أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - عيسى بريك - أعدوا طريق الحرية















المزيد.....


أعدوا طريق الحرية


عيسى بريك

الحوار المتمدن-العدد: 206 - 2002 / 8 / 1 - 01:56
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 

 

لا يمكن أن يواجه فرد ، نظاما ديكتاتوريا ، وفي أخطر مقدساته ، ما لم يكن مناضلا ، وصل في تضحيته مرتبة القديسين . فلم يكن غريبا ، أن اتهم سياسيون ، وفلاسفة ، وأنبياء ، بأنهم مجانين ، عندما وقفوا عزل في وجه أنظمة متسلطة ، وشمولية ، وهذا ما فعله الفيلسوف الإيطالي ( جيور دانو برونو ) في بداية القرن السابع عشر، الذي سبق فولتيير بقرنين ، ولكنه دفع الثمن غاليا من حياته ، حيث هي  دائما ضريبة التقدم والتطور في التاريخ . فلم تكن لأوروبا أن تتقدم إلا على جسر من حرية الفكر والتعبير ، فوق بحر من الظلامية ،  والبطش ، والاستبداد، في مرحلة مليئة بالتضحيات .

 

تعرض ( جيور دانو برونو) ، لمحاكمة ظالمة ، انتهت بحرقه ، واصبح ذلك اليوم ، يوما فاصلا بين عهدين في أوروبا ، عهد الصمت المطلق ، وعهد تحطيم هذا الصمت . فمن السنة اللهب ، التي كانت تشوي جسد المناضل " الذي طالب بإسقاط القداسة عن أي فكر ، فكل شيء قابل للنقاش " ولدت أوروبا ، فكرا جديدا ، ونشأة حديثة ، بعد أن حطم حاجز الخوف . ومن رماد برونو وأمثاله  شيدت أوربا جديدة.

 

ولست مبالغا إن قلت : أن من تلك النار التي أحرقت جسد برونو وزرعت الخوف في قلوب بعض  الناس ،لكنها في الوقت نفسه أسست لمواجهة حقيقية مع الاستبداد ، ففتحت أول فجوة في جدار البطش ، ودخل النور إلى أوروبا ليطرد الفكر الأحادي الظلامي المتمثل آنذاك بالكنيسة ، إلى غير رجعة .

 

 إن الذي قادني لإبراز تلك المقدمة ، هو ما يجري في سوريا اليوم ، من محاولة لدفع عجلة التاريخ الإنساني إلى الوراء ، واستحضار ابشع ما في هذا التاريخ من مراحل ، وخاصة مرحلة محاكم التفتيش ، التي كانت تدين ، وتقتل ، وتعذب ، وتحرق ، وتسجن ، والجريمة هي : التعبير عن رأي مخالف لرأي السلطة السائدة .

 

 لقد انحسر ظلام تلك المآسي عن معظم شعوب الأرض لكنه ما زال مسدلا أوزاره على العالم العربي بشكل عام ، وسورية بشكل خاص ، حيث أمامنا طريق طويل  في مسيرة العذاب حتى نصل إلى نور الديمقراطية ، وحقوق الإنسان .

 ما تعيشه سورية في هذا الزمن هو عصر محاكم التفتيش ، حيث وضع الشعب السوري ، في مربع الزمن ، عند عام 1420 ميلادية ، أي تخلف مدته ستة قرون عن العصر الحاضر . فلم يتوقف إرهاب السلطة على الناس منذ عقود ، ولم تضعف تلك القبضة الشريرة ، التي تتحكم من خلالها تلك السلطة القاهرة ، بحياة الناس وكرامتهم ولقمة عيشهم ، وحتى هذا اليوم لم يستطع السوريون شل هذا المارد الذي استكانوا لسطوته البوليسية والثقافية الفاسدة التي أيقظت كل النزعات البدائية ، من تعصب قبلي ، وعرقي ، وديني وطائفي وحمت الفاسدين في الدولة والمجتمع ومكنتهم من ثروات الوطن فنهبوا العباد وخربوا البلاد.

في كل مرحلة من مراحل التاريخ ، هناك أشخاص ، تقترن بأسمائهم ، المحطات الفاصلة لتواريخ بلادهم ، وهذا  هو رياض الترك ، الذي اعتقل في مرحلة الانقلابات العسكرية ، في عهد الشيشكلي . كما اعتقل مع رفيق دربه فرج الله الحلو في عهد الوحدة السورية المصرية ، مرحلة قتل الحياة البرلمانية السورية ، وحل الأحزاب ، وترسيخ الديكتاتورية ، واعتقل عام 1980 ، عام انفلات العنف الظلامي  من عقاله ، ذلك العنف الذي لم يوفر صغيرا أو كبيرا ، مرحلة سادت فيها أجهزة القمع ، دون رادع ، وقيم الفساد دون وازع. واعتقل عام 2001 ، في مرحلة توريث الجمهوريات من الآباء إلى الأبناء.

 

رياض الترك ، الذي لم يكذب شعبه أبدا ، لأنه لم يكذب على نفسه . فالحياة بالنسبة إليه موقف ، ولم يكن الثمن الذي يتطلبه الموقف، حائلا دون الجهر به في يوم من الأيام ، وحتى في أوج ضعفه الجسدي كما هو الآن .

 

رياض الترك ، ابن السبعين عاما ونيف ، المريض جدا ، والذي أمضى ثمانية عشر عاما متواصلة في زنزانة انفرادية ، لم يكن صموده فعلا انتحاريا ، لا طائل من وراءه ، بل فعلا نضاليا ضروريا لبناء الأوطان وترسيخ دعائم الحرية. إن ما قام به رياض الترك وغيره من المناضلين لا يمكن وصفه  إلا بالعمل النضالي الديمقراطي الضروري الذي يجب أن يتسع ويتسع حتى تنهار جدران الخوف والاستبداد. وأي قول آخر هو ًٍ، مؤشر على الحال ، التي أوصلتنا إلى قبول مذلة ، ومهانه لا مثيل لها. إن أي متابع منصف ، لما جرى في محكمة أمن الدولة العليا ، غير الدستورية ، يعرف أن الحكم الذي صدر بحق المناضل رياض الترك ، هو رد فعل ، على زعزعة جدران الخوف ، التي تحيط بالمواطن ، وبدء تصدعها ، ورد فعل ، على هذا الصوت الصارخ في سوريا " أعدوا طريق الحرية " هذا الصوت الذي انطلق ، كي لا تبقى سورية مملكة للصمت .

إذا كانت العدالة هي الصفة المناسبة للمحكمة فان اللاعدالة هو ما كان ينتظر  رياض الترك في محكمة أمن الدولة العليا، ولم يكن هذا المكان وهذا الزمان ، إلا مكانا وزمانا للإمعان في إلغاء الآخر والاستخفاف بعقول الناس ،واغتيالا للعقل   والحوار ، والاختلاف ، والحرية ، لا بل إمعانا في إلغاء مقتضيات المصالحة الوطنية الضرورية  .

 

الكثير من الناس يؤمنون ، بأن روحك السامية ، وجسدك المنهك ، اللذين عانا كل ما عانيته ، لا زالا قادرين على الاستمرار في تحطيم جدار الخوف ، الذي كنت أول المبادرين لتحطيمه ، رجال  ، كرياض الترك وزملائه الأفاضل ، مكانهم في سجل الشرف الوطني ، وليس في زنزانة انفرادية مخصصة في الأصل لمن ارتكبوا في حق الوطن كل فساد وبطش في الأرض ، فإذا هي من نصيب الوطنيين الديمقراطيين المسالمين الغيورين عليه. .

 

 إن التغيير قادم لا محالة ، ولا بد أن تبوء بالفشل كل محاولة لمقاومته ، وعلى الجميع أن يعي هذه الحقيقة .

 

   المدير المسؤول لمجلة العاصي العربي في مونتريال كندا

 



#عيسى_بريك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الكرملين يكشف السبب وراء إطلاق الصاروخ الباليستي الجديد على ...
- روسيا تقصف أوكرانيا بصاروخ MIRV لأول مرة.. تحذير -نووي- لأمر ...
- هل تجاوز بوعلام صنصال الخطوط الحمر للجزائر؟
- الشرطة البرازيلية توجه اتهاما من -العيار الثقيل- ضد جايير بو ...
- دوار الحركة: ما هي أسبابه؟ وكيف يمكن علاجه؟
- الناتو يبحث قصف روسيا لأوكرانيا بصاروخ فرط صوتي قادر على حمل ...
- عرض جوي مذهل أثناء حفل افتتاح معرض للأسلحة في كوريا الشمالية ...
- إخلاء مطار بريطاني بعد ساعات من العثور على -طرد مشبوه- خارج ...
- ما مواصفات الأسلاف السوفيتية لصاروخ -أوريشنيك- الباليستي الر ...
- خطأ شائع في محلات الحلاقة قد يصيب الرجال بعدوى فطرية


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - عيسى بريك - أعدوا طريق الحرية