|
أثر انتهاء الحرب الباردة على منظومة القانون الدولي
مروة نظير
الحوار المتمدن-العدد: 3174 - 2010 / 11 / 3 - 14:51
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
شهدت مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة متغيرات في غاية الأهمية تركت تأثيراتها بشكل أو آخر على القانون الدولي عبر أبعاد وصور متعددة. ومن المهم بداية استعراض ملامح أهم هذه المتغيرات قبل التطرق إلى آثارها على منظومة القانون الدولي. ويمكن بقدر كبير من الثقة القول بأن أبرز المتغيرات في هذا السياق هي العولمة، باعتبارها تعبيرا عن الحالة الراهنة التي آل إليها عالمنا المعاصر، من حيث انفتاح أجزائه المختلفة على بعضها البعض الآخر، وما صاحب ذلك من تدفقات وموجات سياسية واقتصادية وثقافية، أصبحت تتجاوز من حيث تأثيراتها ونتائجها الحدود السياسية للدولة بعامة. وقد ارتبط ذلك كله بما يسميه البعض تصاعد حركات رأس المال والشركات متعددة الجنسية والنشاط، فضلا عن التطور الهائل الحادث في صناعة وعمل وسائل الإعلام. إلا أن أهم ما يميز مفهوم العولمة هو أنه أضحى يعكس ملامح واقع سياسي دولي جديد أخذت ملامحه تتشكل على نحو تدرجي منذ بداية تسعينيات القرن العشرين، ويتمثل هذا الواقع الجديد في بروز الولايات المتحدة الأمريكية كقطب وحيد في النظام الدولي ذي قوة عسكرية واقتصادية ضخمة ونفوذ سياسي ممتد. ومن الجدير بالملاحظة إن الحديث عن العولمة قد ترافق معه الحديث فكرة أو مفهوم "النظام الدولي الجديد"، والتي ظهرت مع أحداث حرب الخليج الثانية أو حرب تحرير الكويت في أوائل تسعينيات القرن العشرين على لسان الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش (الأب)، وهذا التزامن في ظهور المصطلحين قد دفع بالبعض إلى اعتبارهما مترادفان إلى حد كبير وربما يعود هذا التداخل إلى كون التطورات التي قادت إلى الحديث عن "نظام دولي جديد"، هي ذاتها التي يستند إليها للتدليل على أن العالم قد انتقل من حالة الدولة كوحدة للتحليل إلى حالة مغايرة تبنى أساسًا على فكرة الجماعة الدولية الواحدة. ويرتبط بالعولمة عدد من المتغيرات الوسيطة التي تترك بصماتها على العديد من موضوعات القانون الدولي العام ومفاهيمه، من ذلك على سبيل المثال تزايد الاهتمام بحقوق الإنسان، وتآكل سيادة الدولة في معناها التقليدي بعد ما أضفى عليها الواقع مضامين جديدة، واكتساب مساعي تحرير التجارة الدولية قوة دفع كبيرة، الأمر الذي سيزداد معه تركز الثروة وتتسع الفجوة بين الأفراد والدول بشكل غير مسبوق. حاصل القول، أن عالم اليوم يشهد نوعا غير مسبوق من السيولة السياسية، التي تختلط فيها الكثير من القيم والأفكار والمصالح، وهي سيولة لابد وأن تحدث آثارها على القانون الدولي، عبر نشوء العديد من القواعد القانونية الجديدة لتناسب متطلباتها، ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى اتفاقات التجارة الدولية وإنشاء منظمة التجارة العالمية فضلا عن الكم الكبير من القرارات التي تصدرها المنظمات الدولية، والتي تؤدي إلى نشوء ما أصبح يعرف بالقانون الهش أو المرن Soft Law والتي سرعان ما تجد طريقها إلى التدوين في اتفاقيات عامة تغدو نافذة.
كما يرى البعض أن من بين تأثيرات نهاية الحرب الباردة توجه أعضاء في المجتمع الدولي نحو إعادة التأكيد على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وذلك من خلال صوغ وتبني عدد من الإعلانات التي لها نفس الروح من قبيل إعلاني فيينا وباريس في عام (1989)، كوبنهاجن (1990)، وجنيف (1992)، وبعد مرور عدة سنوات على نهاية الحرب الباردة، سادت بين الدول الرغبة في أن تبدو ملتزمة بحقوق الإنسان. ومن ثم أصبح مقبولا أن تناقش في هذه المرحلة إمكانية أن يصبح الإعلان "دوليا" وليس "عالميا"، وإن دفعت بعض الدول بفكرة مراعاة الخصوصية الثقافية لدى تطبيق فكر ومبادئ حقوق الإنسان.
وبصفة عامة، يمكن تحديد أهم ملامح التغيرات التي طرأت على القانون الدولي بفعل التغير في هيكل النظام الدولي مع انتهاء الحرب الباردة، إلى جانب التأثيرات التي تتركها منظومة العولمة بمتغيراتها الوسيطة السابق الإشارة إليها، في مجموعة من النقاط، يمكن استعراضها على النحو التالي: • تغير مكانة الدولة كفاعل على الساحة الدولية: على خلاف الحال فى ظل القانون الدولي التقليدي، لم تعد الدولة الآن هي وحدها المخاطبة بقواعد القانون الدولي، كما أنها لم تعد هي الفاعل الأوحد في العلاقات الدولية. فقد أضحى هناك كيانات دولية جديدة تضطلع بدور مواز لدور الدولة في إطار هذه المنظومة، إن لم يكن بديلا عنه في بعض الأحيان. وكما هو معلوم، فقد اتخذت هذه الكيانات الدولية الجديدة أشكالا قانونية شتى منها منظمات دولية حكومية، ما أصطلح حديثًا على تسميته مؤسسات "المجتمع المدني الدولي" كالمنظمات غير الحكومية وجماعات الضغط الدولية، إلى جانب الهيئات أو المؤسسات دولية النشاط؛ كالمشروعات الدولية العامة والشركات متعددة الجنسيات. وبصفة عامة هناك ما يشبه الاتفاق العام لدى الباحثين على التسليم بحقيقة أن هذه المؤسسات الدولية -على اختلاف أنواعها ومراكزها القانونية- قد أسهمت بدورها في رفع درجة كثافة التفاعلات الحادثة في إطار منظومة العلاقات الدولية، وإلى الحد الذي قاد البعض إلى التحدث صراحة عن سياسة مدنية عالمية . من ناحية أخرى يمكن التحدث عن تغير في أهم وظائف القانون الدولي بمعناه التقليدي، وهي تلك المتعلقة بتوفير الحماية للسيادة الإقليمية والاستقلال السياسي للدول، والتي من المفترض أن تشمل شقين: شقا إيجابيا، وشقا سلبيا. أما الشق الإيجابي فهو حق الدولة في الانفراد بممارسة جميع اختصاصاتها الإقليمية في حدود قواعد القانون الدولي. أما الشق السلبي فهو التزام الدول الأخرى بالامتناع عن التدخل فى شئون الدولة وإعاقة ممارسة اختصاصاتها السيادية بصفة عامة. فمبدأ عدم التدخل في شئون الدول الأخرى هو من المبادئ الأساسي العامة للقانون الدولي، لأنه ينبثق مباشرة من مبدأ السيادة الإقليمية للدول. ويمكن القول أن مفهوم التدخل الدولي وإن كان له مدلول عام فهو يأخذ أشكالا عدة للتعرض لسيادة واستقلال الدول لتحقيق أهداف مختلفة. ويمكن التفرقة بين مظهرين للتدخل غير المشروع لإعاقة حق الدولة في ممارسة اختصاصاتها الإقليمية أو حرمانها منه كلية؛ المظهر الأول هو الانتهاك المباشر للسلامة الإقليمية للدولة أو استقلالها السياسي، أما المظهر الثاني فهو التدخل في شئون الدولة الداخلية بصفة عامة. ويأخذ كل مظهر منهما صور عدة، كما أنه قد يتضمن عنصر استخدام القوة العسكرية أو لا يتضمنه، ومن أهم صوره التدخل لمكافحة ظاهرة الإرهاب الدولي، والتدخل "لاعتبارات إنسانية" والتدخل "لنصرة الديمقراطية". كما يمكن القول أنه لابد من التسليم بتأثير ظاهرة العولمة في مفهوم السيادة الوطنية، فهناك ما يمكن اعتباره إجماعا على أن الاتجاه نحو تقليص دور السيادة الوطنية في نطاق العلاقات الدولية آخذ دون شك في التزايد وبشكل مطرد، على الأقل خلال المستقبل القريب، ويمكن إرجاع ذلك ذلك إلى أن العديد من التطورات الحادثة الآن في نطاق هذه العلاقات لا تزال فعالة ومؤثرة في تشكيل بنية النظام الدولي، ولكن لا يمكن التسليم بأن هذه التطورات ستفضي في نهاية المطاف إلى زوال مبدأ السيادة الوطنية تماما؛ فأقصى ما يمكن أن يترتب على هذه التطورات هو تغيير طبيعة الوظائف التي تضطلع بها الدول، مقارنة بما كان عليه الحال في ظل النظام الدولي التقليدي، فالسيادة ستظل باقية ما بقيت الدولة القومية، التي لم يجرؤ أحد حتى الآن على القول بأنها ستنهار أو ستختفي بشكل كامل. وإجمالا يمكن الدفع بأن تأثيرات العولمة سيختلف مداها من حالة إلى أخرى، وفق محددات أهمها مقدار ما تتمتع به الدولة المعنية من قوة على خريطة توازنات القوى الدولية.
• تحدي بعض أهم قواعد القانون الدولي من قبل الدول الكبرى: يرى البعض أن القوى الكبرى في النظام الدولي الحالي وبصفة خاصة الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على إثبات عدم التزامها بالخضوع إلى ما يعتبر ثوابت القانون الدولي وأسسه الراسخة. ويركز الباحثون في هذا السياق على حقيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى لإخضاع الأمم المتحدة وأجهزتها لسياستها الخارجية، وهو ما يسمح لنا بالقول أننا نعيش في قانون أمريكي مدول -وفق تعبيرات بعض الفقهاء-. وهو ما أدى أيضا إلى سيادة الشعور بعدم نزاهة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وبأن الدول الكبرى تستخدم المنظمة الدولية لإضفاء المشروعية على تدخلاتها في الدول الأخرى تحقيقا لمصالحها. وتكتسب المسألة العراقية أهمية خاصة في هذا السياق، فمنذ أعقاب أحداث 11 سبتمبر اتبعت الولايات المتحدة الأمريكية سياسة ممنهجة تهدف لتمكينها من الإمساك بخيوط الأزمة العراقية وتحجيم قدرة الأمم المتحدة على التحكم في مسارها، فقد نجحت، أولا، في حمل الأمم المتحدة على إرجاء إرسال لجنة التفتيش إلى العراق رغم الاتفاق الذي تم إبرامه مع كل من رئيس لجنة التفتيش والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة النووية، وهو اتفاق قبل العراق بموجبه كل الشروط اللازمة لضمان جدية التفتيش ودقته، ولم يكن هناك أي مبرر قانوني لهذا الإرجاء. ثم نجحت، ثانيًا، في تغيير موقف هانز بليكس، رئيس لجنة المفتشين الدوليين آنذاك، وإقناعه بضرورة صدور قرار جديد من مجلس الأمن قبل عودة المفتشين للعراق، على الرغم من معارضة الكثيرين لذلك. ثم نجحت، ثالثًا، في استصدار قرار بأغلبية ساحقة من الكونجرس الأمريكي بمجلسيه الشيوخ والنواب يطلق يد الرئيس في شن الحرب على العراق دون التقيد بصدور قرار بذلك من مجلس الأمن. ومما لا شك فيه أن كل هذه الخطوات كانت على حساب القانون الدولي وانتهاكًا له فصدور تصريح عن هانز بليكس رئيس لجنة المفتشين الدوليين، في أعقاب لقاء له مع ممثلي الإدارة الأمريكي، لتأييد المطلب الأمريكي بضرورة استصدار قرار جديد من مجلس الأمن، يعد بذاته فضيحة أخلاقية وتجاوزًا لصلاحيات رجل هو في النهاية موظف دولي لا يجوز له أن يتلقى تعليمات إلا من السكرتير العام للأمم المتحدة، وقيام الكونجرس الأمريكي باتخاذ قرار بتفويض الرئيس بشن الحرب في نزاع معروض على مجلس الأمن، يعد خرقًا واضحًا وصريحًا للقانون الدولي واستفزازًا متعمدًا للمجتمع الدولي كله. الأكثر من ذلك فإن مشروع القرار الأمريكي الذي طرح على مجلس الأمن لم يضع الأساس لتعامل دولي نزيه مع أزمة تشكل تحديا للسلم والأمن الدوليين ولكنه عكس محاولة فجة لفرض الإرادة الأمريكية المنفردة على مجلس والأمن ومثل، من ثم، تحديًا للمجتمع الدولي كله ووضع الأمم المتحدة أمام امتحان خطير، فقد تضمنت فقراته العاملة صياغات عديدة شكلت استهانة كاملة بالقواعد والأعراف الدولية؛ من ذلك النص على أن العراق مطالب بأن يقبل تواجد قوات أمن تابعة للأمم المتحدة ترافق فرق التفتيش، وأن يكون لهذه القوات الحق في الدخول إلى أي مكان دون إخطار سابق، وفي إعلان مناطق حظر جوي أو بري ومنع المرور واستخدام الطائرات. كما تضمن مشروع القرار الأمريكي فقرة تتيح لأي من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن أن يطلب تمثيله في فرق التفتيش مع تمتعه بكافة الحقوق وإجراءات الحماية ذاتها التي تمنح لبقية أعضاء الفريق وتمثل هذه الفقرة في حد ذاتها إشكالية قانونية وسياسية وأخلاقية لأنها تخلط بين الدور الذي تلعبه الدول دائمة العضوية، من خلال مجلس الأمن باعتباره الجهاز المسئول عن حفظ السلم والأمن الدوليين، والدور الذي يلعبه الخبراء الذين يعينهم السكرتير العام للأمم المتحدة تنفيذًا للقرارات الصادرة عن مجلس الأمن. وبعد مفاوضات استمرت لمدة أسابيع ستة تمكنت واشنطن في النهاية من حشد إجماع مجلس الأمن على القرار رقم (1441) الذي عكست صيغته الخلل الكاسح في موازين القوى الدولية لصالح الولايات المتحدة الأمريكية بأكثر مما عكست توافقًا أو إجماعًا دوليًا حقيقيًا على مضمون القرار الذي تم تبنيه في 8 نوفمبر 2002؛ فالقرار الذي تم تبنيه هو تقريبًا نفس مشروع القرار الأمريكي الذي كان المجتمع الدولي كله يعترض عليه باعتباره منافيًا للشرعية الدولية، وعملت بالتالي على تعديله ليصبح أكثر اتساقًا مع هذه الشرعية. غير أن أي محلل مدقق لنص القرار رقم (1441) وروحه يمكن أن يكتشف بسهولة أنه صيغ بطريقة تنطوي على قدر كبير من الغموض المتعمد حول هذه النقطة تحديدًا كي يسمح للولايات المتحدة بتفسيره كما يحلو لها، صحيح أنه يقضي بالعودة إلى مجلس الأمن لمتابعة ملف الأزمة وفحص تقارير رئيسي فريقي التفتيش، لكنه لا يشير صراحة إلى ضرورة صدور قرار جديد يحدد طبيعة الإجراءات العقابية أو "العواقب الوخيمة" التي تنتظر العراق في حالة ثبوت انتهاكه للقرار. ومن ثم فقد كانت النتيجة الطبيعية لذلك أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية -بمساعدة بريطانية- في مارس2003 بغزو العراق دونما تفويض من مجلس الأمن الدولي، ودون سند قانوني يجيز لها ذلك منتهكة بذلك بشكل سافر وخطير كل القوانين والأعراف والمواثيق الدولية، تحت دعوى أنها تمارس دفاعا شرعيا وقائيا عن النفس ضد التهديد العراقي، وأن القوة العسكرية هي الطريق الوحيد لدعم قرارات مجلس الأمن والتأكيد على مصداقية الأمم المتحدة وسلطة القانون الدولي. وهو ما شكل سابقة تضع الكثير من علامات الاستفهام أمام المبادئ التي تم إرسائها كأسس للقانون الدولي وللعلاقات الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ويعد موقف الولايات المتحدة الأمريكية من المحكمة الجنائية الدولية لاسيما فيما يخص تمتع جنودها ومواطنيها بحصانة خاصة في مواجهتها من أهم الأمثلة في معرض سعي الولايات المتحدة الأمريكية إلى زعزعة ثوابت القانون الدولي، وتكريس فكرة خصوصية وضعها كفاعل مخاطب بهذا القانون. فلقد أبدت الولايات المتحدة الأمريكية موقفا معاديا لفكرة إنشاء المحكمة الجنائية الدولية مع انعقاد مؤتمر روما لعام 1998 الذي تم خلاله إقرار المعاهدة المنشئة للمحكمة، إذ كانت الولايات المتحدة الأمريكية إحدى دول سبع صوتت ضد الاتفاقية في هذا المؤتمر، وقد استمرت واشنطن في رفضها التوقيع على هذه الاتفاقية مبررة ذلك بما اعتبرته عيوبا في النظام الأساسي للمحكمة أهمها أنه لا يوفر الحماية المنصوص عليها في الدستور للمواطنين الأمريكيين، كما أن طبيعة الدور العالمي الذي تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الراهن يجعلها تعمل في أحيان كثيرة في ظل درجة عالية من المخاطر التي لا تتحملها أية دولة أخرى على مستوى العالم، وبالتالي فإنه يتعين ألا يخضع جنودها بأي حال لاختصاص هذه المحكمة لأن هذا يحد -من وجهة النظر الأمريكية- من قدرتها على التدخل العسكري لإنقاذ المزيد من أرواح البشر، والحفاظ على السلم والأمن الدوليين، ومن ثم فإنها تفضل اللجوء إلى محاكم خاصة تنشأ بموجب قرار من مجلس الأمن على غرار محكمتي جرائم الحرب في كل من يوجوسلافيا السابقة ورواندا. وفي مواجهة الحجج التي أثارها فقهاء القانون الدولي للرد على الدعاوى والاعتراضات الأمريكية في هذا الصدد والتي ليس هنا محل الدخول فيها، اتجهت الولايات المتحدة الأمريكية نحو التوقيع على اتفاقية روما في اللحظات الأخيرة من المهلة المقررة لذلك وهي31 ديسمبر 2000 وهو ما يدل على مدى استهانتها بقواعد القانون الدولي وبالمنظمات القائمة على إنفاذه، مع وصول الرئيس جورج بوش الابن إلى البيت الأبيض لتعلن أنها قررت سحب توقيعها الذي سبق أن قدمته على النظام الأساسي للمحكمة، وليعلن وزير خارجيتها كولين باول -في ذلك الحين- أن بلاده لم تعد ملتزمة بالمبادئ التي أقرها النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. وقد استمرت الولايات المتحدة الأمريكية في نهجها المعارض لسلطات المحكمة الجنائية الدولية، مبلورة رفضها في صورة مجموعة من الإجراءات هدفت من خلالها إلى عرقلة المحكمة أو على الأقل تحييد صلاحياتها في مواجهة مواطنيها، وقد انقسمت الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الإطار على محورين رئيسيين: 1. المحور الأول: الاعتماد على المادة 89 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي ينص على أن الاتفاقيات الثنائية بين أي بلدين تتجاوز قانون المحكمة الجنائية الدولية في حال إدانة أي من مواطني البلدين الموجودين فى أراضى الدولة الأخرى. ومن ثم قامت الولايات المتحدة الأمريكية بذل جهود مكثفة لتوقيع اتفاقيات ثنائية مع أكبر عدد ممكن من الدول التي ترتبط معها بعلاقات ديبلوماسية، تمنح جنودها حصانة أمام المحكمة؛ وتشمل قائمة الدول التي ارتبطت معها الولايات المتحدة بهذه الاتفاقيات دولا عديدة منها: رومانيا، إسرائيل، وهندوراس، وجزر مارشال وموريتانيا وأوزباكستان وجمهورية الدومينيكان والسلفادور والهند ونيبال وطاجيكستان وتيمور الشرقية وجيبوتي وجورجيا ورواندا والكويت ومصر... وغيرها. ولم تتورع الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الإطار، عن التهديد بقطع مساعداتها العسكرية عن البلدان التي ترفض ذلك. من ناحية أخرى، هدد البيت الأبيض بقطع المساعدات العسكرية عن الدول التي تصدق على النظام الأساسي للمحكمة باستثناء بعض الدول الصديقة لواشنطن، وهذا ما نفذته الإدارة الأمريكية بالفعل في يونيو 2003، إذ أعلنت وقفها مساعداتها العسكرية لـ50 دولة (مثل كولومبيا) تعترف بالمحكمة الجنائية الدولية ولم توقع على اتفاقية استثنائية تعفي المدنيين والمسئولين العسكريين الأمريكيين من المحاكمة.
2. المحور الثاني: يلخصه قيام الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام سلطاتها في مجلس الأمن الدولي للحصول على امتيازات وحصانات خاصة، تضمن بموجبها عدم تعرض مواطنيها من جنود ودبلوماسيين للمساءلة من قبل المحكمة الجنائية الدولية. حيث استغلت الولايات المتحدة الأمريكية مساهمتها بأكبر حصة في ميزانية الأمم المتحدة في الضغط على المحكمة الجنائية الدولية من خلال التأثير على مواردها المالية، إذ أعلنت أنه من غير المطروح أن يتم صرف دولار واحد من موازنة الأمم المتحدة لتمويل المحكمة. ومن ناحية أخرى سعت الولايات المتحدة الأمريكية للحصول على حصانة تامة ومطلقة فى مواجهة المحكمة الجنائية الدولية، ثم خففت واشنطن من حدة لهجتها فتقدمت باقتراح يقضي بتوفير حماية مدتها 12 شهرا ضد الجرائم التي يتهم بارتكابها جنود حفظ السلام من أي دولة لم تصادق على معاهدة تأسيس المحكمة الجنائية، وقد استجابت الأمم المتحدة ممثلة فى مجلس الأمن الدولي للضغوط الأمريكية، ومن ثم صدر قرار مجلس الأمن رقم (1422) في الثاني عشر من يوليو 2002 (والذي تم تجديده في الأعوام التالية)، وينص ذلك القرار على منح حصانة لمدة عام لجميع رعايا الدول التي لم توقع على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية بالطبع.
وقد اعتبر كثيرون أن اليوم الذي صدر فيه القرار رقم (1422) يوما حزينا في تاريخ الأمم المتحدة والقانون الدولي لأنه شكل سابقة حصل من خلالها مجلس الأمن على تفويض يتيح له التدخل لتفسير بنود معاهدة دولية لم يكن المجلس طرفا في إبرامها. فضلا عن أن القرار يؤسس لسابقة خطيرة توسع سلطات مجلس الأمن عن الصلاحيات المنصوص عليها في الاتفاقيات المنشئة للهيئات الدولية.
• تغير العلاقة بين القانون الدولي والقانون الداخلي: نتيجة للتطورات الجديدة التي طرأت على منظومة العلاقات الدولية خلال العقود القليلة الماضية والتي نالت كثيرًا من مبدأ السيادة الوطنية فإن مسألة العلاقة بين القانون الدولي والقانون الداخلي قد طرأ عليها بدورها الكثير من التغيرات التي انطوت، على بعض مظاهر التجديد، وقد تمثلت أبرز هذه المظاهر، فيما يلي: 1. هناك توجه لمراجعة بعض المقولات التي ظلت شائعة حتى عهد قريب؛ كالقول مثلا بأن القانون الدولي هو فقط قانون تنسيق أو تعايش وأن القانون الداخلي هو وحده الذي يستحق أن يوصف بأنه قانون إخضاع، إذ لم تعد مثل هذه المقولات تصادف قبولا واسعًا اليوم من جانب بعض فقهاء القانون الدولي. 2. يبدو أن الجدل الذي ثار في نطاق الفقه القانوني التقليدي، بشأن أي هذين القانونين الدولي أو الداخلي تكون له الأولوية في التطبيق أو عند التعارض على الآخر، قد حسم الآن في رأى غالبية الفقه لصالح الاعتراف بأولوية القانون الدولي، وهو ما أيده القضاء أيضًا على المستويين الوطني والدولي. ونتيجة لذلك، فإنه لم يعد في وسع الدولة كمبدأ عام الاحتجاج بقانونها الداخلي، أو حتى بدستورها الوطني، لمخالفة التزام دولي ترتب سلفًا في مواجهتها أو لمخالفة قاعدة قانونية دولية ذات طبيعة خاصة كالقواعد الآمرة. 3. الزيادة المطردة في المساحة المشتركة بين دائرتي اهتمام كل من القانون الدولي والقانون الداخلي مثل المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية، تشريعات البيئة، قضايا التنمية، مكافحة الإرهاب وأعمال العنف غير المشروعة..وهكذا، فقد أضحى القانون الدولي يعنى الآن بالعديد من الأمور التي ظلت طويلا توصف بأنها مشمولة بقواعد القانون الداخلي. كما أضحى القانون الدولي معنيًا أيضًا بتنظيم موضوعات تمس الحياة اليومية للأفراد أينما وجدوا كحماية الأجانب، وتنظيم التجارة، ومسائل الصحة العامة، وتنظيم مرفق النقل الجوي... وإلخ. وفى المقابل، فإن العديد من قواعد القانون الداخلي صار يلجأ إليها وعلى نطاق غير محدود من جانب المشتغلين بالبحث في نطاق القانون الدولي، باعتبار أنها تندرج ضمن المبادئ القانونية العامة، حتى أن البعض لم يجد حرجًا في التعبير عن هذه الحالة مستخدمًا وصف "تدويل القانون الداخلي Internationalization of Domestic Law".
• محاولة تغيير بعض القواعد والمفاهيم القانونية الدولية: هناك من يرى أن القوى المسيطرة على النظام العالمي الجديد تهدف لصياغة قواعد قانونية دولية جديدة تراها أدنى إلى حماية المصالح الأمريكية، وتحقيق الأهداف التي تسعى إلى فرضها على العالم، بعد أن أصبحت القوة العظمى الوحيدة المتربعة على قمة العالم، والتي لا تقبل شريكا أو منافسا في تسيير شئونه ورسم الإطار العام الحاكم لحركته في ظل القيم والمعايير والأنماط الأمريكية. ولعل المثال الأكثر دلالة في هذا السياق هو استخدام القوة في العلاقات الدولية، وتحديد معنى الإرهاب.
وفيما يتعلق بمشروعية استخدام القوة في العلاقات الدولية، فليس ثمة شك في أن قاعدة حظر استخدام أو التهديد باستخدام القوة في العلاقات الدولية، تعد واحدة من أهم وأبرز إنجازات القانون الدولي المعاصر، كما تأتي على رأس قائمة قواعده الآمرة التي لا يجوز مخالفتها أو الاتفاق على مخالفتها بحال. وهي القاعدة التي يُحرم بموجبها على أشخاص القانون الدولي استخدام القوة المسلحة أو التهديد بها في علاقاتهم المتبادلة، إلا في الحالات الاستثنائية التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة ذاته، وهي حالة الدفاع الشرعي الفردي أو الجماعي عن النفس الذي قضت به المادة الحادية والخمسون من الميثاق، وحالة التدابير المتخذة بموجب نظام الأمن الجماعي وفقا لقرار صريح من مجلس الأمن إعمالا لنصوص الفصل السابع من الميثاق، بالإضافة إلى استخدام القوة المسلحة من جانب حركات التحرر الوطني في سعيها المشروع للحصول على الاستقلال من الاستعمار أو الاحتلال الأجنبي ومقاومة النظم العنصرية الصارخة، على ما انتهى إليه غالبية الفقه الدولي، وأيدته قرارات الأمم المتحدة وكثير من التنظيمات الإقليمية. بيد أن الظاهرة الأبرز التي ميزت عالم ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي كانت -في هذا الصدد- هي الاستخدام الأمريكي المنفرد للقوة المسلحة على خلاف قواعد القانون الدولي المستقرة، وبعيدا عن الأمم المتحدة ودون الخضوع لسلطتها وإشرافها، ونشير هنا على سبيل المثال إلى العدوان الأمريكي على السودان في أغسطس1998، عندما استهدفت الصواريخ الأمريكية أحد مصانع الأدوية في السودان تحت دعوى إنتاجه لأسلحة كيماوية، وإلى استخدام القوة من جانب الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في كوسوفا عام 1998 أيضا دون تفويض من مجلس الأمن الدولي. وعلى الرغم من أن الغزو الأمريكي للعراق في 2003 ينطوي على استخدام غير شرعي للقوة، إلا أن أنه يعد نموذجا مختلفا إذ بررت الولايات المتحدة تدخلها بأن العراق يشكل تهديدا للأمن والسلم الدوليين من خلال امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، وأن قيامها بهذا الأمر يمكن اعتباره "دفاعا شرعيا وقائيا عن النفس".
أما تحديد معنى الإرهاب الدولـي ومحاربته، فيمكن اعتباره من أكثر القضايا الخلافية؛ خاصة وأنه ليس ثمة اتفاق - في الفقه والممارسة- على معنى محدد له، الأمر الذي يعني أنه بإمكان البعض إضفاء صفة الإرهاب على أعمال هي أبعد ما تكون عن الإرهاب، كأعمال المقاومة المسلحة التي تمارسها حركات التحرر الوطني من أجل الاستقلال وتقرير المصير، وأنه بإمكان الآخرين نزع هذه الصفة عن أعمال هي أقرب ما تكون إلى الإرهاب، أو إن شئت فقل إنها أعلى مراحل الإرهاب وصوره كالأعمال "الإرهابية" التي قد تمارسها الدولة ضد معارضيها السياسيين، أو تلك التي يمارسها المحتل ضد شعب الإقليم الخاضع للاحتلال، فيما يعرف بإرهاب الدولة. بعبارة أخرى، إذا كان استخدام العنف أو القوة المسلحة هو القاسم المشترك بين التعريفات المختلفة بصدد الإرهاب، فإن ثمة تباينا كبيرا فيما وراء ذلك بين من تصدون للتعريف به ولعل مرد ذلك إلى اختلاف المصالح والأهداف والأهواء السياسية للأطراف المختلفة. وقد شهدت الساحة الدولية ترتيبا على أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، انشغالا غير مسبوق بمسألة تحديد معنى الإرهاب وسبل التعامل معه. لاسيما مع قيام الولايات المتحدة الأمريكية منفردة برفع راية "الحرب الدولية ضد الإرهاب"، ومحاولتها فرض مفهومها للإرهاب وطريقة مواجهته على غيرها من دول العالم، وما تلا ذلك من شن الحرب ضد أفغانستان تحت إدعاء أن نظام الحكم فيها هو المسئول عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر بدعمه وحمايته لتنظيم القاعدة الذي تتهمه الولايات المتحدة الأمريكية بالمسئولية عن هذه الأحداث. بل إن الولايات المتحدة الأمريكية اتخذت من المشاركة في عمليات هذه الحرب العالمية ضد الإرهاب معيارا لتصنيف الدول وتحديد درجة انسجامها مع الاتجاه العام للمجتمع الدولي. أي أن "الحرب ضد الإرهاب" أضحت هي العامل الأساسي في صياغة التفاعلات السياسية الدولية في عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر، وفى بناء تحالفات جديدة على حساب غيرها من العوامل. ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد، أن قرار مجلس الأمن رقم (1368) الذي صدر في اليوم التالي لأحداث الحادي عشر من سبتمبر لم يعرف الإرهاب تعريفا دقيقا. ومن ثم ظل التصور الأمريكي له هو الفيصل في تحديد ما يعد إرهابا من عدمه، وفي تحديد الدول المستهدفة بالإجراءات الأمريكية المتخذة في إطار ما منحها القرار من حق "الدفاع الشرعي" عن النفس، وفي إدراج ما تراه من حركات سياسية في قائمة الحركات الإرهابية التي يتعين القضاء عليها.
وقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتوظيف مسألة تعريف الإرهاب وتحديد سبل التعامل معه (بشكل خاص من خلال الحرب العالمية ضد الإرهاب) في إحداث تغيير بعض القواعد والممارسات القانونية الدولية المستقرة، ويظهر ذلك في قيام واشنطن بتقنين الانتقال من آلية تشريع الحرب داخل الأمم المتحدة إلى مبدأ "شرعية الحرب الاستباقية"، بمعنى ضرب التهديد المرتقب بدلا من مواجهته عندما يتحول إلى مقام العمليات. أي أن الولايات المتحدة الأمريكية أرست قاعدة تؤكد على الحاجة إلى الانفراد بتحديد العدو واتهامه ومعاقبة المعتدي المفترض أو المحتمل، بل إنه في إطار الحرب على الإرهاب، لها أن تنقل ساحة الحرب إلى حيث يوجد العدو لتعطيل خطته قبل أن يشرع في تنفيذها. وقد ظهر ذلك في الوثيقة الإستراتيجية للأمن القومي الأمريكي التي صدرت كرد على أحداث 11 سبتمبر 2001، إذ رأت أن العالم كله يعتبر ساحة حرب ضد الإرهاب وأن الأمر لم ينتهي بتحرير أفغانستان لأن هناك آلاف الإرهابيين طليقي السراح في مختلف أرجاء العالم، وتحقيقا لتلك النزعة ظهرت عقيدة بوش الابن، والتي تقوم على مبادئ ثلاث: 1. الانتقال من الردع إلى الاستباق لمواجهة المخاطر المتولدة عن الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل. 2. الانتقال من الاحتواء إلى تغيير الأنظمة باعتبار أن الأنظمة الاستبدادية في حد ذاتها تعد خطرا على المصالح القومية الأمريكية. 3. الانتقال من الغموض إلى القيادة، أي تزايد وعي الولايات المتحدة الأمريكية بدورها الريادي في العالم وبمسئوليتها الأمنية في المحافظة على استقراره وأمنه.
ويرى البعض أن تأثيرات نهاية الحرب الباردة في هذا السياق أيضا، تشمل توجه المجتمع الدولي نحو مراجعة مفهوم "الشرعية الدولية"، وهو مفهوم ثابت عند الفقهاء في القانون الدولي والعلاقات الدولية والعلوم السياسية، ومعروف لدى القوى الدولية. فقد عرفها البعض بأنها أحكام القانون الدولي المعاصر التي يمثلها ميثاق الأمم المتحدة والنظام الذي يحكم العلاقات الدولية عقب الحرب العالمية الثانية، وهي تلك المبادئ التي نص عليها الميثاق من عدم استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات بين الدول، وعدم التدخل في الشئون الداخلية لهذه الدول، والمساواة في السيادة بينها، وحق الشعوب في تقرير مصيرها واختيار نظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بحرية، وواجب الدول في تنفيذ التزاماتها وفقا للميثاق بحسن نية، وفي تسوية نزاعاتها بالطرق السلمية، وكل هذه المبادئ تضمنها تفصيلا إعلان المبادئ الخاصة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقا للقانون الدولي والمطابقة لميثاق الأمم المتحدة الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 أكتوبر1970. وتتجه عملية المراجعة (التي تتضح بشكل خاص من خلال ممارسات مجلس الأمن الدولي) نحو توسيع مفهوم "الشرعية الدولية" ليشمل الإجراءات الوقائية المختلفة التي تتخذها هيئة الأمم المتحدة، فعلى سبيل المثال جاء قرار مجلس الأمن الدولي رقم 687 (الخاص بالأزمة العراقية) الذي فرض نظام معقد للمراقبة على العراق لمنعه من السعي للحصول على أسلحة دمار شامل. ومن ثم يمكن القول أن مجلس الأمن وأعضاؤه اتجهوا لاستخدام "تهديد السلم والأمن الدوليين" لإعطاء الشرعية للإجراءات الوقائية الممثلة في فرض عقوبات على العراق. وفي الإطار ذاته جاء قرار مجلس الأمن الدولي في العام 1995 والذي سمح بنشر منفرد لقوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في جمهورية مقدونيا، وكذلك القرار المماثل للمجلس في 1998 فيما يتعلق بإفريقيا الوسطى. بعبارة أخرى، هناك من المؤشرات ما يدل على أن عملية مراجعة ما اصطلح على تسميته "الشرعية الدولية" والتي تجري في الوقت الحاضر تنطوي بشكل أساسي على إعادة النظر في أو اعتبار المصالح المشروعة للدول والشعوب الأخرى، وقد تكرس ذلك بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وتعد أحداث الحرب الأمريكية على العراق في عام2003 ذات دلالة خاصة في هذا الصدد حيث جرى توظيف قواعد الشرعية الدولية في الحالة العراقية تحقيقا لمصالح قوى دولية معنية، وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. وليس أدل على ذلك، من حقيقة أن هذه القواعد ذاتها ما يزال يضرب بها عرض الحائط ولا يلتفت إليها البتة في العديد من الحالات الأخرى التي تستدعي تدخلا مماثلا، وعلى ذات القدر من الاهتمام الدولي، ومن ثم يمكن القول أن التحيز والانتقائية في إعمال قواعد"الشرعية الدولية" واضح للعيان، وهو إن دل على شيء فإنما يدل على عدم قدرة المجتمع الدولي في ظل التوازنات الدولية الراهنة على انتهاج سياسات موضوعية تسهم في توطيد دعائم السلم والأمن الدوليين حقيقة وواقعا.
وإجمالا، يرى بعض المراقبين أنه منذ العام 1990 يشهد النظام السياسي العالمي ممثلا في منظمة الأمم المتحدة، وخصوصاً مجلس الأمن، حالة متزايدة من تهميش القانون الدولي، وذلك تحت تأثير الهيمنة الأمريكية على قمة ذلك النظام، إذ تتجه الولايات المتحدة الأمريكية إلى تقويض فكرة الإجماع بين الأغلبية العظمى من الدول الأعضاء في النظام الدولي لدى اتخاذ قرار ما، بحيث لم يعد ممكنا القول بأن المنظمة الدولية هي مؤسسة تعمل لتأييد القانون الدولي وفرض إرادة المجتمع الدولي .
#مروة_نظير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة: التطور المفاهيمي وا
...
-
من الأمن الجماعي إلى الأمن الإنساني: تحول اهتمام المجتمع الد
...
-
جنود حفظ السلام وإشكالية الحماية/ المسئولية
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|