أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - كامل السعدون - قوة بلا حدود - الفصل الرابع















المزيد.....



قوة بلا حدود - الفصل الرابع


كامل السعدون

الحوار المتمدن-العدد: 956 - 2004 / 9 / 14 - 09:54
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


قوة بلا حدود ……………….Unlimted Power
الجزء الأول
استنساخ القدرات المتطورة لدى المتفوقين
الفصل الرابع
الأيمان ….جذر كل نبتة تطور عظيم
______________________


تأليف
آنتوني روبينس
ترجمة
كامل السعدون



يسمو الإنسان بإيمانه
___________
انطون تشيخوف

في كتابه الرائع " تشريح علةٍ ما – Anatomy Of an Illness " يخبرنا نورمان كوزينس حكاية ٍ مؤثرة مبهرة عن الموسيقي الرائع بابلو كاسال ، الذي هو واحدٌ من أعظم موسيقيو القرن العشرين .
حكايةٌ تفصح عن عظمة الإيمان ودوره الرهيب في تجديد فعالية وحيوية الإنسان وإثرائه باستمرار بالمزيد والمزيد من الألق والقوة .
يقول كوزينس : قابلت الرجل قبل عيد ميلاده التسعون بأيام ، كان من المؤلم أن أراه في تلك الحالة من الوهن والضعف ، كان بالكاد يقدر على مد يده المرتعشة لمصافحتي ، كان يمشي بتثاقل شديد ، كان يئن وهو يتنفس بل وكان يعاني من الألم ويوشك أن يختنق وهو يسحب هذا الشحيح من الهواء ، كان العملاق لا أكثر من شبحٍ هزيلٍ متعبٍ يمشي ويتحرك بغاية البطيء ، كان بالكاد يرفع رأسه عن صدره ، كانت أصابعه معقوفة وأياديه ترتعش باضطراب شديد .
قبيل أن يقدم له الإفطار نهض بغاية التثاقل عن كرسيه ، توجه صوب البيانو …تعثر قليلاً بالكرسي ثم استقام وبجهد جهيدٍ جلس على الكرسي الصغير قبالة البيانو ، مد أصابعه المعقوفة بتثاقل …لمس الأزرار قليلاً وفجأةٍ …فجأة …بدأ العزف …!
ما هي إلى ضغطتين أو ثلاثة وإذ بقامته تعتدل ووجهه يأتلق بألق غريب ، كانت معجزة …معجزة أشهدها في تلك اللحظة وأصابع الشيخ الطاعن في السن تتدفق فوق أزرار البيانو بخفةٍ مدهشةٍ …كان كيانه كله يرتعش من البهجة ، كانت عيناه الكليلتان تنفتحان وتأتلقان وتدمعان …بدأ مع باخ في رائعته ( wohltemperierte klavier ) ولعبها بمنتهى الحيوية والشغف والانفعال الروحي العميق ، وإذ فرغ منها تحول لبرامز … ، وإذ انتهى نهض من كرسيه بمنتهى الحيوية …تحرك بخفة وكأن أقدامه ترتفع عن الأرض سابحةٍ في الفضاء … كان وجهه منبسطاً ويداه المعروقتان تتحركان بخفة إلى الجنبين ، وجلس إلى مائدة الطعام ليأكل بشغفٍ وشهية ، قبل أن يغادر البيت متوجهاً صوب الساحل في جولة لبضع كيلومترات .
نحن نفهم الإيمان على أنه عقيدة معينة أو مبدأ ما وهذا صحيح في أشكالٍ عديدة من الاعتقاد والاقتناع ، ولكن الجوهر الأساسي للإيمان هو أنه شغف ما ، شيء تشعر بالأمان معه وتأتمنه على سعادتك أو تؤمن أنه يحقق لك السعادة .
الإيمان ( أي إيمان ) يمنحك شعور بالقيمة والمعنى ، قيمة ومعنى ذاتك ووجودك ودورك الحياتي .
هذه المؤثرات التي يتعرض لها كل واحد منّا ، هي مؤثرات متنوعة ولا حدود لعددها وتنوعها ، وبالتالي فلو إننا ما امتلكنا إيماناً ما أو جملة قناعات سالفة فإننا سنضطرب للغاية وستفتقد حياتنا للقيمة والمعنى .
القناعات أو المنظومة الإيمانية هي أحجار أساسٍ مستقرة سلفاً في وعينا وعلى ضوئها نفسر معطيات الحواس بما يتوائم وتلك الأحجار الكريمة .
عندما نفهم شيء ما على إنه صحيح فكأننا نعطي أمراً للمخ في كيفية خلق تصور داخلي لما يمكن أن يحدث .
العبقري كاسال كان سلفاً مؤمناً بالموسيقى والفن وهذا ما جعل الحياة جميلة ، سامية في عينيه وبالتالي فقد ظلت الموسيقى والفن عنصر إعجازٍ يوميٍ يمنحه المزيد والمزيد من القوة والجمال والعافية في دفقٍ لا ينقطع .
يقول جون ستيوارت مل " إن رجلاً يملك يقيناً ما ، يعادل فوجاً بتسعٍ وتسعون رجلاً ، يملكون الاهتمام وينقصهم الإيمان "
وهذا هو ما يجعل الإيمان سبب كل أداء رائع ونجاح عظيم .
بمجرد أنك تؤمن بشيء ما فإنك تضع نفسك وكامل كيانك في حالة شعورية وفسيولوجية بحيث يغدو هذا الذي تؤمن به صحيحاً تماماً ، وقد يكون الاقتناع أو الإيمان سلبيا يحبط الفعل والسلوك ويخرب النفسية مثل إيمانك أو اقتناعك الداخلي بأنك غير قادر على فعل شيء ما ، فينتج عن ذلك أنك تفشل في فعل هذا الشيء مرات ومرات حتى تغير قناعتك .
لقد أعطى الإيمان الديني الناس في عصور مختلفة من التاريخ ، أعطى الناس القوة والقدرة على أداء أفعالٍ لم يكونوا قبل أن يؤمنوا قادرين أو واثقين من القدرة على أدائها .
يمكن للإيمان أن يوصل بيننا وبين مكامن قوةٍ روحيةٍ داخلية رهيبة بحيث نستطيع أن نفعل ما يقارب المعجزات أو يصل إلى مستواها ، كما وإن الإيمان السلبي ، أي الإيمان بعجزنا وضعفنا يمكن أن يستنزف قوانا ويضعف كياننا ويجعلنا يسيروا الاختراق والهزيمة .
الإيمان أو القناعات بشكل عام هي الإسطرلاب الذي يعتمده البحارة لتحديد المسافات ، إنها الخارطة التي تفضي إلى الهدف وبذات الآن التي تؤكد لنا إننا بالغون هذا الهدف ، وبغير الإيمان يغدو الناس عديمو القوة تماماً مثل زورق بلا محرك ولا مجداف .
الإيمان يساعدك على التعرف على رغباتك و يمنحك القدرة والقوة لتحقيق تلك الرغبات .
في الحقيقة ليس هناك من قوة أمكن لها أن تغير تاريخ البشرية مثل قوة الإيمان ، فأولئك الذين غيروا تاريخ البشرية كانوا في واقع الحال أناسٌ ذوي قناعات مهينة ( بغض النظر عن صحة تلك القناعات ) يسوع وغاندي ومحمد وبوذا وأديسون وآينشتين ، أناسٌ كان لديهم إيمان ما وأمكن لهم أن يغيروا قناعاتنا ، وتأسيساً على كل هذا فلو إننا أردنا أن نغير سلوكنا ليغدو بنمطٍ إيجابيٍ بناء مثلاً فإننا بحاجة لأن نغير قناعاتنا وحيث أننا نسعى للوصول إلى نتائج أسرع من المعتاد ولا نريد أن نعيش تجربة تغيير الشخصية وتطويرها بالكامل بما يستهلكه ذلك من سنين عديدة وجهدٍ رهيب ، فإننا يمكن أن نغير قناعاتنا بأن نختبر ونقلد قناعات أولئك الذين نجحوا في هذا الميدان الذي نحبه أو ذاك ، وبالتالي فحيث نستعير قناعات وإيمان شخص ما فإننا سنصل قطعاً إلى النتائج التي توصل لها هذا الشخص .
كلما تعرفنا أكثر وأكثر على السلوك الإنساني ، كلمنا عرفنا أكثر قيمة وخطورة دور الإيمان في تغيير الحياة الفردية أو العامة ، بل وإن فعل الإيمان يبدو في الغالب خارقاً للمألوف ومتجاوزاً للتصورات المنطقية .
من الواضح إن الإيمان ( مجموعة التصورات الداخلية ) يسيطر على الواقع ( واقعنا الشخصي الفسيولوجي والسيكولوجي ) حتى يبلغ تأثيره الفسيولوجيا الذاتية ، فعلى سبيل المثال ، أجريت قبل فترة ليست بالبعيدة تجارب مختبرية على بعض مرضى الشيزوفرينيا ( ازدواج الشخصية ) ، وكانت إحدى الحالات سيدة كانت صحتها الجسمانية عادية جداً وكان مستوى السكر في الدم ضمن الحدود الاعتيادية ولكن حالما بدأت تؤمن بأنها مصابة بمرض السكر تغيرت فسيولوجيا جسمها لتتحول لقرينتها في مرضى السكر ….!
لقد بلغ بها الإيمان بما أوحي به لها إلى درجة أنه استحال إلى واقع عضوي جديد .
أما شخصٌ آخر فقد عرضّ وهو تحت تأثير التنويم المغناطيسي ، إلى اللمس بقطعة من الثلج ثم قيل له أنه قد عرض للحرق في هذه المنطقة من جسمه ، الغريب أنه لم يمض وقت طويل وإذ بتلك البقعة التي لمست بالثلج تحمرّ وتلتهب وكأنها بقعة محروقة فعلاً …!
ما الذي يحصل في مثل تلك الحالات ؟
إنه الإيمان يفعل فعله في الفعاليات العضوية وردود الأفعال الفسيولوجية فتنتج ما يؤمن به ذهن صاحبها…!
كيف …؟
بأن يقوم الإيمان بإعطاء الإشارة إلى الجهاز العصبي وبالتالي يفعل المخ ما تلقاه من الجهاز العصبي من أوامر .
ليس فينا من لم يسمع أو يعيش تلك التجارب الطبية التي مورست في العديد من المعاهد العلمية والتي يقوم فيها الأطباء بالتأثير على المرضى من خلال ترشيح أدوية معينة لمرضاهم والتأكيد على إنها تحمل لهم الشفاء الأكيد وهي في واقع الحال لا تحمل نسبة شفاء عالية ثم يأخذون مجموعة أخرى من المرضى ويقنعوهم بأنهم سيتلقون أدوية لم تختبر من قبل أو إن نسبة الشفاء بها محدودة للغاية ، ماذا ستكون النتائج …؟
لقد ثبت أن الأدوية التي رشحت بقوة من قبل الأطباء ورغم فقر مادتها العلاجية حققت نجاحا أكبر وأدت إلى شفاء نسبة أكبر من المرضى قياساً لتلك التي عمد الأطباء إلى التقليل من أهميتها .
لقد توصل السيد ( نورمان كوزينس ) والذي أمكن له أن يعالج ذاته بلا عقاقير ، توصل إلى تلك الحقيقة التي خطها يراعه " الأدوية ليست ضرورية دوماً للعلاج وليست بالضرورة سبب الشفاء ، ولكن الإيمان سبب كل شفاءٍ مع الأدوية أو بدونها " .
لا بل وقد عرض الكثير من المرضى لاختبارات أخرى من قبيل أن يقسموا إلى مجموعتين تمنح الأولى دواءٍ حقيقياً مناسباً لأمراضهم ولكنه لا يجد التقييم الكافي من الطبيب من قبيل أن يقال لهم أنها أدوية جديدة وغير مضمونة النتيجة ، ثم تعرض المجموعة الثانية لدواءٍ لا يحتوي إلا على مادة السكر ثم يقال لهم أن هذا الدواء مضمون النتيجة ، فماذا كانت نتيجة التجربة ؟
لقد نجحت كبسولات السكر في تحقيق نتائج إيجابية تتجاوز ال70% بينما أخفقت جرعات الدواء الحقيقي في تحقيق نسبة نجاح لا تتجاوز ال20% …!!
في جميع هذه الاختبارات وغيرها ، كان إيمان المرء واقتناعه الفائق بشيء ما ، هو الذي أثر على كيانه الجسماني فجعله يستجيب لما يؤمر به ، إذ كما أسلفنا يأمر الإيمان المسيطر على الذهن ، يأمر الجهاز العصبي للاستجابة ونقل الرسالة التي يريد الذهن نقلها إلى المخ قائلاً له أنا أؤمن بهذا ، فليكن هذا الذي أؤمن به ، فيقوم المخ بدوره بالتأثير على هذا العضو أو ذاك من أعضاء الجسم ليفعل رد الفعل الفسيولوجي المطلوب …!
الإيمان هو منظومة تصورات ذهنية سالفة تمتلك القوة في التأثير على كياننا السيكولوجي والفسيولوجي بحيث تغير هذين الكيانين كيفما تشاء وتلعب الدور الحاسم في تشكيل نمط تعاملنا وفهمنا لذواتنا وكذلك نمط تعاملنا مع الخارج وفهمنا للحياة .
يمكن أن يكون الإيمان إيجابياً من قبيل هذا النوع البهي الذي يؤكد على أننا أقوياء وقادرين ونملك مخزوناً هائلاً من الطاقة والقدرة على النجاح ، ويمكن أن يكون سلبيا تعجيزياً من قبيل أننا محبطون فاشلون ضعفاء لا نملك حولاً ولا قوة ، فإن كان إيمانك من النوع الأول فأبشر بنجاح وتفوقٍ وتميز وسمو ، لأنه حيث هو مؤمن بالقوة فإنه سيستفز كامل كيانك الفسيولوجي والروحي على إنتاج أكبر قدرة من الطاقة والقوة من مخازن الجوهر التي لا تسع رحابتها الأرض ولا الفضاء لفرط غناها ، وإن كان من النوع الثاني فإنه سيغلق أبواب خزينك الهائل من القوة ويضيع عليك المفتاح ليؤكد لك أنك فاشلٌ وعاجز ولا حول لك وبالتالي فسيكون نصيبك الخذلان والفشل والهزيمة .
في الحقيقة أن تقول ( أستطيع فعل كذا شيء ) ، أو تقول ( لا أستطيع ) فأنت في الحالين على صواب …!
تستطيع أن تفعل أي فعل إن أردت ذلك وآمنت به حقاً وتستطيع أن لا تفعله إن آمنت بأنك غير قادر على فعله …كلاهما صحيح …!
لكن أي الخيارين تختار …أيهما الأفضل بالنسبة لك …؟
أي الإيمانين أفضل …هذا هو السؤال …؟
والواقع أن هذه المسألة نسبية وتدخل فيها عوامل عديدة بينها الجانب الإنساني والقانوني والمصلحة المستقبلية ومصلحة المجتمع …و…و…..الخ .
( فمسألة أن تفجر جسدك في مجموعة من الأطفال الأبرياء ، لأنك مؤمن بأن هؤلاء الأبرياء هم نسل كفرةٍ معادين لربك ولإيمانك وأن ذبحهم سيفضي بهم إلى النار ويؤدي بك إلى جنةٍ خرافية الجمال ، مثل هذا إيمانٌ مرضيٌ لا نظن أن من الشرف أو الشجاعة تقبله ، وبديله هنا أي التردد والرفض وأن تقول لا أستطيع هو قطعاً أفضل بكثير - المترجم )
إننا في واقع الحال مخيرون في أن نؤمن بما نريد ، وبالتالي فإننا نخلق أرقى وأجمل وأحط وأبشع ردود الأفعال والسلوكيات الخارجية استنادا على نوع الإيمان .
ربما يبدو الأمر في نظرنا وكأنه ليس اختيارا واعياً ، ولكنه كذلك إذا ما أمكن لك أن تسلط انتباهك عليه وتعرضه لفيضٍ من الأسئلة والاختبارات والتمحيص لترى إلى أين سيقودك وكم سيخدمك أو يخدم الإنسانية وهل إنه سيحسن من أدائك الحياتي ويمنحك السمو الروحي والمزيد من الجمال والقيمة المعنوية أم إنه سيفضي بك إلى التهلكة أو تأنيب الضمير أو بالقليل يعوقك عن تحقيق أي شيء ويجعلك أبد الدهر طفيلياً تعيش على فتات عواطف الآخرين حيث تكون دوماً في دور الضحية العاجز .
إن أخطر سوء فهم يتعرض له مفهوم الإيمان هو حين ينظر له على إنه مفهوم ستاتيكي ( جامد ) منفصل عن الفعل والنتيجة .
لا …هذا خطأ لأن الإيمان هو الطريق المفضي إلى الأداء الجيد أو معكوسه ، وهو وحده من يقف وراء كل نتيجةٍ رفيعةٍ كانت أم وضيعة ، وكما أسلفنا فالإيمان بالقوة والقدرة والكفاءة يفتح بوابات القوة الروحية الداخلية فترفدك بخزينٍ مهول من الطاقات على الأداء المتميز ( وأحيانا المتميز في مضمار الشرّ أيضاً كحالة هتلر أو صدام حسين أو الإرهابيون الإسلاميون – المترجم ) ، أما الإيمان
بالقدرة والعجز والضعف فإنه يفضي إلى إغلاق بوابات القوة الداخلية ، بحيث تراك في حالة جفاف وكآبة وعجز عن التفكير أو التدبير رغم إنك تمتلك رغبة في فعل شيء ما …!
لنأخذ هذا المثال البسيط للغاية :
أنتما جالسان أنت وزوجتك وربما ضيوفك على المائدة وتطلب منك زوجتك بلطف أن تجلب قنينة الزيت أو آنية الملح من المطبخ ، في ذات اللحظة التي تدخل فيها المطبخ يتملكك إيمانٌ أو اقتناع بأنك لن تجد الملح ، تجول هنا وهناك في المطبخ ، يداك تفتشان وعيناك تجولان ولا تجد الآنية ، تهتف بزوجتك ، لا أستطيع أن أجد الملح يا عزيزتي …بعد هنيهة تأتي زوجتك وتتناول العلبة من أمام عينيك على طاولة المطبخ …، طيب لماذا لم تستطع أن تراها أو حتى لم تتمكن يداك وقد مرت عليها ربما مرات ومرات ، أن تتعرف عليها ؟ السبب …هو إنك دخلت معركة البحث عن الملح بقناعة مسبقة أنك لن تجده ، هذا الاقتناع أعطى للمنظومة العصبية أمراً بأنك غير مؤمن بوجود الملح هنا أو إنك لا تريد أن تجده ، فأرسلت تلك المنظومة بدورها الأمر إلى المخ بأن يتنكر الإشارات الحواس التي تقول له " هذا هو الملح " ، طيب من كانت له الأولوية في التأثير على المخ ، الحواس أم الإيمان أو القناعة …؟
قطعاً ستجيب الإيمان أو القناعة الداخلية …!!
نحن في واقع الحال ، لا نرى أو نسمع أو نحس لمجرد أننا نمتلك أدوات الحس ، لا … فما أكثر الأشياء التي نراها ولا نراها ، وما أكثر الأصوات التي تدخل مجال السمع ولا نسمعها ، وما أكثر تلك التي هي خارج مجال السمع ومع ذلك نسمعها …!!
ما السر وراء ذلك ، إنه إرادة الحس … الإيمان الذي يعطي المخ أمراً بأن يتقبل معطيات الحواس ، لا بل والإيمان الذي يسمو بالحواس ويجعلها أشد رهافةٍ وقوة …!!
إن كل المحسوسات مختزنة في الذاكرة ، بحيث لا يمكن مثلاً أن أقول وأنا أرى علبة الملح أنني لم أتعرف عليها سابقاً ، أو إن هذا الصوت لا أستطيع تمييزه ، هل هو مواء هرّ أم نباح كلب ، قطعاً لا …لأن هناك نسخة من كل معطيات الحواس ، مختزنة في الداخل ، ولكن إيماننا بأننا لا نعرف أو لا نريد أن نستدل على شيء هو وحده ما يتحكم في كمية المعلومات ونوعيتها التي تتدفق من خزيننا الداخلي …!
لقد اكتشفت الإنسانية منذ فجر الحضارة قوة الإيمان وتأثيره في تغيير الواقع فقد قال شاعر الإغريق العظيم فيرجيل يوماً :
" أنت تستطيع لأنك تؤمن أنك تستطيع "
حسناً …ما هو الإيمان إذن …؟
الإيمان هو مجموعة تصورات ذهنية قوية للغاية تمثل المرشحات التي تسقط عليها معطيات الحواس فتمنح تلك المعطيات فهماً معيناً وبالنتيجة ننتج نمطاً معيناً من التواصل مع الذات ( مع المخ ومع بقية أعضاء الجسم ، لا بل ومع الواقع الخارجي عبر إنتاج نمط أداء متميز في الخارج يفضي إلى التأثير في هذا الخارج أو الانكسار والهزيمة أمامه ) .
( المتصوفة الهندوس ومتصوفتنا المسلمون ، أمكن لهم بفضل إيمانٍ فائق بالقدرة على التحمل ، أمكن لهم أن يتحملوا ضغوطاً فسيولوجية هائلة جداً ومع ذلك استجابت أجسامهم لإيمانهم فلم يصبهم الأذى رغم قسوته ، بل وهناك علمانيين في عصرنا هذا تحملوا تعذيباً رهيباً ومع ذلك لم يضعفوا ولم يعترفوا – المترجم ) .
طيب …هنا يواجهنا سؤالٌ مهم إلا وهو من أين ينبع الإيمان وكيف يتشكل …؟

أولاً - المحيط الخارجي :
____________
المحيط الخارجي و المصدر الأول لأنماطنا الإيمانية الأساسية ، النجاح يخلف نجاحاً والفشل يخلف الفاشلين .
في الغالب تجد أن الأثرياء يرثهم الأثرياء ، ليس مالهم حسب ولكن نمط تفكيرهم وإيمانهم بالقوة المادية وأهمية الثروة ، كذلك تجد أن رفيعوا التحصيل العلمي كالعلماء والأطباء ، ينشأ أبنائهم على ذات نمطهم المعيشي والمهني لأنهم عايشوا وإياهم تجربة النجاح ورافقوهم في مشواره الطويل ، وهذا يصح على الكثير من المهن الراقية ، وذاته يصح مع المهن الاعتيادية البسيطة أو الأنماط المعيشية الفقيرة ، فغالباً ما تجد أبن الحوذي أو الفلاح أو العامل ، يتوجه صوب مهنة أبيه .
إنه التأثر والتقليد والتعود والإيمان بأن هذا هو ما تعلمته من أبي ومع أبي ، وهذا هو ما أؤمن بأني قادرٌ عليه بمنتهى الكفاءة ، والإنسان بطبيعته ميالٌ للتقليد والتعود لكي يوفر على نفسه مشقة السعي نحو المجهول الذي لا يعرفه ولا يثق بأنه كفء له …!
طبعاً هنا تحدثنا عن القناعات العادية ، العلمية والمهنية ولم نتطرق لأنواع الإيمان الأكثر تعقيداً كالإيمان الديني أو السياسي ، إنما ذات الأمر يصح معها أيضاً فغالباً ما يكون الابن كأبيه في قناعاته الدينية أو السياسية ، وكلنا رأينا وعرفنا أناس اقتفوا آثار آبائهم أو أمهاتهم في الانتماء لهذا الحزب أو ذاك أو لهذا النشاط الديني أو ذاك …!
نذكر في هذا المقام قولٌ جميلٌ لآينشتين :
( قلةٌ من الناس ينتخبون وبكامل طمأنينتهم النفسية ، أنماطاً مغايرة لمحيطهم ، ويجرؤون على التعبير عنها بشجاعة . إننا في الغالب نفضل أن نكرر ذات الأحكام المسبقة التي يؤمن بها محيطنا ولسنا مستعدين ولا لمرة واحدة على أن نأتي بجديد …!! ) .
في إحدى مراحل التعليم في الدورات الدراسية التي أقيمها وأديرها : أقوم أنا وطلابي بالتجوال في الأزقة والشوارع الخلفية المشبوهة بحثاً عن المشردون والعاهرات وغيرهم ، نقوم بالتقاط من يستجيب لنا منهم ، نستقبلهم بالترحاب ونوفر لهم الزاد والشراب والمنام ونستمع لهم ونمنحهم القسط الوافر من الاهتمام والحنان وبعد أن يأمنوا لنا ويثقوا بنا نقوم بالاستماع لهم وهم يفصحون عن أسرار حياتهم وكيف وصلوا إلى هذا الدرك و…و…و…الخ .
ثم نقوم بمقارنة أحوال هؤلاء بأحوال أناسٍ نجحوا رغم الفقر والقسوة والإهمال والإعاقة الفسيولوجية …!!
في إحدى هذه المرات كان ضيفنا شابٌ في الثامنة والعشرين من العمر ، وسيماً صحيح الجسم قوي البنية ، لا ينقصه الذكاء ، ومع ذلك كان عاطلاً عن العمل ، بائساً يشحذ لقمته من براميل القمامة أو كرم أيادي المارّة …!
عجيب …ما السر وراء هذه الحالة ، وهو الذي لديه الكثير من عناصر القوة ، بينما رجل مثل السيد ( W. Michel ) والذي كان تقريباً يقارب الصفر في كفاءاته الفسيولوجية بحكم الإعاقة الجسمانية الرهيبة الذي أصابه ، عاش حياةٍ غاية السعادة والتفوق والنجاح والجمال .
حسنا… السيد W .Mitchel ترعرع في محيط منحه نماذج مسبقة للنجاح والتفوق ، نماذج أمكن لها رغم الإعاقة والصعوبات المادية ، أمكن لها أن تعيش وتنجح وتبدع ، وبالتالي فقد تشكل لديه ( بحكم تأثره بهذه النماذج ) إيمان داخلي ومنظومة تصورات إيجابية مكنته من أن يعيش ويتفوق ، بينما الآخر كان أبناً لأبٍ أستهلك ثلثي عمره في السجن وكلما خرج عاد إليه والتهمة دوماً تعاطي واتجار بالمخدرات أما الأم فقد كانت تبيع جسدها في الشارع ، فماذا نتوقع لمثل هذا الفتى وقد نشأ وتأثر بهكذا نماذج عدمية فاشلة متطفلة على الحياة …؟
طيب …ماذا نفعل مع مثل هذا الشاب …؟
نغيره …نغير منظومته الإيمانية …نعيد بنائه من الداخل ، وكان هذا ما فعلناه …!
منحناه الثقة والحب والحنان … أخذناه ليرى ويعيش ويعاشر نماذج جديدة تملك أهدافا وتؤمن بذواتها وتعرف أن لديها واجب في هذه الحياة وإن لوجودها الحياتي معنى وقيمة بغض النظر عن الظروف والقدرات الفسيولوجية .
ونجحنا مع الرجل ، نجحنا في تغييره وعثرنا له على عمل وأمكن له أن يعرف الحب ويعيشه وتزوج وصار لديه أبناء وغدا بعد بضع سنين رجلاً ناجحا …!
هناك اختبار قام به الدكتور بنيامين بلوم من جامعة شيكاغو ، إذ أنتخب قرابة المائة فتى من المتميزين الواعدين بمستقبل كبير في المجالات العلمية والتجارية والرياضية والفنية وبعد أن درس نشأتهم وظروفهم ، أكتشف أن الأغلبية من هؤلاء الفتية لم يكونوا متميزين منذ البداية ولكن حصلت لديهم في مراحل لاحقة من الصبا تحولات دفعت بهم إلى أن يتميزوا ، من قبيل تغير في الظروف الاجتماعية ، مزيد من الاهتمام والرعاية من الأسرة ، دخول عنصر جديد بنمط جديد من التفكير في هذه الأسرة دفع هذا الفتى أو ذاك إلى التميز ، وإذن فالعامل الاجتماعي مؤثر للغاية في تكوين القناعات الداخلية وأي تغير مهم في هذا العامل ينعكس بدوره على أنماط القناعات التي يكونها أعضاء هذا المحيط من الأبناء .

العامل الثاني : الأحداث الصغيرة والكبيرة التي يتعرض لها الفرد أو يعيشها عن كثب :
____________________________________________

في حياة كل واحد منّا كمّ من الأحداث التي خلفت بصماتها الراسخة في الذاكرة وأسهمت في تشكيل نظمنا الإيمانية وقناعاتنا عن أنفسنا والعالم من حولنا ، فأحداث من قبيل حرب فيتنام أو ثورة أكتوبر أو مقتل لوثر كينغ أو إطلاق سراح مانديلا أو تفجير قنبلة هيروشيما ( أو عمليات الأنفال وقصف حلبجة بالقنابل الكيماوية – المترجم ) ، مثل تلك الأحداث التراجيدية أو السارة تركت كما أسلفنا أثراً لا يمحى في ذاكرة من عاشها ، ومن بعض تلك الآثار تغيير المنظومة الإيمانية ( كما حصل بعد جريمة الحادي عشر من سبتمبر وكيف تغيرت صورة الإسلام والمسلمين في الغرب بشكل مفجع- المترجم ) ، هذا من جهة الأحداث الكبرى ذات الطابع العالمي أو الإقليمي وكيف تؤثر في العقل الجمعي ، أما من جهة الأحداث الفردية فيمكن لعلاقة حب مثلاً تدخل في حياةٍ فرد ما فتغير منظومته الإيمانية أو تضيف لها قناعات جديدة من قبيل الرغبة في التميز أو النجاح من أجل إرضاء وإسعاد الحبيب أو ربما يكفي أن تتأثر بصديقٍ جديدٍ وترى كم هو متألق وسعيد وناجح فتحاول أن تقلده ثم تكتشف لاحقاً طريقك الشخصي المستقل ، أو ربما يكفي أن تنجح مرةٍ في فعلٍ ما وربما بالصدفة من قبيل أن تكتب قصة وترسلها إلى إحدى المجلات وتفاجئ بعد أسبوع بوصول رسالة شكر مع مكافأة جيدة ، فيتولد في داخلك إيمان شديد بقدرتك على النجاح وتكتب مجدداً وتطور شخصيتك الثقافية ثم تغتني تصوراتك الذهنية وترسخ وتغدو قادرة على ترشيح انعكاسات الحواس بشكل يروق وينسجم مع تلك القناعات الجديدة .

الأمر الثالث : التحصيل المعرفي :
________________
قراءة تجارب الآخرين عبر الروايات أو مشاهدة الأفلام أو المسلسلات التمثيلية التي تدور حول الشخصيات المؤثرة المتميزة أو قراءة السير الذاتية للعظماء ، جميع هذا يلعب دوراً خطيراً في تكوين القناعات والتصورات الإيمانية الإيجابية ، وكلنا سمع بالكثير من الناس ممن قرؤوا كفاحي ( لهتلر ) أو سيرة جيفارا أو مالكولم أكس أو غاندي فاقتدوا بهم وآمنوا بهذا الذي آمن به هؤلاء وربما عاشوا العمر كله في ظل تلك الأنماط الإيمانية بغض النظر عن مسألة فسادها القيمي ( كما في حالة هتلر أو موسوليني ) أو صلاحها القيمي ( مانديلا ، غاندي ، آينشتين ) …!

الأمر الرابع : تكرار ممارسة إيمانية سابقة :
_____________________
مما يعزز الإيمان بقدرتك على فعل شيء ما أو النجاح في تحقيق ممارسة معينة هو في أن تختبر هذا الإيمان وهذه القناعة ولو لمرة واحدة وترى ما يحصل .
يمكن أن يكون اليوم الأول في المدرسة مثلاً حاسماً في تقرير شكل المستقبل الذي سيكون عليه هذا الطفل ، لو إنه مثلاً تلقى استقبالا جيداً وكان أباه أو أمه برفقته في اليوم الأول ، ثم عاش تجربة الصداقة مع هذا أو ذاك من الزملاء ووجد لدى المعلم أو المعلمة الحدب والحب والرعاية والاهتمام ، فبالتأكيد سيكون اليوم الثاني أسهل , وسينشأ لدى الطفل شغفاً بالمدرسة والمعلم والزملاء والكتاب والواجب الدراسي وبالتالي من المؤكد أن إيماناً بأهمية العلم والتعلم سيحصل لدى هذا الطفل وتلك أول ضمانات التفوق والنجاح .
كذلك الأمر مع الجندي في الميدان ، إذا نجح في الخروج سالماً من المعركة الأولى فقطعاً يزداد إيمانه وثقته بشجاعته وذكائه وصبره وبالتالي فأن المعركة التالية لن تكون مرعبةٍ بالنسبة له لأنه سبق أن جرب مثلها ، كذلك الزيارة الأولى للطفل مع أبيه إلى الجامع أو الكنيسة قد تكون حاسمة في تشكيل إيمانه الديني وقد تراه بعد بضع سنين من المؤمنين المتحمسين لهذا الدين أو ذاك .

الأمر الخامس : التصور الإيجابي للنتيجة سلفاً :
______________________
تماماً كفعل التصورات الماضية في تشكيل إيماننا وتغيير منظومتنا الإيمانية ( كما أسلفنا تجربة زيارة المسجد ولو لمرة واحدة ) ، كذلك فأن التصور السالف للنتيجة المرجوة من وراء هذا الإيمان ، يمكن أن يلعب دوراً خطيراً في ترسيخه وحتى التطرف في ممارسته ( بالمناسبة يعمد الإرهابيون الإسلاميون وعلى مرّ العصور " فرقة الحشاشون مثلاً والذين قتلوا صلاح الدين الأيوبي ، أو إرهابيو الإسلام الوهابي " ، إلى استخدام الأفيون كعامل مساعد لتسريع عملية غسيل الدماغ وبث الشجاعة في النفوس مع اعتماد الإيحاء المكثف بمنظر الجنّة والنساء العاريات فيها والجاهزات لتلبية رغبات هذا المجاهد الذي وصل للتو ، وبعدئذ يقومون بزرع الديناميت على جسده وإرساله للموت العاجل الزؤام - المترجم ) .
المهم …التصور الحي السالف للنتيجة يؤدي إلى تعزيز الإيمان وتأكيده بقوة ، فمثلاً لو أنك حلمت بمركز وظيفي مرموق وأردت أن تحول هذا الحلم إلى إيمان وقناعة فأول ما ينبغي عليك فعله هو أن تستنبته في ذهنك من خلال الاستغراق في التصورات المستقبلية ، كيف يكون يومك الأول في هذه الوظيفة ، كيف ينظر الزملاء لك ، كيف ستبدو أنيقاً وجميلاً بحلتك الجديدة وكرسيك الوثير ، كيف سيزورك أصدقائك طالبين منك التوسط في تعيين أقاربهم أو في تحقيق خدمة ما لهم …و…و..,…الخ .
كلما كانت تصوراتك جميلة وحية وتبدو وكأنها حقيقية لقوة وضوح الصورة في ذهنك ، كلما ترسخ إيمانك بهذا الهدف وأصبح من شبه المستحيل قلعه من ذهنك ، وبالتالي مع تعمق الصور ستتغير تركيبتك النفسية وتصبح أكثر شعوراً بالثقة والقوة وسينمو ذكائك وتتفتح في داخلك منابع قوة لم تكن موجودة من قبل وبالنتيجة سيتغير أدائك في العمل وستلفت لك أنظار رؤسائك أو ربما ستسعى للدراسة وزيادة تحصيلك العلمي فتزداد فرص نيلك لهذه الوظيفة الراقية التي حلمت بها …!!
بالمناسبة هناك إشكالية خطيرة في مسألة انتخابنا لأهدافنا ، فنحن غالباً ما ننتخب أهدافاً صغيرة على وهم أنها أيسر للتحقق وأكثر واقعية وفي واقع الحال فإنها قد تتحقق ولكن بالكاد تكون مشبعة لطموحاتنا ومحفزة لمزيد من النجاح ، خذ على سبيل المثال صاحب المتجر الذي يؤمن ويتصور طموحاً تجارياً لا يتجاوز تحقيق دخلاً بحدود عشرة آلاف دينار أو ريال ، إنه يقول لنفسه أريد أن أنال مثل هذا المبلغ فأتمكن من سداد فواتيري ودفع أجر العمال عندي والباقي كفاية أطفالي من الطعام والمعيشة ، في حين تجد آخر يضع أمامه حلم أن ينال مائة ألف دينار أو ريال ، أيهما في تصورك الأقدر على الوصول إلى هذا السقف الذي وضعه …؟
أكيد ستقول إنه ذاك الذي تواضع في حلمه وخلق تصورات نجاح لا تتجاوز العشرة آلاف …!!
في واقع الحال ، الثاني هو الأقدر على الوصول إلى السقف الذي وضعه ، لماذا …؟
لأن الثاني حين وضع هذا السقف العريض الشاهق ، فتح أمام ذهنه وفكره آفاقاً أبعد وأكبر للنجاح وبالتالي فإن أفكار إبداعية جديدة ستغزوه وتدفعه للوصول إلى هذا السقف في حين تجد الآخر الذي كان سقفه واطئ ، تجده يتصرف ويتعامل بحدود هذا السقف وأي نتيجة أقل منه تكون كارثية أما أي نتيجة بحدوده فبالكاد تكفي لسداد فواتيره ومع الاستمرار تحت مثل هذا السقف ستختنق روحه ويصيبه الإحباط والملل أما الآخر فإنه أن وصل لسقفه أو دونه فهو رابحٌ وسعيدٌ ومتفائل وبالتالي سيتعزز النجاح ويزداد توفيقه أكثر فأكثر …!!
إذن فالتصورات الإيجابية الرحبة المسبقة مهمة جداً في خلق الإيمان العظيم الذي يدفعك للسمو والتفوق والتميز ، بذات الآن تجد البعض وللأسف يستبق الأحداث بخلق تصورات سلبية وتكوين منظومات إيمانية عدوانية وكريهة وبالنتيجة تجده يقع في مستنقع الخيبة والفشل والندم .
حسناً …تلك كانت أبرز العوامل التي تنتج المنظومة الإيمانية أو مجموعة التصورات التي نملكها ، تصوراتنا عن أنفسنا وعن العالم والحياة والنجاح والفشل والخير والشر ، وكما أسلفنا فالإيمان هو ذاته سواء كان رزمة إيمانية معينة كالإيمان الأيديولوجي أو الديني أو أن يكون قناعة صغيرة كالإيمان بهدفٍ ما أو رغبة معينة أو هواية من الهوايات …!
من الملاحظ أيضاً أن الأغلبية منّا يكونون لهم منظومات إيمانية أو كم من المعتقدات على أساس الصدفة وحدها وبدون وعي منهم إذ يأخذون من المحيط أو من أي مؤثرات أخرى جملة معتقدات تظل ملازمة لهم طوال حياتهم ، ويظلون متمسكين بها حتى بعد أن فشلت في التجربة مرات ومرات …!
مثل هذا يغيظني للغاية فأنا أرى الإنسان أكبر من أن يكون ريشةٍ في مهب الريح تدفعه حيث تشاء وتشكله كما تريد ….!
ولهذا تجدني في هذا الكتاب وعبر كامل صفحاته أسعى بقوة لتأكيد والحث على السيطرة على الذهن لكي نفلت من فخ الصدفة والمعتقدات التي تتكون بحكم الصدفة …!
ومن أجل هذا أود أن أطرح عليك قارئي العزيز بعض الأسئلة التي يمكن أن تساعدك في إعادة سيطرتك على ذهنك وتصوراتك :

ما هو تصورك الداخلي عن ذاتك ؟
كيف ترى نفسك بعين نفسك ؟
ما هي القدرات التي تؤمن أنك تمتلكها في داخلك أو في يديك ؟
إلى أي مدى تؤمن بقدراتك ؟
حسناً …خذ برهة من الوقت للتفكير ثم قم بتدوين الإجابات ، دون تلك التصورات الإيجابية وأين أوصلتك وكم من النجاحات حققت ، ثم دون تصوراتك السلبية وقارنها بنمط الحياة الذي تعيشه وإلى أي مدى عوقتك تلك التصورات وكم خسرت من جراء تمسكك بها …!
حسناً …قارن الآن بين تصوراتك الإيجابية والنجاحات التي حققتها والتصورات السلبية وحجم الإخفاقات التي تمخضت عنها …!
ثم دون آفاق استخدام تصوراتك الإيجابية في تحقيق المزيد من النجاحات ، واسأل نفسك ماذا لو تبنيت المزيد من التصورات الإيجابية بحيث يمكن لي أن أحقق كذا وكذا من الأهداف والطموحات الكبيرة السامية …!
تذكر عزيزي القارئ أن تصوراتنا ليست مقدسات وإن لا شيء مقدس في هذا الكون أبداً إلا حياة الإنسان والسعي للخير العام أما عدا ذلك فمجرد تقلبات مزاجية أو فكرية يمكن أن نغيرها حسب الحاجة …كن مرناً مع نفسك وأؤمن أن لا شيء مقدس في تفكيرك ، وإن ما تراه جميلاً هذا اليوم قد لا تراه كذلك غداً …!
وإلى فصلٍ آخر في القريب …..!



#كامل_السعدون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حرائرنا النبيلات ...سارعن لأنتزاع حقوقكن في العراق الديموقرا ...
- عن الإسلام والأرهاب ثانيةٍ
- النفاق الإيراني ....يهدمون البيت ويحلمون بإعادة بنائه ...!
- وهل ظل للإسلام من ورقة توتٍ تغطي عريه ...!!
- التشابك غير المشروع بين مهمات الدولة ودور المرجعيات الروحية ...
- السقوط القريب لهيئة علماء الأختطاف
- مساهمة في ندوة لم تعقد ، لأجتثاث البعث الفاسد ...المفسد ...! ...
- لماذا نتأمل ...؟ دراسة في التأمل وتقنياته
- لماذا نتأمل ...؟ الجزء الأول من الفصل الثاني
- لماذا نتأمل - دراسة في التأمل وتقنياته
- لن تأمنوا يا عراقيين فجيش المهدي لم ينتهي بعد ...!
- جاء البابا فهرولوا ورائه أيها الحفاة العراة....!!!
- الإنتحار الجماعي للشيعة في العراق
- قوة بلا حدود
- الزائرة - قصة قصيرة
- بمقدورك معالجة وإصلاح حياتك بنفسك - الفصل السادس والأخير
- الضيف الغريب - قصة مترجمة - تأليف ليو تولستوي
- منهاج السيلفا للسيطرة على المخ - الفصل الرابع ويليه الخامس
- رحيل - قصة قصيرة
- بمقدورك معالجة وإصلاح حياتك بنفسك الفصل الرابع ويليه الفصل ا ...


المزيد.....




- صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب ...
- لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح ...
- الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن ...
- المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام ...
- كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
- إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك ...
- العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور ...
- الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا ...
- -أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص ...
- درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - كامل السعدون - قوة بلا حدود - الفصل الرابع