سهيل حيدر
الحوار المتمدن-العدد: 3177 - 2010 / 11 / 6 - 14:24
المحور:
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
ضمن البيان الختامي المنبثق عن اللقاء اليساري العربي ، المنعقد في بيروت مؤخرا ، والمنشور في العدد 3176 من الحوار المتمدن ، بتاريخ 5 / 11 / 2010 ، وردت عدة محاور لخصها البيان في نقاط ، أظهر فيها تصورا يرتكز على ما تعتقده قوى اليسار في المنطقة العربية من رؤى ، شملت تحليلا عاما للواقع المعاش ، مع وضع جملة من الحلول لما اعتبره اللقاء ، بمثابة المعوقات التي تعترض المسيرة الوطنية والتقدمية للشعوب العربية عموما .
إن الغوص في تفاصيل البيان ، لا تدع المتتبع الواعي الا ان يبدي الرغبة في التوقف مرارا حيال البعض من نقاطه ، مستعيدا القدرة على التوازن الفكري والسياسي ، بعد ان تسببت تلك النقاط في احداث تذبذب غير متوازن في النظرة لما يحدث على ارض الواقع ، بعيدا عن ذات التنظيرات السرمدية ، والتي انفرد بها فرسان التحزب القدماء ، حين كانوا يصرون على اتباع سبل التقليد الاعمى لما كان يسمى بالحركة الشيوعية العالمية ، دون الاخذ بنظر الاعتبار الى خصوصية الاوطان والشعوب ، وما فيها من ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية متمايزه .
يحدد اللقاء لنفسه خطا للشروع بالحركة فيقول ( ان المهمة الاولى لقوى اليسار العربي ، اليوم ، تكمن في مقاومة المشاريع العدوانية الامبريالية الامريكية – الاسرائيلية ، بكافة الاشكال ، وصولا الى طرد الاحتلالات ... ) .. ومن ثم يوجه اللقاء ( تحية اجلال لشهداء هذه المقاومة ، وللاسيرات والاسرى في سجون ومعتقلات الاحتلالين الامريكي والصهيوني ، وفي مقدمتهم قادة العمل الوطني ، ويحث كافة القوى الوطنية والتقدمية من اجل عودتهم الى الحريه ) .
إن نظرة فاحصة بسيطة للمعاني التي يحملها هذا الجزء من البيان ، يجعل من المؤكد الاعتقاد ، بان ما يجري في العراق من تخريب وتعطيل للحياة العامة ، وتفجير المدنيين بعيدا عن ساحات المقاومة الحقيقية لقوات الاحتلال ، هو مقاومة شعبية تحمل سمات الوطنية الحقه ، ولابد للقوى المعنية بالفكر اليساري التقدمي ان تساندها باعتبارها جزء من المقاومة الشريفة ، ما دامت تحمل شعارات تندد بالامريكان وتشتم اسرائيل ، والاهم من ذلك كله ، فهي مؤمنة حتى العظم بضرورة بناء دولة الاسلام المفقوده .
وبالتالي ، واستجابة لضرورات المقاومة في الوطن العربي عموما ، فلابد من العمل على اطلاق سراح قادة تلك المقاومة واعادتهم للتمتع بالحرية ، حتى ولو كانوا من عتاة الفكر السلفي المتطرف ، ولا فرق في ان يتراجعوا عن سيرتهم ( الوطنية ) ، او يستمروا في ضرب الاسواق العامة ، وخطف الابرياء ، وتهديم المدارس ومساكن الفقراء .
وعلى ما يبدو ، فان اللقاء اليساري العربي ( لا ادري لماذا الاصرار على اختصار الفكر اليساري بالعرب في المنطقه ، وهضم حقوق القوميات الاخرى ، ممن اعطوا تضحيات جسام من اجل استقلال بلدانهم الى جانب العرب ) لم يترك الامر سائبا دون الافصاح عنه وبشكل ادق ، حينما دعى في النقطة الرابعه من بيانه الختامي الى ( استكمال عملية اخراج قوات الاحتلال الامريكي من العراق ) .. ولم يتوقف البيان لتحديد سمات تلك العملية ، وحيثيات استمرارها ، وطريقة دعمها ، فما اسماه البيان مقاومة في العراق ، وكما اسلفنا ، تركت ومنذ زمن بعيد ، ساحات الاحتكاك بالجيش الامريكي المحتل ، وتوجهت الى اللعب على عدة محاور تختلف في مضامينها ولكنها تلتقي جميعا عند ركن واحد ، وهو تنفيذ عمليات القتل والتهجير واذكاء روح الطائفية ، واستهداف الطوائف من غير المسلمين ، وتهديم دور العبادة ، ونهب مصادر الاقتصاد الوطني ، وتعطيل العملية السياسية الهادفة الى انقاذ الشعب العراقي من براثن الاحتلال وبالطرق السليمه .
لقد افرزت لنا صيغ الحياة العامة في الوطن العربي ، ومنذ الاستقلال ، تطورا حثيثا أظهر تناقضا واضحا لما كانت القوى اليسارية عموما ، والاحزاب الشيوعية على وجه الخصوص ، تحدده كمنطلق لمسيرتها النضالية اليومية ، وهذا لا يعتبر عيبا ، بقدر ما يكون العزوف عن طبيعة التطور الفكري والبقاء ضمن مكابرة بائسة ، لا تريد ان تتغير ، هو العيب بحد ذاته .. فالتطور الاقتصادي ، والذي هو الاساس في حركة التاريخ ، جاء في منطقتنا وبشكل غير الذي كانت تتوقعه ورسمته قوى اليسار في بلداننا ، مما اخل في توازن التوقعات الفكرية ، ووقوعها ضمن حيز ليس لها الخيار فيه ، الا ان تتغير هي الاخرى لتقرر لنفسها مسارا فكريا اخر ، ينسجم وطبيعة المرحله .. إذ ان طبقة العمال في اغلب البلدان العربية ان لم يكن جميعها ، تراجعت عن موقع الصدارة في عملية النضال التقدمي ، وبذلك تراجعت اهم ركيزة لبناء النظام المستند على الاسس الاشتراكية والغاء تحكم رأس المال .. وضعفت حليفتها طبقة الفلاحين ، لتتراجع هي الاخرى امام اكتسابها صفة مغايرة تماما بتأثير الهجرة الى المدينه ، وبفعل ما اصاب الريف من خراب عام ، ادى الى تقلص محفزات الزراعة وافتقاد الدعائم الرئيسية لها من ري وبذور واسناد حكومي متخصص .
في حين ، بقيت البرامج الفكرية ومناهج التنظير السياسي لليسار ، متوقفة عند ذات المفاصل القديمة دون الاستفادة من معالم التطور في هذا المضمار ، واستمرت ذات الترديدات المنهجية المنطلقة عن مؤتمرات تلتها مؤتمرات ، دون ان تتمكن تلك القوى من اجراء تحليل ينزع الى ابتكار صيغ جديدة في النضال ، يجعل منها في مقدمة الركب كما كانت تدعي باستمرار ، وكما هي حقيقة دورها الطليعي ضمن حركة الجماهير .
فأي معنى يقصده المؤتمرون في اللقاء اليساري العربي حينما يقولون في بيانهم الختامي ( ان العنوان الرئيسي لبرنامج التغيير المميز لليسار ، هو في اقامة حكم وطني ديمقراطي بأفق اشتراكي يشكل البديل للانظمة التابعه ، وفي سبيل انجاز هذه المهمه ، تعمل قوى اليسار العربي على اعادة تنظيم صفوف الطبقة العامله والفلاحين والفئات الشعبية كافه والمثقفين التقدميين ، باتجاه لعب دورهم الطبيعي والطليعي في عملية التغيير الديمقراطي ) ؟؟ .. أين هي طبقة العمال في بلداننا العربية واين حلفائها الطبيعيين من فلاحين ومثقفين تقدميين ؟ .. أين ياترى طبقة البرجوازية الوسطى ، صاحبة التاثير المباشر من خلال مساهمتها في عملية بناء الاوطان ؟؟ .. الم تتغير وعلى مدى حقبة واسعة من الزمن ، كامل معالم الاصطفاف الطبقي في منطقتنا ، وبالشكل الذي يدعو لتغيير جزء من قناعاتنا وباتجاه إحداث تغيير مباشر في مجمل مناهجنا الفكرية اليسارية والتقدمية عموما ؟ ..
ويستمر البيان الختامي في اصراره على ركوب ذات الموجة القديمه ، ليردد بان القضية الفلسطينية لا زالت تعتبر القضية المركزية في البلدان العربية ، تلك المقولة التي اودت حتى بالقضية الفلسطينية ذاتها ، لتجعلها ضحية ابنائها قبل ان تكون ضحية اسرائيل .. واصبحت قضية الشعب الفلسطيني المسكين ، رهنا بعراك فلسطيني فلسطيني ، بلغ حدا من اللامعقول ، الى انه وصل الى غاية مساهمة الفلسطينيين انفسهم باغتيال ياسر عرفات وعدد كبير من قادة الفصائل المقاومه ، واستمرت المتاجرة الرخيصة بهذه القضية ولحد الان ، ضمن سلسلة طويلة من المساومات العربية ، لها اول وليس لها آخر ، مما يجعل من المنطقي بمكان ، اعتبار ان عملية التغيير الجذري للانظمة الحاكمة في كل بلد عربي ، واحداث اصلاحات في مجمل الحياة الاقتصادية داخل كل بلد بذاته هي القضية المركزية ، وصولا الى بناء نظام عربي شامل ، قادر على تحقيق الاتحاد الطوعي والمرتكز على التكافل الاقتصادي والاجتماعي ، والظهور امام العالم بمظهر متجانس يكفل لشعوبه حياة حرة وقوية .. حينها فقط سوف تجد القضية الفلسطينية حلها الامثل ، بدل هذا الخوار المستند على طنين الاناشيد الحماسية والترنيمات الفارغة غير الواقعية ، والتي تعودت عليها اسرائيل ، واصبحت لازمة دائمة لعواء يبديه العرب بلا طائل .
لقد ركب القوميون العرب ، اصحاب التجارب المرة في المنطقه ، ولا زالوا ، موجة الاتجار بالقضية الفلسطينية ، وذلك بالوقوف عندها باعتبارها قضيتهم المركزية وحسب ، دون الالتفات الى ما يدعم هذه القضية من اسس لابد من توفرها ، لكي ينتهي المطاف الى ايجاد الحل المنصف للفلسطينيين ، وهذه الاسس هي التي تعتبر قضايا مركزية بحكم المنطق .. وعلى قوى اليسار في البلدان العربية ان تعي هذه الحقيقه ، وان لا تنساق وراء ذات الموجة الوليدة عن طريق اعدائها من قوميين متطرفين احدثوا في القضية الفلسطينية اضرارا بالغة ، لا زالت نتائجها قائمة .
ويحسن اللقاء زعمه الذي تضمنه بيانه الختامي ، حين قال ، بان ( الاضطلاع بهذه المهمات ، يستند الى تعزيز برنامج قوى اليسار في كل بلد عربي ، وفقا لظروفه الملموسه ) .. وهو مسار سليم ، اثبتته تجارب الماضي غير البعيد ، حينما بقيت الاحزاب والقوى اليسارية في بلداننا رهينة شمولية قاهره ، اوحت لها بان تجارب الشعوب كافه ، تتشابه في سماتها ونتائجها ، فاوغلت في مظاهر التقليد الاعمى ، مما افقدها خصوصيتها الضرورية لبناء تجاربها الخاصة ، والمعتمدة على الواقع الفعلي الموجود ضمن ميادين نضالها الوطني .
وان كان ثمة خاتمة لهذا الحوار ، فهي ان اللقاء المنعقد لمجموعة من الاحزاب والمنظمات اليسارية في بيروت ، يعتبر في نهاية تقييمه بكونه خطوة على الطريق الصحيح .. وهي الخطوة التي تكررت الدعوات لتحقيقها من قبل العديد من الكتاب التقدميين وكافة التجمعات الوطنية في منطقتنا ، باعتبارها وسيلة فاعلة باتجاه انقاذ شعوبنا من تسلط القوى الرجعية والسلفية المتطرفه ، ومن اجل احداث نقلة واضحة على طريق التقدم بكافة صنوفه واشكاله .
#سهيل_حيدر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟