July 28, 2002 حوار شفيق اللعبي
فخورون أن نقول إننا ساهمنا في المؤسسات التمثيلية التشريعية والمحلية دون أن نفقد أخلاقنا وروحنا ودون أن يتسرب الفساد إلى صفوفنا
إنتاج الأفكار بات من اختصاص الجامعات والمفكرين والمثقفين أما مهمة الأحزاب فهي أن تترجم هذه الأفكار في بـرامج عمل وفي سياسة يومية
مشروع التوحيد لا يبنى على أساس إيديولوجي فقط بل على قاعدة سياسية بـرنامجية
اعتمدنا نظام الكوتا (الحصص) في المؤتمر واللجنة المركزية، لنضمن لباقي الأطراف حقها في التمثيل المتوازن وحتى لا يطغى تمثيل «المنظمة» على الآخرين
حان الوقت لتحمل المشعل عني الأطر الشابة لذلك لن أكون في الأمانة العامة للحزب الجديد
عشية انعقاد المؤتمر التأسيسي لليسار الاشتراكي الموحد في الدار البيضاء أجرت الزميلة «لافي ايكونوميك» (الحياة الاقتصادية) حواراً مع الرفيق محمد بنسعيد آيت إيدر الأمين العام لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي تناول مشروع اليسار الاشتراكي الموحد والأسباب الداعية لهذه الوحدة بين أربعة مكونات من اليسار الراديكالي أحدها منظمة العمل. وكذا الأسباب الكامنة وراء عدم انخراط النهج الديمقراطي وحزب الطليعة في مشروع الوحدة هذا. كما تناول الحوار قضايا أخرى تتعلق بالآليات التي اعتمدت لإنجاح المؤتمر.
نظراً لأهمية الحوار الذي حضره إلى جانب الرفيق بنسعيد الرفيقان المصطفى بو عزيز نائب الأمين العام ومصطفى مفتاح عضو المكتب السياسي لمنظمة العمل نعيد نشره هنا مترجماً إلى العربية نقلاً عن «العمل الديمقراطي» (4 ـ 7 ـ 2002) تعميماً للفائدة.
ستعقد منظمة العمل الديمقراطي يومي 28 و29 حزيران مؤتمراً استثنائياً لأخذ قرار بشأن حلها، والانصهار في اليسار الاشتراكي الموحد المقرر لمنتصف شهر يوليو.. كيف تشرحون هذا المسار؟
بما أن السياسة تكره الفراغ، فإن مؤتمرنا الاستثنائي سيتخذ قرار حل منظمة العمل الديمقراطي، ولكن الإعلان عن ذلك لن يتم إلا بعد التأسيس القانوني لحزب اليسار الاشتراكي الموحد، وسيصادق هذا المؤتمر على مشروع الاندماج مع ثلاثة مكونات أخرى لليسار الراديكالي (الحركة من اجل الديمقراطية، حركة الديمقراطيين المستقلين والفعاليات اليسارية المستقلة).
إنه عمل رائد ومجدد في الحياة السياسية الوطنية، بما أنه يعاكس الاتجاه السائد، تجاه الانقسامات والانشطارات في الأحزاب السياسية ويفتتح اتجاه التوحد. إن هذه المبادرة التي لها قيمة النموذج، تستحق بذل كل الجهود الضرورية حتى نضمن لها أفضل حظوظ النجاح.
إن هذا الاندماج تتويج لفعل سياسي خاص بمنظمة العمل. إن المنظمة ساهمت منذ بداية سنوات الثمانينات، وادخل الكتلة (منذ 1992) في التغيرات السياسية التي عرفها البلد: التقدم فيما يتعلق بالمواطنة وحرية التعبير والحريات العامة بصفة عامة، إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعودة المنفيين.
وقد تمكنت المنظمة من لعب هذا الدور رغم الصعوبات التي عاشتها والضربات الصعبة التي تلقتها.. الشيء الذي منعها من التوفر على قاعدة شعبية أهم من التي تتوفر عليها الآن.
لماذا استبعد مشروع اليسار الاشتراكي الموحد مكونين من اليسار الراديكالي، وهما النهج الديمقراطي والطليعة
لم يتم استبعاد هذين المكونين من مشروعنا، لقد دخلنا معهما في نقاشات معمقة ولكن اختلافات سياسية أساسية جعلت من المستحيل التحاقهما بالمشروع.
ويتعلق الأمر بالصحراء بالنسبة للنهج، وبالمشاركة في المؤسسات بالنسبة للطليعة.
وداخل اليسار الاشتراكي الموحد، نحن متفقون بالإجماع على صياغة واضحة حول موقفنا من الصحراء، نحن نقول «بتسيير ديمقراطي لقضية الصحراء في إطار السيادة المغربية» بينما تصور النهج غامض ويبقى مفتوحاً على كل الاحتمالات إنه يتحدث عن «حل سياسي ديمقراطي لقضية الصحراء»، وهو ما يعني أن استفتاء يمكن أن يؤدي إلى استقلال الصحراء، وإذا حدث هذا فلن يمثل أي مشكل بالنسبة للنهج. أما نحن فنرفض هذا الاحتمال، من وجهة النظر المبدئية والسياسية. وموقف النهج يخطأ بسبب غياب وضوح في الرؤيا. ثم إننا مقتنعون أن خلق دويلة في المنطقة سيؤذي مصالح كل شعوب المغرب العربي بما فيهم الشعب الجزائري وربما قبل الآخرين.
وماذا عن حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي؟
بالنسبة لحزب الطليعة فإن الاختلاف الأساسي يتمحور حول الإجابة عن السؤال التالي: هل يمكن إصلاح النظام السياسي المغربي تدريجياً ومن الداخل؟
وبعبارة أخرى هل هناك إمكانية حقيقية لمرور سلمي وتدريجي نحو نظام ملكية بـرلمانية؟ نحن، نجيب بنعم ونناضل منذ إنشاء منظمة العمل للوصول إلى ذلك، أما حزب الطليعة فيجيب بالسلب، ويتمسك بموقفه إلى أن يثبت العكس.
هل من المحتمل أن يؤدي اختلاف المراجع الإيديولوجية والتنظيمية للمكونات الأربعة لليسار الاشتراكي الموحد إلى الإسراع بفشل هذه المؤسسة؟
منذ انطلاق سيرورة التوحيد بين الفرق الأربع، سهرنا دائماً على أن تتخذ كل القرارات في إطار من الشفافية وبطريقة ديمقراطية، وطبعاً لا أحد معصوم من الخطأ.
وإذا كان حقيقياً بأن كل اتحاد يفرض انسجاماً إيديولوجياً، سياسياً وثقافياً بين مكوناته فإننا نعتقد أن التعبير عن الاختلاف يبيّن حيوية الحزب السياسي، بل أكثر من ذلك فإننا نريد تأمين وضمان التسيير الديمقراطي للاختلاف السياسي داخل اليسار الاشتراكي الموحد.
إننا متفقون حول الاستراتيجية والبـرنامج الانتخابي ولكن كل واحد من الفرق الأربع له مساره وتجربته الخاصة المفيدان لبقية العناصر.
ما هي مساهمة منظمة العمل الديمقراطي الشعبي؟
على سبيل المثال مكنتنا مشاركتنا في المؤسسات التمثيلية الوطنية والمحلية من استخلاص دروس سياسية مهمة، إن هذه التجربة كانت محكاً بالنسبة للأحزاب السياسية. بعضها خرج منه منتصراً وقوياً، وبعضها عرف تحولاً يجعل من الصعب التعرف عليه. بالنسبة للعديدين كانت المؤسسات المنتخبة حصان طروادة نحو السلطة. وللتدليل على ذلك، فإن تسيير بعض الجماعات من طرف أحزاب ديمقراطية لا يختلف في شيء عن تلك المسماة أحزاب إدارية، لأن تلك الأحزاب لم تفرض أخلاقيات الديمقراطية على منتخبيها الذين خدموا مصالحهم بدون استحياء بدل خدمة المصلحة العامة.
واليوم، نحن فخورون بالقول إننا ساهمنا في هذه المؤسسات دون أن نفقد أخلاقنا وروحنا فالانتخابات والمؤسسات التمثيلية، بالنسبة لنا، هي مجال للنضال والمواجهة، وليس مكاناً للامتيازات والمحاباة والفساد.
لقد تعثرت التجارب السابقة لتوحيد اليسار الراديكالي، وخاصة في السبعينيات بسبب مسائل إيديولوجية.. ألا يحتمل أن يتكرر ذلك اليوم؟
أكيد أن التجارب التي تتحدث عنها فشلت بسبب الاختلافات الإيديولوجية التي كانت بين الأطراف المشاركة في مشاريع الوحدة. لقد كانت سنوات السبعين في المغرب وفي العالم كله، مرحلة القناعات الإيديولوجية، وكان على كل حزب اشتراكي يحترم نفسه إنتاج أفكار إيديولوجية وسياسية واقتصادية وثقافية الخ.
وهي حقبة ولت بالنسبة للعالم الاشتراكي وبالنسبة لنا. واليوم، نحن نعيش مرحلة التفكيك والمساءلة وإعادة بناء النظرية.. والأوساط الاشتراكية عبـر العالم مقتنعة بأن إنتاج الأفكار من اختصاص الجامعات والمفكرين والمثقفين وليست من مهام الأحزاب وإنما يمكن لهذه الأخيرة أن تقدم ترجمة سياسية وعملية لتلك الأفكار.
انطلاقاً إذن من هذا التحليل، نعتقد أن الاختلافات الإيديولوجية لم يعد بإمكانها إفشال التجارب الحالية للاتحاد داخل اليسار الراديكالي، بل على العكس من ذلك، يعد الاختلاف داخل نفس المكون، من الآن فصاعداً، قيمة إيجابية بالنسبة للأحزاب الاشتراكية وحتى الشيوعية (منذ 1989) ومن جهة أخرى، الكل يعتبـر أن مشاريع توحيد الأحزاب الاشتراكية يجب أن تبنى على قاعدة سياسية، ونحن في منظمة العمل، نعتبـر أننا خلقنا وطبقنا تصوراً وإجراء سياسياً متميزاً يمكننا تلخيصه في عبارة «مفهوم منظمة العمل الديمقراطي الشعبي».
ما هو محتوى «مفهوم منظمة العمل»
بين قبول المخزنة والخطوط الحمراء، وبين الرفض القاطع للعمل السياسي داخل المؤسسات، هناك طريق وسط، سلكناها وأثبتنا بأن العمل من أجل إصلاح النظام السياسي من الداخل ممكن، وبأن باستطاعتنا زحزحة الخطوط الحمراء من مكانها وتوسيع هامش الحرية باستمرار. إن «مفهوم منظمة العمل» هو الذي وفر قاعدة سياسية موضوعية وصلبة يمكن أن يبنى عليها مشروع اليسار الاشتراكي الموحد.
لماذا اخترتم نظام الكوتا بالنسبة لانتخاب المنتدبين للمؤتمر التأسيسي لليسار الاشتراكي الموحد ولهياكله المستقبلية؟
يمكننا الحديث عن نظام الكوتا فقط بالنسبة لانتخاب مندوبي الفرق الأربع للمؤتمر التأسيسي، أما بالنسبة لانتخاب هياكل الحزب فسيكون الحديث عن الكوتا اختصاراً وتبسيطية بل من الأصح القول بـ«التصويت بالمجموعات» لكي تصبح الوحدة الاندماجية ممكنة لابد من تمثيلية كل المكونات، ولكن هذه الأخيرة ليس لها نفس الانتشار في البلاد. والمنظمة وحدها تمثل ما بين 70 و75% من هذا المجموع. وإذا اعتمدنا تصويتاً على مبدأ مناضل = صوت، فإنه من المحتمل جداً أن لا تحصل في النهاية إلا على المنظمة. لذلك اخترنا نظاماً لا تكون فيه الغالبية لأي عنصر من العناصر، وهكذا مثلت المنظمة بأقل من 10% من تعدادها (400 مؤتمر).
أما الفعاليات الديمقراطية فإنها ممثلة تقريباً بـ100% من مناضليها (150 مؤتمر). أما حركة الديمقراطيين المستقلين فعليها انتخاب 300 مؤتمر، مقابل 200 مؤتمر بالنسبة للحركة من أجل الديمقراطية، ويتعلق الأمر هنا بانتخاب للمؤتمرين وليس مجرد تعيين كما هو الحال في كل نظام للكوتا.
ولكن ماذا عن الهياكل التقريرية (اللجنة المركزية والمكتب السياسي، الخ)؟
التصويت هنا لم يعد منحصراً بل إنه تصويت بالمجموعات لنأخذ مثال اللجنة المركزية، فهي ستضم 150 عضواً (41 للديمقراطيين المستقلين، 31 للحركة من أجل الديمقراطية، 28 للفعاليات الديمقراطية) وكل مؤتمر، كيفما كان انتماؤه الحزبي سينتخب 150 عضواً من اللجنة من اللجنة، بناءاً على أربعة لوائح مختلفة: لائحة منظمة العمل (والتي ستضم على الأقل 50 مرشحاً) ولائحة الديمقراطيين المستقلين (41 مرشحاً على الأقل) ولائحة للفعاليات اليسارية (28 مرشحاً على الأقل)..
سيكون انتخاب اللجنة المركزية لليسار الاشتراكي الموحد أول اختبار لمدى امتزاج المكونات الأربعة. إنها أول مرة يعرف المغرب هذا النوع من التصويت.
هل أنتم مرشحون لمنصب الأمين العام لحزب اليسار الاشتراكي الموحد؟
إذا كنت سأترشح لمنصب في الحزب الجديد فلن تكون الأمانة العامة، لأنه حان الوقت لتحمل المشعل أطرنا الشابة. ومع ذلك سأترشح لمجلس رئاسة الحزب، التي ستتكون من عضو أو عضوين من كل مكون من مكونات اليسار الموحد. ويمكن تشبيهه بمؤسسة لها نفس الاسم في حزب الاستقلال.
بماذا يوحي لكم تكاثر الأحزاب السياسية مؤخراً؟
إذا تمت الانتخابات التشريعية لشتنبـر (أيلول) 2002 بشكل طبيعي وديمقراطي. وسيقوم الناخبون والرأي العام بإضفاء الشرعية على هذه الأحزاب أو يرمون بها إلى «مزبلة التاريخ».
في الواقع، ولكي ألخص، نحن نمر من مرحلة المراقبة الإدارية والأمنية للحقل الحزبي إلى مراقبة ديمقراطية عن طريق صناديق الاقتراع، وكل انتقال في هذه المسألة يمر، بالضرورة، من مرحلة غليان عادية ومتوقعة.
هل تعتقدون أن الأحزاب التي تنعتونها «بالإدارية» لا زالت تلعب دوراً ما؟
إن كل هذه الأحزاب التي صنعتها الإدارة والتي تضم الأعيان وأشخاص تجمعهم مصالح بالإدارة، تمثل اليوم في رأيي، تهديداً لنزاهة الانتخابات المقبلة، وباختصار فإن هذا النوع من الأحزاب لن يكون لوجوده أي معنى حين يختفي نظام الزبونية للمخزن! ونحن مقتنعون بأن هذا النظام لن يختفي بحركة سحرية أو بالإرادة فقط، بل بالنضال والمقاومة. ولا يمكننا تجنب هذه المواجهة، ومع أن تدخل الدولة في المجال الحزبي قد توقف فإن النظام القائم على الامتيازات والزبونية مايزال على قيد الحياة.