|
دين التقدم
محمد شرينة
الحوار المتمدن-العدد: 3170 - 2010 / 10 / 30 - 11:01
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الايمان بالحرية كمبدأ لا يعلو عليه مبدأ هو الدين القويم. التقدم ليس إلا النتيجة المتأتية من الايمان بالحرية، ذلك الايمان الذي ككل ايمان غير قابل ولا هو محتاج للتبرير لأنه قطعا غير قابل للنفي والتفنيد. فكل ايمان هو حب والحب ليس له منطلق ومستقر، وسيلة وغاية‘ فهو غاية ذاته. على هذا الدين قام التقدم في كل زمان. في خاتمة رواية الحرب والسلام يكتب تولستوي مثبتا ان الانسان ليس حر؛ بمعنى أن الأحداث هي التي تسير حياته وتصنع تاريخه ويشرح ذلك بما معناه: لا يوجد اي شيء يدل على أننا أحرار نصنع قدرنا سوى شعورنا بذلك ولكننا نشعر أن الأرض ثابتة؛ فهل نصدق ذلك وننفي دوران الأرض؟ يتابع قائلا أن أجيال من البشر صدقت شعورها ونفت دوران الأرض ثم عاد الناس إلى الصواب معترفين بدورانها وان هذا ما يجب ان يحصل مع الناس فهم قد صدقوا لزمن طويل شعورهم بحرية ذواتهم الذي هو تماما كشعورهم بثبات الأرض؛ زائف. هذه الرؤيا تؤيدها الحتمية العلمية والكثير الكثير من المنطق. لذلك آمن كثير من الروس بها فقادتهم بعيدا عن التقدم. والعربي كان وما يزال مؤمنا بها ومعروف إلى أين قادته وتقوده. لقد سهل هذا الايمان على الروسي الايمان الذي تلاه؛ الايمان بالحتمية التاريخية والتي ليست في المحصلة إلا عقيدة تجزم بأن البشر صائرين إلى التقدم والرفاه لا محالة ومهما حدث. وبالتالي فمادام مصير التاريخ محسوم وهو صائر حتما إلى خلق جنة للناس على الأرض فما الحاجة إلى العناء واليقظة. الغربي يؤمن انه حر لأنه يريد ان يظل حرا لا لأن التاريخ او الله يضمنان له ذلك. لا تولستوي ولا الحتمية العلمية ولا الكثير من المنطق كان قادرا على ان يقنع الأميركي أو الانكليزي والغربي عموما بأنه ليس هو الذي يتحكم بقدره. لأنه مؤمن بأنه حر وهذا قاده إلى التقدم كما فعل نفس الايمان بالعربي عندما كان يتبنى فكر المعتزلة أيام مجد العرب. قبل العلم لأن العلم فعلا يمكن أن يقول بالحتمية التي تقود إلى انعدام حرية الانسان. وقبل الأدب الذي يقول احد أعظم عظمائه - تولستوي – المقولة السابقة. وقبل المنطق الذي تبرر كثير من تراكيبه انعدام حرية الانسان: يؤمن الغربي بأنه حر فيمضي قدما ناظرا إلى الأعلى والأمام ويوم يهتز إيمانه ذلك لأي سبب سيضطر إلى النظر تحت قدميه فيعثر ويترنح. انه يؤمن بأنه حر بشكل أولي لا عقلاني، إن إيمانه بحريته ككل حب او ايمان يعلو حتى على العقل. فللغرب دينه اللاعقلاني ككل الأديان وأم كتابه تقول: الحمد لله واهب الحرية ، الحر رب الأحرار. يحتاج الغرب الله أو لا يحتاجه فهو ينفيه إذا هدد حريته ويحتاجه فقط من أجل تعزيز حريته. الغربي يحب الحرية وكفى، وعيش المرء محروما مما يحب أَمَرُ من الموت لذلك هو يموت ولا يُستعبد. الحرية متعبة مضنية لكن عناؤها ألذ الأشياء طعما للحر. انه كلذة المغامرة بالنسبة للمغامر. وقديما قال أبو حامد(الغزالي) ان الطفل الذي لم يبلغ لا يعرف لذة الجماع لذلك هو لا يهتم به. والشعوب التي لم تبلغ الحلم أيضا لا تعرف لذة الحرية لذلك هي لا تهتم بها. نحن في الشرق مثلهم في الغرب نحتاج الله أو لا نحتاجه: فنحن لا نحتاج الله يوم نجد سيدا نستظل به فإذا غابت المظلات وعز السادة استظلينا بالسماء، والغريب أن السماء لا ظل لها. إذا: هل يحب الشرقي العبودية؟ هذا قول صعب واتهام منكر. لا أظن الأمر كذلك. هو يخاف الحرية وبالتالي من الطبيعي ان يكرهها. ولكن هل يخاف الانسان ما ينفعه؟ نعم يخاف؛ أنظر كيف تخاف المرأة الشرقية من الرجل رغم رغبتها فيه بل حتى الرجل الشرقي يخاف الأنثى التي يحتاجها بشدة، يخافها لحد أنه يريد ان ينفيها من الوجود، أليس تحجيب النساء وعزلهن نفي تام لهن؟! ليس مهما أي دين يتدين الانسان، المهم أن يكون حرا والحر هو من يؤمن بأنه هو المسئول عن مصير ذاته بل عن مصير العالم. المسلم الذي يعتقد كما فعل المعتزلة أنه مسئول عن مصيره يفلح بينما لا يفلح الماركسي الذي يعتقد بالحتمية التاريخية التي تعني فيما تعنيه حتمية انتصار الضعفاء: إذا كان التاريخ له نهاية حتمية ببلوغها تنحل مشاكل البشرية فلننتظر ولنترك التاريخ يفعل فعله. أما الاعتراض على الفقرة السابقة بالقول إنما يفعل التاريخ من خلالنا فهو كاعتراض المسلم المستسلم للقدر الذي يقول إنما يفعل الله من خلالنا ونحن في الحالتين ننتظر التاريخ أو الله حتى يحركانا. الحرية هي ان نفعل نحن لأننا نريد أن نفعل لا أن يفعل أحد من خلالنا. قديما قالوا لا تنفع مع الكفر طاعة. ولن تنفع مع العبودية التي تتجلى بالاعتماد على القدر فضيلة.
#محمد_شرينة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإعجاز بين الفهم واللافهم
-
الإله كصديق
-
تحول أسلوب السلطة في الإسلام بعد فتح مكة وتأثيره على الإسلام
-
سأغفر لله
-
قيمة الدين بشكله القديم
-
السقوط
-
هل هناك عقلانية زائدة؟
-
الأشراف والتهجين
-
الايمان الأصيل والإلحاد وجهان لحالة واحدة
-
رب شرير أم إسلام قديم؟
-
الرغبة والفكر
-
حلم مزعج وحذاء
-
لماذا يغيب الابداع والاختراع في العالم العربي؟ ( الإلحاد كحا
...
-
أسأل نفسي، متى مت؟
-
القاعدة السمائية الثالثة
-
سماء وصدر
-
الزواج والاحتشام عند البشر والحيوانات
-
نظام الإدارة والتقويم في القرآن
-
المدلى من فرج الزمان
-
النسيان كعلاج
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|