أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جيمي حليم - التأسلم السياسي















المزيد.....

التأسلم السياسي


جيمي حليم

الحوار المتمدن-العدد: 3178 - 2010 / 11 / 7 - 15:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يقول أبن المقفع : " الدين تسليم بالإيمان , و الرأي تسليم بالإختلاف . فمن جعل الدين رأياً فقد جعله خِلافاً , و من جعل الرأي ديناً فقد جعله شريعة "

إحتكار الدين لصالح جماعة سياسية بعينها يعطيها الحق في الإستقواء بالدين على جميع ما عداها أو خالفها و المشكلة تنشأ بالخلط بين الرأي في الدين و بين الدين ذاته , فالجماعة تزعم أن رأيها في الدين أو تفسيرها لنصوصه هو في الحقيقة ( الدين ذاته ) من أوله إلي آخره

و هكذا يبحث النظام السياسي الديني و الجماعات الدينية في كيفية خدمة النص على حساب الفرد , بمعني أنها إذ تظن أنها تملك النص أو التفسير المطلق للدين .. فلا سبيل و لا حاجة بها إذن لنقده و تنقيحه عند الضرورة بغرض الإرتقاء بالفرد و المواطن كما تفعل المجتعمات العلمانية التي تنقد نفسها بنفسها كلما كانت هناك حاجة لذلك و غرضها في تطوير و تحديث النص (نصوص القانون و الدستور) هو الإرتقاء بالفرد و رفاهيته و حقوقه و مستقبله

أما الجماعات الدينية صاحبة الحق المطلق الحاجة لديها تكون إلى إستغلال الفرد و تطويعه ليلائم النص و ينحشر في حدوده الضيقة حتى لو وصل الأمر إلي حد الإرغام و القهر .. بل و القتل أيضاً .. فالنص مطلق لا عيب فيه و لا يأتيه الباطل لا من بين يديه و لا من خلفه و على الجميع أن ينصاعوا وراء تفسير تلك الجماعة للدين و لو كرهوا ذلك أو تضرروا من وراءه

لذلك تتقدم الدول العلمانية و الديموقراطية مع مرور الوقت في شتى المجالات لأن المعرفة تأتيها دوماً من الأمام .. تستكشف المستقبل بعقل مفتوح بينما تتجمد دول و جماعات السياسة الدينية كأنما وضعت في ثلاجة التاريخ لأنها تسير عبر النظر إلي الوراء و لا تحاول إصلاح نفسها لأن منهجيتها هى – في نظرها – الحقيقة المطلقة

لقد دخل الدين إلى حلبة المبارزات السياسية في المنطقة العربية منذ عهد طويل , أستخدمه الكثيرين كوسيلة للوصول إلي الحكم , كخدعة رفع المصاحف الشهيرة التي مكنت معاوية و ذريته أن يحكموا سنوات طويلة دون أن يزعم أحد أنهم قد وصلوا إلي السلطة برضاء الرعية أو بحكم الشريعة .

و جاء العنف إلى الساحة السياسية منذ زمن الخليفة عثمان بن عفان , فالطرفان المتنازعان يدعيان أن كليهما على صحيح الإسلام , بل أن مقتل عثمان إعتبره البعض حلالاً .. و أختلط التأسلم السياسي بالجاهلية القديمة .. فعندما أنتصر الأمويين تذكروا على الفور ثأرهم في ( بدر ) و قال معاوية لأهل المدينة

" اما بعد , فأني و الله ما وليتها بمحبة علمتها منكم و لا مسرة بولايتي , و لكني جالدتكم بسيفي هذا مجالدة "

و تطور الأمر فأستخدمت في معركة التأسلم السياسي فكرة إصطناع أحاديث منسوبة للرسول الكريم لكي تمنح كل طرف الشرعية في إمتلاك السلطة .. و هي خطوة في طريق ثني و قولبة الدين ليلائم مصلحة جماعة معينة و هكذا سمعنا معاوية و هو يقول في تواضع مصطنع :

" و الله ما أردتها لنفسي ( و يقصد السلطة ) لولا أني سمعت رسول الله يقول يا معاوية إن حكمت فأعدل ! "

و استخدمت الأحاديث المنتحلة أيضاً في الفترة العباسية خاصة مع علو شأن الفرس فظهر حديث يقول :

"و الله لو كان الأيمان منوطاً بالثريا لناله قوم من فارس"

و رد العرب على الفور بحديث منتحل آخر يقول :

" إذا اختلف المسلمون فالحق في مُضر "

ثم ظهرت الحاجة إلى ضمان ولاء الرعية للصفوة الحاكمة أو لجماعة سياسية بعينها فتفتقت الأذهان إلى خدعة جديدة مفعولها أكيد و هي إحتكار الدين في شخص جماعة محددة يصبح من يعارضها كافراً و من يواليها مؤمناً و هكذا تحل هذه الجماعة محل الدين فيتحول الإيمان الصحيح من الإيمان بالدين إلي الإيمان بالجماعة أو الإيمان بالدين وفقاً لما تراه هذه الجماعة، و تغدو الناطقة الوحيدة بلسان الله و صاحبة التفسير الصحيح و الحق المطلق،

لذلك ظهر تعبير خطير جداً لم يرد من قبل في القرآن الكريم أو السنة و لكنه ورد لأول مرة على لسان الإمام الماوردي في كتابه ( الأحكام السلطانية ) إذ قال :

" أهل الحل و العقد في الإسلام من والاهم فقد والى صحيح الدين و من خالفهم فقد خالفه , و مُفارقهم مُفارق الإسلام "

و أستخدمت هذه المقولة لدعم الجماعات السياسية الإرهابية و لدعم الصفوة الحاكمة و لا تزال تستخدم إلى يومنا هذا

لاحظ معي تشابه المقولة السابقة مع ما قاله حسن البنا حين قدم ما أسماه عقيدة جماعة الإخوان المسلمين في المؤتمر الثالث للجماعة إذ قال :

" على كل مسلم أن يعتقد أن هذا المنهج ( منهج الإخوان المسلمين ) كله من الإسلام و أن كل نقص منه هو نقص من الفكرة الإسلامية الصحيحة "

و لاحظ أيضاً تشابهه مع ما كتبه صالح العشماوي أحد قادة الإخوان قائلاً :

" إن أي اضطهاد للإخوان هو اضطهاد للإسلام ذاته "

و لكن ما مصير من يعارض ؟

حسناً .. فكرة المعارضة في حد ذاتها هي فكرة مرفوضة، فالأمير هو وليّ الأمر لا يُعصى له أمر و لا نهي أياً كانت الأسباب , و جرت العادة على صبغه بهالة من التقوي و الورع و نلاحظ هذا بشكل أكثر وضوحاً حين نحاول أن نقرأ عن شخصية حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين و مرشدها العام فنجد أن كل من تحدث عن طفولته و حياته الخاصة من أتباعه و مريديه قد حرص على أن يضفي عليها هالات تقترب من القداسة و البطولة , و هو وصف بديهي لمن لا يصح أن يُعصى له أمر و لا نهي

و يستند حسن البنا نفسه في ذلك إلى أحد أقوال ( أبي الأعلى المودوي ) التي تقول :

" لا ينتخب للإمارة إلا من كان المسلمون يثقون به و بسيرته و بطباعه و بخلقه , فإذا انتخبوه فهو وليّ الأمر المطاع في حكمه و لا يعصى له أمر و لا نهي "

و قد بايع الأتباع حسن البنا بيعة كاملة في المنشط و المكره .. و عاهدوه على السمع و الطاعة .. و لكن عندما دب الخلاف في شعبة الإسماعيلية و حاول البعض معارضة حسن البنا جمع الأخير أتباعه حيث أعتدوا على المخالفين بالضرب المبرح !! ... و برر مؤسس الجماعة ذلك بقوله :

" إن المخالفين قد تلبسهم الشيطان و زين لهم ذلك ... و أن من يشق عصا الجماعة فأضربوه بالسيف كائناً من كان "

هذا حال المخالفين من أعضاء الجماعة .. أما حال المخالفين من بقية الناس في كافة أنحاء العالم فيتلخص في إعتماد فكرة المقاطعة كمرحلة أولى و المفارقة بين عضو الجماعة و بين المجتمع حكاماً و محكومين ثم اللجوء إلي العنف كأساس للدعوة , و في ( رسالة التعاليم ) يحدد حسن البنا واجبات الأخ المجاهد .. و في الواجب رقم 25 منها يأمر العضو قائلاً :

" أن تقاطع المحاكم الأهلية و كل قضاء غير إسلامي , و الأندية و الصحف و مرافق الدولة و المدارس و كافة الهيئات و المؤسسات و الجماعات التي تناهض فكرتك الإسلامية ( فكرة الإخوان المسلمين ) مقاطعة تامة "

و يقول سيد قضب في كتابه ( معالم في الطريق ) :

" إن الإسلام لا يعرف إلا نوعين من المجتمعات ... مجتمع إسلامي و مجتمع جاهلي "

و المجتمع الإسلامي عنده هو مجتمع الإخوان المسلمين .. أما المجتمعات الجاهلية فهى كل المجتمعات الأخري .. أو كما صنفها هو قائلاً : " المجتمعات الجاهلية هى كل المجتمعات الشيوعية و الوثنية و اليهودية و المسيحية و المجتمعات التي تزعم أنها مسلمة ( أي إنها مسلمة و لكنها لا تؤمن بتفسير الجماعة للإسلام ) "

و بالطبع فأن أهم واجبات الجماعة التي تحتكر الدين هو أن تعيد كل هذه المجتمعات الجاهلية إلي الطريق الصحيح, ذلك الذي لا وجود له إلا داخل أسوار حظيرة الجماعة و وفق تفسيرها الضيق للدين , و سبيلها لتحقيق هذا الهدف لا يقف فقط عند الدعوة بل يمتد إلي العنف و القتال إن لزم الأمر . فالجماعات المتأسلمة الحديثة يعتمد فقهها على الوعظ الإنتقائي أي التركيز على ما ترضى عنه من نصوص و تجاهل ما يعارض فكرها و منهجها , و تعتمد أيضاً على التفسير النصي أي عدم الإعتداد بأسباب التنزيل و بواعثه و ظروفه

فنجد شكري مصطفي ( زعيم تنظيم التكفير و الهجرة ) يقول :

" لقد جاء في حديث شريف " الجنة تحت ظلال السيوف " لذلك فالجهاد هو السبيل الوحيد إلي الجنة "

بل أن بعض الجماعات الأرهابية تذهب حتى إلي أبعد من ذلك فتبيح تعذيب الخصوم و التنكيل بهم في وحشية غريبة و أتباعها يزعمون أنهم يستندون في ذلك إلي الآية الكريمة
" و قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم و ينصركم عليهم و يشف صدور قوم مؤمنين "
و يقول د. رفعت السعيد في كتابه ( التأسلم السياسي و روافده ) :

" أن الإخوان المسلمين هم امتداد لتلك الفرق التي تخلط بين الدين كمعطى سماوي و بين الفكر الديني و هو بالضرورة معطى إنساني قابل للإجتهاد و المراجعة "

و جماعة الإخوان المسلمون هى – في الحقيقة – مثال واضح لجماعات السياسية المستترة بالدين و التي يسمي د. رفعت السعيد أعضاءها ( بالمتأسلمين ) و التاء إذ تضاف إلي الفعل ( أسلم ) تعني أن صاحبه يتشبه أو يدعي ما ليس فيه فيدعي أن مقولاته و تفسيره هم صحيح الإسلام

و لقد علمتنا الأيام أن تجاهل رأي الآخر و الإعتداد الشديد بإجتهادنا الخاص هو أول خطوة في طريق الإرهاب الفكري الذي سرعان ما يتحول إلي إرهاب جسدي فتضيع الحقوق و تُسلب الأرواح و يُعتدى على الممتلكات , فينحدر المجتمع كله إلي الهاوية , حتى يكتشف الناس في النهاية أن الهدف الحقيقي وراء أطنان الشعارات لم يكن الدين نفسه و لا مرضاة الله و لكنه المصلحة الشخصية و شهوة السلطة و أحلام الثراء , أما الدين فهو الوسيلة للوصول إلي الحكم و المصداقية التي تضمن لك ولاء الرعية و العصا التي تضرب بها أعناق المعارضين .



#جيمي_حليم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- اللواء سلامي: الجيش مع حرس الثورة الإسلامية سور منيع للبلاد ...
- عكرمة صبري: الأقصى يُستباح من اليهود المتطرفين
- -لست واهمًا.. ما أقوله يحدث-: رئيس الوزراء السابق إيهود أولم ...
- عاجل | مصادر للجزيرة: بدء اقتحامات مستوطنين للمسجد الأقصى في ...
- عطلة لأبناء المكون المسيحي بمناسبة عيد القيامة
- القوى الوطنية والإسلامية في القطاع: أهل غزة يمثلون طليعة الج ...
- قراءة في خطاب قائد الثورة الإسلامية حول المفاوضات النووية
- جماعة الإخوان المسلمين في الأردن تصدر بيانا حول الأحداث الأخ ...
- الأردن يعلن إحباط مخطط -للمساس بالأمن وإثارة الفوضى- وأصابع ...
- ممثل حماس في إيران: يجب إعلان الجهاد العام بالدول الإسلامية ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جيمي حليم - التأسلم السياسي