|
الإحصاء السكاني في العراق بين منطق الضرورة والتجيير؟
تيسير عبدالجبار الآلوسي
(Tayseer A. Al Alousi)
الحوار المتمدن-العدد: 3166 - 2010 / 10 / 26 - 19:19
المحور:
المجتمع المدني
إنّ رسم الخطط والمشروعات ومحاولة رصد المتطلبات والحاجات وتحديدها بموضوعية ودقة، وأمر رسم حركة الاقتصاد من مخرجات ومدخلات وغيرهما؛ تبقى بحاجة لمعرفة دقيقة بالحجم السكاني الفعلي ووضعه الثابت والمتحرك.. فالإحصاء السكاني من حيث هو عملية عداد [وحصر] نوعي كمي لمجموع الأفراد وتصنيفهم على وفق محددات متنوعة مختلفة يبقى الساس للتطور والتقدم ولمعالجة مشكلات الواقع وحل إشكالاتها موضوعيا..
لقد تأجلت العملية الإحصائية في البلاد عدة مرات في ضوء قرارات أدخل في السياسي منها في أي قدر من النظر الجدي وبروح مسؤول إلى أهمية الإحصاء في الحياة المعاصرة.. وقرارات التأجيل المتوالية ظلت حالها حال تسييس كل مفاصل حيوات الناس وحركتعا وطبيعة العمل المؤسسي المدني!!
إذ يلاحظ من يستقرئ الأوضاع العراقية أن لا حركة ولا قرار في أية مؤسسة مدنية للدولة والمجتمع من دون قراءة مسبقة الأحكام تستند إلى البعد السياسي وما يعود أي قرار من تأثير في خانة هذا الحزب أو تلك القوة الموجهة للبلاد في مختلف المراحل، ومنها الجارية طوال السنوات السبع الأخيرة في العراق الجديد!؟
وإذا ما تركنا الشأن العام وتفاصيل تدخلات الخطاب السياسي فيه، وركزنا على موضوع الإحصاء السكاني فإننا سنجد أنفسنا إذا ما تابعنا القرار السياسي [الحزبي] الضيق فسنبقى من دون حسم وبعيدين فعليا عن تلبية مطلب حضاري مدني ممثلا بالإحصاء.. وسندور في حلقات مفرغة أبسطها أن يجري الإحصاء منقوصا من مفردات مهمة فيه..
إننا بهذا لا نخلق لأنفسنا وحاضر مجتمعنا مشكلات قد تكون من الخطورة بمكان ما ينبغي التنبيه عليها؛ وإنّما نخلق للأجيال اللاحقة تعقيدات هم غير مسؤولين عنها.. وكأننا نترك إرثا لتلك الأجيال من مشكلات ستستعصي مثلما تستعضي القراءات الاجتهادية للتاريخ ومشكلاته اليوم بما ينعكس لا على الخطابين الديني المذهبي والسياسي بل وعلى مجمل تفاصيل اليوم العادي للإنسان في عصرنا!!!
أيها السادة إنّ إنجاز الإحصاء سيسد بوابات مشرعة أمام مشكلات عصية تخترق الجسد العراقي [الجديد].. وسيمنح فرصا واضحة للحديث علميا موضوعيا عن مشكلاتنا وحاجاتنا ومطالبنا..
انظروا إلى مؤسساتنا، لا نقرأ إحصاء لمدرسة أو جامعة أو معمل أو مزرعة أو مؤسسة ولا لمن يعملون فيها.. والجميع يمضون إلى أداء وظيفي روتيني بائس والهروب في نهاية الدوام الرسمي من دون مراجعة أو قراءة في مجريات الحركة هل تقدمت أم تراجعت وهل أنتجت فأضافت أم هدمت فاستهلكت والجميع يمضون وليس من يقول هذي مسؤولية ضميرية ورسمية يجب ويلزم أن نؤديها فيما الفساد أصبح سيد الموقف في ضوء هذه الوضعية البائسة من إغفال عمليات الإحصاء!
أما أنْ تكرر اليوم قيادة الحكومة المسؤولة عن مجمل الوضع العام هذه الثغرة الخطيرة في إهمال الإحصاء ووضعه على طاولة التجيير بين بعض أطراف تلك القيادة فهي قضية أسوأ من تأخير تشكيل الحكومة الجارية بطريقة أسبقية وجود البيضة والدجاجة التي لا تنتهي..
إن الإحصاء عملية ملزمة للجميع في واجب الأداء وهي مهمة تمتلك أولوية بين مهام الحكومات المتعاقبة باختلاف قياداتها وسياساتها ومنطق برامجها.. إن عدم إجراء الإحصاء وكذلك إجراؤه منقوص المفردات يقامر بالعراقيين وآلية بناء حاضرهم ومستقبلهم على أساس علمي متين وصحيح..
أما ربط الإحصاء [وعملية إجرائه] بقضايا خلافية في خطاب سياسي أو قومي أو ديني مذهبي [أو ربما طائفي] فهو أمر لا يستوي مع منطق.. إذ أننا كمن يقول لمن يشارف على الغرق انتظر كيما نتفق على آلية الإنقاذ وربما لحظة اتفاق المنقذين لن يجدوا طالب النجدة حينها.. والتأجيل لن يحسم الخلاف الجاري في أي خطاب كما لن يحسم أمر أية إشكالية لأن تعدد وجهات النظر واختلافها قضية إنسانية ثابتة وحق مكفول أيضا..
إنّ الإحصاء مهمة مدنية علمية الأساس وواجبة ملزمة لا تقبل التجيير لجهة أو أخرى وهي ليست خاضعة لمزاج فئوي أو برنامج حزبي ضيق من أية جهة أو خطاب سياسي تعصبي.
أنجزوا الإحصاء اليوم لأن بواباتنا مشرعة للعب والعبث ولأهواء ريح صفراء من كل حدب وصوب ولأن أوضاعنا ما عادت تحتمل آليات التخلف في زمن الأرقام وآلياتها.. ومن الأفضل أن نقرأ الوضع الآن على أن تستفحل الخروقات الملحقة بأطياف مختلفة.. فالخطر ليس في الأطياف العراقية الأصيلة من كورد وتركمان ومن شيعة وسنة ومن غيرهم فهؤلاء جميعا أبناء الوطن؛ ولكن الخطر الديموغرافي يأتي من منافذ أخرى بالإشارة إلى سياسات عابثة لقوى إقليمية معروفة...
وحسم أمرنا وإجراء التعداد سيكون في مصلحة العراقيين جميعا.. وليس معقدا على جهات التخطيط والتنفيذ وأدواتهما أن يحصروا العراقي من غيره في داخل الوطن والمهجر بطريقة دقيقة علميا..
إنّ الشعب العراقي يعرف ويؤمن بتعدديته ويحترم هذه التعددية وكل طرف يعترف للآخر بوجوده ومكانه ومكانته على أساس من المساواة التامة في كل شيء ولقد صيغ هذا في الدساتير المتعاقبة كما صيغ في خطاب العراقي عبر الزمن.. أما من يخشى ظهور النسب السكانية القومية والدينية والمذهبية فهو بالتحديد من يتعاطى مع هذه الحقيقة من منظور فئوي ضيق لا يعترف للآخر بحقه في الحياة والمساواة وحقه في الاختيار وفي تقرير مصيره وحاضره ومستقبله..
الذي يخشى ظهور الحقيقة هو ضعيف الحجة صاحب البرامج الاستغلالية أو التي يدرك تجاوزها على حقوق الآخرين.. فالعربي، الكوردي، التركماني، الكلداني، الآشوري، الأرمني، الصابئي والمسلم، المسيحي، الأيزيدي، المندائي والشيعي، السني، الكاثوليكي، الأرثودوكشي البروتستانتي والكاكائي والشبكي والبهائي والبصري والأنباري والنجفي والموصللي والهوليري والكركوكلي وخذ كل التقسيمات القومية والدينية والمذهبية والمناطقية هؤلاء جميعا لا يخشون بعضهم بعضا ولا يتقاطعون ولا يفترقون وفيهم من الوشائج والعلاقات المتداخلة من بوابات كثيرة وغنية... إنهم جميعا عراقيون...
ستبقى عملية التأجيل كارثية النتائج فيما سيكون إجراؤها انتصار لحقوق العراقيين في التعرف إلى واقعهم بطريقة علمية دقيقة وصحية.. مسالة كيف نقرأ النتائج تخص الحوار الوطني والمصالحة مع الذات والاعتراف بالآخر وتطور الواقع وإنضاج المسيرة على أسس علمية لا على أسس أعطني حصة أعطيك مقابلا إذ المحاصصة بين قوى فوقية وإظهار تنوع الواقع وغناه كما هو اعتراف بحق جميع المكونات على وفق وجودها الحقيقي الفعلي على الأرض الآن..
#تيسير_عبدالجبار_الآلوسي (هاشتاغ)
Tayseer_A._Al_Alousi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صلات الأحزاب السياسية وزعامتها بالناس بين الحقيقة والادعاء؟
-
الانتخابات البحرينية مؤشر للدولة المدنية ومسيرة التقدم
-
الطائفية السياسية في العراق الجديد
-
الطائفية بين خطل الأسس الفكرية ومخاطر الممارسات السياسية
-
في العام الدراسي الجديد: آلام متكررة على كواهل الطلبة وعوائل
...
-
جرائم بحق التنظيم النقابي تمثل علامة فاضحة على استعادة آليات
...
-
الاستثمارات العربية تدخل العراق من البوابة الكوردستانية
-
محاصرة الأجندة الوطنية بالأجندات الأجنبية اللاعبة بقوة في ال
...
-
الخطأ في العلاقات الإنسانية بين صواب المعالجة وبعض الأحكام ا
...
-
الخطاب التبريري ومسؤولية الكشف عن الحقائق
-
الانقلاب على الدستور تهديد للعملية السياسية
-
بعض ممرات العلاقات العربية العراقية فديرالية كوردستان ممرا إ
...
-
حقوق العراقيين كافة، حقوق العراقيين في منافي العذاب، حقوق ال
...
-
سهام الاتهامات الطائشة الموجهة إلى كوردستان! في ضوء تصريحات
...
-
تداعيات تأخير تشكيل الحكومة العراقية والمغامرة الخطرة؟
-
حقوق الأكاديمي العراقي في المهجر؟ رسالة مفتوحة إلى من يعنيهم
...
-
زيارة رئيس الإقليم والتعبير الواقعي الصريح لعلاقات كوردستاني
...
-
آليات العمل الحزبي الحكومي والمعارض في الحياة البرلمانية
-
آليات العمل الحزبي في الحياة البرلمانية
-
دور المعارضة في ضبط تطبيق الدستور .. ما العمل في مطب أزمة تش
...
المزيد.....
-
الأمم المتحدة ترحب بإعلان وقف إطلاق النار في لبنان
-
الأمم المتحدة ترحب بإعلان وقف إطلاق النار في لبنان
-
معاناة النازحين اللبنانيين مستمرة
-
الأمم المتحدة: غوتيريش يرحب باعلان وقف اطلاق النار بين -إسرا
...
-
المفوض الأممي لحقوق الإنسان يدين الهجمات الإسرائيلية على لبن
...
-
وزير الخارجية الإيراني يلتقي الامين العام للأمم المتحدة
-
الوفد الجزائري يطرد تسيبي ليفني من منتدى الأمم المتحدة لتحال
...
-
وفد جزائري يطرد وزيرة خارجية إسرائيل السابقة من منتدى للأمم
...
-
عراقجي يؤكد على التنفيذ الفوري لأمر المحكمة الجنائية الدولية
...
-
معاناة النازحين في غزة تتفاقم مع قسوة الطقس
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|