|
لماذا أحب الفلسطينيين؟ لماذا يكرهني الفلسطينيون؟
محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب
(Mohammad Abdelmaguid)
الحوار المتمدن-العدد: 956 - 2004 / 9 / 14 - 09:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حلمت كثيرا ولسنوات طويلة بيوم زيارتي فلسطين المحررة، وقبلت تقلص حلمي رويدا رويدا... حتى أصبح زيارة لغزة أو أريحا أو رام الله .. ثم بدأ يخفت، ويبهت، ليختفي نهائيا بعدما تجاوزت الخطوط الحمراء في علاقتي بأصحاب قضيتنا الرئيسة .. الصراع العربي الصهيوني كل ما هو مسموح به، وحاولت الدخول إلى النفس الفلسطينية لالقاء نظرة عما شابها أو أرهقها أو عبث بها من جراء سنوات القهر والقمع والصراع، فكانت نقطة النهاية. في عام 1994 نشرت في طائر الشمال مقالا لي تحت عنوان: قصتي مع الفلسطينيين .. عاشق يمزق رسائل حب قديمة وقلت فيه
نُشر في طائر الشمال، ثم في كتاب ( كتابات ضد الصمت) عام 1994، أي أن عمر هذا المقال عشر سنوات
بعض الأحلام تبدأ.. ثم تختفي قبل أن يشرق صباح يوم جديد. وبعضها تراود صاحبها بين الفينة والأخرى، لكنه لا يستطيع الإمساك بأي طرف منها. وهناك أحلام تسلل إلى النفس والفكر والوجدان كل يوم، وكل ساعة، وكل لحظة حتى تصبح جزءا من الواقع الحلمي أو الأحلام الواقعية، فلا يدري المرء بعد ذلك إن كان يقظا أم مستيقظا في سبات عميق!!
التاريخ الوحيد الذي أجهله تماما عن حياتي هو يوم تسللت كلمة " فلسطين" خفية، واحتلت موقعا ثابتا في عقلي وقلبي، وظلت متمسكة به، طاردة لأي دخيل آخر، ومهيمنة على قراءاتي وأحلامي، حتى أضحت قريبة من الاعتقاد الديني الراسخ والعميق، بل لعلها كامن تتدخل في كل شؤوني وشجوني، وتختار أصدقائي، وتحدد لي الأعداء، وتجبرني على استخدام ومصطلحاتها وقاموسها الوحيد. ربما تكون قد عرفت طريقها مع أول مرة استمعت فيها بعيون دامعة إلى"أخي جاوز الظالمون المدى، فحق الجهاد وحق الفدا"! وربما من خلال كتاب عن الأسلحة الفاسدة اشتريته وأنا طفل صغير جعلني لا أنام الليل غضبا على الذين تسببوا في هزيمة 1948! ..أو ربما كان خطابا للرئيس جمال عبد الناصر يشرح فيه أهداف الحركة الصهيونية العنصرية. أو قد تكون كل هذه الأسباب مجتمعة أو متفرقة، لكن المؤكد أن كلمة "فلسطين"سبقت ماعداها وتحولت إلى قيمة كبرى تخلع على سائر الأشياء الأخرى كل مالها من قيمة وفهم ومبدأ. وكان أمرا طبيعيا أن يمس هذا العشق الجارف أبناء شعب فلسطين المضطهدين، فأحببتهم عندما كانوا لاجئين، وزاد حبي لهم بعد أن تحول اللاجئون على فدائيين، وتمسكت بهم بعدما أصبح الفدائيون سياسيين. لم تكن مفاجأة لوالدي – رحمه الله – عندما أبلغته مساء أحد أيام خريف عام 1968 أنن ذهبت إلى مكتب "فتح" الواقع في أحد الأحياء الراقية بمدينة الإسكندرية وسجلت اسمي ضمن الراغبين في عملية فدائية انتحارية من أجل فلسطين، فقد كان يعرف أن الجهاد الوحيد الذي يختصر كل الطرق إلى خطوة واحدة نحو جنة الشهداء هو الجهاد من أجل فلسطين. وكبرت معي فلسطين، وأصبح الدفاع عنها وعن شعبها كالطعام والشراب، لا تستقيم الحياة بدونهما، ولا تستمر نفخة الروح بعيدا عنهما إلا أيام معدودات. وفي بيت الشباب في ﭼنيف بسويسرا، حيث كنت أعمل، تقدمت القنصلية الإسرائيلية إلى شرطة ﭼنيف بشكوى ضدي. فالحقيقة أنني جعلت شرح القضية الفلسطينية مدخلا إلى الحديث مع شباب من كل فج عميق. وعندما انتقلت إلى النرويج، بعدما قضيت في سويسرا أربع سنوات، كانت القضية الفلسطينية قد أمسكت وتشبثت وترسبت في كل مشاعري، أنام معها، واستيقظ بها، وأمتنع عن الطعام إثر اغتيال أبو حسن سلامة، وأنظم المظاهرات، واشترك في النشاطات الفلسطينية كأنني واحد منهم جعلت شهادة ميلاده مولده في مكان آخر بالعاصمة المصرية الثانية، عروس البحر المتوسط، لكن مسقط الرأس الحقيقي كان بجوار شجرة زيتون في حيفا، أو في مبنى عتيق أمام الحرم الإبراهيمي، أو في كوخ صغير يجاور مزرعة للبرتقال في يافا أو الناصرة.. أو في منزل قديم في القدس الشريف تطل شرفته شبه المنهارة على المسجد الأقصى!! كل الطرق كانت تؤدي إلى فلسطين، وأي قضية سياسية ينبغي أن تحصل مسبقا على رسالة اعتراف فلسطينية حتى أقتنع بها، ويتساوى في هذا الفن والسياسة والرياضة والتجارة وكل الأمور الأخرى. حتى قضايا وطني الأم، مصر، كان عليها أن تحصل على اعتراف فلسطيني ليسمح لها العقل بالدخول، وإلا فإن كل الأبواب تغلق دونها. وعندما هبطت طائرة الرئيس الراحل أنور السادات فوق أرض فلسطين المحتلة، كنت أبكي كطفل رواندي صغير وصل على الحدود الزائيرية بمفرده بعد أن فقد والديه وأقاربه. وامتنعت عن زيارة سفارة مصر في العاصمة النرويجية لمدة عامين، وفي العام الثالث، أي في عام 1980 حضرت حفل الاستقبال بالعيد الوطني لثورة يوليو ومعي بعض الفلسطينيين، فقد كانوا يمثلون لي ما بقى من طهارة الثورة والنضال ضد الاستعمار الصهيوني، وكان رأيي آنئذ أن ثورة يوليو فجرها النضال الفلسطيني أفكارا في عقل ووجدان جمال عبد الناصر. وعندما اشتد القصف الوحشي الإسرائيلي على لبنان والمقاومة الفلسطينية في يونيو1982، كانت ابنتي الصغيرة التي لم تكن قد بلغت عامها الرابع شهرئذ تقف في شارع كارل يوهان بقلب العاصمة النرويجية تجمع تبرعات لأبناء الأبطال والمناضلين، فجمعت في يومين أكثر مما جمع الكبار كلهم؛ وكيف لا وقد تعلمت من أبيها اسم فلسطين قبل مصر!! وقبل أن تأتي إلى الدنيا كانت والدتها النرويجية تستمع بدهشة كبيرة لي وأنا اشترط عليها أن لا يدخل بيتنا أي شيء إسرائيلي ولو كان برتقالة واحدة من يافا المحتلة. وظلت ملتزمة تحترم هذا الشرط في حضوري وفي غيابي. وفي نوفمبر 1983 افتتحت المكتبة العالمية كمركز إعلامي على مبعدة دقائق معدودة من مبنى البرلمان النرويجي العتيق، وكانت المكتبة ملتقى أبناء الجالية هنا، ومركزا للفلسطينيين. ولم أجد علما عربيا واحدا يعبر عن هدفي الأسمى غير علم فلسطين. وعاشت معي فلسطين أهتدي بهديها، وأعشق أهلها، ويبادلني الفلسطينيون حبا بحب، حتى أنه في اجتماع فلسطيني عقد في منزل الأخ طارق سلامة خلال العدوان الإسرائيلي عام 1982، رغبت في الانسحاب حتى ينتهي الحاضرون من انتخاب أعضاء لجنة مناصرة لبنان ولمنظمة، فأصر الإخوة على حضوري لأنني كما يرون، فلسطيني قبل أن أكون مصريا أو نرويجيا!! وفي عام 1987 صعدت ما وسعني الجهد إلى منتهى الهرم وقمته، فكانت المكتبة العالمية ومجلة الشمال وإذاعة صوت العرب من أوسلو، وكلها – بفضل الله – جهد شخص واحد. في نهاية عام1988 قال لي شاب إسرائيلي يقيم في بيت الشباب حيث أعمل:" إننا في السفارة الإسرائيلية نسجل كل ما تذيعه إذاعة صوت العرب من أوسلو؛ فأنت أخطر علينا من جميع الفلسطينيين هنا"!! وفي كل المرات التي اختلفت فيها مع مدير مكتب منظمة التحرير في اوسلو وهي كثيرة والحمد لله، كان الفلسطينيون يشدون من أزري، ويعتبرونه دخيلا على القضية الفلسطينية، ويتمنى كل منهم أن يصدر أبو عمار قرارا بنقله. وعلى الرغم من خلافي الشديد معه، إلا أنه كان ممثلا لمنظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ولذا حرصت على البقاء بجانبه، وظل أمنه هاجسا لي كخوفي على أي فلسطيني على الساحة النرويجية. وفي إحدى المرات عقد اجتماع فلسطيني كبير حضره عمر صبري كتمتو، سفير فلسطين في النرويج، وعبد الرحمن علاوي، سفير فلسطين في الدانمرك، وكان مقررا أن يجتمعا عندي في المكتبة العالمية بعد انتهاء الحفل الكبير. وكان خوفي عليهما شديدا للغاية، فاتصلت بالشرطة النرويجية وطلبت حماية لهما بعد الاجتماع، وبالفعل استجابت الشرطة وتم توفير الحماية الأمنية لهما دون أن يلاحظا شيئا على الإطلاق، ولم يعرف أحد في أوسلو هذا الخبر قبل مرور عامين. أحسب أنني شرحت أبعاد القضية الفلسطينية آلاف المرات في العشرين عاما المنصرمة، في لندن وجنيف وأوسلو، حيث مكنني عملي من الاحتكاك والتأثير في عدد هائل من الشباب في كل مكان. ولم يدر بخلدي لحظة واحدة أن هناك قوة على الأرض يمكن أن تنتزع من قلبي محبة الفلسطينيين، أو تبتعد بأي منهم عني خطوات إلى الوراء. وضرب زلزال غيب وعنيف ومفزع العالم العربي كله فجر يوم الخميس الثاني من أغسطس 1990، عندما مزقت بكارة ليل الخليج الهادئ والحار أحذية نصف مليون جندي كانوا قادرين فجرئذ على تحرير فلسطين كلها، فاتجهوا صوب الكويت في عملية تستحق أن يضرب بها المثل لقرون قادمة على الغدر والخديعة ونكران الجميل. ولكن صدمتي الكبرى لم تكن في الجنود العراقيين الذين نهبوا وسرقوا واغتصبوا وأحرقوا، على الرغم من أنها جريمة القرن.. ولم تكن في نكران الجميل الذي قابل به صدام حسين وزبانيته وعائلته وتكريته وأشاوسته فضل الكويت ودعمها طوال سنوات حرب الخليج الأولى، وتعرضها لمتاعب مع إيران، ومجازفتها بالأرض والمستقبل من أجل حراس البوابة الشرقية...لكن صدمتي الكبرى كانت في الفلسطينيين الذين خرجوا في مظاهرات صاخبة في عمان وصنعاء والأرض المحتلة وجنوب لبنان والجزائر وفي كل العواصم الأوربية يؤيدون اغتصاب أراضي الغير بالقوة، ويشتمون في الكويتيين، ويضربون بعرض الحائط تاريخا طويلا من الدعم الكويتي للقضية الفلسطينية، وينحون إسرائيل، عدوهم الرئيسي، مبررا لبقائها فوق أرضهم، ويهدمون فوق رؤوسنا ورؤوسهم المعبد في خيار شمشون الأخير. التأييد الفلسطيني الجارف للاحتلال العراقي للكويت، وترحيب عشرات الآلاف من فلسطيني الكويت بجنود الغزو، ومظاهرات الفرح والبهجة التي عمت مخيمات الفلسطينيين وكل تجمعاتهم، وتهديد ياسر عرفات بإحراق آبار البترول الكويتية.. كلها كادت تشعل في نفسي حرائق حزن تفوق اشتعال سبعمائة بئر بترول في الخليج الهادئ!! مر وقت طويل لا أكاد اصدق فيه ما تراه عيناي، فهذا لعمري زمن الكوابيس. كل الفلسطينيين( تقريبا) وقفوا في صف صدام حسين، حتى الذين لا يمكن أن يدعي أي منهم الخوف من منظمة التحرير أو مخابرات بغداد بحكم وجودهم في أوروبا والأمريكتين كانوا يهيلون التراب على الكويت، ويوارون جثمانها التراب دون التأكد من أن نبض الحياة مازال يدق بعنف شدد في قليها المجروح. قال لي أحدهم غاضبا وشامتا" ينبغي أن يعاني الكويتيون مثلما عانينا نحن"!! في لمحة بصر خاطفة داس الفلسطينيون على العقل والمنطق، والقوا وراء ظهورهم بمشاعر المحبة والعرفان بالجميل، ولم تتحرك جماعة واحدة في أي مكان تطالب الفلسطينيين في الكويت بالدفاع عن أرضهم الكويتية، أرض مضيفيهم الذين قاسموهم السراء والضراء في الأعوام الربعين المنصرمة. صديقي العزيز المثقف والأديب والشاعر، الذي كان قبل أيام معدودة من الثاني من أغسطس يمتدح بشدة الحركة الثقافية الكويتية، ويلعن صدام حسين وصحبه وزبانيته، قال لي:" يجب أن تتوقف عن أحلامك، فقد ضاعت الكويت إلى الأبد من أجل العروبة والقومية"!! صدمتي الشديدة على الرغم من عنفها الذي هز كياني كله، لم ترسل إلى العقل إشارة واحدة للتنبيه بأنني أيضا سيتم تصنيفي فلسطينيا في صف الأعداء. وعندما وصلت أول إشارة عقب إغلاقي إذاعة صوت العرب من أوسلو، وقيل لي إن البعض يتربص بي ومنهم فلسطينيون لم أصدق، فلا يمكن أن أكون في حالة عداء مع الكيان الصهيوني.. في الوقت عينه يناصبني العداء أصحاب حلم الطفولة والشباب من أحبابي الفلسطينيين. عندما كنت مقيما بالعاصمة البريطانية عام 1972، قرأت نداء عربيا فلسطينيا بضرورة مقاطعة محلات ماركس أند سبنسر لتبرعها بمبالغ طائلة لإسرائيل، والتزمت بـ ( الأوامر) الفلسطينية حتى لحظة كتابتي هذا المقال، رغم معرفتي أن الهوس الشرائي من هذه المحلات وفروعها عربي الجيب، وزبائن الشقيقين الصهيونيين تدمع أعينهم لدى سماعهم زهرة المدائن و.. القدس العتيقة، وربما كانا أعضاء في المجلس الوطني الفلسطيني!! كان يقيني بعد الغزو العراقي للكويت أن الفلسطينيين كلهم، في أوسلو وآرندال وكوبنهاجن وفي كل مكان، سيشفعون لي، وسيفرقون بين عدائهم الشديد للكويت، ودفاعي عن هذا البلد الصغير. وكنت واثقا أن حبهم لي لن يتأثر قيد شعرة بكراهيتهم للكويت، ولذا ستكون كتاباتي عنهم هي كتابات لهم. ومن قال إن هناك قوة نادرة على كبح جماح البغضاء إذا مست قلبا أو نفسا أو عقلا؟! وبدأت الصورة تأخذ شكلها الطبيعي رغم تكراري الخادع بيني وبين نفسي أن الفلسطينيين لن يصنفوني يوما ما في صف الأعداء. وبدأ أحبابي الذين كنت طوال عمري على استعداد لمخاصمة العالم كله من أجلهم، ولو كان أهلي وعشيرتي ينفضون من حولي، ويتراجعون واحدا إثر الآخر. فالفلسطيني لن يتسامح مع أي شخص يطالب بحقوق الكويتيين!! ولم تعد هناك ذرة تسامح فلسطينية تجاه كتاباتي، فكلها تنضوي تحت بند العداء، ويتم تأويل الكلمة في شتى الاتجاهات، وغربلتها عدة مرات لعل معنى لم يدر بذهني قط يحمل بين طياته صيدا ثمينا. ولم يكن الأمر صعبا، فأي مقال يدين الغزو العراقي للكويت، أو يطالب بالإفراج عن الأسرى الكويتيين أو يتطرق إلى محاولات تحليل أزمة الخليج الثانية، يدخل الدائرة الفلسطينية المحرمة. ثم جاء مقالي المعنون" لماذا يكره الفلسطينيون؟!" ليصبوه زيتا فوق نار وهمية، ولم يفهم أحد أنه دعوة للحب والرحمة والتسامح. الأحداث الخطيرة والمتضاربة التي مرت بالعلم العربي، وعصفت بالنفس الفلسطينية، والمذابح والاعتداءات والهزائم المتكررة، والتصادم مع السلطة في كل بلد عربي يستضيف فلسطينيين، فتح المجال واسعا أمام مشاعر غريبة من الكراهية تختفي حينا وتظهر في أحايين أخرى، حتى بدا الدخول إلى عالم النفس الفلسطينية محفوفا بالمخاطر، خاصة وإن الإخوة الفلسطينيين أنفسهم يرفضون أي مداخلات تؤدي إلى كشف حساب علني على عشرات المواقف المصيبة أو المخطئة. وباسم القضية الفلسطينية تحولت الصحافة الفلسطينية إلى وسيلة إعلام إقليمية، ترى العالم كله يبدأ وينتهي في دائرة قضايا الوطن المحتل، وما عداه من قضايا يكتسب أهميته بحكم قربه أو بعده عن الاهتمامات الفلسطينية. لهذا كانت كل المحطات التي وقف أمامها قطار حياتي منذ الطفولة تحمل أسماء فلسطينية، حتى مشاعري وأحاسيسي ومنطقي وكتبي وأصدقائي لا بد أن تحصل على الشرعية الفلسطينية. عندما علمت وأنا شاب أن المغني الجزائري الفرنسي إنريكو ماسياس سافر إلى إسرائيل وجمع تبرعات للدولة الصهيونية، تخلصت من شرائطه كلها على الرغم من كونه مطربي المفضل. ونفس الأمر كان ينسحب على السينما والمسرح والكتاب والشعر والسياسة؛ فلا مساومة على فلسطين. ووجدتني في حالة عداء شديد ضد كل من تسول له نفسه توجيه الإساءة إلى أهلي الفلسطينيين. كنت واثقا ثقة يقين الإيمان المتغلغل في أعماق الفؤاد أنه لو تحررت فلسطين وأنا على قيد الحياة فسأكون واحدا من أوائل المحتفى بهم، وسيستقبلني في مطار القدس المحررة عشرات من أحبابي وأصدقائي المناضلين الذين خضت معهم ومن أجلهم معركة الحق في كل مكان عرفته قدماي، من الإسكندرية إلى لندن، ومن ﭼنيف إلى أوسلو. بل وتخيلت نفسي ساجدا على الأرض الطاهرة المحررة، أقبل ترابها، وأقرأ الفاتحة على أرواح شهدائها الأبرار. ولم أكن أدري أن الثاني من أغسطس 1990 سيحيل حلم حياتي إلى كابوس مخيف، وأنني منذ فجر هذا الخميس أو بعده بقليل تم طردي من قلوب الفلسطينيين جميعا، ولم تعد كتاباتي تتوافق أو تنسجم أو تتناغم أو تقف في نفس الخندق مع كتابات المناضلين(!!) في الصحافة الفلسطينية. آه أيها الزمن العربي القاسي، كم كانت ابتسامتك خادعة ماكرة آثمة حتى يكاد إبليس يتبرأ منها ومنك!! في الوقت الذي كان ياسر عرفات ينتظر موافقة إسرائيلية على مروره من منطقة إلى أخرى في وطنه الجديد، وحلمي القديم.. وفي الوقت الذي كان نبيل شعث يترجل من سيارة سوداء في تل أبيب يرتفع عليها علم تقهقه ساخرة من قلبه نجمة داود... وفي الوقت الذي كان رجال من الشرطة الفلسطينية ( الفدائيون سابقا) يتدارسون مع أشقائهم في الموساد الإسرائيلي قضايا أمنية مشتركة، كان صاحب هذه السطور يتلقى آخر تهديد هاتفي بلهجة فلسطينية كانت في يوم من الأيام نغما ينساب إلى القلب، ويمنح الوجود العربي شرعيته!! قال لي محدثي الفدائي الفلسطيني" سنقتلك أمام بيتك في أوسلو كالكلاب لأنك تتعاون مع الكويتيين الخونة"!! لو كانت هذه التهديدات من عصابات صهيونية أو من الموساد لرقصت طربا، وربما قصصت على أولادي من أنبائها كل مساء كأنها حكايات قبل النوم. أما الآن فماذا أقول لهم لو علموا بأمرها؟! لن يصدق ابني الصغير حرفا واحدا؛ فقد اعتاد أن يجلس بجانبي ويشاهد معي على شاشة التلفزيون أطفال الانتفاضة وهم يرشقون جنود الاحتلال بالحجارة، ويبدي تعاطفا معهم يكاد يرقى إلى مرتبة أطفال الحجارة أنفسهم! ثم ماذا عن ابنتي التي كنت أصحبها قبل أن تتعلم المشي في مظاهرات تأييد لشعبنا الفلسطيني؟! هل أكذب عليها وأقول لها إن التهديدات بالقتل صدرت عن إسرائيليين؟ هل وصل اليأس من حياة حرة كريمة بالفلسطينيين إلى كراهية كل من شاركهم أحلامهم ودافع عن حقوقهم، واقترب من الموت ليدفع لهم مزيدا من الروح والأمل؟ ماذا حدث داخل النفس الفلسطينية، واي تغيير طرأ عليها، وأي سواد هذا الذي تتشح به الأفكار فتجعل الدنيا كقطع من الليل مظلمات؟ كيف تمكنت وسائل الإعلام الفلسطينية خلال سنوات طويلة من تركيب بنية ثابتة وراسخة من الاستعلاء الذي جعل العالم كله لا يستحق الحياة مادام هناك فلسطيني واحد لم يحصل على حقوقه؟ ولماذا يبدو الفلسطيني كأنه في معركة مع نفسه ومع أشقائه ومع عاشقيه، بل حتى الذين يقفون في الصف الأول دفاعا عنه يشكك في ولائهم، ويرفض أن تقترب من أذنيه كلمة عتاب واحدة؟! كل الأبواب موصدة، وعندما أتاح الغزو العراقي الآثم لدولة الكويت الفرصة لرؤية النفس الفلسطينية عارية لأول مرة، تصفق لصدام حسين، وترقص فوق جثث محترقة من مضيفيها، وتقهقه طربا لأن الشقيق الأكبر عبر الحدود قبل أذان الفجر واغتصب شقيقه الصغير الذي هو في ضيافته، اعتبر الفلسطينيون كل من شاهدهم عراة كأنه اعتدى على أعراضهم. لم يدر بذهن أي فلسطيني منذ نكبة تقسيم فلسطين أن الهزيمة الحقيقية لن تكون في الخارج، ولو سلطت عليهم إسرائيل كل قوتها وأخرجتهم من بيروت، وودعهم السوريون في طرابلس الشمال، وذبحهم الحسين بن طلال في عمان، وطاردهم الغرب كله في كل مكان. فقوتهم كانت في تمثيلهم للحلم العربي بمستقبل متحضر حر، ولكن جاءت الهزيمة المرة من الداخل حين حجب العرب والمسلمون والأحرار والأشراف في كل مكان – عن حسن نية – الجانب الفلسطيني الآخر، حيث تتراكم وتترسب مشاعر غامضة من الكراهية الموجهة للعالم كله لأنه خذلهم، وفي هذه الحالة يتساوى الناس كلهم. فزعيم الأمة جمال عبد الناصر لم يشفع له نضاله منذ حصار الفالوجة، ثم قيام الثورة.. فتبنيه القضية الفلسطينية، وقاموا بمظاهرات صاخبة في كل مكان حينما قبل مبادرة روجرز، ورسموا صورته على ظهر حمار يجوب شوارع بيروت!! بحثنا طويلا عن مثقف فلسطيني يدخل دائرة الرمال المتحركة ويكتب عن البقع السمراء التي توزعت على جوانب النفس الفلسطينية من جراء الغبن والاضطهاد والتيه والضيافة المستمرة وضياع الأحلام والهزائم المتكررة..ولم نعثر عليه بعد. وطال بحثنا عن مثقفين فلسطينيين تستيقظ ضمائرهم فينشرون في الصحافة الفلسطينية نقدا موضوعيا للموقف من احتلال العراق للكويت، أو مطالبة بإرسال وفد فلسطيني يقدم اعتذاره للكويتيين المجروحين.. ولم نأمل أو نحلم أن يبعث أبو عمار رسالة علنية لأمير الكويت والشعب الكويتي، فالعزة بالإثم تتحول إلى موقف مبدئي يدافع عنه الظالم كأنه قضية حياة أو موت لا خيار بينهما. سيمر وقت طويل قبل أن يفهم أي فلسطيني يقرأ مقالي هذا أ نه رسالة حب حتى لو كانت ممزقة، وأنه محاولة جديدة للدفاع عنه ولكن في زمن آخر لا شبيه له البتة. أما الذين يتوعدون ويهددون فقد فاتهم شيء آخر وهو أن الخوف لم يعرف طريقه إلى هذا القلب قط،وأن ذرة واحدة منه لم تدخل تسللا أو خلسة أو جهرا إلى نفسي، في حياتي كلها معهم ضد الصهيونية، وعلى صفحات طائر الشمال التي تمر على صدورها هذه الأيام عشرة أعوام قاسية مشرفة ومشرقة، وفي إذاعة صوت العرب في قلب العاصمة النرويجية حيث كانت أخبار الانتفاضة المباركة وكشف العدو الصهيوني سمة رئيسية للإذاعة التي أغلقناها احتجاجا على الغزو العراقي للكويت. وعلى الرغم من ذلك فإن نفسي – كما قال المسيح عليه السلام – حزينة حتى الموت، ليس على مستقبل لا أستطيع أن أردد فيه" فلسطين يفدي حماك الشباب ..فجل الفدائي والمفتدى. فلسطين تحميك منا الصدور.. فإما الحياة وإما الردى"، ولكن على ماض من الحب والعشق والغرام لشجرة زيتون لم أرها ولن أراها، وعلى ربيع العمر وجزء من خريفه كنت فيه واقفا في ساحة المرافعة عن شعبي الفلسطيني ، محاكما الصهيونية والغرب والعالم العربي وزعمائه وكل من تحدثه نفسه بالإساءة إلى أي فلسطيني. أما المستقبل فلم يعد حتى في علم الغيب، فلن يأتي يوم يشهد صعودي الشوارع الضيقة المعبقة برائحة الشهداء في القدس العتيقة، أو جلسة سمر وضحك مع بعض المناضلين والفدائيين في الناصرة، أو الاستمتاع بذكريات محارب قديم عن فلسطين عندما كانت تحت الاحتلال الإسرائيلي، أو تلقى رسالة شكر من مسؤول في جمهورية فلسطين العربية ردا على تهنئتي بنجاح التجربة الديمقراطية.. في ضربة واحدة قاصمة وقاضية قرر أحبابي الفلسطينيون فصل حياتي الفلسطينية إلى نصفين، الأول لا يعترفون به، والثاني لا أعترف أنا به!! الأول هو الماضي منذ أن تطهرت عيناي بدموع الحزن على ضياع فلسطين، وقد بصقوا عليه غير آسفين؛ والثاني دعوة للاعتراف بأنهم ملائكة لا تخطئ، وأن الطريق إلى شوارع أريحا وغزة تمر عبر السالمية وسلوى وحولي وجيش التحرير العربي الفلسطيني الذي ينظم المرور في شوارع المحافظة التاسعة عشرة لحزب البعث العربي الاشتراكي، فرع بغداد !! وعلى الرغم من المرارة الشديدة التي تغوص عميقا في نفسي، فإن جذور الحب كله يتم اقتلاعها بعد، وفرحت فرحا شديدا عندما أبلغني الزميل الصحفي الفلسطيني ورئيس التحرير أنه وكثيرين غيره استيقظت ضمائرهم، واكتشفوا خيرات وفضائل الكويت داخل الأرض المحتلة، وأن الفلسطينيين في حاجة ماسة لدعم مالي كويتي، خاصة الصحافة الفلسطينية في الداخل. أثلج صدري هذا الاعتراف لأنه سيفتح الطريق لمصالحة فلسطينية مع النفس، وربما يكتشف الفلسطينيون أن صدام حسين هو الذي سلمهم جثة هامدة لاسحق رابين. وبسعادة غامرة مشوبة بقليل من الشك في نجاح مسعاي، قلت للشيخ سعود ناصر الصباح وزير الإعلام الكويتي، وأنا أسلمه نسخة من المجلة الفلسطينية التي تعاني من متاعب مالية جمة:" ألم يأت الوقت لقبول اعتذار الإخوة وإرسال الدعم المالي المطلوب؟". كانت دهشة وزير الإعلام الكويتي كبيرة، فأنا أحدث مسؤولا يعلم جيدا أنه لم تتقدم جهة فلسطينية واحدة بالاعتذار عن جريمة ارتكبت في حق بلده ووطنه وشعبه، حتى المطبوعة التي أمامه لم تنشر خبر واحدا إيجابيا عن الكويت ولو كان على استحياء. ماذا لو كانت خطة ياسر عرفات قد نجحت وتمكنت قوى الغزو العراقية من تدمير الكويت وثروتها في باطن الأرض وبنيتها الأساسية، وتحولت الكويت إلى دولة فقيرة تطلب دعما ماليا من غزة وأريحا؟! كان حديثي مع وزير الإعلام الكويتي لمسا غير رقيق لجرح لم يندمل بعد؛ فقد كان سفيرا في واشنطون عندما تقدم زعيم منظمة التحرير الفلسطينية باقتراح لإجراء انتخابات كويتية يقرر فيها الشعب الكويتي نظام الحكم الذي يرتضيه، وكان اقتراح ياسر عرفات لا يقل قسوة أو مكرا أو كراهية عن المظاهرات الصاخبة التي خرج فيها عشرات الآلاف من الفلسطينيين يرفعون صور صدام حسين، ويودعون فرحين إلى غير رجعة دولة كانت سندا لهم، أعلنوا ثورتهم من قلبهم ..ثم مزقوا هذا القلب صباح يوم من أيام جحيم الخليج. سيقول قائل، هذا المقال دفاع عن الكويت فقط، ونؤكد أنه دفاع عن الفلسطينيين أولا وأخيرا، يحميهم من أنفسهم، ويعيد إليهم دورهم الكبير في خدمة الوطن العربي، ويبحث عن مخرج يحفظ لهم ماء الوجه، ويفتح الطريق للتعبير عن مشاعر وأحاسيس كادت سنوات الغضب والاحتلال والتعذيب تقضي عليها تماما. إنه الحب والتسامح والرحمة والمودة، فالمكان الوحيد الذي ينبغي أن تتوجه إليه مشاعر البغضاء والنفور هو الاحتلال الصهيوني وليس الكويت أو مصر أو دول الخليج أو الأثرياء العرب. أحسب أنني بعثت الآن رسالة واضحة، ولكن من قال أن الرسائل الواضحة فقط هي التي يفهمها قارئوها ؟ معذرة أيها الإخوة الفلسطينيون؛ فليس في قلبي مزيد من الحب يحفزني على القيام بمظاهرة ضد العدوان الإسرائيلي، أو الكتابة عن الصراع العربي الصهيوني، أو الاستماع لأغنية " فدائي " للعندليب الأسمر، أو الاحتجاج على توقيف أبي عمار لصحيفة النهار باسم الديمقراطية الفلسطينية الجديدة، أو صب اللعنات على أريل شارون ليلا ونهارا. لست مع السلام أو ضد السلام، أو قريبا منه أو بعيدا عنه، لست معكم، ولن أكون ضدكم فأنا أعيش خارج الزمن الفلسطيني، ولا أدري هل منكم من هو قادر على إعادة رتق رسائل عشقي الممزقة؟! أيها الإخوة الفلسطينيون؛ هل تتلقون رسائل حب جديدة؟قطعا لا، لهذا ننتظر بصبر نافد رقما فلسطينيا صعبا يعيد لنا الإيمان أو بعضه، أو أقل من بعضه... بأن الطريق إلى فلسطين يمر عبر قيم الخير والحب والتسامح والتفهم والوقوف ضد الظلم في كل صوره. أيها الإخوة الفلسطينيون، إن كل ذرة كراهية في غير موضعها تمنح إسرائيل الثبات وطول البقاء على أرضكم وهزيمتكم تحققت يوم أن فشلتم في التمييز بين العدو والصديق. أيها الإخوة الفلسطينيون؛ وصلتني تهديداتكم، وشكرا
هذا المقال فتح علي بابا من أبواب غضب الجحيم، واتهمني كثيرون بكل ما في قاموس المناضلين من اشارات إلى القوى المعادية، حتى أن أحدهم وصف المقال الذي هو في حقيقته رسالة حب بأنه وجهة نظر صهيونية
وتوالت مقالاتي وكتاباتي لكنها لم تشفع لي غضبا اشتعل يوم أن طالبت أبناء شعبنا الفلسطيني بمحاولة نقد الذات، والدخول إلى أعماق النفس، والبحث عن شوائب من الكراهية والبغضاء ومشاعر غير مستحسنة تجعلهم في مهب الريح عندما يقيمون بأي دولة أو يستضيفهم شعب عربي.
عرفات صعود الروح منذ زمن طويل --- 27 سبتمبر 2002
نكتب هذا المقال في صباح السابع والعشرين من سبتمبر، ولم يتحدد بعد مصير أبي عمار، هل سيظل سجينا في مقره حتى يأمر الإرهابي آريل شارون بالإفراج عنه، أم سيتم ترحيله إلى القاهرة أو الرباط أو الدوحة، أم سيتمكن الزعماء العرب بما لهم من قوة وسطوة وجيوش وصولجنات وأموال ودلال على سيد البيت الأبيض من الضغط على أمريكا لكي تسمح قوات الاحتلال الصهيونية بإدخال مياه معدنية وسندوتشات لزميلهم الرئيس العربي، وتنشر صحافة كل بلد عربي أن زعيم الدولة هو الذي يستحق الشكر لدوره في الضغط على آريل شارون ليفرج عن المياه المعدنية ( وليس عن الرئيس)! لا يهم فالرئيس ياسر عرفات مات منذ وقت طويل وقد لا ندري على وجه الدقة تاريخ صعود روحه، لكنها بالتأكيد لم تعد موجودة لتمد فدائيا بالشجاعة، أو تلقن الصهيونية دروسا، أو تكشف أسماء المتعاونين مع العدو الصهيوني! فأبو عمار مات منذ أن تحالف مع صدام حسين، ورفع سبابته والوسطى ليمنح احتلال دولة عربية لأخرى مباركته، ويبرر بالتالي استمرار الاحتلال الصهيوني قياسا على الاحتلال العراقي للكويت! ومات يوم قام بتسليم مناضلين فلسطينيين إلى أجهزة حراسة أمريكية بريطانية في سجن فلسطيني لأنهم متهمون من مجرمي الحرب الصهاينة بتصفية وزير السياحة الإسرائيلي وعدو الشعب الفلسطيني! ومات يوم أن تاجر بأموال الشعب وسمح لسوس الفساد أن ينخر في عظام الوطن الجريح، وصمت عن المتعاونين، وقدم تنازلات لا يقدم عليها إسرائيلي صهيوني لو كان رئيسا للسلطة الوطنية الفلسطينية! قد تشهد الساعات أو الأيام أو الأسابيع القادمة النهاية الجسدية للرئيس ياسر عرفات لتختار بعده كونداليزا رايس الرئيس الفلسطيني الجديد،ولا شك في أنه لن يكون مروان البرغوثي أو عبد العزيز الرنتيسي أو أحد مناضلي هذا الشعب الفلسطيني المقاوم والبطل الرائع، لكنه سيكون واحدا من أصحاب الياقات البيضاء الذين نشاهدهم على القنوات العربية في سوق عكاظ الفضائي يبيعون الوهم، ويبتسمون ابتسامات صفراء وحمقاء ومقززة، ثم يعودون إلى بيوتهم الفاخرة على مقربة من أطفال فلسطينيين لا يجدون فتاتا عفنا لبطونهم الخاوية، فأموال المساعدات مرت أولا على السادة سفراء أبي عمار في الخارج، ثم على كازينو أريحا، ومنه إلى مصروفات الجيب لزوجات المسئولين الفلسطينيين لشراء أحدث الأزياء في أسواق تل أبيب! قد نحزن لرحيل ياسر عرفات من منطلق فقدان رجل اعتدنا أن نراه يرفع إشارة النصر في الهزيمة، ويقبل رؤوس أعدائه وخصومه، ويخرج دون أن يمسه سوء من عمان أو بيروت أو غزة أو رام الله، ويتم اغتيال كل المناضلين حوله من أبي حسن سلامة( الأمير الأحمر) إلى أبي جهاد، ومن أبي إياد إلى قادة المقاومة في فلسطين المحتلة، لكنه يخرج منتصرا أو منهزما، فكل الأشياء متساوية، ولو كانت فيه ذرة من روح مقاوم من حزب الله أو حماس أو الجهاد الإسلامي فربما كانت رصاصات جنود الاحتلال قد اخترقت جسده منذ وقت طويل! تذكرت زميلي الصحفي المثقف الذي رفض على مسمع من الصحفيين والإعلاميين المساس بياسر عرفات فهو رمز للنضال حتى لو ثبت أنه كان عائقا أمام انتصار شعبنا الفلسطيني أو متعاونا مع قوات الاحتلال أو داعيا إلى بث روح الهزيمة في قلوب أبطال الانتفاضة! سيبكيه كثيرون، وسينتحب في جنازته الآلاف، وسيتذكر شعبنا العربي الطيب محاسنه، وسيختفي صوت العقل والتاريخ والمنطق وطبائع الأشياء فنضال ثورة التحرير الفلسطينية ضد قوى البغي الإسرائيلية المدعومة من الصهيونية الأمريكية سيتم اختصارها في أبي عمار كرمز للمقاومة! لقد مات ياسر عرفات منذ زمن بعيد في بيروت وفي الكويت وفي تونس وفي واشنطون، لكن عواطفنا كعرب يصدّرون للعالم الظاهرة الصوتية ترفض الاعتراف بالحقيقة، وتصر على لطم لخدود، واستدرار الدموع، والبكاء على جسد لغز رفضت الروح الاستمرار فيه فتسللت خارجة في هدوء دون أن يلمحها أحد!
الرجل الذي فقد كرامته .. لماذا يحكم عرفات شعب الجبارين؟ ------------- فبراير 2002
تحتاج مراقبة ومتابعة ياسر عرفات إلى كم هائل من الأطباء والمحللين النفسيين والسياسيين وكل التخصصات الممكنة وسيجد كل منهم فيه معملا غنيا من التجارب والأشياء الغريبة. ولكن لماذا يتمسك المواطن العربي بزعيمه عندما يكون مريضا ومتهالكا وغير قادر على الحديث؟ سيقول قائل إنها ليست حالات عربية فقط لكنها لذة يستشعرها المواطن المكبوت في كل مكان فقد كان برجينيف ميتا يتحرك ويمسك بواسطة معاونيه بكل الخيوط في القوة العظمى الثانية. وكان بينوشيه مريضا وتضاعف استبداده في مرضه، والجنرال جورج بومبيدو كان أيضا ميتا في جسد حي، فلماذا ننكر على العرب ما نحلله للآخرين؟ في الواقع فإن هناك غبطة داخلية وبهجة لا يعرفها إلا صاحبها وقشعريرة لذة تسري في جسد المواطن المكبوت وهو يرى زعيمه الذي ملك الدنيا بناصيتيه يتعذب ويضعف ويقهره الألم والضعف حتى لو أصر أن يحكم وهو يرى ملك الموت يكاد يلمسه ليقبض روحه. كان الحبيب بورقيبة يسعد وهو يسمع كلمة الرئيس مدى الحياة حتى جاء وزير داخليته يزيحه من منصبه ويجلس مكانه، ولا مانع من زيارة الرئيس مدي الحياة وهو على فراش الموت رأفة به ولكن أيضا تأكيدا له على أن شباب زين العابدين أبقى من شيخوخة الحبيب. الأردنيون أيضا كانوا يبكون مليكهم والسرطان يأكل جسده الرياضي الصغير، لكن ليس في الموت شماتة، إنما في داخل كل مقهور حفل عرس يبتهج به ولا يدعو إليه أحدا. عندما سرت شائعات بأن السرطان قد تسلل إلى جسد الديكتاتور العراقي صدام حسين لم يصدق العراقيون أن المرض يمكن أن يفلت من المراقبة وعشرات الأطباء والحرس الجمهوري والطعام الذي يمر على علماء وطهاة ومحللين قبل أن يدفع به شيطان بغداد إلى فمه، لكن عشرات الآلاف من العراقيين كانوا يبتهلون إلى العلي القدير أن يكون المرض الخبيث هو قائد الانقلاب الذي يخلصهم من أكثر طغاة الشرق شرا. في فلسطين المحتلة يواجه الفلسطينيون بشجاعة نادرة آلة الحرب الجهنمية التي تفتك بهم وتزيد في كل يوم عدد الشهداء وتضاعف أعداد المعاقين والجرحى واليتامى والأرامل، لكن هذا الشعب العظيم الذي خرجت من صلبه قوى المقاومة والبطولة، ينحاز في كل مراحل نضاله إلى جانب أكثر رجال فلسطين شبهة، ولا يقف الفلسطينيون لحظة واحدة لإعادة النظر في اختيارهم لرجل يخدم عدوهم ويحارب انتفاضتهم ويعتقل قياداتهم ويبني لهم بأموال الدعم سجونا ومعتقلات وكازينوهات للقمار والمراهنة. سحر هذا أم تنويم أم هو نفس التأثير الذي يحدثه كبار المستبدين عبر التاريخ في شعوبهم؟ عندما تسأل فلسطينيا عن رؤيته لأبي عمار فسيصب كل شتائمه ولعناته ويستعرض شكوكه ويفصل كل الشبهات التي تدور حول رئيس السلطة الفلسطينية، فإذا خلا إلى نفسه أو بين قومه أو خرجت مظاهرة تدعم أبا عمار فسيكون على رأسها وتكاد تنقطع حبال صوته وهو يهتف بالروح بالدم.... ياسر عرفات لم تعد قواه العقلية والجسدية واللغوية قادرة على أن تتماسك وتؤدي مهامها كاملة في روح زعيم، لكنه كلما اشتد المرض عليه وتلعثم وخرج عن وعيه وابتلع كرامته أمام قوى الاحتلال الصهيونية،التف الفلسطينيون حوله ورفضوا أي زعامة أخرى غيره. يوردهم المهالك ويدفع بهم إلى تقديم مئات الشهداء ثم يقبض ثمنا بخسا قد يكون لقاء مع وزير الخارجية الصهيوني أو انسحابا من عدة كيلومترات أو موافقة على أن يلتقي بعض رجال أمنه بنظرائهم في الموساد. معضلة غير قابلة للحل، ولغز تصغر بجانبه كل أسئلة جورج قرداحي! ياسر عرفات يرفض رفضا قاطعا إلقاء القبض على المتعاونين الفلسطينيين مع قوات الاحتلال وفقا لاتفاقية مسبقة قبل عودته إلى فلسطين، وكان يقول بأنهم أقل من خمسة آلاف وإسرائيل تؤكد أنهم عشرة آلاف وأكثر، وهم يعملون في الجبهة الخلفية ويبعثون رسائل سرية للموساد، ويساهمون مساهمة فعالة في تصفية أبطال حرب تحرير فلسطين من قيادات الانتفاضة. الغريب أن أجهزة استخبارات أبي عمار تعرفهم فردا..فردا، لكن الرئيس الفلسطيني يتعاطف معهم ويترك لهم حرية العمل شريطة أن لا يتم التبليغ عن قيادته ووزرائه وأعضاء المجلس التشريعي الذين حذفوا فقرات النضال ضد الصهيونية من ميثاقهم الوطني فأصبحوا كلهم موضع شبهات التعاون مع العدو. الساحة الفلسطينية لا تطرح علامات استفهام تتعلق بتجنب جيش الدفاع الإسرائيلي(!!) إصابة أي وزير فلسطيني أو عضو في المجلس أو تدمير منزله الفاخر أو تفتيش فيلته الحديثة أو مصادرة أمواله، فهؤلاء العائدون من تونس والذين سيلجئون إلى العراق أو اليمن لا يعادون جيش الاحتلال وكل منهم علي استعداد لأن يبلع كرامته في صباح اليوم التالي لأي تصريح يغضب الإسرائيليين. عندما قال ياسر عرفات بأنه سيسير مشيا على قدميه لحضور قداس عيد الميلاد المجيد في بيت لحم لأنه واحد من شعب الجبارين كان عندئذ أسوأ داعية لأعدل قضية، فالشعوب التي تريد النصر تتقدمها أولا كتائب المدافعين عن الكرامة من المثقفين والزعماء والقيادات، ولكن أبا عمار يعرف أنه سينحني أمام المجرم آريل شارون قبل بزوغ فجر اليوم التالي، وأن كتائب تبرير ما يقوله الزعيم من هراء وخرافات قادرة على أن تعبث هي الأخرى باللغة فقال قائل منهم بأنه إذا رفض الإسرائيليون زيارة أبي عمار إلى بيت لحم، فستأتي إليه بيت لحم! نجح شارون نجاحا ساحقا في تحويل الحملة الإعلامية العربية لصالحه فجعل الكتاب والمثقفين والشعراء والصحفيين وكل وسائل الإعلام العربية تنشغل بتحصيل الحاصل وهو إثبات أن هذا الرجل مجرم وسفاح وقاتل، وهو لم يقل في يوم من الأيام عكس ذلك بل إن العرب سيصفونه بما يسعده ويبتهج له، فالمهم أن الإعلام العربي سقط في فخ نصبه له شارون لأنه يرى صورة قاطع الطريق ومصاص الدماء القاسي والغليظ والذي لا يرحم هي الصورة الأنسب للتعامل مع العقل العربي، ومنذ وصوله إلى الحكم فشلت تماما كل المؤتمرات العربية على مختلف المستويات، فعالمنا العربي يرتعش خوفا من شارون، والزعماء العرب يختبئون في قصورهم أو يركعون أمام أمريكا لتشفع لهم عند رئيس الوزراء الإسرائيلي. وكلما ازداد شارون احتقارا لنا وازدراء لقيادتنا تراجعت مطالبنا فبعد أن كانت تحرير كامل التراب، مرت بعشرات التنازلات إلى أن أصبح النصر الوحيد الذي يقبل العرب حذاء شارون من أجله هو أن يسمح لياسر عرفات أن يحضر قداس عيد الميلاد المجيد من أجل السيد المسيح وإرضاء لقوى الغرب المسيحي التي تدعم الدولة العبرية.لكن شارون ركلهم جميعا وبصق في وجوهنا وعلمنا أن نتأدب في الحديث معه أو إليه ولو عاد السيد المسيح من جديد فسيقبضون عليه، وتحقق معه الشرطة والموساد، وربما يبعثون باسمه إلى الرئيس الأمريكي لتبحث عنه ال ( إف بي آي) في قوائم المطلوبين. فلنعترف جميعا بأن دفاعنا عن كرامة ياسر عرفات وبطانته من المشبوهين على حساب ثورة التحرير قد زاد من ضعفنا وتفككنا وتشتتنا. ياسر عرفات رجل تم استهلاكه واستنزافه لتحقيق مصلحة أمريكا وإسرائيل ولم يعد فيه غير بقايا محارب رفض أن يسقط في جبهة القتال ضد عدوه، حتى مطار غزة التي كانت إسرائيل تمنع عنه كل الطائرات باستثناء رجلها في فلسطين.. زعيم السلطة الوطنية، أغلقته، وحددت إقامة الرئيس، وطالبته بأن يقتل شعبه ويعتقل المناضلين ويغلق كل مؤسسات النضال ويوقف ثورة التحرير ويترك للمتعاونين معها حرية العمل خلف خطوط أبطال الانتفاضة. واستجاب الرئيس الفلسطيني فهو مريض يعمل بنصف عقل ونصف لسان وحطام رجل، والغريب أن المسئولون العرب مقتنعون بتبريراته ويرون أنها دليل حكمة ورغبة في السلام! ماذا يتبقى لكي يعرف العرب كلهم حقيقة هذا الرجل ورجاله؟ أيها العرب أليس فيكم مبصر واحد؟
ثورة التحرير الفلسطينية في قبضة القيادة الفاشلة ------------- أكتوبر 2001
بقدر ما ينضج الفلسطينيون من طول النضال وفداحة الخسائر وكثرة المؤامرات عليهم واكتساب تجارب حصانة ضد الخصوم والأعداء، ينقلب نفس الفلسطينيين إلي أطفال يسخر منهم ويسخّرهم ويضحك علي ذقونهم كل من هب ودب . فقد وعدهم شيطان بغداد بالتوطين في الكويت واقتسام خيرات هذا البلد العربي الصغير معهم فوقفوا كلهم –تقريبا- مع الغزو والاحتلال، فضاعت من بين أيديهم الكويت وما بقي من فلسطين . وضحك عليهم أبو عمار فرفعوا صور صدام حسين. ودخل بهم المستنقع الأردني منذ ثلاثين عاما ثم هرب من العاصمة الهاشمية بعد مذابح الحسين بن طلال ضد شعبه ومقاتليه. ثم صحبهم الي المستنقع اللبناني وجعلهم ميليشيات تسيطر وتطلب إتاوات وتقيم الحواجز وتتفحص في هويّات اللبنانيين أصحاب البلد، فتعرض الفلسطينيون لغضب الجميع ومنهم العدو الصهيوني الذى حارب نيابة عن بشير الجميل ،وتحولت الكتائب إلي خنجر صهيوني في خصر الفلسطينيين وإلي شوكة في حلق السوريين وإلي طابور خامس ضد كل قوى النضال المعادية لإسرائيل. والقيادة الفلسطينية الفاشلة والمشبوهة من أبي عمار وصحبه وزملائه الذين تنذرهم إسرائيل أولا قبل اغتيال أى مناضل لكي يتجنبوا وأهلهم الاغتيال أو التصفية أو الهجوم الإسرائيلي،لاتزال تلقي بالفلسطينيين إلي التهلكة، وتسحب منهم أحلامهم ثم تقوم بتصغيرها في كل أزمة ومع كل حرب وخلال كل انتفاضة فتضحي أقصي أماني شعبنا العظيم والمناضل البطل أن يقبل العدو بقاتليه وفاشييه بتقرير لجنة ميتشل أو تواضع وزير الخارجية الصهيوني الوقح شيمون بيريز والاجنماع مع ياسر عرفات. الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي أطلق عليها الإعلامي القدير حمدى قنديل حرب تحرير فلسطين ،تلفظ أنفاسها الأخيرة مع دخول العام الثاني،فالمناضلون الأبطال ساذجون إلي حد البلاهة، ويضعون كل أوراقهم وتاريخهم المشرف ودماء شهداءهم وآلام عشرات الآلاف من جرحاهم ومعوّقيهم بين أيدي أبي عمار وصحبه، فياسر عرفات هو الوحيد الذي يمكن أن يقود شعبه العظيم إلي الركوع أمام إسرائيل والعمل خدما في هيكل سليمان أو جارسونات في فندق الملك داوود. وعندما طلب منهم ياسر عرفات وقف إطلاق النار والبدء بتهدئة الانتفاضة حتى يعد لها جنازة محترمة وسرادق عزاء ويرفع سبابته ووسطاه في علامة النصر كما فعل وهو خارج من الأردن، ورفع إصبعيه وصدام حسين يحرق آبار نفط الكويت، ويرفعهما وهو خارج من ميناء بيروت إلى اليونان، فسيفعل نفس الشيء ويهلل به الفلسطينيون ويطيعوه. تحضرني الآن قصيدة مظفر النواب: أولاد الو.. أولاد فلسطين سوف تعودون إلى أرض فلسطين ولكن جثثا! لن ينهزم العدو الصهيوني إلا بمنهج حزب الله وحماس ولكن أيضا بقيادة مثل الشيخ حسن نصر الله، ثم من يقنع شعبنا الفلسطيني بأن قيادته فاشلة وعليها علامات استفهام بعدد شهداء الانتفاضة. ومع ذلك فالفلسطينيون سعداء بقيادتهم، يطيعونها ويقدمون لها رقابهم، فتعتقلهم وتبني لهم السجون وتضحي بأطفالهم ويتم تصفية قادتهم المناضلين بفضل المتعاونين مع إسرائيل في السلطة الوطنية والفلسطينية. السلطة الوطنية تبيع شعبها فردا...فردا، والفلسطينيون لم يفهموا بعد قواعد اللعبة القذرة، فمتى يستيقظون؟
عجبا .. نرويجي ينتقد إسرائيل ! ------------------------ يونيو 2002
نسي تيري رود لارسن أنه سياسي نرويجي قبل أن يكون مبعوثا للأمين العام للأمم المتحدة فانتقد قوات الاحتلال التي تسببت في مذبحة جنين، وكان انتقاده قاسيا وفيه ليونة، وصارما وفيه ميوعة، وصريحا وفيه أدب الحديث مع إسرائيل. والنرويجيون يعرفون قبل غيرهم أن انتقاد الكيان العنصري الصهيوني في فلسطين المحتلة من المحرمات التي ينبغي عدم الاقتراب منها، فأصدقاء إسرائيل في البرلمان وفي لجنة جائزة نوبل للسلام وفي الحزب الشعبي المسيحي الذي يحكم وفي وسائل الإعلام كثيرون وأقوياء وقادرون على التضحية بكل شيء من أجل جلب رضي تل أبيب عنهم. بعد يوم من تصريحات تيري رود لارسن وجهت حكومة المجرم شارون انتقادا شديد اللهجة إلى النرويج مذكرة إياها بالماضي النازي لكفيزلينج، ثم أوحت للصحافة بالحديث عن مركز بيريز للسلام وبأن هناك أموالا ذهبت للمركز وتعلم بها السيدة مونا بيل زوجة لا رسن ولم يتم تسجيلها. ثم خفف رود لارسن من لهجته في التلفزيون الإسرائيلي، وأسرعت النرويج بإعلان تحويل بيت المتعاون النازي النرويجي لكفيزلينج إلى متحف هولوكوست ورصدت فورا نصف مليون دولار. ولم تخرج صحيفة نرويجية واحدة تذكر الإسرائيليين بأن أكبر دعم تلقته الدولة الصهيونية العنصرية كان من النرويج سواء في كل قرارات الأمم المتحدة التي رفضتها أمريكا والنرويج، أو في بيع الماء الثقيل عام سبعة وخمسين لبناء مفاعل نووي في إسرائيل، أو المساعدة في تهريب صواريخ من فرنسا، أو التعاون التوأمي بين أجهزة الاستخبارات النرويجية وشقيقتها الموساد. وتلقى أصدقاء إسرائيل من اليهود، جوائز السلام من هنري كيسنجر إلى إيلي فيسيل، ولم يحصل عليها أي عربي معاد للصهيونية، وحصل السادات عليها مناصفة مع بيجين، وأبو عمار وافق على ثلثها مع بيريز ورابين. الآن يقوم أصدقاء إسرائيل بإعادة تنظيم صفوفهم على الساحة النرويجية، خاصة بتأثيرهم على الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى، وقد قام مؤخرا رئيس الوزراء شيل ماجنا بوندفيك بزيارة المعبد اليهودي منددا بأي تمييز يحدث ضد اليهود.الضحية القادمة ستكون السيدة مونا ييل سفيرة النرويج لدى الدولة الصهيونية الإرهابية وهي ثاني اثنين بعد زوجها من عرّابي اتفاق أوسلو وقد قدما خدمات جليلة للدولة العبرية، إلا إذا خضعت السيدة السفيرة وركعت أمام الابتزاز الإسرائيلي باسم يهود العالم كما فعل السفير النرويجي السيد أندا الذي انتقد الكيان الصهيوني فلقنته تل أبيب درسا بليغا في كيفية التعامل مع الصهاينة، واضطر المسكين إلى الاعتذار. وحده فقط كوري فيلوك رئيس الوزراء الأسبق ومحافظ العاصمة أوسلو السابق القادر على فضح جرائم إسرائيل، وقد حاول أصدقاء الدولة العبرية على الساحة النرويجية إيجاد ثغرة واحدة ضد الرجل للنفاذ منها، لكنهم وقفوا عاجزين أمام تاريخه المشرف والنظيف. ترى هل يستمر رود لارسن وزوجته أم يجثيان قريبا على ركبتيهما؟
إعتذار للفلسطينيين .. أبطال وجبناء وبلهاء --------------- مارس 2002
أما الأبطال فهم شباب الانتفاضة وثورة التحرير الفلسطينية الذين يتساوى لديهم الموت والحياة، ويتسابقون للشهادة، ويعلمون أنهم سيكونون عند ربهم يرزقون. وأما الجبناء فهم الذين يملكون المال والسلطة والقدرة على التأثير والاتصال بصناع القرار الأمريكي، ثم يصبحون كالنعام في أي لقاء أمريكي سواء مع باول أو تشيني و كونداليسا رايس ولا نقول جورج بوش، فهو يشترط أن يتصرف ضيفه العربي كجبان وأن يخرج من الاجتماع ليدين الإرهاب ويطالب الفلسطيني والإسرائيلي بوقف العنف. وأما البلهاء فهم الذين يحدثوننا عن تحرك الموقف الأمريكي، وإيمان سيد البيت الأبيض بضرورة قيام دولة فلسطينية مستقلة، وبأن حالة من التفهم للمواقف العربية تسود العالم، وأن العصا السحرية يمسكها الجنرال زيني. وبين الأبطال والجبناء والبلهاء تقع القضية الفلسطينية، ولكن الغريب أن البطل الذي يحمي فلسطين وأهله بصدره في مواجهة مجنزرة يقودها صهيوني نازي، قد يتحول في اليوم التالي إلى حالة من البلاهة وهو يضع كل أوراقه بين يدي ياسر عرفات وسلطته الوطنية، وتكون النتيجة الطبيعية إبلاغ السلطات الصهيونية بمواقع الأبطال وعملياتهم وأهلهم إما عن طريق المتعاونين الفلسطينيين الذين تحميهم السلطة الوطنية، أو عن طريق توجيهات ياسر عرفات نفسه وكان آخرها العمل القذر الذي قام به، باعتقاله الأبطال الذين تخلصوا من وزير السياحة الصهيوني وهو واحد من أكثر الصهاينة تطرفا وكراهية للشعب الفلسطيني. ا.والفلسطينيون يعيشون أشرف وأطهر أيام نضالهم ضد العدو المحتل، لكنهم للأسف الشديد ينتمون إلى أمة عربية تستعذب الذل وتركع أمام الساديين وتولي وجهها شطر البيت الأبيض ويخشى حكامها غضب أمريكا. ماذا تفعل مؤتمرات وزراء الخارجية العرب أو حتى مؤتمرات القمة؟ أليس في كل مؤتمر أربعة أو خمسة من الزعماء العرب يتبرعون للإدارة الأمريكية بمعلومات عن كل ما دار في الاجتماعات وعن أدوارهم في كبح جماح المتطرفين الذين يعادون أمريكا وإسرائيل؟ ونفس الأمر ينسحب على وزراء الخارجية العرب، وكثيرون منهم تتحرك الحياة فيهم بفضل روح إيلي كوهين. لم يعد الأمر مجديا لسبب بسيط هو أن إعلامنا موجه للعالم العربي وللعرب في كل مكان بلغتهم، وبالتالي فنحن نتحدث مع أنفسنا ونتجادل في أمور هي من تحصيل الحاصل على حد قول الشاعر: كأننا والماء من حولنا قوم جلوس حولهم ماء! كم هائل من المعلومات والوثائق والصور والأفلام والحقائق التي شاهدها المواطن العربي منذ اندلاع حرب تحرير فلسطين أو ما تسمى بالانتفاضة، لكن كل هذه الأشياء لن تفيد في تحييد أمريكا أو الغرب لأننا نتحدث مع أنفسنا ولأنفسنا. إن الغرب يقوم بصناعة إعلامية بنفسه ويغربل كل ما يأتيه من العالمين العربي والإسلامي فيمنع ويحجب كل ما من شأنه إثارة الرأي العام أو استيعابه لحقيقة ما يجري في الأرض المحتلة. وحتى لو شاهد ملايين العرب المغتربين عشرات التحقيقات الحية والدامغة عن نازية وقسوة وحقارة وقذارة الأعمال الوحشية التي تقوم بها قوات الاحتلال الصهيونية فهي لن تفيد شيئا أكثر من تكرار مشاهدة ما يعرفه العربي أصلا منذ نكبة فلسطين، وسيحتاج المغتربون في أوروبا وأمريكا إلى جيش جرار من المترجمين والإعلاميين والمثقفين لشرح الرؤية العربية ، ولكن هل كل مغترب قادر على التأثير في مضيفيه؟ تعقيدات القضية تسبب فيها عجزنا التام عن مواجهة كل صنوف المهانة والإذلال التي يعاملنا بها شارون وبوش في نفس الوقت الذي انقسم الشعب الفلسطيني إلى مؤيدين للسلطة الوطنية ومناضلين يرفضون الخضوع كما فعل ياسر عرفات. لو انعقد مؤتمر قمة عربي في كل يوم من أيام العرب السوداء تلك لما خرج المجتمعون بأي بيان يغضب أمريكا فقد غادرتنا روح المقاومة والنضال وأصبح الواحد منا يسخر من شعارات رفض المهانة. إن ممارسات الصهيونية القذرة ضد شعبنا الفلسطيني التي تفوق النازية عنفا وقسوة وهمجية لم تحرك زعماء الأمة قيد شعرة أو تستثير النخوة أو الشهامة أو المشاعر الدينية أو القومية فأكثر زعمائنا يعملون من وراء ظهر الأمة لحماية عروشهم والحصول على تعهدات أمريكية بعدم الإضرار بهم. الغريب أن الزعماء العرب يتمسكون بياسر عرفات على الرغم من تاريخه الطويل المشبوه تماما كما حدث مع إيلي كوهين الذي جاء إلى سوريا كمهاجر وأغمض الجميع عيونهم عن تصرفاته غير الطبيعية فوصل بعد عدة سنوات إلى الاقتراب من رأس الحكم مؤتمنا على أسرار حزب البعث العربي الاشتراكي. ياسر عرفات قائد فلسطيني يورد شعبه المهالك، ويتآمر عليه، ويخفي المتعاونين من الفلسطينيين مع قوات الاحتلال، ويوقع بين العرب، ويدمر كل بلد عربي يستضيف المقاومة والشعب والمخيمات كما حث في الأردن ولبنان والكويت، ويتعاون مع أكثر الأنظمة الفاشية كالنظام العراقي، ويقدم مناضلي شعبه لرئيس الكيان الصهيوني المجرم آريل شارون، ويستجيب لكل شروط العدو وفي مقدمتها مطاردة المناضلين والأبطال ومحاولة كسر المقاومة الإسلامية، ومع ذلك قد جند الزعماء العرب كل طاقاتهم لإقناع السلطة الصهيونية بضرورة الإفراج عن القائد الفلسطيني حتى لو كان الإفراج مشروطا بحضور مؤتمر القمة العربي ببيروت ثم العودة مجددا للذل والمهانة. لم يتعلم الزعماء العرب بعد من التاريخ، ولم تنتبه كل أجهزتهم الاستراتيجية والفكرية والمعاهد المتخصصة ومتابعة الأحداث إلى ما يحاك ضدهم، وبأنهم سيأكلون واحدا تلو الآخر. إن واشنطن تعرف جيدا نقاط الضعف العربية وفي مقدمتها الفساد المالي والاستبداد والطغيان والمعتقلات والبوليس السري وأرقام الحسابات العالية الفلكية في مصارف الغرب وأمريكا والمؤامرات في قصور الحكام وتوريث أبنائهم السلطة والمال والحماية الغربية. لهذا يندر أن يرفع زعيم عربي رأسه أمام الرئيس الأمريكي أو الصهيوني أو منظمات حقوق الإنسان أو البنك الدولي أو أقل موظف في وول ستريت. نحن نظن أننا نحتقر آريل شارون لكن العكس هو الصحيح وعندما يجتمع القادة في بيروت فربما يقدمون مبادرة سلام كأننا نحن الذين نقوم بالاعتداء على الأبرياء واحتلال الأراضي وتدمير الحرث والنسل والزرع والمنازل، وعندئذ سيتم نفخ الروح مرة أخرى في هذا النازي الصهيوني المتعطش للدماء، فهو يعلم أن العرب سيأتوه، إن عاجلا أو آجلا، صاغرين راكعين مقدمين فروض الطاعة الولاء له وللإدارة الأمريكية. يستطيع أي مواطن عربي أن يتنبأ بالتفصيل بكل بنود البيان الختامي لمؤتمر القمة العربي ولو قبل عقده بشهور عدة، بل إن المواطن العربي يعرف مقدما وقبل الإعلان عن أسماء رؤساء الوفود من سيحضر ومن سيتخلف طبقا للمصالح مع الغرب ومع أمريكا. نعود لثورة التحرير ونطالب بأقل دعم يحفظ لزعمائنا كرامتهم ويبعد عنهم الغضب الأمريكي وينزل الصمت على خصومهم ويمنحهم ورقة بطولة زائفة يلوح بها الإعلام الحكومي أمام الشعوب المغلوبة على أمرها. وأقل القليل هذا هو إيصال الدعم المالي والغذائي والدوائي والطبي إلى شعبنا الفلسطيني العظيم شريطة أن لا يمر الدعم أولا على بطون المسئولين في السلطة الوطنية وإلا فلن يصل منه شيء لشعبنا الفلسطيني.
الفلسطينيون والإسرائيليون يصنعون نفس البطل! --------------------- يونيو 2002
الفلسطينيون أبطال حقيقيين لكنهم يصنعون غالبا لأنفسهم بطلا من ورق. يقاومون كل المؤامرات التي تحيكها أمريكا وإسرائيل لكنهم لا يرون المؤامرات التي تحاك داخل البيت. خدعهم صدام حسين ورفع شعارات مزيفة وأعطى لعدوهم مبررات الاحتلال بعد غزوه للكويت فرفعوا صوره بحجة أنه القائد العربي الوحيد الذي هز تل أبيب بصواريخه( التي لم تصب أحدا بسوء)! كلما صنعوا بطلا قام بتوريطهم في مشاكل وقلاقل واضطرابات فخسروا الأردن، وضحوا بلبنان، وغادروا جنة الكويت المالية والإعلامية والتي كادت أن تصبح دولتهم الثانية لمجرد أن داعب أحلامهم المجرم الفاشي إلي بحكم بغداد. منذ اندلاع الانتفاضة المباركة والتي تحولت إلى حرب تحرير فلسطين وهم متمسكون بمواقفهم النضالية والمصيرية ثم يتمسكون في الوقت عينه بنفس البطل الذي أوردهم المهالك عدة مرات من قبل. يضحون بدماء شابة في عمليات استشهادية هزت الكيان الصهيوني العنصري في فلسطين المحتلة لكنهم يتعلقون بقيادة هزيلة مهترئة تحوم حولها الشبهات. وكلما أنزلوا الرعب في قلوب أعدائهم، زادت عمليات تصفية المناضلين من الداخل سواء من خلف صفوفهم أي من المتعاونين الخائنين أو من العدو الصهيوني أو من قوى مجهولة لا يعرفها أحد إنما هي علامات استفهام على مسيرة نضال شعب لم يجد الوقت الكافي لغربلة قياداته. آلاف الضحايا من الشهداء والجرحى والمعوقين وتدمير الوطن المحتل لينتهي الأمر مكسبا في جيب البطل الذي صنعوه، فتم اختصار فلسطين إلى مقر أبي عمار، فما كان من بطلهم إلا أن قام بتسليم المناضلين والاستجابة لكل مطالب العدو، وفي مقدمتها الشباب المناضل الذي قتل وزير السياحة الإرهابي. الصمود الحقيقي كان صوت الشعب لفلسطيني الرائع في مواجهة آلة الحرب الجهنمية، فسرقه أبو عمار لنفسه وأعاد شعبه إلى نقطة الصفر، واعتبر الإفراج عنه بكل شروط العدو المجحفة انتصارا على شارون! لم يفرط قائد لشعب ثائر في حقوق شعبه مثلما فعل ياسر عرفات، فازداد تمسك الفلسطينيين به ورفضهم أي قيادة بديلة. القيادات الأخرى التي حملت مشعل ثورة التحرير تمت تصفيتها واحدا تلو الآخر، وظل أصحاب الياقات البيضاء من وزراء السلطة وأعضاء المجلس التشريعي في منأى عن أي أضرار تسببها لهم إسرائيل. ابتسم الرئيس الفلسطيني لكل المهانات والإذلال وكلما وجه إليه شارون أو بوش أو ديك تشيني أو باول صفعة قدم مزيدا من رجاله في المحرقة. لا ادرى حتي الآن ما هي الأحلام الوردية والخيال المشرق للمستقبل الواعد الذي يداعب النفس الفلسطينية وهي تتمسك بهذا الرجل! في وقت يستحق صدام حسين كل اللعنات الفلسطينية لأنه هو الذي تسبب في خراب المنطقة واستدعاء جيوش المارد الأمريكي المتعطش للدماء والقتل، رفع الفلسطينيون منذ أسبوعين فقط في مخيمات لبنان شعارات مؤيدة لشيطان بغداد وهتفوا: يا صدام يا حبيب.. اضرب اضرب تل أبيب! لو أن ثورة التحرير تلك استبدلت بقيادتها الهزيلة المتعاونة مع عدوها قيادة شابة متحمسة وتعرف لغة العصر العسكرية والثقافية والإعلامية، فربما كانت ثورة التحرير قاربت على انتصارها وتحقيق بعض المطالب العادلة لشعبنا الفلسطيني. عندما بدا أن ياسر عرفات، المحاصر في مقره والممنوع من الطعام والشراب إلا قليلا، على وشك أن يصبح شهيد القضية الفلسطينية، رفض بصورة مريبة كشف الأوراق وتعريف شعبه والعالم كله ببعض ما كان يجري وراء الكواليس من أسرار ومؤامرات وعروض عربية وأمريكية وغيرها، وهنا تأكد لدى المتابعين أن تصفية أبي عمار غير واردة إطلاقا، وربما كانت هناك اتفاقات سرية وخاصة وملزمة بين القيادة وبين العدو الصهيوني على خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، ومن بينها أن لا تقوم إسرائيل بقتل عرفات أو أي من وزراء السلطة الفلسطينية أو قائد الأمن الوقائي. الغريب أن الزعامات العربية بكل ما لديها من مستشارين وكبار المحللين والمدارس العسكرية والاستراتيجية ورجال الاستخبارات وقعت أيضا في نفس الفخ، واعتبرت مسار ثورة التحرير الفلسطينية متوقفا على إنقاذ ياسر عرفات أو فك حصاره أو السماح له باستخدام هاتفه المحمول أو باستقبال بعض الأجانب. ياسر عرفات بطل صنعته إسرائيل لأنه القائد الوحيد على الساحة الذي يمكن أن يلبي كل مطالبها فضلا عن أنه الزعيم العربي الذي يؤيد بقاءه الفلسطينيون والإسرائيليون، وتحميه أجهزة الاستخبارات الفلسطينية والموساد، ويحافظ عليه كل الزعماء العرب فهو لا يكشف سوءاتهم ولا يفضح أي تخاذل، ولا يحرض شعوبا على حكامها، ويقدم شكره العميق للجميع، من الملك عبد الله بن الحسين إلى الإرهابي جورج ووكر بوش، ومن المجرم صدام حسين إلى كولن باول. ياسر عرفات رمز صنعه الفكر العربي العاجز عن التمييز بين المناضلين والمتعاونين، وحتى الذين كانوا غاضبين عليه، التفوا حوله وأعادوا صناعته رمزا للنضال فور حصار القوات الصهيونية لمقره وقطع الكهرباء والماء ومنعه من الخروج أو التحرك في مقره. عندما تتقدم العاطفة في عالمنا العربي يتراجع العقل، وتبدأ كل المدارس الفكرية في الانحياز لجانب الصخب الشعبي الذي تحركه آلة الإعلام العملاقة. كانت إسرائيل تعلم أنها تقوم بعملية تخدير للفكر العربي وذلك عبر مساهمتها في حصر الأمة العربية كلها في اتجاه شخص واحد فقط، ماذا يأكل وماذا يشرب وكيف يستعد لأن يكون شهيدا. كرامة الزعيم من كرامة شعبه، وأبو عمار رجل يستطيع أن يبتلع كرامته سبعين مرة في اليوم، ويقدم أقرب رجاله على مذبح العدو لينقذ نفسه. القضية التي نحن بصددها الآن هي الهوة الواسعة والفجوة الشديدة بين إرادة شعبنا الفلسطيني العظيم في مقاومة الاحتلال وتقديم مئات الشهداء من أجل وطن حر كريم ومستقل، وبين الفكر الجماعي للشعب الذي لا يميز بين المناضل والدجال. لهذا لا يحتاج ياسر عرفات لتغيير الدستور كزين العابدين بن علي، أو أن يصبح قائدا للثورة مدى الحياة كرسول الصحراء الديكتاتور معمر القذافي أو حتى برويز مشرف، لأن الشعب الفلسطيني برمته منحه التأييد المطلق حتى لو اكتشف أن هناك خطا ساخنا بين زعيمه وبين عدوه آريل شارون. لم يعاتب مثقف فلسطيني واحد أبا عمار عندما وقف مع احتلال دولة الكويت من قبل أشاوس النظام الفاشي في بغداد، وتسبب هذا الموقف الأحمق اللا أخلاقي بأشد الأضرار على القضية الفلسطينية وخسر نصف مليون فلسطيني وطنهم الثاني ومركز ثقلهم المالي والإعلامي وضاعت الكويت من تحت أقدامهم. ومع كل هزيمة لياسر عرفات يخرج منتشيا ويرفع سبابته والوسطي بعلامة النصر، ليعود ويلقي بشعبه في مهالك جديدة. المطلوب الآن من شعبنا الفلسطيني وقفة حازمة مع قيادته الهزيلة والتي تشبه كلها منطق الزعامة في عالمنا العربي.. أي الرئيس مدى الحياة. إننا نكاد نشك في أن المناضل مروان البرغوثي تم تسليمه من الداخل لقطع الطريق على أي قيادة فلسطينية مناضلة يستبدلها الشعب بما لديه من قيادات لم يعد لها مكان في ثورة التحرير. إذا لم يبدأ الشعب الفلسطيني بتحرير نفسه من سهولة الانقياد خلف قياداته التي تشده إلى معارك جانبية، فلن يتحرر شبر واحد من الأرض المحتلة. على الفلسطينيين أن يجندوا مثقفيهم ومفكريهم وإعلامييهم في الغربة لمزيد من الوعي بألاعيب السياسة، فالمناضل في ساحة المعركة قد لا يجد الوقت الكافي للتعرف على أساليب تجار السلاح والسياسة وبائعي القضايا الوطنية. إن وقفة حساب فلسطينية فيها من الإخلاص والشفافية الكثير، ستخرج الفلسطينيين من المأزق الذي سقطوا فيه من قبل أربع مرات، أي كشف حساب لكل قياداتهم منذ حصار بيروت إلى الآن، وسيكتشف المناضلون أنهم أبطال رائعون في ساحة المعركة، وطيبون إلى حد السذاجة في عالم السياسة!
وفي الرابع والعشرين من نوفمبر 2003 كتبت المقال التالي
منذ أكثر من نصف قرن والفلسطينيون يقاومون أعتى الأنظمة الاستعمارية الارهابية والمدعومة من الغرب وأمريكا وبعض الأنظمة العربية. وقدم الأبطال آلاف الشهداء, وانتفضوا عشرات المرات منذ تقسيم فلسطين وحتى تشكيل قريع حكومته, وضربوا المثل على التمسك بالوطن والاستشهاد من أجله والتضحية بالثمين والغالي من أجل عيون شجرة الزيتون والقدس الشريف ومهد المسيح ومسرى محمد بن عبد الله, عليهما السلام, وتطهير فلسطين من الاستعمار البغيض. ولا يزال الفلسطينيون الأبطال في سنة أولى سياسة, ويرتكبون أخطاء فاحشة في التعامل مع الآخرين, ويختارون لقيادتهم أسوأ الأشخاص, ويغضون الطرف عن سارقي وناهبي أموالهم, ويرضون برمز الوطن, ياسر عرفات, الذي لم يستطع أن يحقق لهم انتصارا واحدا في أربعة عقود. ومع تقدمهم في الانتفاضة واستمرار مقاومتهم الباسلة, تتراجع, ويا للتناقض العجيب, مطالبهم, وبعد أن كانت القرار 242, أصبحت الآن توقف اغتيال العدو لقياداتهم, والسماح لبعض العمال بالدخول والعمل أجراء لدى قوى الاغتصاب الصهيوني, وعدم طرد المواطنين من الضفة إلى غزة. حتى قضية المتعاونين مع العدو والذين يبلغونه بتحركات القيادات الفلسطينية لتظهر بعد دقائق طائرات تصب حممها صواريخ عمياء مدمرة, لم يستطع الفلسطينيون حلها مع أبناء وطنهم. القيادة الفلسطينية الهزيلة والمتعاونة مع العدو, والمشتركة في الفساد, لن تستطيع أن تحقق نصف انتصار لشعبنا, وأخشى أن تصبح أقصى مطالب الفلسطينيين ذات يوم السماح لهم بادخال المياه المعدنية أو العمل مجانا في تل أبيب!
الآن وبعد ستة وثلاثين عاما من اليوم الذي ذهبت فيه لمكتب فتح في الاسكندرية طالبا تسجيل اسمي في عملية ضد العدو الصهيوني، أعود لأمرر أمام عيني مشاهد يومية لتطور رؤيتي لأشقاء النضال وحبنا الكبير وحلمنا الأكبر ومثلنا الأعلى في الثورة والمقاومة فأجد نفسي عند نقطة الصفر، وأستجدي قلمي أن يكتب، وأحاول أن أعيد إليه شبابه، لكني يعصيني، ويرفض رفضا قاطعا، بل أكاد أسمع ريشته تسخر مني وهي تبحث عن الفلسطينيين الذي سيحملون ذرة مودة لكاتب هذه السطور لو اقترب من المنطقة المحرمة، أي انتقاد القيادات والشعب والمطالبة بانتفاضة جديدة داخل النفس الفلسطينية ---------------------------------------------------------------- أعود لأطرح السؤال الذي عنونت به مقالا عام 1995 وهو : هل الفلسطينيون أحباب الله؟ أشعر بشوق شديد للتظاهر، والكتابة، والقيام بحملات مؤيدة لأشقائنا، لكن الجرح كبير، وما لم يقف الفلسطينيون وقفة محاسبة للنفس، ومعرفة أسباب اصطدامهم مع الكثيرين من مضيفيهم وأشقائهم وأصدقائهم فلا فائدة من رسائل الحب والعشق الانتصار الفلسطيني يبدأ يوم أن يتوجه كل الفلسطينيين في رحلة داخل أعماق النفس، والبحث عما علق بها من شوائب التيه والحرمان والغضب والصراعات والكراهية والحسد والغيرة، وعندئذ يبدأ العد التنازلي للنصر النهائي ايها الأحباب .. بحثت عنكم سنوات طويلة فلم أجدكم
#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)
Mohammad_Abdelmaguid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا لا يشتري العربُ موريتانيا
-
صديق الغربة .. الصديق المفترس
-
التدين البورنوجرافي
-
رسالة مفتوحة إلى أم الدنيا.. ماذا فعل بك هذا الرجل؟
-
ولكن الرقيب سيظل احمقا .....
-
خالص العزاء لشعبنا التونسي .. ربع قرن جديد تحت حذاء الرئيس
-
لماذا لا يبيع العقيد الليبيين؟
-
انتهاء المهلة المحددة للافراج عن الشعب السوري
-
سنوات الذل والقهر في المغرب .. ولكن إبليس كان أكثر رحمة من ا
...
-
الدخول إلى المنطقة المحرمة.. أقباطنا شركاء الوطن، حقوقهم واج
...
-
رسالة مفتوحة إلى الأمير عبد الله بن عبد العزيز .. فلسفة الصم
...
-
فتاوى العلماء والفقهاء ليست ملزمة للمسلمين
-
حوار بين زنزانتين في سجن عربي
-
وقائع محاكمة الرئيس حسني مبارك
-
حوار بين قملتين في شعر رأس صدام حسين
-
مسح ذاكرة العراقيين .. سباق محموم لاغتيال وطن
-
وقائع محاكمة العقيد معمر القذافي
-
ولكن عزرائيل لا يزور ميونيخ .. سيدي الرئيس حسني مبارك لا تصد
...
-
هواءٌ .. فاضَ عن رئتي
المزيد.....
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
-
محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
-
لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
-
عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|