أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين الحاج صالح - هل من معنى عام لتقييد المظاهر والرموز الدينية في سورية؟















المزيد.....

هل من معنى عام لتقييد المظاهر والرموز الدينية في سورية؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3175 - 2010 / 11 / 4 - 17:11
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تواترت في الشهور الأخيرة إشارات على انشغال بال المسؤولين السوريين بانتشار ظواهر التدين ورموزه في البلاد، قبل أن يبادروا في الصيف الفائت إلى اتخاذ إجراءات موجهة نحو ضبط هذا الانتشار وتقييده. في نهاية العام الماضي كان نسب إلى السيدة بثينة شعبان، المستشارة في رئاسة الجمهورية، كلاما يفترض أنها قالته في اجتماع بعثي على "مد ديني متعصب"، وعزَتْه إلى "الفراغ السياسي الذي لا بد أن يملأه الآخرون"، وإلى "فشلنا"، نحن (مستمعيها) البعثيين. وفي أواخر شهر أيار الماضي رأى الرئيس بشار الأسد في حديث لقناة تلفزيونية أميركية أن التحدي الأكبر الذي يواجه البلاد هو "الحفاظ على علمانية المجتمع". وفي نهاية شهر حزيران الماضي تواردت أنباء بشأن إحداث مكتب للشؤون الدينية في رئاسة الوزراء السورية. وبعد حين صدر تعميم بنقل 1200 معلمة منقبة من التعليم إلى إدارات أخرى، البلديات بخاصة. وفي الوقت نفسه تقريبا نسب إلى جهات في وزارة التعليم العالي إعلان حظر دخول المنقبات إلى أحرام الجامعات السورية (يبدو أنه لم يُطبّق). وفي أواسط تشرين الأول الجاري تواترت معلومات عن حظر الرموز الدينية في وسائط النقل. ويبدو أن هذا طال حتى وسائط نقل خاصة، إن صح ما تناقلته مواقع إلكترونية سورية.
والواقع أن انتشار مظاهر التدين كان لافتا بالفعل في السنوات الأخيرة، وفي العالمين الواقعي والافتراضي. ويبدو أن لهذا الانتشار مفعولا مُعدِيا، نستدل عليه من تعمم إظهار الرموز الدينية، التمييزية تعريفا، بدرجة غير مسبوقة بين أوسع قطاعات السكان، وعلى تنوع منابتهم الدينية والمذهبية. ولا ريب أن في هذا ما يشير إلى ارتفاع الطلب الاجتماعي على تعريف الذات بالأصل والفصل، وعلى التمايز عن غيرٍ مُعرَّف بأصله وفصله أيضا. ومن شأن سير هذه العملية إلى منتهاها أن يشكِّل عالما من غيتوات متعازلة لا تختلط ولا تتعاطف، ولا تشكل مجتمعا واحدا. بل التي يشعر كل منها أن "الآخرين" عبء عليه، ويتطلع إلى التخلص منه. ومن متابعة بعض ما يكتب في هذا الشأن، يبدو أننا قطعنا سلفا شوطا لا بأس به على مستوى الانفصال النفسي، وأنهم ليسوا قلة من قد يرحبون بتعازل أوسع. بالمقابل، لا يكاد يكون ثمة مقاومة علنية وعامة لهذا الميل المنتشر.
فهل يحتمل أن السلطات السورية قلقة من هذه المسارات؟ وهل تندرج التصريحات المشار إليها والإجراءات اللاحقة لها في سياق مواجهة هذه التطورات المقلقة؟ وهل يمكن نسبة معنى عام متسق إلى هذه الإجراءات؟ هل هي عناصر في سياسة متكاملة موجهة نحو قطع مسار الانفصال الاجتماعي والنفسي بين السكان، إن لم يكن نحو عكس المسار وتوسيع مساحات المشترك الوطني؟
نتشكك في ذلك مبدئيا، لسببين. أولهما نوعية أولويات نخبة السلطة، وهي موجهة نحو الأمن والبقاء الذاتي، الأمر الذي يقلل من الطاقة التي يمكن تكريسها لقضايا الاندماج الوطني، أو يقصرها على الاكتفاء بـ"الوحدة الوطنية". وهذه سياسة سلبية تعني غياب المنازعات الأهلية، وإعطاء كل ذي حق حقه من التمثيل في مراتب الحكم غير السياسية (مع تعريف أصحاب الحقوق تعريفا جمعيا)، وليست سياسة إيجابية موجهة نحو حقوق متساوية للجميع، مُعرّفين كأفراد ومواطنين. والسبب الثاني هو المستوى الفكري والسياسي المعهود لنخبة الحكم، وعدم قدرتها المجرب على وضع سياسات اجتماعية عامة طويلة الأمد، أطول أمدا من إدارة البقاء الخاص. ومما يزكي التقدير المتشكك أيضا أن الإجراءات الأخيرة اعتمدت الأسلوب الفوقي والعريق في الحكم، أسلوب التوجيهات والتعميمات الداخلية، وليس المناقشات العلنية ووضع القوانين والتشريعات العامة. الأسلوب الأوامري الصامت يحصر عموم السكان بين قوسين، بعيدا عن السياسة والمطالبة والتفاوض الجماعي، ويحول بينهم وبين نسبة معنى عام إلى تلك الإجراءات، أو استخلاص عبرة مشتركة منها، أو التفاعل الإيجابي معها. لذلك فإن من المشكوك فيه كثيرا أن تعزز آلية الحكم هذه "علمانية المجتمع". غاية ما ينتظر منها هو حفظ مظاهر "الوحدة الوطنية" اللائقة.
على أن سلسلة الإجراءات اللافتة المطبقة في الشهور الأخيرة تشير إلى أن السلطات قادرة فعلا على اتخاذ قرارات تدخلية في شأن حساس، كانت تحاذره عموما (إلا حين يشكل خطرا أمنيا). هذا التدخل يتعارض مع عقيدة هزيلة انتشرت في السنوات الأخيرة، تقول إن نظمنا الحاكمة وسياساتها انعكاس لتكوينات ثقافية وذهنية قارة، هي "البنى التحتية" المحددة لأوضاعنا العامة بمجملها. ولقد زامن انتشار هذه العقيدة الثقافوية انتشار مظاهر التدين، وكان وجها من وجوهه، وإن انحصر التركيز غالبا على وجه إسلامي مفترض لهذا التدين، ومع اعتبار المظاهر الأخرى "ردود فعل" عليه. ولعل مما سهل انتشار هذا المعتقد الرث ما يضمره من أن العامة هم السادة المقرِّرون حقيقة لأوضاع البلاد، فيما نخبة الحكم ضحية لعقليتهم الدينية المتخلفة أو تكاد. وتتكثف الخلاصة السياسية لهذه العقيدة في عبارة أنه ليس بالإمكان أبدع مما هو كائن.
على أن سلسلة الإجراءات تلك تتعارض أيضا مع تقدير كنتُ عبرت عنه غير مرة في العام الأخير، ويفيد أن نوعية أولوية النظام العليا تعطل قدرته على التدخل المنظم في الميدان الاجتماعي الديني. لا يسعه المجازفة بتنفير قلوب يحتاج بالأحرى إلى تأليفها. هذا التقدير غير مرن على الأقل. من الواضح أن هناك تدخلا قويا اليوم، وأن "الأولوية العليا" المفترضة لم تمنع هذا التدخل في شأن يثير حفيظة قطاعات اجتماعية دينية، وكنت أقدر أن السلطات أحرص من أن تثير حفيظتها. وهذا كله دون وجود ما يوحي باتصال الأمر بأخطار أمنية، ليس من عادة النظام التساهل في شأنها. والظاهر أن هذه الإجراءات مرت بسلاسة، بل لقد كان صوت تأييدها أعلى من صوت التحفظ عنها أو الاعتراض عليها.
على أن ذلك كله لا يمس فيما نرى وجاهة التشكك في اندراج الإجراءات الحكومية في إطار سياسة أوسع وفي إمكانية نسبة معنى وطني عام لها. هذا بينما من شأن ذلك فقط، السياسة الأوسع والمعنى العام، أن يسوغ تأييد تلك الإجراءات ويضمن أن يكون لها مردود تحريري وعلماني. فإن كان لتلك الإجراءات أن تثمر، فلا بد من التنشيط السياسي للمجتمع، بما يمكن قطاعات منه من مقاومة التطرف الديني والطائفي، مع كون الدولة ذاتها حليفا في هذه المقاومة. لكن هل هذا ممكن دون المساس بالتطرف السياسي المتأصل في هياكل ممارسة السلطة في البلد، وتحديدا في مثابرتها على إنكار الأهلية السياسي للمجتمع ككل؟ ودون مساءلة "الأولوية العليا"، وربما إثارة نقاش حول الجمهورية والمواطنة وقيمهما المفترضة؟
وأكثر من التنشيط السياسي يلزم التنشيط الثقافي. وهذا أشد إلحاحا بعدُ حيال شؤون تتصل بالأديان والهويات والانتماءات. المجتمع الناشط ثقافيا يرتفع فوق "الثقافة الطبيعية"، أو ثقافة الكفاف الدينية والمذهبية، المسكونة بالرموز والعلامات التمييزية، لا بالمعاني والمفاهيم والقيم المشتركة. في "الثقافة الطبيعية" يشيع أن تتحول المفاهيم والقيم ذاتها إلى رموز وعلامات تمييز، وتتغلب الوظيفة الرمزية التمييزية للثقافة على وظائفها المعرفية والعملية العامة. إنها سمة البيئة التي يرتفع فيها الطلب على التمايز عن الغير والهويات الخاصة، وتبدو الثقافة جانحة إلى الالتحاق بـ"الطبيعة"، لتتشكل الثقافات الطبيعية، القبلية والطائفية وأشباهها. هذه بيئة مدفوعة دفعا نحو "المظاهر والرموز الدينية"، وبعيدا عن المفاهيم والقيم العامة. التنشيط الثقافي، وبمشاركة لا بد منها من قبل الدولة، هو ما يُعوّل عليه من أجل الاستقلال عن ثقافة الكفاف الطبيعية، وتشكل ثقافة "كمالية"، وطنية وعامة ومفتوحة الآفاق. لكن هنا أيضا يثور التساؤل بشأن ما إذا كان يمكن للسلطات أن لا تشهر مسدسها حيال أية مظاهر تنشيط ثقافي ومعنوي لا بد أن تكون قاعدة نشوء سلطات اجتماعية وحصانات مستقلة. ولعلها ستحد في المظاهر والرموز الدينية، التمييزية حتما، البديل عن ثقافة تقترن دوما بالتفكير النقدي والمساءلة العامة والاستقلالية السياسية والأخلاقية.
فهل يحتمل أن الإجراءات المعنية تندرج في سعي منظم إلى فرض سلطة الدولة في وجه أية سلطات فرعية محتملة، دينية أو غير ذلك؟ تواردت مؤخرا معلومات عن حملات واسعة للقبض على مطلويين وخارجين على القانون، مع كميات من المخدرات والأسلحة. فرض سلطة الدولة أمر مرغوب وضروري من وجهة نظر المصلحة الوطنية. لكن هل نستطيع، هنا أيضا، ألا نتساءل عن إمكانية بلورة سياسة عامة في هذا الشأن؟ عن فرض سلطة الدولة العامة على الأقوياء، وليس على الضعفاء وحدهم؟ عن فرضها دون استثناءات تلغي أي مفعول عام لها؟
وعما إذا كان ثمة أية مسوغات ليتخلى المرء عن تشككه، دون مجازفة منه بالسقوط في السذاجة؟



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من التحرر السياسي إلى الانبعاث الثقافي والأخلاقي
- تطور معكوس: الطبيعة والماضي يسيطران... والخارج أيضا
- في شأن -الثمرة المحرمة- وأصول الكلام الصحيح
- نظرة عامة إلى بعض ملامح الاجتماع السياسي السوري المعاصر
- هذا التفاوض متهافت، و-عملية السلام- كاذبة
- التمركز حول الدين في تنويعتين إيديولوجيتين
- محمد أركون.. منقذا من الضلال!
- الإصلاح الإسلامي: من -الدين الصلب- إلى -الدين اللين-
- خسر العلمانيون، وفازت العلمانية!
- هل المثقفون مسؤولون عن نوعية تلقي أعمالهم؟
- -النظرية الثقافوية في التاريخ- ووكلاؤها العامون
- الغيلان الثلاث وأزمة الثقافة العربية: مقالة غير عقلانية
- ياسين الحاج صالح في حوار مفتوح مع القراء والقارئات حول : الي ...
- إسرائيل ك-لاعدل- جوهري مستمر
- الدولة، الدولة أيضا، الدولة دوما
- في -السياسة الطبيعية- والمشكلات غير السياسية
- أهي نهاية الحداثة السياسية العربية؟
- في الخروج من بنية مغلقة لا مخرج منها
- التدين الإسلامي والحاجة إلى أخلاقية عامة
- في شأن النقاب وحركة التنقّب الاجتماعي


المزيد.....




- 1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
- أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
- غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في ...
- بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...
- إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش ...
- مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين الحاج صالح - هل من معنى عام لتقييد المظاهر والرموز الدينية في سورية؟