أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الإله إصباح - علاقة التلازم بين الديمقراطية والعلمانية















المزيد.....

علاقة التلازم بين الديمقراطية والعلمانية


عبد الإله إصباح

الحوار المتمدن-العدد: 3173 - 2010 / 11 / 2 - 07:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


علاقة التلازم بين الديمقراطية والعلمانية
عبد الإله إصباح
إن القول بأن الديمقراطية والعلمانية متلازمان، يعني استحالة الحديث عن أحد المفهومين منفصلا عن الآخر. فمفهوم الديمقراطية لا يكتمل تحديده إلا بالإحالة على مفهوم العلمانية، وتحديد العلمانية يبقى مبتورا إذا لم يتم وصله بمفهوم الديمقراطية. فكل من المفهومين يشكل الإطار الضروري لتحقيق وتجسيد الآخر في الواقع والممارسة. فإذا كانت الديمقراطية تعني في التعريف الشائع، حكم الشعب نفسه بنفسه، فإنه لا معنى لهذا الكلام إلا في إطار علماني يتم فيه فصل الدين عن الدولة، ذلك أن الحكم القائم على أسس دينية، لا يمكن أن يكون إلا استبداديا، لأن المرجعية المستند إليها شمولية إطلاقية، لا تعترف إلا بنفسها كحق وحقيقة مطلقين، وكل سلطة تستند على المطلق لن تكون إلا مطلقة.
الديمقراطية إذن، كإوالية في ممارسة السلطة، تستوجب إبعاد المرجعية الدينية بكل مفاهيمها، لأن الديمقراطية تستند على رؤية للعالم مختلفة جذريا عن الرؤية الدينية، هذه الرؤية هي العقلانية المؤسسة على الثقة في قدرات الإنسان، والحق في الاختلاف، ونسبية الحقيقة.
وعليه، فالديمقراطية ليست هي الشورى، لأن الشورى مفهوم ديني يكرس الحكم المطلق ولا يلغيه، والمبادرة فيها تكون للقابض بأمور السلطة، فهو الذي يعين هيئة الشورى، ويختار الأمور التي تتم فيها الاستشارة. فالشورى إذن مظهر من مظاهر الحكم افردي المطلق، و لا علاقة لها بالديمقراطية.
غير أنه لا ينبغي الاعتقاد بأن كل حكم لا يقوم على أسس دينية هو حكم بالضرورة علماني، وبالتالي ديمقراطي. فهناك العديد من أنظمة الحكم قامت وتقوم على أسس غير دينية، ومع ذلك فإنها ليست علمانية ديمقراطية. وتكفي الإشارة إلى بعض أنظمة الحكم في إفريقيا أو أمريكا اللاتينية، أو نظام الحكم بتونس في عهد بورقيبة، فكل هذه الأنظمة قامت على أسس غير دينية، ومع ذلك فإنها أبعد ما تكون عن الديمقراطية والعلمانية.
أن العلمانية كما نتصورها، لا تتحقق إلا مع الديمقراطية، التي بدورها لا تتحقق إلا مع العلمانية. فكل منهما يستوجب الآخر ويستلزمه. لذلك، فإن نظام الحكم لكي يكون علمانيا ينبغي أن يكون ديمقراطيا، ولكي يكون ديمقراطيا، ينبغي أن يكون علمانيا.
والقول بضرورة العلمانية، لا يعني إلغاء الدين من المجتمع، ولكن مناهضة استغلال الدين في الصراعات السياسية، واستثماره في إضفاء الشرعية على سلطة استبدادية، أو تبرير ممارسات منافية للديمقراطية.
إن كل الإجراءات التي هدفت في الاتحاد السوفياتي سابقا، أو أوروبا الشرقية، إلى إلغاء الدين من حياة الناس قد باءت بالفشل، لأن الدين كجزء من البنية الفوقية يتمتع باستقلالية، وإن تكن نسبية، تجعله مستمرا في الوجود حتى بعد القضاء على البنية التحتية أو الشروط العامة التي أفرزته . وكل موقف يتجاهل هذه الحقيقة، هو موقف مثالي غير جدلي، ينم عن عدم فهم العلاقة الجدلية المعقدة بين البنية التحتية والبنية الفوقية للمجتمع. إن ما كان سائدا في هذه الدول إزاء الدين، لا يمكن اعتباره علمانية، بل علمانوية سعت إلى تعميم موقف نخبة معينة على جميع أفراد وفئات المجتمع، الأمر الذي نتج عنه وضع غير ديمقراطي، حرم الأفراد حقا من حقوق الإنسان.
وإذ نرفض الموقف العلمانوي، فإننا نرفض أيضا الموقف الأصولي الذي يسعى إلى فرض الدين والتدين بالقوة والإكراه، وإقامة سلطة دينية تجرم وتكفر كل من يعارضها على أساس أنها تجسد بحكمها " الإرادة الإلهية " .
إن الاحترام الحقيقي والفعلي للدين، لا يكون إلا باعتباره مسألة شخصية،لا يحق لأية جهة أن تتدخل فيه بالفرض والإكراه، فأن يؤمن الفرد أو لا يؤمن، ذلك شأنه وحقه ولا دخل لأي كان في هذا الشأن والحق. وتقييمنا لنظم الحكم ينبغي أن يأخذ هذه النقطة بعين الاعتبار، أي مدى احترامها لحرية المعتقد.
والمطلع على المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، يكتشف بسهولة خلفيتها العلمانية، ولاشك أن طابعها الديمقراطي ناتج عن هذه الخلفية، فهي تقر بحرية الدين والمعتقد كيفما كان نوعهما. بل إن الدراسة المتعلقة بالتمييز في موضوع الحقوق والممارسات الدينية الصادرة عن الأمم المتحدة، تشير إلى أن مفهوم الدين أو المعتقد، يشمل في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى شتى العقائد الإلهية، معتقدات أخرى مثل الغنوصية والزندقة بمعناها الثقافي، والإلحاد والعقلانية. ( القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين والمعتقد، منشورات الأمم المتحدة، سلسلة الدراسات المتعلقة بالحملة العالمية من أجل حقوق الإنسان ص : 3 )
والعلمانية وحدها كرؤية وإطار تسمح وتقبل بهذا كله. إن خلق عمق فكري واجتماعي بهذا المنظور، ثم مأسسته ودسترته لأمر يفرض نفسه إن كنا فعلا نريد ترسيخ مجتمع علماني ديمقراطي، ليس فيه من المقدسات إلا حقوق الإنسان.
وتتضح ضرورة العلمانية في المجتمعات المتعددة الأديان، كلبنان ومصر والسودان وجنوب إفريقيا، فهذه البلدان لا يمكن أن تعرف الاستقرار إلا في إطار حكم علماني ديمقراطي، يتموضع فيه الأفراد على أساس المواطنة وليس على أساس العقيدة، ومن ثم يصبحون متساوين في الحقوق والواجبات. وغير هذا النهج في نظام الحكم، لن يؤدي إلا إلى الاستبداد والطائفية والحرب الأهلية.
وحتى في البلدان التي يهيمن فيها دين معين، أو لا تعرف تعدد الأديان،فإن إقرار الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان لا يمكن أن يتم في ظل نظام تيوقراطي، لأن مفهوم حقوق الإنسان مرتبط برؤية غير دينية، تأسست على مناهضة مفهوم الحق الإلهي الذي كان أساس مشروعية الحكم في القرون الوسطى الإقطاعية، إذ كان الحاكم يعتبر نفسه مفوضا من الإله لحكم مجموعة بشرية معينة، التي ما عليها إلا طاعته والخضوع له، وإلا اعتبرت خارجة عن الحدود الإلهية. وقد كان هذا التصور معمولا به في الدولة الإسلامية، حيث كان يتم اعتبار الحاكم خليفة الله في الأرض، لا تجوز معارضته أو الخروج عليه، وكل من سعى إلى ذلك، سمي زنديقا أو مارقا أو منتهكا حدود الله.
إلا أنه مع ظهور الطبقة البورجوازية، وفي المرحلة التي كانت فيها هذه الطبقة ذات نزوع ثوري، بدأت التصورات الدينية للعالم وللعلاقات الاجتماعية، تتلقى ضربات موجعة من جراء التطورات العلمية التي كشفت عن مغالطات ظلت سائدة لأمد بعيد. وهكذا شكلت اكتشافات جاليلو العلمية، التدشين الملموس للعصر الحديث برؤاه العقلانية وقطيعته مع الكنيسة والقرون الوسطى. كما كان لفلاسفة الأنوار في القرن الثامن عشر الفضل في ترسيخ تصورات جديدة لعلاقة الحكام بالمحكومين، تحددت في مفهوم الحق الطبيعي، القائم على أنقاض الحق الإلهي. كما كان لهم الفضل في إزاحة الدين عن المركز الذي كان له في المجتمع من قبل، وتكريس نزعة علمية وعقلانية على نطاق واسع.
وفي خضم هذا النضال الفكري والإيديولجي، وبموازاة مع صراع طبقي مرير ضد الإقطاع، تبلور مفهوم جديد للإنسان يقوم على اعتبار هذا الأخير قيمة في حد ذاته، بغض النظر عن أصله ولونه ومعتقده، والثقة في قدراته على اكتشاف قوانين الطبيعة والتحكم فيها. ومن ثم النظر إلى الإنسان على أنه سيد مصيره، يتميز عن باقي الكائنات بميزة خاصة، هي ميزة العقل. فكان الإعلاء من شأن العقل هو عنوان العصر الحديث.
إن اعتبار الإنسان قيمة في حد ذاته، أدى إلى الإقرار بأن لهذا الإنسان حقوق تولد معه، بل تحدد هويته كإنسان. فإذا حرم منها، مس في إنسانيته التي تعتبر فارغة المحتوى بدون هذه الحقوق. ولهذا فعبارة الحق الطبيعي، تحيل إلى مصدر هذه الحقوق، إنها ليست هبة من إله أو حاكم، إنها نابعة من الإنسان نفسه، بها تتحدد طبيعته كإنسان، ولا يمكن أن يكون الإنسان إنسانا إلا بهذه الحقوق.
إن هذه الحقوق، بجانب خاصية اللغة والعقل، هي ما يحدد إنسانية الإنسان ويميزه عن باقي الكائنات.
هذا التصور لم يكن ممكنا إلا بالقضاء على سلطة الدين والكنيسة، واعتبار التدين مسألة شخصية، لا يمكن أخذها كمعيار في النظر إلى الإنسان. وبعبارة أخرى، هذا التصور مدين لانتصار العلمانية في المجتمع. إنه إذن تصور علماني بامتياز، يدخل في خانة المكاسب التي حققتها الإنسانية عبر نضالها الطويل ضد الظلم والطغيان والاستبداد.
وكم يبدو مستغربا أن يبرر بعض المفكرين العرب المدافعين عن العقلانية، رفضهم للعلمانية بدعوى أنها لا تتلاءم مع خصوصيتنا، ثم لا يلاحظون أنهم يتناقضون مع أنفسهم، إذ كيف تستقيم الدعوة إلى العقلانية مع رفض العلمانية؟ أليست العقلانية والعلمانية وجهان لعملة واحدة ؟ فلكي تزدهر العقلانية، لابد لها من إطار علماني، ولكي تسود العلمانية لابد لها من مناخ عقلاني.
إن رفض العلمانية بدعوى الخصوصية، هو رفض لمكتسب من المكتسبات التي ناضلت الإنسانية، وقدمت في سبيلها تضحيات جسام. إنه رفض لأحدى الدعائم التي تقوم عليها الحداثة ويتميز بها العصر الحديث.
لا خيار أمامنا إذن، إما العلمانية أو الظلامية .



#عبد_الإله_إصباح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تمفصلات الحقوقي والسياسي في مسألة العلمانية


المزيد.....




- القائد العام لحرس الثورة الاسلامية: قطعا سننتقم من -إسرائيل- ...
- مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
- ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح ...
- أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الإله إصباح - علاقة التلازم بين الديمقراطية والعلمانية