص عن المحتوى الديمقراطي الاتحادي للعملية السياسية بالتناغم مع ايتام النظام المقبور من البعثيين الصداميين . وجاءت النتائج غير الحاسمة للانتخابات لتخلق حالة سياسية تشترط تحقيق توافقات تحظى بشبه اجماع ، وهذا ما لم تفلح القوى الفائزة في التوصل إليه حتى الآن ويحفز بعض هذه القوى للدعوة إلى وساطات خارجية، أي المزيد من التدخلات الخارجية.
بالمقابل ، يمكن للضغط السياسي الشعبي والجماهيري ان يكون قوة مؤثرة في دفع القوى النافذة نحو الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية، أو ارغامها على الاعتراف بفشلها والتوجه مجدداً نحو الناخبين. وهذا ما يعمل من اجله حزبنا عبر تنشيط عمله الجماهيري وتحفيز العمل المشترك مع قوى التيار الديمقراطي.
ولعل اخطر آثار الازمة السياسية ، انها تضعف الانتباه إلى التناقض والصراع العنيف القائم بين قوى الشعب الوطنية وقوى الارهاب والردة، وتحد من اليقظة إزاء نشاطات الأخيرة، فتتيح لها حرية أكبر في تخطيط وتنفيذ عملياتها الاجرامية.
وقد شكلت التفجيرات الآثمة الأخيرة في بغداد، التي طاولت كنيسة "سيدة النجاة"، ثم الأعمال الإرهابية يوم الثلاثاء الدامي، نذيراً مروعا في هذا الاتجاه. وكشفت هذه الأحداث عموما عن اختراقات أمنية خطيرة، أشرت من جديد وبإلحاح ضرورة إعادة النظر في بناء الاجهزة الأمنية والعسكرية، على وفق معايير الكفاءة والنزاهة والوطنية ، وبعيدا عن المحاصصة الطائفية والاثنية والمصالح الحزبية الضيقة. إضافة إلى ضرورة مراجعة الخطط الامنية وتدقيقها، وإسنادها بالمعلومات الأستخبارية، والتيقن من تنفيذها، والارتقاء في الوقت ذاته بالتنسيق بين الأجهزة الأمنية المختلفة، ورفع كفاءتها بالتجهيز والتدريب.
من جهة أخرى بينت الأزمة أن القوى المتنفذة تضيق ذرعاً بالدستور، ولا تبدي احتراماً لمواده واحكامه، ولا تتوانى احياناً عن التضييق على الحريات العامة. يضاف الى ذلك ضعف ادائها في عملية بناء مؤسسات الدولة وفي محاربة الفساد المالي والاداري وتحقيق الاعمار والتنمية وتأمين فرص العمل وتوفير الخدمات العامة. وإزاء تحكم هذه القوى بجميع مفاتيح السلطة ، على المستويين الاتحادي وفي المحافظات، فان الحصيلة الفقيرة لما تم انجازه تعكس فشل مشروعها السياسي. وواضح ان القوى صاحبة المشروع الطائفي قد توصلت إلى استنتاجات مماثلة، ما دفعها الى الاعلان عن مراجعة برامجها السياسية وخطابها وتبني شعارات ومفاهيم وبرامج مستقاة من قاموس وفكر القوى الديمقراطية. لكن العبرة تكمن في ترجمة الاقوال الى ممارسة العملية .
التيار الديمقراطي
لعل تجربة العملية السياسية، والحكومات المنبثقة عنها خلال السنوات الاخيرة، تبين أن النجاحات والإخفاقات فيها ترتبط وثيقا بمدى الاقتراب أو الابتعاد مما يدعو اليه المشروع الوطني الديمقراطي. وان الأزمة السياسية الراهنة وتداعياتها على أحوال الناس ووعيهم، لا تبرز فقط أكثر من أي وقت مضى الحاجة إلى تيار ديمقراطي، يمتلك حضوراً وتمثيلاً سياسيين مؤثرين، ويلعب دوراً فاعلاً غي الحياة السياسية للبلاد وفي صناعة القرار السياسي ، وانما تتوفر له أيضاً ظروف مؤاتية أفضل من الفترات الماضية.
لذلك، فإن التحدي الذي يواجه حزبنا، وسائر مكونات التيار الديمقراطي، من قوى وشخصيات مستقلة واتحادات ومنظمات اجتماعية وأهلية، هو تحويل هذه الامكانية إلى قوة وحضور سياسيين فعليين، يسهم في تغيير موازين القوى السياسية في البلاد. وما قامت به منظمات حزبنا في مختلف ارجاء العراق من مبادرات ونشاطات ولقاءات ناجحة انفتحت بها على القوى الديمقراطية تعزز الثقة بصحة التوجه والامكانات التي يحملها الوضع.
إن الهدف من التحرك لتفعيل التيار الديمقراطي، بصفته تيارا سياسياً مجتمعياً ، هو في المطاف الأخير تنظيم وحشد القوى ذات المصلحة في تبني المشروع الوطني الديمقراطي والعمل بحماس وثبات من اجل الترويج له، باعتباره المشروع الذي يحمل الحلول الحقيقية والحاسمة لأزمة البلاد. وتمثل العملية الجارية للتحضير للمؤتمر الثاني للقوى الديمقراطية محطة مهمة على هذا الطريق. وتتوفر الامكانيات والفرص لتطوير المشروع الوطني الديمقراطي باغناء وتفصيل جوانبه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واعطائها مزيداً من الملموسية وجعلها اكثر قرباً من هموم ومشاكل المواطنين، وذلك من خلال جهد مشترك لقوى وشخصيات ديمقراطية.
ويصعب تصور التقدم في هذا المجال واحراز نجاحات من دون الدور المبادر والنشيط لحزبنا ومنظماته واصدقائه. وبقدر ما تتعزز مكانة ونفوذ حزبنا وعلاقته بالجماهير، يزداد حضور وتأثير التيار الديمقراطي ، وهذا بدوره يفتح فضاءات وقنوات اضافية لعمل حزبنا مع الجماهير. وبذلك تتجسد العلاقة المترابطة والجدلية بين قوة الحزب وقوة التيار الديمقراطي.
نحو حركة جماهيرية واسعة
يلقي التذمر المتنامي في مختلف اوساط شعبنا من القوى السياسية المتنفذة، بسبب مسؤوليتها عن الأزمة وتجاهل آثارها على الأوضاع الأمنية والحياة السياسية، وعن تدهور الاوضاع الاقتصادية والخدمية وتفشي الفساد المالي والاداري والتضييق على مصادر دخل الكادحين ، يلقي على عاتق حزبنا مهام ومسؤوليات عديدة. وتتجلى هذه المهام في تبني المطالب الجماهيرية، وتنظيم الحملات والفعاليات المطلبية، والتصدي لمحاولات انتهاك حقوق الانسان والتضييق على بعض الحريات المنصوص عليها في الدستور، ووقف التدخل السافر في شؤون الاتحادات والنقابات ومنظمات المجتمع المدني. كما تتجلى في العمل على اجتذاب قوى واوساط متزايدة للمساهمة في النشاط المطلبي والاحتجاجي. وقد تكلل العديد من المبادرات التي قامت بها منظمات الحزب في مناطق ومحافظات مختلفة بالنجاح، وان من الواجب تحويل ذلك إلى نقاط انطلاق نحو تحركات جديدة، ونسج علاقات وصلات اوسع واوثق مع الجماهير والاحزاب والقوى الوطنية والاتحادات النقابية والجمعيات المهنية ومنظمات المجتمع المدني .
وتبرز الحاجة الى ذلك، أيضا، مع ازدياد القلق ازاء ما يذكر عن عجز متوقع في موازنة 2011 قدره 23 مليار دولار. حيث يُخشى ان تتم معالجة ذلك على حساب لقمة عيش المواطنين، وعن طريق سلب ما تحقق من مكتسبات في الفترة الاخيرة، وبضمنها ما يتعلق بتسكين رواتب المعلمين وتشريع قانون التقاعد العسكري، والاقدام على المزيد من التقليص للبطاقة التموينية وشبكة الحماية الاجتماعية.
فمعالجة العجز الحقيقي إن وجد ، وليس الافتراضي الحسابي، يجدر ان تتم عبر ترشيد الإنفاق العام ووضع حد للإهدار، وإعادة ترتيب الأولويات، والتصدي بكفاءة عالية للفساد المالي والإداري، بما يضمن للدولة مبالغ طائلة ، هي احوج ما تكون اليها في اطلاق عملية تنمية مستدامة .
انتخابات جديدة او مبكرة
من الواضح إن ايا من الحلول المطروحة لتشكيل الحكومة، وكما سبق لنا القول، يعيد انتاج نظام المحاصصة الذي هو احد جذور الازمة، فضلاً عن انه ينطوي على نقاط ضعف جدية تحد من فاعلية الحكومة المقبلة. ومن جهة اخرى لا تتوفر ضمانات لمنع اتخاذ الصراعات السياسية اشكالاً عنفية، او ان تفضي الى تدهور في الوضع الامني في حال استمرت حالة الجمود والاستعصاء.
لذلك فان استمرار الازمة، أو اعتماد حلول تستثني بعض اطرافها، او اشراك الجميع واقتسام مراكز القرار بين القوى الاساسية، اوالهروب الى حلول من خارج الحدود .. ان هذه الحلول المحتملة جميعاً تحمل مخاطر على المؤسسات والحريات الديمقراطية، وتؤسس لاوضاع غير مستقرة ، الامر الذي يجعل خيار حل مجلس النواب واللجوء إلى انتخابات جديدة او مبكرة، احتمالاً وارداً وإمكانية قائمة. والامر الخطير هنا، انه ما بقيت الحلول التي تتداولها القوى المتنفذة تدور ضمن منطق المحاصصات، فانها ستظل عاجزة عن الارتقاء الى مستوى المهام، التــــي يقتضيها بناء الدولة المدنية الديمقراطية المعاصـــرة، دولة القانون والمؤسســـات، وهــــي المهام التــــي يبـــدو جليــــا ان انجــازها يرتبط الى حد بعيد باعتماد المشروع الوطني الديمقراطي.
مهام ملحة
إن حالة الاستعصاء السياسي وبقاء أزمة تشكيل الحكومة دون حل، وانعكاسات ذلك السلبية على كافة الصعد : السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تلقي على عاتق حزبنا ومنظماته ورفاقه ومؤازريه، المزيد من المسؤوليات والمهام.
فمن الضروري مواصلة وزيادة الجهود لتوسيع التحرك الجماهيري، الضاغط في اتجاه تشكيل الحكومة ونهوضها بواجباتها ومسؤولياتها كاملة تجاه المواطنين ، واضطلاع مجلس النواب بدوره كاملا، بعد الاستجابة لقرار المحكمة الاتحادية بإنهاء الجلسة المفتوحة، ومباشرته العمل الرقابي والتشريعي .
ومن الواجب تصعيد وتيرة العمل، والارتقاء باداء منظمات الحزب كما ونوعا، والعمل على استنهاض حركة جماهيرية مطلبية واسعة تستجيب لحاجات الناس ومطالبهم . مع الاستفادة من أشكال التحرك الجديدة، المبتكرة من قبل المواطنين في المناطق الشعبية، وإسناد وتعميم تجربة المنتديات المفتوحة لتداول أوضاع ومشاكل المنطقة أو الحي المعني، باعتبارها صيغا وأطرا ديمقراطية، انبثقت من أسفل - بمبادرة من الأهالي وبمشاركة من رفاق حزبنا وأصدقائه.
وتتوجب في الوقت نفسه مواصلة السعي الى جمع صفوف قوى وشخصيات التيار الديمقراطي، وتعظيم مساحة تأثير هذا التيار في الحياة السياسية، وفي رسم معالم حاضر بلادنا ومستقبلها.
كما لا بد من العمل الدائب لضمان التقيد التام بتنفيذ الاتفاقية الامنية الموقعة بين العراق والولايات المتحدة، وتوفير الأجواء والمتطلبات السياسية والأمنية الضرورية للانسحاب التام للقوات الامريكية من بلادنا في الموعد المقرر، واستعادة السيادة والاستقلال.
والى جانب ذلك ينبغي تكريس المزيد من الاهتمام والجهد للعمل التحضيري لعقد المؤتمر الوطني التاسع للحزب، ولتأمين مستلزمات التئامه في أجواء بناءة ومثمـــرة، وخروجـــه بحصيلة تعــــزز دور الحــزب فـــــي الحياة السياسية حاضرا ومستقبلا ، وتؤمن احتلاله الموقع المناســــب لمواصــــلة الدفـــاع عـــن قضايا الشعب والوطن العليا ، وعن مصالح العمال والفلاحـــين و الكادحين وشغيلة اليـــد والفكــــر، وعمـــوم المواطنين.
#الحزب_الشيوعي_العراقي (هاشتاغ)
Iraqi_Communist_Party#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تهنئة ... من الحزب الشيوعي العراقي
-
بلاغ عن انعقاد الكونفرنس التاسع لمنظمات الخارج للحزب الشيوعي
...
-
بلاغ عن الاجتماع الاعتيادي للجنة المركزية للحزب الشيوعي العر
...
-
تحية لعمال العراق والعالم في عيدهم الاممي المتجدد
-
بلاغ عن الإجتماع الإستشاري الموسع للحزب الشيوعي العراقي
-
قائمة -اتحاد الشعب- تطالب بإعادة فرز أصوات الناخبين بإشراف م
...
-
ايضاح من النائب مفيد الجزائري رئيس لجنة الثقافة والإعلام وال
...
-
كلمة الشيوعي العراقي في الاجتماع العالمي ال11 للاحزاب الشيوع
...
-
قرار تعديل قانون الانتخابات صفقة بين القوى المتنفذة
-
رسالة الى مجلس الرئاسة
-
توجهات الحملة الانتخابية لقائمة -اتحاد الشعب-
-
تعديلات مجحفة تتعارض مع الديمقراطية ومبادىء الدستور
-
بلاغ الاجتماع الاعتيادي للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي
-
المجلس الإستشاري للشيوعي العراقي يبحث النشاط الإنتخابي للحزب
-
الاجتماع الاعتيادي للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي .. ب
...
-
المجد للذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي
-
كيف استحوذت بضع قوائم فائزة على (مليوني) صوت ظلماً ودون وجه
...
-
شكر وعرفان الى ناخبينا..
-
تصريح المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي حو
...
-
بلاغ اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي
المزيد.....
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
المزيد.....
-
نَقْد شِعَار المَلَكِيَة البَرْلَمانية 1/2
/ عبد الرحمان النوضة
-
اللينينية والفوضوية فى التنظيم الحزبى - جدال مع العفيف الأخض
...
/ سعيد العليمى
-
هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟...
/ محمد الحنفي
-
عندما نراهن على إقناع المقتنع.....
/ محمد الحنفي
-
في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟...
/ محمد الحنفي
-
حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك
...
/ سعيد العليمى
-
نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب
/ عبد الرحمان النوضة
-
حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس
...
/ سعيد العليمى
-
نَقد تَعامل الأَحْزاب مَع الجَبْهَة
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|