|
أزمة الشركات الأميركية ومستقبل الرأسمالية
ميخائيل عوض
الحوار المتمدن-العدد: 206 - 2002 / 7 / 31 - 16:55
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
تسارعت بشكل غير مسبوق، الانهيارات المتتالية للشركات الأميركية العملاقة، في قطاعات الطاقة، تدقيق الحسابات، الاتصالات، والهاي تكنولوجي، النقل، الادوية، فسرعت بتراجع اسعار الدولار امام العملات وتقدم اليورو بسرعة مذهلة، وبدأت عمليات هروب المستثمرين والدائنين من الاسواق الاميركية، وأخذت اميركا تفقد احد اهم وسائلها للسيطرة على اقتصادات العالم والتحكم بالحركة المالية. يصف باتريك سيل الازمة على انها مقدمات لأزمة افلاس كالتي شهدتها اميركا عام 1929، يؤيده في ذلك الكثير من الخبراء والباحثين، فالازمة تصيب الاميركيين بأغلبيتهم الساحقة اذ ان 50% من الاميركيين يحملون اسهماً ويتعاملون بالبورصة. وقد أدلى صندوق النقد الدولي بدلوه حيث قال <<اميركا بحاجة الى دروس في الرأسمالية>> ومثله فعل المستشار الالماني بقوله <<الرأسمالية الاميركية اثبتت فشلها وتأكد ان الرأسمالية الاوروبية الاجتماعية هي الاقدر على الحياة>> في حين جاء وصف معلق <<نيويورك تايمز>> فضيحة انرون وقبل ان تتكشف الفضائح الجديدة بالقول: (ان الفضيحة يمكن ان تغير كل شيء بما فيه المستقبل السياسي لاميركا؟ والسبب ان هذه الفضيحة في عناصرها وخيوطها تجمع كل شيء: السياسة والاقتصاد والاخلاق وتكشف عن امبراطورية للشر عصرية، وقادرة على ارهاب الافراد والحكومات، وكسر جميع القواعد كي تبقى قمة الهرم فيها متربعة على ثروات تزداد مساحتها يوما بعد يوم في اربع زوايا الارض، والاميركي اول ضحاياها. فالأزمة بمقدار ما تطال المستثمرين والمضاربين وحاملي الاسهم من غير الاميركيين تطال الاميركيين أنفسهم من أبناء الطبقات الوسطى والصغيرة وأخذت الازمة تنعكس في التكوين والتركيب الاجتماعي للمجتمع الاميركي ذاته، وفي اتجاهات الرأي. فبحسب استطلاع نشرته مجلة <<نيوزويك>> ورداً على سؤال حول الوضع في البلاد، انقسم الاميركيون بشكل متساوٍ، اذ اعتبر 46 في المائة منهم انهم راضون عن الوضع مقابل نسبة مماثلة اعلنت انها غير راضية، وكانت هذه النسب على التوالي 55% مقابل 35% بعد 11 ايلول. تتميز الازمة الحالية عن سابقاتها التي عرفها الاقتصاد الرأسمالي في مراحله التاريخية منذ القرن السادس عشر بأن تلك الازمات كانت تجد سبلاً لتهريبها. فمع اكتشاف العالم الجديد جددت الرأسمالية نفسها وخرجت من أزماتها، وفي القرن الثامن عشر شكلت الحروب الدينية البيئية المناسبة لإعادة تشكيل الاقتصاد الرأسمالي، وفي نهاية القرن التاسع عشر والنصف الاول من القرن العشرين عولجت الازمات بافتعال الحروب العالمية وإعادة تقسيم المستعمرات وهيكلة الاقتصاد العالمي، وفي النصف الثاني من القرن الماضي، حلت مشكلات الرأسمالية وتجاوزت ازماتها الدورية، عبر الحرب الباردة والثورات التكنولوجية المتتالية والاتصالات، والتحول بقواعد وعناصر الاقتصاد الرأسمالي من الاقتصاد التقليدي الثقيل، الى اقتصاد المعرفة، والمال، والعولمة، واستثمرت سقوط الاشتراكية وما نتج عنها، من اسواق جديدة وثروات وقدرات بشرية علمية خلاقة ورخيصة الأجر. اما في القرن الحادي والعشرين وبازاء الازمة الحالية، فتبدو الامور مسدودة الافق. فبعدما شهد الاقتصاد تطورات انفجارية لجهة ادخال التقنيات المتطورة، وزيادة القدرة الهائلة على الانتاج، كما ونوعا، وتركيز فاعلياته وأنشطته الاكثر جدوى في اقتصاد المعرفة (الانسان أثمن رأس مال) دخلت التشكيلة الرأسمالية مرة اخرى في صراع حاد بين قوى الانتاج الصاعدة التي تولّدت في خدمة الاستثمارات الرأسمالية (الانسان وحاجاته، وقدراته العقلية الابداعية)، والاقلية المسيطرة على وسائل الانتاج والثروة، ومع تمركز الثروة العالمية بيد الاقلية القليلة، 20% يملكون 80% من الثروات، بينما ال 80% يعتاشون على ال 20% تتأسس حقيقة ان الاقتصاد الرأسمالي دخل مرحلة ركود، وانكماش بسبب الفيض في الانتاج والاشباع في الاسواق مع انهيار القدرة الشرائية لعموم المستهلكين، وفي ظل قوانين العولمة ومنظمة التجارة العالمية وسهولة انسياب المال والسلع، وتصاعد المنافسة، بات من غير الممكن تجاوز الازمة الراهنة، عبر تحديث في قواعد ونظريات الاقتصاد الرأسمالي. فقد بدأت الازمة قبل عام من احداث 11 ايلول في اميركا وقبل اثنتي عشرة سنة في اليابان، طاولت اقتصاد روسيا ودول آسيان، والمكسيك، وضربت العاصفة في الارجنتين وتتحفز للضرب في الاوروغواي والبرازيل وتشيلي، وتركيا ومصر والكيان الصهيوني، مما يعني ان السمة الاساسية للازمة انها كونية عالمية، تطال الاقتصاد الرأسمالي في مركزه القائد وفي فروعه وأطرافه. فكيف سيحل هذا التناقض وكيف ستخرج الرأسمالية من ازماتها؟ في الواقع ان الاقتصاد الرأسمالي يعاني من ازمة التشكيلة الانتاجية والاجتماعية، بعدما جرّبت الحلول واستنفذت على مدى اربعة قرون، ولم تعد امامه فرص ممكنة اقله في المدى المنظور. واذا كانت الازمات السابقة انتجت تجارب كومونة باريس والتجربة البلشفية من 1917 حتى 1991، وما زالت الصين تمثل قوة صاعدة بتشكيلتها الاقتصادية المختلفة وكوبا وكوريا ما زالت صامدتين فمعنى ذلك اننا امام ارهاصات بما ستكون عليه الامور، وربما تكون الازمات الحالية بمثابة استحضار لحاجات الارتقاء والتطور في الحياة الانسانية على الكرة الارضية. () كاتب لبناني
جريدة السفير
#ميخائيل_عوض (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قرار الجنائية الدولية.. كيف يمكن لواشنطن مساعدة إسرائيل
-
زيلينسكي يقرّر سحب الأوسمة الوطنية من داعمي روسيا ويكشف تفاص
...
-
إسبانيا: السيارات المكدسة في شوارع فالنسيا تهدد التعافي بعد
...
-
تقارير: طالبان تسحب سفيرها وقنصلها العام من ألمانيا
-
لبنانيون يفضلون العودة من سوريا رغم المخاطر - ما السبب؟
-
الدوري الألماني: ثلاثية كين تهدي بايرن الفوز على أوغسبورغ
-
لحظة سقوط صاروخ إسرائيلي على مبنى سكني وتدميره في الضاحية ال
...
-
سلسلة غارات جديدة على الضاحية الجنوبية في بيروت (فيديو)
-
مصدر مقرب من نبيه بري لـRT: هوكشتاين نقل أجواء إيجابية حول م
...
-
فريق ترامب الانتقالي: تعليق القضية المرفوعة ضد الرئيس المنتخ
...
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|