|
الشباب الفلسطيني الواقع والطموح
صلاح عبد العاطي
الحوار المتمدن-العدد: 956 - 2004 / 9 / 14 - 10:16
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تمهيد: إن مستقبل الأمة نابع من طاقات عناصرها الفتية ونظرة فاحصة للشباب ونظرتهم للمستقبل تتأثر إلى حد كبير بإدراك الفرد لذاته وللأهداف التي يسعى إليها والعوائق التي تمنع تحقيق هذه الأهداف، وتتأثر نظرة الفرد للمستقبل بالجوانب الاجتماعية والبيئة النفسية التي يعيشها وهي تشمل جميع الأحداث التي تؤثر بالفرد ويتأثر بها.
فالشباب الفلسطيني من الفئة العمرية 15-25 يشكلون ما نسبته 36,5% من المجموع العام للسكان في فلسطين مما يؤكد الدور المتعاظم لهذا القطاع الاجتماعي تحديداً في عصرنا عصر الحركة والتغيير والتنمية التي نسعى إليها بحيث لا يمكن بأي حال الحديث عن التنمية الاجتماعية دون الأخذ بعين الاعتبار تطور هذا القطاع ومدى تلبية حاجاته. وللأسف فالشباب في فلسطين خاصة والوطن العربي عامة يعانون من مشكلات تحول دون تحقيق طموحاتهم، وقد تكون هذه المشكلات تحديات داخلية وخارجية في جوانب الحياة عامة والحياة المجتمعية خاصة مما يتطلب أن يكونوا مستعدين لها وقادرين على مواجهة مواقفها بحكمة وتمكن نحو الإنجاز . وورقة العمل هنا تركز على الشباب وما يعيشونه من تناقضات وأزمات اجتماعية قد لا تمكنهم من ممارسة دورهم بشكل صحيح وسليم لأن هذا الدور في الغالب مسلوب منهم منذ أن كانوا صغاراً بحكم عوامل متعددة أبرزها الصراعات مع المجتمع وقضاياه وتقاليده والواقع القائم الذي يمثل صياغات ونتاجات سلبية للمجتمع الأبوي الاستهلاكي الذي نعيشه. وكما يقال الماضي مثل الحاضر عمل، والمستقبل أمل، والشباب يمثلون المستقبل والقوة الخلاقة والفاعلة والمحركة المشبعة بالحيوية والطموحات الكبيرة الأحلام والحماسة الوطنية، ومن هنا فإن أفضل مقياس للمجتمع هو مقياس مدى الاهتمام بالشباب كأولوية فالشباب شريحة من المجتمع تعاني من مشكلاته العامة وتواجه مشكلات خاصة بها على الصعيد الجسدي أو التعليمي أو الانفعالي أو المهني أو الثقافي أو الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي … وهذا بدوره يرجع إلى طبيعة المرحلة التي يعيشها الشباب أنفسهم. الواقع الاجتماعي الحالي للشباب ناتج عن أوضاع تاريخية تخص مجتمعنا، ويتجلى الشباب كحقيقة اجتماعية في كل الأوقات العصبية التي مرت بشعبنا حيث القوة الجسدية صفة لا غنى عنها في حالات المجابهة مع الاحتلال الصهيوني، وفي ظل انتفاضة الأقصى أكدت الحركة الشبابية على دورها المميز في النضال الوطني التحرري ،حيث تواجه الحركة الشبابية في فلسطين الآن ظروف بالغة القسوة مما يستدعي من الشباب والشابات اليقظة الواعية وتعزيز اللحمة الوطنية والاجتماعية لتوفير بيئة نضالية سياسية وطنية واجتماعية ديمقراطية تؤمن مقومات ترتيب البيت الفلسطيني وتعزز من مقومات صمود شعبنا بكافة شرائحه. والمراقب للدور المميز الذي يلعبه الشباب الفلسطيني من الجنسين يجد أنهم يتصرفون في أوقات المحن كمجموعات ضغط لاعتدال الكبار، إلا أن دور الشابات لم يبرز كواقع اجتماعي إلا خلال العقدين الماضيين وذلك مع تعميم تعليم الفتيات والالتحاق بالمدارس و إعطاء الشابات نوع آخر من العمل غير العمل المنزلي. لذا سوف نسلط الضوء على مشاكل الشباب العربي والفلسطيني كواقع اجتماعي على الصعيد الوطني في القرن العشرين في ظل أبرز التغيرات التي لعبت دوراً حاسماً في تكوين وتطوير الشباب الفلسطيني العربي والتي نذكر منها: امتداد وتعميم التعليم في فلسطين. تضخم قطاع الخدمات والمؤسسات البيروقراطية. انتشار الشعور الوطني وشتى التيارات الشعبية ارتباطاً بقضية التحرر الوطني من نير الاحتلال. النمو الديموغرافي الاستثنائي في فلسطين.
ولكي نكون أقرب إلى الواقع الاجتماعي الملموس علينا أن نبني آرائنا على معطيات المجتمع الفلسطيني، آخذين بعين الاعتبار المفارقات الاجتماعية والثقافية للشباب في مجتمعنا على أساس التمايزات الجغرافية.
ولذا سوف اقترح بصورة محددة دراسة علاقات الفئات المتعددة للشباب الفلسطيني مع المؤسسات الاجتماعية الرئيسية التي تؤثر بصورة مباشرة على حياة الشباب وسوف اختار خمسة أنواع من المؤسسات التي اعتقد بأن لها تأثير كبير على حياة ومواقف فئات الشباب المتنوعة وهي: العائلة، المؤسسات التعليمية ، والمؤسسات الشبابية ، والمؤسسات السياسية ، والشباب والعمل.
أولاً : الشباب والأسرة: في ظل الواقع الذي يفرض نفسه على الشباب في مرحلة الاكتشاف للذات وبلورة الشخصية أو ما يسمى " بأزمة الهوية " والتي يكتنفها في الغالب شعور بالاغتراب الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ، ويبدو هذا الشعور في أعراض تتمثل في الضيق والثورة والرفض للأنظمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وتتصاعد عوامل الرفض عند شعور الشباب بالإحباط نتيجة لعدم تلبية احتياجاته عبر هذه الأنظمة القائمة على اختلاف أنواعها الذي بدوره يعنى مزيداً من الاغتراب والضياع لتصبح أزمة الهوية مرضاً دائماً ولتلعب بحكم عوامل أخرى دور التناقض الذاتي بين شعور الفرد باستقلاله وشعوره بضرورة الاعتماد على الآخرين ، ويحدث التناقض بشكل جلي عند تعبير الشباب عن عدم قناعتهم بالأنظمة الاجتماعية القائمة وفي الوقت ذاته عدم قدرتهم على تغيير هذه الأنظمة ،وأستعير هنا كلمة للأستاذ عزت حجازي في وصفه للصورة بقوله " إذا كان الشباب لم يعيشوا الماضي فليس عندهم ما يجعلهم يحنون إليه أو يقتدون به، وبما أن الحاضر ليس من صنعهم ولا يشاركون في إدارته فليس فيه ما يدفعهم إلي التمسك به فضلاً عن الدفاع عنه، أما المستقبل فإنه بهم ولهم رضوا أم أبوا هو مفتوح غير محدد ومن ثمّ فهو مجال خصب لأحلامهم وطموحاتهم وتصوراتهم البكر غير المجهدة."
فعلى صعيد الأسرة يواجه الجيل الجديد من الشباب مشاكل على مستويين بصفتهم: أفراد في العائلة، أو بصفتهم مرشحين لتكوين عائلة جديدة مستقبلاً. ويظهر جلياً على الصعيد الأسري أن الصورة الغالبة للعلاقات الأسرية بين الشباب والأبوين في مجتمعنا الفلسطيني هي علاقة فوقية قائمة على النظام الأبوي الذي يتميز بسيطرة الأب المطلقة وخضوع الأم بشكل ظاهر مع تأثيرها بشكل خفي إلى جانب دور مميز للأخ الأكبر وأخيراً مكانة أقل شأناً للبنات. مع نظام كهذا من الطبيعي أن نتوقع نزاعاً بين الآباء والأبناء وما يتخلل ذلك من سلبيات وتداخل وصراع وهذا يعنى في جزء كبير منه غياب الحوار بين الأجيال والذي يولد علاقات متنوعة حسب الموقف نتيجة للاختلاط في أساليب التربية والذي يعنى الاختلال في العلاقة بين الفرد والمجتمع الذي بدوره يفرز الكثير من الآثار السلبية أهمها: صعوبة التكيف وتحقيق التوافق في ظل حالة من غياب التثقيف حول الدور الاجتماعي المأمول من الشباب بجوانبه المتشابكة وما يؤكد ذلك هو واقع المؤسسات التعليمية التي لا تمتلك فلسفة واضحة تخدم هذا التوجه. غير أن حلقة الصراع بين الأجيال قد تبدو غير ممتدة وغير خطيرة بحكم دخول عوامل دينية واجتماعية كالعادات والتقاليد لتحد من هذا الصراع - وإن بقي مكبوتاً - خاصة وأن الفرق بين وضع الصبيان والبنات واضح وجلى في مجتمعنا. فالبنات أكثر استسلاماً لسلطة الآباء من الذكور، لكن تمردهن في الغالب أكثر راديكالية لأنهن عرضة للمراقبة من قبل الآباء والأهل بشكل دائم أو لأن إمكانات الهروب من المراقبة أقل ولاشك بأن هذا التفسير يضع أيضاً نقاط فارقة على هذه العادة ( التفريق بين الصبيان والبنات ) ذلك حسب اختلاف البيئة الاجتماعية والثقافية وتطورها من حالة من حالة إلى أخرى من مكان إلى آخر في المجتمع الفلسطيني.
مما لاشك فيه بأن المستقبل لتطور علاقات الأبناء بالآباء صعب التحديد في مجتمعنا بكل بيئاته ، فالفرضية الأكثر احتمالاً هي أن الحالات التي تجاوزت العرف والعادات والصورة النمطية للأسرة التقليدية ستظهر بصورة أوضح وستطلب المساعدة من المختصين من أطباء نفسيين وعاملين في مجال التثقيف المجتمعي والمدني لما لدى هؤلاء من قدرة على تكييف وسائلهم وتقنياتهم لخدمة الواقع الثقافي والاجتماعي للمجتمع الفلسطيني، الذي يعيش معظم شبابه في أسر ممتدة. فمجتمعنا الفلسطيني هو مجتمع خليط مشوه فلا يمكن القول بأن لدينا مجتمعاً مدنياً متبلور كما أنه ليس مجتمعاً تقليدياً بالكامل (عشائرياً أو بدوياً و فلاحياً) فهو خليط بين كل هذه الأشكال. ويأتي هذا الخلط والخلل من مصادر عدة أهمها النظام الاجتماعي والتراثي وقضية التنشئة الاجتماعية في الأسرة والأنظمة التعليمية وأخيراً الأوضاع التاريخية السياسية والاقتصادية التي مر بها المجتمع والفرد كجزء من النظام الاجتماعي السائد في المنطقة. وارتباطاً بعنوان الأسرة سنعرج إلى موضوعة زواج الشباب حيث يلاحظ في المجتمع الفلسطيني عزوف الشباب عن الزواج بسبب غلاء المهور، وعدم توفر السكن، وقيام الأهل باختيار العروس للمحافظة على القيم التقليدية. وبالرغم من التغيرات التي طرأت على المجتمع بازدياد حرية واستقلالية الشباب بعض الشيء وتحديداً المتعلمين والمثقفين منهم ، إلا أن ظاهرة الزواج المبكر ما زالت منتشرة في المجتمع الفلسطيني والتي للأسرة دور كبير في تعميقها الأمر الذي يستدعي الكثير من الإصلاح والتغيير، عبر معرفة الطرق وأسباب الخلل والتي من أبرزها : أن الشباب الذي يسعى للقيام بعملية التغيير يلتزم الصمت فيما يتعلق بطرح المجتمع للقضايا التي تهمه ويقوم بمجاراة التيار السائد إنطلاقاً من قاعدة " اتقاء الشر " لأن من يسعى للتغيير في مجتمعنا يكون كمن يجابه النمور في معركة لا يتحقق منها كما يعتقد الغالبية من الشباب إلى إيذاء الذات ،ولكن هذا لا يعنى عدم قيام البعض بالاجتهاد نحو التغيير ولو كان طفيفاً لأن التراكم يثبت بأن التغيير ممكن ويحدث بشكل معقول.
إن ما يحدث من الآباء من تدخل دائم في حياة أبنائهم نابع من حقيقة هي أنهم يرون أنفسهم في أبنائهم ويحاولون رسم الطريق لهم وتعليمهم كيفية إطاعة القوانين المعمول بها، لذلك و في نهاية المطاف لا يجد الأبناء وسيلة للخلاص إلا الانصياع للأمر الواقع وهذا ما يسميه علماء الاجتماع باسم التكيف الاجتماعي الذي هو أحد أهداف التربية التقليدية التي تربى على أسسها آباؤنا وأجدادنا والأصدقاء الكبار، لذلك يجب أن نتذكر شيئاً مهماً هنا بأنهم بشر مثلنا علينا أن نذكرهم دوماً بعدم إغلاق الجسور بيننا وبينهم.
ثانياً : الشباب والمؤسسة التعليمية: لكي يؤثر الشباب في مرحلة البناء والعمل وتطور النسيج الاجتماعي لابد من امتلاكهم واكتسابهم للمعارف والمهارات والقدرات الفكرية الملائمة لتلبية احتياجاتهم واحتياجات مجتمعهم، والتي تشتمل على تحديد نقطة انطلاق آمنة لهم ترتكز على القيم وإدراك الذات والثقة بالنفس ومواكبة المتغيرات مع ما يتطلبه ذلك من قدرات من المرونة والقدرة على التكيف والتحرك والإلمام بنواحي التقدم التكنولوجي واكتساب الشعور بالنفع والفائدة وذلك بالمساهمة في تنمية المجتمع المحلى. من هنا تبرز أهمية اكتساب الشباب الاستقلالية والمعاونة والمسئولية والالتزام وتمكينهم من تنمية واستغلال طاقاتهم على أكمل وجه ويتحقق كل ذلك حين تتاح لهم الفرص التربوية المناسبة والتي تلعب المؤسسة التعليمية دوراً أساسياً فيها سواء كانت مدرسة أو معهد أو جامعة. ولكن قراءة نقدية فعلية في واقع هذه المؤسسات التعليمية بمناهجها وطرق تدريسها والمعلمين فيها ..الخ، ويؤكد العكس من ذلك فهي تسعى لتنمية الملكات الحفظية التلقينية التي يعتمد فيها الطالب على شرح المدرس للمادة التعليمية واستظهاره لهذه المعلومات عن ظهر قلب دون إعمالٍ العقل في النقد البناء، وأكاد أجزم بأن عملية التعليم في فلسطين تفتقر في محتواها ومنهاجها التعليمي وطرق تدريسه لكل ما يؤهل الطالب للمساهمة كعضو فعال في تنمية المجتمع المحلي. ومع كل يقال عن شعبنا بأنه من أكثر الشعوب العربية تعليماً إلا أننا لا نستطيع القول بأن التعليم في فلسطين يلبي احتياجات الشباب والمجتمع بالشكل المطلوب فالتعليم لدينا ما هو إلا انعكاس للأنظمة التي قامت على مزج العادات والتقاليد والتراث والفكر المستورد و معيقات الاحتلال الإسرائيلي. وتؤكد الدراسات بأن أهداف وفلسفة التعليم في فلسطين بوجه عام غير واضحة وغير محددة ولا تحقق الأهداف المجتمعية المطلوبة في التنمية والتطور كما وينسحب هذا الحال على الوطن العربي أيضاً.
ثالثاً : الشباب والمؤسسات الشبابية: إن غياب الحكومة المحلية في الفترات السابقة دفع الناس في فلسطين لأن يأخذوا بزمام المبادرة للعمل في مجالات ضرورية لاستمرار المجتمع وتطوره ، وقد ظهر ذلك جلياً منذ الخمسينات وبشكل واضح في فترات السبعينات بطريقة عفوية وفعالة وأكثر ميلاً إلى العمل التطوعي في مجالات متعددة بالاعتماد على المقومات المتوفرة فكان هناك نشاط لمجموعات في مجالات الصحة ، والعمل مع النساء ، والأطفال ،والحركات الطلابية والشبابية، والاتحادات النقابية. وتولت مجموعات من الشباب المتطوعين تنشيط العمل عبر لجان متعددة ثقافية واجتماعية وسياسية بحيث اكتسبت المؤسسات الشعبية والأهلية المتعددة في فلسطين أهمية بالغة في تلك المرحلة ، وقد شكلت الانتفاضتين الأولى والثانية محطة لتطوير عمل هذه المؤسسات والمحركات والتي غالباً ما حركتها الأحزاب السياسية بحيث تمارس دوراً فاعلاً على عدة أصعد ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية...الخ ويمثل قطاع غزة على سبيل المثال معجزة في هذا المجال حيث من الصعب تخيل مكان ينحشر فيه أكثر من مليون نسمة في مساحة مغلقة كلياً ومع ذلك يعج بالحياة والأمل برغم تراكم الهموم والإشكاليات، فقد ساهمت المؤسسات والحركات الشعبية الأهلية في منح هذا الأمل دفعات من الترابط الشعبي والتضامن الاجتماعي ومن صمود الشعب الفلسطيني في وجهه كل المعيقات التي وضعها الاحتلال. مع أن السمة الغالبة لعمل اتحادات الطلاب والشباب في الفترات السابقة هو العمل النضالي الوطني والسياسي مع إغفالهم لحقوقهم في ممارسة الحياة المدنية والديمقراطية الاجتماعية ، إلا أنه ومع قدوم السلطة بدأت المؤسسات الاتحادات الشبابية في التشكل من جديد وبدأت في ممارسة أعمالها بما ينسجم ما متطلبات المرحلة ،التي بدأت تشير إلى أن المرحلة هي مرحلة تحرر وطني وديمقراطي بالتالي كان على منظمات الشباب أن تعمل لتحقيق القضايا المطلبية للشباب دون إغفال الجانب النضالي السياسي. ولاشك بأن هذه المنظمات واجهتها و تواجهها تحديات كبيرة أهمها تنظيم حياتها الداخلية وضرورة أن لا ترتبط بمصالح فئوية ، وأن تساهم في ترابط وحدة الشباب إزاء الدفاع عن مصالحهم واحتياجاتهم وقضاياهم في المجتمع الفلسطيني ، وكذلك وضع الخطط والبرامج لمواجهة تحديات المرحلة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً في ظل نقص الكادر المهني والتمويل لبرامج هذه المؤسسات. وفي ظل هذه المرحلة عاشت الحركات الشبابية مرحلة من العمل الشبابي المجتمعي المهم وفي ظل وجود وزارة فلسطينية للشباب والرياضة وتفكير جدي في إيجاد جسم تنسيقي يجمع الحركة الشبابية تمهيداً للوصول لاتحاد شباب فلسطين العام وتفعيل الاتحاد العام لطلبة فلسطين بما يؤسس لدور واضح للاتحادين في تنظيم وتوعية الطلاب والشباب الفلسطيني في الداخل والخارج من اجل حشد التضامن لصالح الشعب الفلسطيني واستمرار النضال من اجل الحرية وإزالة الاحتلال واقامة المجتمع الديمقراطي المدني ويمكن الاستفادة من المحاولة التي قامت بها الاتحادات الشبابية التي انبثق عنها جسم سمي بمجلس الشباب الفلسطيني الذي تشكل من 13 منظمة في الضفة الغربية للأسف لم يمتد إلى قطاع غزة ، هذا إلى جانب مؤسسات شبابية أخرى تم تأسيسها منذ الخمسينات هي موجودة في مخيمات اللاجئين وبعض المدن هي الأندية الرياضية وعددها في غزة 50 نادى وقرابة 350 نادى في الضفة الغربية اقتصر عملها بحكم العوامل الموضوعية التي مر بها المجتمع الفلسطيني على الأنشطة الرياضية للشباب إلى جانب جزء بسيط من الأنشطة الاجتماعية، إضافة إلى المراكز الشبابية والثقافية التي تأسست مع قدوم السلطة في الضفة وغزة.
مما لاشك فيه بأن الدور الذي لعبته هذه المؤسسات برغم السلبيات الموجودة هو دور كبير في مجال بناء الشباب الفلسطيني وتنميته وتثقيفه ديمقراطياً ومدنياً نحو زيادة مشاركة الشباب في حياة المجتمع العمل التطوعي والمخيمات الصيفية وغيرها من الأنشطة التعبيرية والتربوية والمجتمعية المختلفة، لكن يعاب على العديد من هذه المؤسسات أنها لا تحمل فلسفة واضحة في عملها ، كما أن وجودها اقتصر على أماكن ومناطق محددة ، بالإضافة لغياب الخطة الوطنية والخطط الفرعية للمؤسسات ، وقلة التنسيق بينها وغياب الدعم الرسمي لعدد كبير منها ، ويشكل ضعف الخبرة وقلة التجربة في مجال إدارة المؤسسات عاملاً آخر بالإضافة إلى نقص مشاركة المرأة في أنشطة المؤسسات بشكل عام، الأمر الذي يستدعى من المعنيين ضرورة العمل على إيجاد خطة وطنية للشباب للعمل على تأهيل وتطوير إدارة الطواقم الشبابية القائمة على هذه المؤسسات وتطوير وإحياء العمل التطوعي لدى الشباب وتعزيز التنسيق والتشبيك فيما بينها. ومن المرشح أن تلعب المؤسسات الشبابية دوراً مهماً في هذا المجال وفي زيادة مشاركة الفتيات إلى جانب العمل على توفير ميزانيات لدعم برامج الشباب التنموية من خلال إقامة مشاريع إنتاجية صغيرة تحقق لها الاستمرار في تقديم خدماتها.
رابعاً : الشباب والمؤسسات السياسية: مما لاشك فيه بأن الشباب شكلوا الوقود المحرك لمسيرة الثورة والعمل الوطني الفلسطيني خاصة في أطر الحركة الوطنية السياسية على اختلاف تلاوينها الفكرية ،ولكن المأساة بأن الوطن العربي عامة و فلسطين خاصة قد دخلت إلى القرن الحادي والعشرين وهي محملة بأزمات ثلاثة لم تنجزها، أولها:القضية الفلسطينية، وثانيها: أزمة الديمقراطية، والثالثة: الاستقلال الاقتصادي والسوق العربية المشتركة. فالأحزاب السياسية الفلسطينية المتنوعة التي خاضت صراعاً مع الاحتلال الصهيوني بهدف تحقيق الحرية والمساواة والديمقراطية وبرغم عدم توحدها وطغيان بعض التناقضات الثانوية على عملها. إن المرحلة التاريخية التي مرت بها المؤسسات السياسية في الأعوام 48،67،73،87،93 وما رافقها من تغيرات وظروف تاريخية وسياسية والتي أدت في نهاية المطاف إلى انعكاس ذلك على الشباب وآرائهم وتطلعاتهم.
فقد ظن الشباب الفلسطيني أن الحلم قد أصبح في فترات متعددة أقرب إلى الإنجاز، لكن المأساة بدأت مع الأحلام وتتالت الهزائم والانكسارات والتي أثرت بدورها على الشباب وانخراطهم في العمل السياسي والأحزاب السياسية، وأضحت شعارات الحرية والوحدة والديمقراطية تشكل تناقضاً للشباب بين ما يقال وبين ما يطبق على أرض الواقع، فالنظريات في واد والتطبيق في واد آخر، الأمر الذي أوجد تناقضاً في عقول الشباب عند الحديث عن السياسة والسياسيين، كما أن استمرار منطق غياب المشاركة وطغيان الحزب الواحد والفئوية على العمل الحزبي في فلسطين، والتخبط الحادث في البرنامج السياسي الاستراتيجي والمرحلي والقمع والرقابة أدى إلى تحويل المشاركة السياسية للشباب لتنحصر في أشكال محددة نتيجة لكبر الهزائم التي لحقت بنا وبمشروعنا الوطني، ولعدم وضوح الخيار السياسي للشباب. لذلك لابد من ضرورة مشاركة الشباب في المؤسسات والأحزاب السياسية على أن يأخذوا دوراً واضحاً يرتبط بقضايا التحرر الوطني والاجتماعي وصولاً إلى المجتمع الحر الديمقراطي المدني في فلسطين عبر إتاحة الفرصة لهم للتأثير في صنع القرار أو صناعة القرار برغم كل المعيقات التي تقف سداً منيعاً أمام ذلك، لأن المستقبل للشباب والحركة الشبابية التي لابد أن تولى الأهمية لها كونها مرشحة لأن تلعب دوراً طليعياَ في هذا المضمار التحرري الوطني والديمقراطي والاجتماعي منذ الآن.
خامساً : الشباب والعمل: إن الواقع المهني الراهن للشباب في مجتمعنا الفلسطيني بكل مرارته يكشف عن الكثير من الحقائق فعدد كبير من الشباب يعملون في السوق الإسرائيلي، ومنهم من يعمل في أجهزة السلطة وعدد آخر من الشباب في الجامعات أو مقبل على العمل. وتؤكد نتائج الدراسات المحلية التي أجريت في الآونة الأخيرة بأن أعداد العاطلين عن العمل ومؤشر البطالة في ازدياد مستمر وخاصة في صفوف الشباب، حيث يزداد الاختلال يومياً بين العرض والطلب، وما يحصل اليوم من علاجات لمشكلة البطالة هو عبارة عن تأجيل لها فقط، فسوق العمل الفلسطيني يستوعب سنوياً ما بين خمسة آلاف إلى سبعة آلاف فرصة عمل فقط ونجد أن أكثر من 60% من العاطلين عن العمل دون الثلاثين من العمر أكثر من 56% من العاطلين عن العمل هم من حملة البكالوريوس حسب دراسة وزارة العمل عام 99. وأسباب هذه المشكلة و تأثيراتها على الشباب واضحة للعيان فالاقتصاد الفلسطيني لا يزال تابعاً اقتصادياً للاحتلال الإسرائيلي، والخطط التنموية الإستراتيجية غائبة ناهيك عن ضعف الموارد الاقتصادية في فلسطين وزيادة معدل النمو السكاني وتراجع الاستثمار في فلسطين وعدم ربط التعليم بحاجات المجتمع وعدم التوجه نحو التعليم المهني. من هنا فإنه من الضروري الشروع في عملية تخطيط شاملة للوضع الاقتصادي في فلسطين بعد دراسة الاحتياجات للمجتمع الفلسطيني ووضع برامج للإرشاد المهني والتدريب المهني للشباب، ويجب على الفاعلين الاجتماعيين مؤسسات وأفراد العمل على مرافقة الشباب لتمكينهم من الاختيار والمشاركة في رسم مستقبلهم، والعمل على زيادة رقعة المشاركة في المؤسسات الشبابية وبرامجها الإرشادية وتفعيل مشاركة الشباب في اختيار مستقبلهم والعمل على تبني مبادرات الشباب وتشجيع الحوار بين الأجيال.
إن انعدام أو شح فرص العمل للشباب سيؤدى حتماً إلى الإحباط والعزلة لديهم والذكور تحديداً أكثر عرضة للتأثر من البنات كون الفتيات قد تتم تهيئتهن اجتماعياً منذ الصغر إلى أن يكن صالحات للزواج في الغالب، مع هذا فللصورة وجه آخر حيث يشكل الشباب الفئة الاجتماعية الأكثر استعداداً لتبنى كل أنواع المثاليات الثورية وهم القوة الرئيسة المحركة لعملية النضال الفلسطيني برغم أنهم قد لا يفلتون من عمليات فرض التبعية التي تمارسها الأحزاب والمنظمات الشبابية. مع هذا كله فهناك تناقضات يشهدها مجتمعنا في هذه القضية مثلاً الموقف من عمل المرأة، وكثرة الأزواج الذين لا يسمحون لزوجاتهم بالانخراط في العمل الأمر الذي يؤدى إلى استمرار الصورة النمطية للمرأة.
خاتمة: إن نقص الدراسات والمقالات والمراجع التي تتناول موضوعات الشباب سواء على الصعيد الفلسطيني والعربي يشير إلى قلة الاهتمام بالشباب ودورهم في عملية التغيير الاجتماعي والوطني، الأمر الذي يتطلب من الجميع العمل على إيجاد دراسات شبابية متخصصة للشباب تقوم على معرفة توجهاتهم واحتياجاتهم وما يفكرون به لمستقبلهم لتوضيح النموذج السياسي وأيديولوجيته، ولإيجاد فرص عمل تتماشى مع الإمكانات المتوفرة من القوى البشرية ووضع ضوابط تساعد على التكيف مع الفرد والمجتمع إلى جانب ضرورة عمل دراسات وأبحاث تثقيفية حول الدور الاجتماعي المأمول منهم. ونخلص بأن جملة الأنظمة المتعامل بها في مجتمعنا وتحديداً الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية متناقضة بحكم عوامل ذاتية وموضوعية متعددة تعكس نفسها على الشباب في ندرة فرص العمل المتاحة لهم نتيجة للأسباب سالفة الذكر والتي أهمها الحصار وقيود الحرية الاجتماعية والشروط التي تحد التبادل التجاري والافتقار إلى بدائل محددة للشباب ومن أبرزها: الهجرة للخارج والعمل في اقتصاديات الاحتلال والخروج المبكر لسوق العمل وتزايد قيم القناعة والرضي والتخلي عن روح العصرية إلى جانب زيادة نزعة الاستهلاك، مما لاشك فيه بأن عدم تلبية الاحتياجات الأساسية للشباب في مجال العمل والمسكن لها تأثيرات جانبية اجتماعية سلبية على الشباب، تظهر في زيادة الإحباط والعنف المخدرات وعدم الاستقرار لدى الشباب الذي بالضرورة سيؤثر على الشباب ومستقبلهم ومستقبل المجتمع الفلسطيني، إذا ما أضافت إلى ذلك كله مشكلة عدم تكافؤ الفرص و المحسوبية والفساد وغيرها وتأثيراته وسيؤكد أن الشباب ليسوا المرضى وإنما هم انعكاس لحالة مرض المجتمع الفلسطيني. واختتم ورقة العمل بالإشارة إلى بعض الملاحظات التي ينبغي الانتباه إليها وتشمل: لا يمكن الحديث عن الشباب الفلسطيني ككتلة واحدة في ضوء انعكاسات الواقع الفلسطيني المرتبطة بالتهجير القرى والشتات والمكانة الاقتصادية والطبقية والانتماءات السياسية وآليات الوضع الاجتماعي. الظروف النوعية التي يتميز بها المجتمع الفلسطيني عن سواه. ارتباط قضايا الشباب الفلسطيني بقضايا كبرى أهمها العولمة والتحرر الوطني، والمجتمع المدني، والتبعية ، وثقافة السلام والتطبيع، والعنف ، وعدم انفصال هذه القضايا أفقياً حسب النوع وحسب حوار الأجيال.
إن القرن الحادي والعشرين الذي نفهمه بأنه قرن الحريات والديمقراطية والتنمية والاتصالات والعولمة والهيمنة الأمريكية يدفعنا للتساؤل كل مرة : أين نحن وشبابنا من هذا إلى جانب أين دور ومكانة الشباب في صناعة القرار السياسي الفلسطيني والمجتمعي ؟ وما دورهم في ظل انتفاضة الأقصى على صعيد التحرر الوطني والبناء الديمقراطي ؟ وما هو مستقبلهم ودورهم اتجاه هذه القضايا ؟
#صلاح_عبد_العاطي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تقرير اخباري عن مؤتمر التضامن مع الشعب الفلسطيني بالسويد
المزيد.....
-
مزارع يجد نفسه بمواجهة نمر سيبيري عدائي.. شاهد مصيره وما فعل
...
-
متأثرا وحابسا دموعه.. السيسي يرد على نصيحة -هون على نفسك- بح
...
-
الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف على أطراف م
...
-
السيسي يطلب نصيحة من متحدث الجيش المصري
-
مذكرات الجنائية الدولية: -حضيض أخلاقي لإسرائيل- – هآرتس
-
فرض طوق أمني حول السفارة الأمريكية في لندن والشرطة تنفذ تفجي
...
-
الكرملين: رسالة بوتين للغرب الليلة الماضية مفادها أن أي قرار
...
-
لندن وباريس تتعهدان بمواصلة دعم أوكرانيا رغم ضربة -أوريشنيك-
...
-
-الذعر- يخيم على الصفحات الأولى للصحف الغربية
-
بيان تضامني: من أجل إطلاق سراح الناشط إسماعيل الغزاوي
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|