|
العراق : الصحافة وحرية التعبير..!
باقر الفضلي
الحوار المتمدن-العدد: 3169 - 2010 / 10 / 29 - 22:45
المحور:
المجتمع المدني
"إذا كان كل البشر يمتلكون رأيا واحدا وكان هناك شخص واحد فقط يملك رأيا مخالفا فان إسكات هذا الشخص الوحيد لا يختلف عن قيام هذا الشخص الوحيد بإسكات كل بني البشر إذا توفرت له القوة" (جون ستيوارت ميل)
من المسلمات الأساسية التي تكفلها الدولة وتعتبر من واجباتها الرئيسة، التي حددها الدستور الدائم في الباب الثاني/ الفصل الثاني/ الحريات؛ هي حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل التي نصت عليها المادة/38، الفقرة/ أولاً ، معززة بالفقرتين ثانياً وثالثاً من نفس المادة، والمتعلقتان بحرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر، وحرية الإجتماع والتظاهر السلمي، لتأتي المادة المذكور متكاملة من حيث إهدافها ووسائلها في التطبيق دون لف أو دوران، في نفس الوقت الذي رسم فيه المشرع حدود تلك الحريات وضوابطها حين إشترط لممارسة تلك الحقوق، عدم إخلالها بالنظام العام والأداب..!
ولكي يفهم المرء ما تعنيه حرية الصحافة، عليه أن يدرك في الوقت عينه، ما يقصده مفهوم (حرية التعبير) من معنى، وما يهدف اليه المشرع من وراء هذا التلازم بين حرية الصحافة وحرية التعبير؛ إذ لا معنى من الناحية التطبيقية لأي حرية للصحافة، إذا ما كانت مجردة من حرية التعبير؛ فالصحافة بمدلولها المتعارف عليه، هي وسائل للنشر ترتبط من حيث الهدف والغاية، بالمتلقي لهذا النشر، وهو في هذه الحالة الرأي العام، ويتجلى دورها الرئيس في كشف ورصد جميع الحالات ذات العلاقة بإهتمامات ومتابعة الرأي العام المذكور، بمقدار تعلقها بأنشطة وفعاليات كافة المؤسسات والإجهزة التي تصب في خدمة المجتمع والبلاد ومستقبل تطوره والأجيال القادمة من جميع النواحي؛ ومن هنا يأتي دور الصحافة الرقابي، الذي يكفله الدستور، والذي من أهم مشترطاته (حرية التعبير) و(حرية النشر) المكفولان بحماية الدستور، ورعاية وكفالة الدولة بإعتباره أحد واجباتها الدستورية، ومن هنا جاء تعريف الصحافة بكونها: ( السلطة الرابعة)..!
وكمثال على ما تقدم، وإن جاء بصورة مختصرة، يمكن أخذ ما تعرضت له صحيفة "العالم" العراقية كنموذج حي لكيفية التعامل مع حرية الصحافة وحرية التعبير، من قبل الجهات الحكومية المنوط بها أولاً وأخيراً، ضمان تطبيق النصوص الدستورية، وكفالة وتأمين الظروف المناسبة للصحافة ووسائل الإعلام، بإداء مهامها التي كفلها لها الدستور، وضمان وتأمين سلامة العاملين فيها من جمهرة الصحفيين والإعلاميين وغيرهم من الناشطين في الحقلين المذكورين...!
فمن تحصيل الحاصل، كما وليس من الغرابة بمكان، أن تقدم جريدة مثل جريدة العالم المستقلة من إلقاء الضوء، على ما وجدته يمثل إنتهاكاً صارخاً للقوانين، ويشكل أخطاراً متوقعة على حياة الناس، ويعكس تجاوزاً وهدراً للمال العام، وأن تميط اللثام عن كل خفايا الفساد المالي والإداري في أحد أهم مشاريع البناء والتشييد للبنية التحتية في مدينة البصرة، المتعلق بإنشاء (المدينة الرياضية) الحديثة، ولتنشر ما جاء في تقرير مراسليها على صفحات الجريدة، بما تمكنت من توثيقه من مصادرها الخاصة، عملاً بحرية النشر، دون أن تذهب بعيداً عن مقاصد نشر الحقيقة التي فرضها عليها واجبها الصحفي والأمانة المهنية..!(*)
ولكن الغريب في الأمر، أن يجري التعامل مع ما جاء في تقرير الجريدة المذكور بطريقة رد الفعل والإنفعال من قبل الجهة الحكومية التي عنتها المعلومات الواردة في التقرير بأي شكل من الأشكال، وهي هنا وزارة الرياضة والشباب، فما كان منها، إلا المسارعة في رفع الدعوى القضائية ضد الجريدة والمطالبة بالتعويض المادي بمبلغ خيالي يقرب من المليون دولار..!؟؟
فهل كانت الوزارة المعنية جاهلة بحدود دور ومهنة الصحافة يا ترى، أم أن ما جاء في تقرير الجريدة، من معلومات وحيثيات، ما يمكن أن يضرب على وتر حساس في شبكة أعمال الوزارة، مما كان لوقعه مفعول الصدمة التي إستتبعتها ردة الفعل السريعة وغير المتوقعة، مما دفعها اللجوء المباشر الى القضاء، حتى قبل التحري والتدقيق في صحة ما إحتواه التقرير المنشور من معلومات، ومدى مطابقته للواقع، وذلك بالعودة الى أصول المسائل ميدانياً والبحث في مصداقية ما تم نشره من تفاصيل تتعلق بالمشروع الإنشائي، والتثبت من حقيقة الإدعاءات، فإن جاءت على عكس ما تم ذكره في التقرير، فبإمكانها كجهة في الموضوع، من الرد على الجريدة بطلب تصحيح معلوماتها ومطالبتها بنشر الرد، وإن كان هناك ما يفيد الخروج على حدود النشر وما يرقى الى مستوى التشهير والإساءة والتسبب بضرر معين ومقصود، وهذا كما يبدو لم يكن بيناً في ظاهر التقرير، فأن طريق القضاء ليس موصداً أمام الوزارة في اللجوء لمقاضاة الجريدة وطلب التعويض، ولا أظن أن العاملين في الحقل الصحافي لا يدركون ذلك تماما، كما هو الأمر بالنسبة لخبراء الوزارة ومستشاريها، فهم أقرب للمعرفة بمثل هذه الأمور قبل غيرهم، فما الذي دفع بالوزارة الى اللجوء السريع الى طريق القضاء قبل التوضح والتأكد من حقيقة المعلومات بشفافية وبإتباع طرق متعارف عليها في هذا المجال..؟؟!
إن من بديهيات العمل في أية وظيفة حكومية، إدراك المرء حقيقة حجم المسؤولية التي يرتبها الموقع الوظيفي بالنسبة لشاغله، وإن من أولويات المسائل التي يجد صاحب الموقع نفسه مديناً بها للرأي العام، هي كونه دائماً مطالب بكشف حساب عن نتائج ما قد أنجزه من أعمال خلال فترة تبؤه لذلك الموقع، وعلى ضوء ذلك تجري تقييمات الشكر أو المحاسبة، وهي قاعدة ثابتة في نطاق العمل التنفيذي، مثلها قاعدة الرقابة في النطاق التشريعي، أو الرقابة المالية. ولا يخرج دور الصحافة بصفتها (السلطة الرابعة)، وكما أسلفت فيما تقدم، عن نطاق هذا الدور وفي الحدود التي أقرها الدستور..!
فما تنهض به الصحافة في هذا المضمار، يمثل في طبيعته شكلاً من أشكال الرقابة الوطنية الملزمة، وفي الحدود التي توخاها الدستور، وهو من مستلزمات الديمقراطية التي يسعى الجميع الى تثبيت أسسها في قلب المجتمع ومؤسسات الدولة.. وهذا ما ظهر جلياً فيما نشرته جريدة العالم، والذي تحول فيما بعد الى دعوى قضائية ضد الجريدة، رغم ما لإهميته التوثيقية على صعيد الرأي العام، وما تضمنه من وقائع ذات أهمية بالغة، ينبغي التدقيق في تفاصيلها بروح من المسؤولية والوطنية..!
إن كل ما يتوخاه المرء أن تبادر الوزارة المحترمة الى سحب الدعوى، لخلو التقرير الهندسي المنشور من قبل الجريدة بشكله المعلن، من كل ما يشوبه من توقعات أو إحتمالات الإساءة الشخصية، ولا يستشف منه ما يمكن أن يوحي بالتسبب في ضرر معين ومقصود، ناهيك عن كونه يدخل في إطار حرية التعبير وفي الحدود التي أكدها الدستور، مع الأمل أن لا تسجل مثل هذه الحالة، كسابقة غير محمودة في طريق حرية الصحافة في العراق، لما تمثله من تهديد وزرع للخوف في الوسط الصحفي والإعلامي في كشف الحقيقة، ومن نزوع الى كم الأفواه، وخنق فسحة الديمقراطية الجديدة على الصعيد الإعلامي..!!؟ 29/10/2010 _____________________________________________________________ (*) http://www.alaalem.com/index.php?aa=news&id22=13682
#باقر_الفضلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراق: إشكالية الوثائق السرية..!
-
العراق: الغناء محرم في بابل..!!؟
-
العراق: المشهد السياسي في مراحله ما قبل الأخيرة..!
-
منظمة التحرير: رمز وحدة الشعب الفلسطيني..!
-
العراق: الصمود المتواصل في المواقف..!
-
نتنياهو:السلام خيار صعب..!
-
نتنياهو: مواقف متناقضة..!
-
العراق: للباحثين عن حل في ضباب -التفضيل-..!!
-
فلسطين : حمى التطرف في المواقف العصيبة..!
-
العراق: المشهد السياسي والحالة الزئبقية..!
-
فلسطين: ايران وشكل الدعم والمساندة..!
-
فلسطين: من الذي يضمن النجاح..؟!
-
فلسطين: المفاوضات المباشرة غاية أم وسيلة..؟!
-
نتنياهو: هل سيحقق السلام..؟!
-
فلسطين: المفاوضات المباشرة وضرورة الموقف الموحد..!
-
العراق: تشكيل الحكومة الى أين..؟!
-
العراق: مجلس النواب يوصد الأبواب..!
-
العراق : تشكيل الحكومة والقرار/ 1936 ..!
-
العراق: الحلول الصعبة..!
-
صورعراقية معبرة تحاكي الواقع السياسي..!
المزيد.....
-
ميلانو.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يطالبون بتنفيذ مذكرة المحكم
...
-
كاميرا العالم توثّق تفاقم معاناة النازحين جرّاء أمطار وبرد ا
...
-
أمستردام تحتفل بمرور 750 عاماً: فعاليات ثقافية تبرز دور المه
...
-
أوبزرفر: اعتقال نتنياهو وغالانت اختبار خطير للمجتمع الدولي
-
-وقف الاعتقال الإداري ضد المستوطنين: فصل عنصري رسمي- - هآرتس
...
-
الأردن.. مقتل شخص واعتقال 6 في إحباط محاولتي تسلل
-
بورل: أندد بالقرار الذي اعتمده الكنيست الاسرائيلي حول وكالة
...
-
بوريل: اعتقال نتنياهو وغالانت ليس اختياريا
-
قصف الاحتلال يقتل 4 آلاف جنين وألف عينة إخصاب
-
المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|