كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 954 - 2004 / 9 / 12 - 11:19
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
رؤية حوارية حول واقع وسبل معالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الراهنة في العراق
الفهرست
1. مقومات الاقتصاد العراقي
2. السياسات الاقتصادية للحكومات العراقية المتعاقبة قبل عام 1968
3. السياسة الاقتصادية في ظل حكم البعث
4. عواقب السياسات الاقتصادية والاجتماعية في العراق
قطاع النفط الخام
القطاع الصناعي التحويلي
القطاع الزراعي
الإنتاج الحرفي
العلاقات الاقتصادية الدولية للعراق
قطاع الدولة والقطاع الخاص
5. رؤية حوارية في سبل مكافحة الأزمة المستفحلة
أ. المبادئ والأسس
ب. مهمات المرحلة الراهنة والقادمة
تواجه الاقتصاد والمجتمع في العراق في المرحلة الراهنة أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية قاسية ومنهكة لقواه الاجتماعية, وهي نتاج تراكم متواصل ومتفاقم لعناصر هذه الأزمة منذ عقود والعوامل التي تسببت بنشوئها. وإذا كانت قد تفجرت بشكل صارخ في السنوات الأخيرة بعد أن ارتبطت بعواقب حرب الخليج الثانية ومنها هلاك عدد كبير من البشر والكفاءات المختلفة وتدمير واسع للبنية التحتية ومجموعة كبيرة من المشاريع الاقتصادية وفرض الحصار الاقتصادي وما نجم عنه من انقطاع ثم تقلص موارد النفط المالية, فأن موارد النفط المالية الكبيرة هي التي استطاعت قبل ذاك التغطية على حدة تلك الأزمة وأعاقت تفجرها الفعلي.و ستبقى هذه الأزمة تطحن بفعلها السلبي المجتمع العراقي وتزيد من التوترات السياسية والاجتماعية والثقافية لفترة طويلة رغم خلع النظام عبر حرب الخليج الثالثة, إذ أن فرض الاحتلال الأمريكي-البريطاني على العراق وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1483 لسنة 2003 جاء مخيباً للآمال وأحد أبرز معالم التوتر السياسي والاجتماعي. إن معالجة هذه الأزمة بجوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية تتطلب معرفة العوامل التي تسببت بنشوئها وسبل حلها لصالح الشعب وإيقاف دوامة الإرهاب والعنف والعنف المضاد ومن أجل التخلص من الاحتلال واستعادة العراق لاستقلاله وسيادته الوطنية واستقلال قراره وبناء حياته الحرة والديمقراطية واقتصاده الوطني ودولته الفيدرالية. وهي القضايا التي ستكون موضع معالجتنا في هذه الدراسة.
أولاً: مقومات الاقتصاد العراقي
يمتلك الاقتصاد العراقي مقومات أساسية لتحقيق تنمية اقتصادية اجتماعية (بشرية) معجلة وضمان معدلات نمو اقتصادي عالية تتجلى في امتلاكه ثروة نفطية كبيرة حيث يبلغ احتياطي النفط الثابت فيه حوالي 11% من احتياطي النفط في العالم, إضافة إلى احتياطي غير ثابت يقدر بنسبة مماثلة, كما يمتلك الغاز الطبيعي بكميات كبيرة وثروة فوسفاتية وكبريتية لم تستخدم بفعالية حتى الوقت الحاضر, مع احتمال امتلاكه لمعادن ومواد أولية أخرى لم يجر التنقيب عنها حتى الآن, إضافة إلى وجود كمية هائلة من سكراب الحديد الذي يمكن استخدامه في الصناعة العراقية. وإلى جانب ذلك يمتلك العراق إمكانيات كبيرة لتطوير ثروته الزراعية والحيوانية, سواء كان ذلك في وادي الرافدين أم في ربوع كردستان العراق حيث تتوفر عيون المياه ومصادر مائية أخرى. وفي هاتين المنطقتين يمكن تنمية مختلف أنواع المحاصيل الصناعية والمحاصيل الاستهلاكية والخضروات والفواكه المتنوعة بما يكفي لتغطية حاجته والتوجه صوب التصدير. ويمتلك العراق مساحة واسعة من الأراضي الصالحة للزراعة وغير المستخدمة حتى الوقت الحاضر, رغم توفر إمكانيات جيدة لاستخدامها وتطوير الإنتاج الزراعي فيها, إضافة إلى تطوير الغابات والمراعي الخضراء للتوسع في الثروة الحيوانية وإعادة تنمية الثروة السمكية وتأهيل أسطول صيد الأسماك.
تبلغ مساحة العراق بعد تعديل الحدود 437,073 كيلو متر مربع بعد أن كانت أكثر من 444,000 كم مربع, وهي موزعة بين مساحة مغمورة بالمياه تبلغ 4,910 كم مربع ويابسة تبلغ 432,162 كم مربع. وتقدر الأراضي الصالحة للزراعة بحدود 11,89%, منها 32,250 كم مربع أراضي مروية والبقية مطرية , عدا الأراضي الصالحة للمراعي التي تبلغ مساحتها 17776 كم مربع , علماً بأن هناك إمكانية لزيادة المساحة الصالحة للزراعة إذا ما تم استصلاح الأراضي وتنظيم الري والبزل والاستفادة من مياه العيون بصورة أفضل. وفي الوقت الحاضر يتم استخدام ما يقرب من ثلث مساحة الأراضي الصالحة للزراعة لأسباب عديدة بما في ذلك استعمال أسلوب التبوير (نير ونير) في الزراعة ووجود ما يقرب من 15 مليون لغم أرضي مزروعة في المناطق الحدودية, وخاصة في إقليم كردستان العراق.
يبلغ سكان العراق 24,683,313 نسمة في عام 2003. وتقدر نسبة النمو السنوية حوالي 2,78 %. أما توزيع السكان وفق الأعمار في عام 2002 فكان كما يلي:
توزيع السكان في العراق بين الأناث والذكور في عام 2003
الفئة العمرية/سنة مجموع الذكور والإناث التوزيع العددي بين الذكور والإناث
الذكور الإناث توزيعهما النسبي %
الذكور الإناث
بين 0-14 سنة 10,046,108 5,103,669 4,942,439 50,8 49,2
بين 15-64 سنة 13,896,705 7,067,273 6,829,432 50,6 49,4
65 سنة فما فوق 740,499 331,003 409,496 44,7 55,3
المجموع 24,683,313 12,501,945 12,181,368 50,69 49,31
The world fachtbook/Iraq18.December, 2003
وضع الجدول وأعيد احتساب العدد والنسب في ضوء عدد السكان بسبب اكتشاف وجود أخطاء ولغرض هذه الدراسة. ك. حبيب
ويستدل منه على أن نسبة مهمة من السكان هي في سن العمل, سواء أكانوا من الرجال أم من النساء. وأن الهرم السكاني يسمح لنا بالقول بأن المجتمع العراقي ما يزال يعتبر من الشعوب اليافعة التي يمكن أن ينمو سنوياً عدد القادرين منهم على العمل بمعدلات مهمة, رغم أن استثمار الأيدي العاملة ما يزال في حده الأدنى من حيث العدد والنوعية. ويقدر عدد الأشخاص القادرين على العمل بحدود 6,5 مليون نسمة, أي بحدود ربع سكان العراق وفق أرقام 2002.
ولا بد من الإشارة هنا إلى وجود نسبة مهمة من حملة الشهادات من مختلف المراحل الدراسية ومن المهنيين والفنيين والدراسات العالية والعلماء والمختصين في مختلف العلوم, الإنسانية منها والصرفة والتطبيقية, مع وجود نسبة مهمة من القوى العاملة المتعلمة والمهنية والفنية في الخارج ولم تستثمر حتى الآن ويمكن استعادة نسبة غير قليلة منها.
ثانياً: السياسات الاقتصادية للحكومات العراقية المتعاقبة قبل عام 1968
لا شك في أن السياسات الاقتصادية الناجحة في تحقيق معدلات نمو عالية وتحقيق التنمية الاقتصادية والبشرية هي التي تتعامل بوعي وإدراك سليم مع القوانين الاقتصادية الموضوعية وحركتها وفعلها عند رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية من جهة, وتأخذ بنظر الاعتبار إمكانيات التنمية والنمو الاقتصادي وحاجات المجتمع من جهة أخرى. إذ أن أي خلل في فهم تلك القوانين الاقتصادية أو تجاهل فعلها وتجاهل مقومات وحاجات البلاد يقودان إلى الإخلال بمجمل العملية الاقتصادية (الإنتاج والتوزيع والتبادل والاستهلاك) ويقودان بدورهما إلى بروز ظواهر سلبية في سلسلة متتابعة من المؤشرات الاقتصادية التي تدفع عند استمرارها وعدم معالجتها إلى نشوء أزمة اقتصادية واجتماعية ومن ثم سياسية في البلاد. وعند تتبع السياسات الاقتصادية في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية في عام 1921 حتى الوقت الحاضر سيتبين بأن جميع الحكومات العراقية دون استثناء, سواء تلك التي اعتمدت المبدأ اللبرالي في رسم السياسة الاقتصادية أو تلك التي ادعت تبنيها التخطيط وقطاع الدولة ولكنها مارست سياسة العفوية واحتكار الدولة للاقتصاد وأخلت بالعملية الاقتصادية, قد أخلت بالقوانين الاقتصادية الموضوعية ولم تسع إلى فهمها والتفاعل الواعي معها وإدراك جوهر فعلها, وبالتالي تسببت في نشوء جملة من الاختلالات في التوازنات المطلوب للعملية الاقتصادية وألحقت أضراراً فادحة بالاقتصاد الوطني والمجتمع وأعاقت تطورهما المنشودين.
تميز الاقتصاد العراقي على مدى العقود المنصرمة بعدد من الخصائص السلبية وأبرزها:
• التخلف الشديد في مستوى تطور القوى المنتجة المادية والبشرية بسبب سيادة علاقات الإنتاج شبه الإقطاعية واعتماد الأساليب البالية في الزراعة من جهة, وبطء شديد في نمو العلاقات الإنتاجية الرأسمالية والصناعة التحويلية من جهة أخرى واعتما كبير على عوائد النفط الخام في تكوين القسم الأعظم من الدخل القومي.
• ونشأت عن هذا التخلف تبعية اقتصادية لعوائد النفط الخام المصدر, وتبعية استيرادية لتغطية حاجة الأسواق المحلية للسلع الاستهلاكية والخدمات التي كانت تستنزف الجزء الأكبر من الدخل القومي المنتج في قطاع النفط الخام. وبالتالي أصبح الاقتصاد العراقي يعاني من انكشاف حاد على الخارج. وكانت التبعية لا تمس عملية التبادل التجاري فحسب, بل شملت عملية إعادة الإنتاج, أي مجمل العملية الاقتصادية وباتجاه سلبي. وكانت هذه التبعية تتجلى في العجز الصارخ في الميزان التجاري وميزان المدفوعات دون عوائد النفط والوفرة النسبية عند احتساب عوائد النفط.
• ونشأ عن ذلك اختلال في بنية الدخل القومي, إذ كانت عوائد النفط الخام المصدر تشكل النسبة العظمى من الدخل القومي في حين كانت مساهمة الزراعة والصناعة محدودة جداً. وكانت عائدات النفط الخام السنوية تتأثر بالسياسات الدولية ومصالحها, مما كان يشكل عامل ضغط سياسي مستمر على السياسة الاقتصادية والاجتماعية وعلى علاقات العراق الدولية وحجم وبنية التبادل التجاري.
• وكان لهذا الواقع تأثيره السلبي أيضاً على حركة الإنتاج وعلى التشغيل والبطالة وعلى عملية التراكم الرأسمالي الضروري لتنمية الاقتصاد والثروة الوطنية, وبالتالي على معدل حصة الفرد الواحد من الدخل القومي سنوياً وعلى مستوى معيشة الغالبية العظمى من السكان, خاصة وأن العلاقات شبه الإقطاعية ودور الكومبرادور التجاري لعبتا دوراً كبيراً في زيادة استنزاف الدخل القومي ومنع عملية التراكم وعدم التحكم في توزيع وإعادة توزيع الدخل القومي واستخدامه السيئ.
• وخلال الفترة التي كان العراق تحت الهيمنة البريطانية المباشرة أو غير المباشرة حتى سقوط النظام الملكي لعبت الدولة البريطانية دوراً كبيراً باتجاه إعاقة عملية التنمية المعجلة للاقتصاد والمجتمع, وخاصة بالنسبة إلى تحديث الزراعة وإقامة وتطوير قطاع الصناعة بهدف الهيمنة على أسواق البلاد استيراداً وتصديراً لصالح احتكاراتها واحتكارات الدول المتحالفة معها, خاصة وأن احتكارات البترول الدولية كانت تهيمن على اقتصاد النفط الخام العراقي. ورغم تحسن عوائد العراق النفطية بسبب مناصفة الأرباح مع تلك الاحتكارات منذ عام 1951, فأن برامج الإعمار التي كانت توضع كانت لا تنفذ فعلياً وتراوح مكانها. ونادرة هي المشاريع الصناعية المهمة التي أقيمت في العهد الملكي ولعبت دوراً مهماً في الاقتصاد العراقي. ويمكن للجدول التالي توضيح ذلك:
المبالغ المرصدة والمصروفة على عملية إعمار العراق بين 1951-1958 بملايين الدنانير العراقية
القطاعات الاقتصادية المبالغ المرصدة المبالغ المصروفة توزيعها النسبي
المخصص المصروف نسب المصروف
الزراعة 143,3 72,1 34,3 32,2 50,3
الصناعة 62,1 30,9 15,0 14,0 49,8
النقل والمواصلات 109,0 55,1 26,1 24,7 50,6
المباني والإسكان 103,5 65,0 24,7 29,1 62,8
إجمالي 417,9 223,1 100,0 100,0 53,5
قارن: د. جواد هاشم وزملاءه. تقييم النمو الاقتصادي في العراق 1950-1970. الجزء الأول وزارة التخطيط. بغداد. ص 268.
قارن أيضاً: د. كاظم حبيب. دراسات في التخطيط الاقتصادي. دار الفارابي بيروت. 1974. ص 225. وضع هذا الجدول في ضوء الأرقام المنشورة في هذين المصدرين ولغرض هذه الدراسة.
واستناداً على السياسات الاقتصادية لهذه الفترة ومن الجدول في أعلاه يمكن تسجيل الملاحظات التالية:
1. ضعف الاهتمام بالقطاع الصناعي التحويلي على أهميته بسبب توفر عوائد النفط الخام بشكل خاص.
2. التمايز الشديد بين المبالغ المرصدة والمصروفة التي عبرت عن ضعف اهتمام الحكومة بالتنفيذ والمتابعة.
3. توجيه الموارد المتبقية من المبالغ المرصدة لأغراض أخرى غير إنتاجية مما تسبب في التفريط بالقدرة التراكمية للبلاد.
4. وبالرغم من بلوغ التنفيذ العام أكثر من النصف بقليل, إلا أن الخلل قد برز في سوء استخدام تلك الموارد المالية, إذ أن المصروف من المبالغ المرصدة لا يعبر بالضرورة عن حسن التنفيذ.
5. عجزت السياسة الاقتصادية عن إجراء أي تغيير فعلي وضروري في بنية الاقتصاد العراقي, خاصة وأن أغلب المشاريع الصناعية التي أقيمت كانت استهلاكية وكمالية واعتمدت على استيراد موادها الأولية ونصف المصنعة من الخارج, أي أنها كانت في الغالب الأعم صناعات تجميعية.
6. لم يحظ القطاع الزراعي بالعناية الضرورية وأصبح مصدراً لهجرة فلاحية واسعة صوب المدن هرباً من ظلم الإقطاع والاستغلال ومصادرة الأراضي الزراعية التي بحوزتهم وشكلوا جمهرة واسعة من العاطلين عن العمل كانت تعيش على هامش الحياة الاقتصادية وخلقت مشكلات كبيرة ومتنوعة لاقتصاد وسكان المدن.
وفي أعقاب ثورة تموز عام 1958 حاولت حكومة الجمهورية الجديدة أن تغير من طبيعة السياسات الاقتصادية للعراق بعدة اتجاهات أبرزها إلغاء عضوية العراق في المنطقة الإسترلينية والانفتاح على البلدان الاشتراكية وغيرها في التعامل الاقتصادي والتجاري والفني وعقد العديد من الاتفاقيات لتطوير الصناعة وإصدار قانون الإصلاح الزراعي لتصفية العلاقات الإنتاجية شبه الإقطاعية واستعادة 99,5% من الأراضي العراقية التي كانت بحوزة شركات البترول الاحتكارية للتنقيب عن النفط الخام وفق القانون رقم 80 لسنة 1961. أزعج صدور هذا القانون شركات النفط الاحتكارات الدولية وحكوماتها وقررت إسقاط حكومة قاسم بأي ثمن.
حاولت الحكومة تنويع مصادر الدخل القومي باتجاه زيادة دور الصناعات الصغيرة والمشاريع الصناعية, التي بدأت بإقامتها بالاتفاق مع الاتحاد السوفييتي وتشيكوسلوفاكيا, وزيادة الإنتاج الزراعي ورفع معدل غلة الهكتار الواحد من مختلف المحاصيل الزراعية بهدف التقليل من أهمية ودور النفط في الدخل القومي. إلا أن هذه السياسة لم تستمر طويلاً, إذ تعرضت إلى التراجع والتوقف عملياً في أعقاب انقلاب شباط عام 1963 الذي قاده حزب البعث العربي الاشتراكي وبعض القوى القومية الذي تميز بالاستبداد والعنف والفوضى وسيل الدماء. وفي تشرين الثاني 1962 استولى القوميون على السلطة وأقصوا البعثيين منها. وخلال الفترة الواقعة بين 1964-1968 اتخذت لحكومة القومية جملة من الإجراءات الاقتصادية بهدف التماثل مع الاقتصاد المصري لتأمين الوحدة مع مصر, ومنها إجراءات تأميم المشاريع الصناعية المحلية والبنوك وشركات التأمين. وكانت أغلب هذه المشاريع صغيرة ومتوسطة تعود إلى البرجوازية الوطنية (المتوسطة) التي تضررت كثيراً ودون مبرر اقتصادي وسياسي وتحولت إلى عامل معرقل للنشاط الاستثماري وبدأت بتهريب رؤوس أموالها إلى الخارج. وعجزت هذه الفترة عن إحداث أي تغيير إيجابي في بنية الاقتصاد العراقي. ومارست سياسة الانفتاح الواسع على الأسواق الخارجية من خلال هيمنة قطاع الدولة على التجارة الخارجية, وبرزت محاولات جادة لاستنزاف قطاع الدولة من الباطن, إضافة إلى منح إجازات استيراد لضباط عسكريين كانوا يبيعونها بدورهم إلى آخرين ...وإلى مقاولين مع إعفاءات جمركية سخية لقاء بنائهم المساجد التي تميزت بالنهب الكبير. ورغم وضع خطط اقتصادية طموحة خلال هذه الفترة 964-1968, فأن غالبية مشاريعها بقيت بعيدة عن التنفيذ. وقد تنامت البطالة وتراجع مستوى حياة الغالبية العظمى من السكان, كما استعاد الكثير من الإقطاعيين مكانتهم في البلاد واستعادوا الأراضي التي كان الإصلاح الزراعي قد صادرها منهم. وتميزت الفترة الواقعة بين 1963-1968 بغياب الديمقراطية وهيمنة العسكر على الحياة السياسية للبلاد وزيادة دور المتقاعدين منهم بالحياة الاقتصادية ووفرت أرضية مناسبة لتنظيم الانقلاب العسكري ضد الحكم القومي الناصري بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان بقيادة أحمد حسن البكر وصدام حسين وبدعم خارجي واضح مناهض للمجموعة القومية الناصرية ومصالح البلاد. ويمكن للأرقام الخاصة بعملية الإعمار في العراق خلال فترتي الجمهورية الأولى والثانية أن تكشف عن الخلل بين المرصد والمصروف في تلك الخطط.
الموارد المالية المصروفة على مشاريع التنمية خلال الفترة 1959-1961
بملايين الدنانير العراقية
باب الصرف المبلغ المصروف توزيعها النسبي
الصناعية 20,8 19,2
الزراعية 11.8 10,9
النقل والمواصلات 21,1 19,5
الإسكان والمصايف 20,0 18,4
المباني العامة 20,2 18,6
الصحة 1,8 1,7
الثقافة 4,9 4,5
أخرى 7,8 7,2
المجموع 108,4 100,0
قارن: د. كاظم حبيب. دراسات في التخطيط الاقتصادي. مصدر سابق. ص 221.
وإذا ما أضيف إلى هذا المجموع مبلغاً قدره 46 مليون دينار عراقي صرف بين 1961-1963 حتى سقوط حكومة قاسم في شباط 1963 فأن المبلغ الإجمالي يرتفع إلى أكثر من 154 مليون دينار عراقي خلال أربع سنوات.
وإذا تجاوزنا عام 1963 وبدأنا بمتابعة ما وضعته ونفذته الحكومة القومية في العراق بين نهاية 1963 و1968 فإننا سنجد اللوحة التالية:
المبالغ المرصدة والمصروفة ضمن الخطة الخمسية الحكومية للفترة 1965-1969
بملايين الدنانير العراقية
القطاعات مجموع الاستثمارات المرصدة المصروفة على المناهج الفعلية نسبة المصروف إلى المرصد التوزيع النسبي للمصروف
الزراعة 173,6 56,3 32,4 15,7
الصناعة 187,2 103,9 55,5 29,0
النقل والمواصلات 109.1 61,2 55,6 17,1
المباني والخدمات 134,8 66,3 49,2 18,5
أجهزة التخطيط 2,5 0,4 15,6 0,1
التزامات دولية 25,0 18,0 71,6 5,0
أخرى 35,0 52,2 149,2 14,6
المجموع العام 667,2 358,3 53,7 100,0
قارن: د. كاظم حبيب. دراسات في التخطيط الاقتصادي. مصدر سابق. ص 241.
إن أرقام ونسب التنفيذ الفعلي تدلل على ضعف الطاقة التنفيذية للاقتصاد العراقي, وإلى ضعف اهتمام الحكومة حينذاك بالقطاع الزراعي وتوجيه اهتمامها صوب النفط الخام باعتباره المنتج الأساسي للدخل القومي, علماً بأن المشاريع الصناعية الأخرى لم تجد الاهتمام الكافي أيضاً. ولا بد من الإشارة إلى أن الحكومة القومية لم يتسن لها تنفيذ مشروعاتها حتى نهاية فترة الخطة, إذ أطيح بها في انقلاب قاده حزب البعث في 17 تموز/يوليو من عام 1968 وزج بقادة وكوادر القوى القومية بالسجون وتعرضوا لتعذيب شرس ومديد.
ثالثاً: السياسة الاقتصادية في ظل حكم البعث
بعد نجاح انقلاب حزب البعث توجهت الحكومة إلى انتهاج سياسة الجزرة والعصا إزاء جميع القوى السياسية, سواء أكانوا من القوميين أو البعثيين اليساريين أم من الشيوعيين أم الإسلاميين من جهة, وإلى محاولة تقديم بعض المكاسب للجماهير الشعبية لكسب ثقتها من جهة أخرى, ودأبت خلال تلك الفترة إلى تكريس الفردية في الحكم والاستبداد والقمع نحو الداخل, ومحاولة الانفتاح على الدول الاشتراكية والرأسمالية نحو الخارج, مع إقامة علاقات هادئة نسبياً مع الدول العربية بهدف منعها من الاحتجاج عما كان يمارس من قهر سياسي في الداخل.
وعلى الصعيد الاقتصادي أصدر مجلس قيادة الثورة قانون الإصلاح الزراعي الثاني رقم 117 لسنة 1970, ثم جرى تأميم النفط الخام في عام 1972, إضافة إلى وضع الخطة الخمسية الأولى, وتوفرت له بعد التأميم إمكانيات مالية كبيرة لضخها إلى الاقتصاد العراقي وعملية التنمية وتنشيط السيولة النقدية, إذ أن المجلس كان قد التزم بجملة من السياسات غير العقلانية التي لعبت دوراً كبيراً في نضوج الأزمة الاقتصادية التي كانت ملامحها قد بدأت واضحة منذ أوائل الستينات وتفاقمت تدريجاً وأصبحت مدمرة مع نهاية حكم البعث في العراق. ويمكن تلخيص أبرز معالم تلك السياسة بالنقاط التالية:
1. التوسع الكبير في إنتاج وتصدير النفط الخام لزيادة موارد الدولة المالية واستخدامها لأغراضها السياسية, رغم تجاوز كميات التصدير وعوائدها إمكانيات العراق على استثمارها الفعال.
2. وضع خطط اقتصادية طموحة جداً لا تتماشى مع إمكانيات العراق وحاجاته الفعلية إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية وقائمة على أسس شديدة البذخية والتفريط بالموارد المالية.
3. اعتماد التصنيع على الصناعات التجميعية بشكل خاص وذات الطبيعة الاستهلاكية والكمالية.
4. إغراق الأسواق بالسلع الأجنبية ومن مختلف البلدان وتنشيط النزعة الاستهلاكية لدى المواطنات والمواطنين.
5. إهمال كبير للمناطق المتخلفة من العراق في مجال التنمية الصناعية والزراعية أو الخدمات, وبشكل خاص بعض مناطق الوسط والجنوب وكردستان العراق, رغم توفر الموارد الأولية فيها, ورغم حاجة المنطقة إلى ذلك.
6. توجيه موارد مالية كبيرة جداً لأغراض التصنيع العسكري الواسع من جهة, واستيراد المزيد من الأسلحة غير الدفاعية وتكوين ترسانة كبيرة جداً للأسلحة من جهة ثانية, والبدء بمحاولة إنتاج أسلحة الدمار الشامل أو الحصول عليها من أطراف أخرى من جهة ثالثة. وارتبطت هذه السياسة بنمو الذهنية العسكرية العدوانية لدى النخبة الحاكمة, وخاصة لدى صدام حسين, ومحاولته معالجة المشكلات الداخلية والخارجية بالقوة والعنف والحسم العسكري. كما تم استثمار موارد مالية كبيرة جداً لإقامة مشاريع الطرق والجسور العسكرية والثكنات الخاصة بالمهمات العسكرية في طول البلاد وعرضها. واستورد لهذا الغرض ما يقرب من 2,5 مليون عامل تقريباً من الدول العربية والأجنبية خلال عقد السبعينات.
7. التوسع الكبير في قطاع الدولة الاقتصادي في مختلف القطاعات الاقتصادية والتضييق على القطاع الخاص في بداية الأمر ثم التحول نحوه فيما بعد. وكان الهدف من وراء ذلك تعزيز هيمنة الدولة البعثية على الحياة الاقتصادية وعلى المجتمع بشكل كامل والتحكم بأرزاقهم واتجاهاتهم الفكرية والسياسية.
8. ورغم الضجة المثارة في حينها عن التعاون والتنسيق الاقتصادي العربي والوحدة العربية, أهمل النظام في الواقع العملي التعاون والتنسيق إلى أبعد الحدود, مع بروز نزعة الهيمنة ومحاولة التحكم بالسياسة العربية, خاصة بعد زيارة أنور السادات إلى إسرائيل والتوقيع على اتفاقية كامب ديفيد, بأمل احتلال موقع مصر في السياسة العربية ومنطقة الشرق الأوسط. ومن هذا المنطلق أيضاً أشعل النظام الحرب ضد إيران وغزا الكويت. وقد نجم عنها توفير الأجواء الدولية للحروب التي تعرض لها العراق في عامي 1991 و2003.
لقد سيطرت على ذهنية صدام حسين ونخبته التابعة في بغداد الأهداف التالية في مجالي السياسة والاقتصادية:
• ممارسة سياسة التنمية الانفجارية بهدف تعجيل تطوير العراق اقتصادياً ووفق الآليات الرأسمالية دون الانتباه إلى الواقع العراقي وحاجاته. أدى هذا النهج إلى سيادة الفوضى في إقرار المشاريع وعفوية كبيرة وابتعاد عن كل المعايير والجدوى الاقتصادية في إقامة تلك المشاريع وتوجيه الاستثمارات, إذ أنها ابتعدت كلية عن كل المعايير والقوانين الخاصة بالتطور الرأسمالي وآليات السوق.
• نشوء إحساس بالعملقة لدى صدام حسين وبالقدرة على إقامة الدولة العربية الموحدة تحت قيادة صدام حسين وفكر البعث اليميني, إذ أكدت المجلة الداخلية لحزب البعث (الثورة العربية) الصادرة في السبعينيات على دور القائد صدام حسين ودور البعث وأيديولوجيته القومية ودور الجيش العراقي وأموال النفط العراقية التي ستحقق مجتمعة معجزة الوحدة العربية وفق الرؤية البعثية. وعلى الأمة أن تطيع القائد بصورة مطلقة, فهو المحقق لآمال الأمة وطموحاتها!
• تصفية الساحة العراقية من كل القوى السياسية التي تعيق تحقيق الانفراد بالسلطة وتصفية القضية الكردية عبر الحرب وممارسات أجهزة الأمن القمعية والقوات الخاصة, وتفريغ قانون الحكم الذاتي لكردستان العراق من محتواه وهيمنة قوى الأمن على مجلسه التشريعي.
• العمل من أجل كسب حكومات الكثير من دول العالم والقوى السياسية والصحفيين والصحف إلى جانب سياسة النظام من خلال منحها عقوداً اقتصادية أو تقديم منح مالية وهدايا صدام حسين بأمل شراء سكوتها على ما كان يجري في العراق. لقد كان العراق أشبه بقالب من الكيك, وكان الجميع يسعون إلى الحصول على قطعة منه دون إعارة أي اهتمام لما يحصل لسكان هذا البلد وأصحاب الكيك الأصليين.
• حاول صدام حسين أن يلعب دور المحرك والفاعل والموجه سياسياً في المنطقة العربية ومن ثم في الشرق الأوسط من خلال إزاحة أو إبعاد العناصر والقوى المنافسة له في الدول العربية وتأمين الموارد المالية الضرورية لذلك. وقد مارس الكثير من الأساليب غير المشروعة للوصول إلى هذا الهدف.
وأدت هذه السياسات غير الحكيمة إلى وقوع كوارث كثيرة ألحق أضراراً فادحة بالعراق والعالم العربي.
ولكن ما هي السياسة الاقتصادية التي مارسها صدام حسين بشكل ملموس في العراق وما هي نتائجها؟ سنحاول الإجابة عن هذا السؤال من خلال تناول بعض القطاعات الاقتصادية بالبحث والتدقيق.
قطاع النفط الخام
انتهج حكم البعث سياسة التوسع الكبير في استخراج وتصدير النفط الخام منذ منتصف السبعينيات حتى عام 1989 بشكل يتجاوز إمكانيات العراق على استيعاب تلك الموارد المالية في عملية التنمية. وكان لهذه السياسة أضرارها الفادحة على زيادة اعتماد العراق والدخل القومي على عوائد النفط الخام ومارس سياسة البذخ والتفريط بأموال المجتمع, رغم أن الحروب قد أعاقت هذا النهج. ويمكن للجدول التالي توضيح ذلك.
دور الصناعية الاستخراجية, وبخاصة النفط الخام في تكوين الناتج المحلي الإجمالي
للفترة 1980 - 1989 (مليون دينار عراقي)
السنة الناتج المحلي في الصناعة الاستخراجية* إجمالي الناتج المحلي
بسعر التكلفة التناسب
1 : 2
1976 3100,0 5400,0 57,4
1978 3700,0 7200,0 51,4
1980 9647.5 15647.1 61,6
1981 3295.0 11215.8 29,4
1982 2945.0 12772.0 23,1
1983 2863.8 12895.2 22,2
1984 3565.5 15141.0 23,5
1985 3484.5 15485.4 22,5
1986 2181.2 15419.0 14,1
1987 3594.8 18583.3 19,3
1988 3639.0 20555.6 17,7
1989 3894.8 21820.5 17,8
المصدر: عباس النصراوي د. الاقتصاد العراقي. دار الكنوز الأدبية.بيروت. 1995. ص 25.
زيني, محمد علي د. الاقتصاد العراقي في ظل نظام صدام حسين تطور أم تقهقر.
ط 1. مؤسسة الرافد للنشر والتوزيع. لندن. 1995. ص 290-291
* يشكل النفط الخام أكثر من أكثر من 99,0 % من أجمالي مشاركة الصناعة الاستخراجية.
ومنه يبدو بوضوح بأن الفترة التي سبقت الحرب العراقية-الإيرانية قد رفعت من مساهمة النفط في تكوين الدخل القومي حتى بلغ 61,6% منه في عام 1980. ولكنه سرعان ما تراجع بسبب غزو الكويت وحرب الخليج الثانية وقرار فرض الحصار الدولي حتى بلغ أسوأ أوقاته في النصف الأول من التسعينيات. ثم ابتدأ بالتحسن النسبي منذ بدء تنفيذ قاعدة "النفط مقابل الغذاء" في عام 1996. إذ أنخفض معدل الإنتاج اليومي من النفط الخام إلى 270000 و259000 و 410000 برميل في سنوات 1991 و1992 و1993 على التوالي . واستخدمت الكمية الأكبر منه لإغراض التكرير المحلي. وتشير بعض المصادر إلى أن العراق كان يصدر ما يقرب من 55000 برميل يوميا إلى البلدان المجاورة على أساس المقايضة وتسديد الديون التي بذمته لدى تلك الدول وقبل تنفيذ قرار "النفط مقابل الغذاء". وهذا الانخفاض الكبير جدا في استخراج وتصدير النفط الخام أدى إلى انخفاض شديد في إيرادات العراق السنوية من النفط الخام المصدر بحيث تقلبت من (30.08) مليار دولار أمريكي في عام 1980 إلى (10.6) مليار دولار في عام 1985 , وإلى (14.2) مليار دولار في عام 1989, ثم انخفضت إلي حوالي (6.9) مليار دولار أمريكي في عام 1990, وإلى 380, 326, 364, 365, و370 مليون دولار أمريكي في أعوام 1991-1995على التوالي . ويعني هذا الانخفاض في الموارد المالية النفطية عجز العراق عن استيراد ما تحتاجه الأسواق المحلية من مواد أولية ومواد غذائية أساسية وأدوية ومعدات طبية ومنشآت صناعية ...الخ, إضافة إلى عجزه عن تمويل إقامة المشاريع الاقتصادية التي تحتاج إلى العملة الصعبة لاستيراد معداتها من الخارج, أي حرمان العراق من تأمين التراكمات الضرورية لتنمية الثروة الوطنية. كما أنه كان يعني عجز العراق عن تسديد الديون التي كانت بذمته والفوائد السنوية التي ترتبت عليها, وبالتالي ارتفاع هذه الديون وتراكمها سنة بعد أخرى. ويقترن بهذا أيضا تزايد عدد العاطلين عن العمل وتسارع معدلات التضخم السنوية بسبب الاختلال الشديد الحاصل بين نقص العرض للسلع والخدمات من جهة, وزيادة الطلب عليها من جهة أخرى, وما ترتب عنه من انخفاض في القدرة الشرائية ومستوى معيشة السكان والتي ارتبطت بدورها ببقاء الدخول الشهرية لذوي الدخل المحدود واطئة جدا وعاجزة عن ملاحقة معدلات الارتفاع في الأسعار. وفي الفترة الواقعة بين 1996-2003 ارتفعت صادرات النفط العراقية ولكن عوائدها حجزت في صندوق خاص لدى الأمم المتحدة مما أعاق استخدامها لسد احتياجات العراق الفعلية. فعائدات تصدير النفط الخام ارتفعت من 370 ألف دولار أمريكي في عام 1995 إلى 20,9 مليار دولار أمريكي في عام 2000. ورغم هذه الزيادة في العائدات عجز العراق عن استيراد المواد الضرورية لإدامة وصيانة أو تجديد منشآت ومعدات صناعة استخراج وتصدير النفط الخام, مما قلص من طاقته على تصدير النفط عبر الموانئ وأنابيب نقله. وكانت العرقلة تتم بوعي خبيث عبر لجان المراقبة الدولية على واردات العراق بحجة منع وصول المواد الممنوعة. وقد لعبت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى الدور الأساسي والحاسم في قرارات هذه اللجنة. وتشير المعلومات المتوفرة إلى أن تجديد منشآت النفط وتوسيعها وتحقيق زيادة في إنتاجه وتصديره يتطلب ما يقرب من 15 مليار دولار أمريكي في المرحلة الأولى ومبلغاً مماثلاً في المرحلة الثانية.تاج إلى مبالغ طائلة لتحسين وزيادة طاقة الإنتاج والتصدير.
القطاع الصناعي التحويلي
لم تستند السياسة التصنيعية لحزب البعث الحاكم إلى مبررات وأسس اقتصادية واجتماعية علمية وعقلانية بحيث تساهم في تأمين القاعدة المادية لتطور صناعي يمتلك الحركية الداخلية الضرورية والقدرة على تحفيز النمو والتطور المعجل في بقية القطاعات الاقتصادية, إذ أنها تميزت بالعفوية والفوضوية والبذخية المترفة. ومع ذلك, وبسبب وجود الأموال, أمكن إقامة عدد مهم من المشاريع الصناعية الكبيرة والمتوسطة والصغيرة بمبالغ طائلة قدرت بعشرات المليارات من الدولارات الأمريكية, إضافة إلى التوسع في إقامة مصافي النفط أو توسيع وتحديث القائم منها. وفي ضوء ذلك أزداد عدد العاملين في المنشآت الصناعية التحويلية ومصافي النفط والمنتجات النفطية والصناعات الصغيرة والحرفية. وارتفعت قيمة الإنتاج الإجمالي في الصناعة التحويلية وتحسنت نسبياً مشاركته في تكوين الدخل القومي. وخلال سنوات العقد السبعينات من القرن العشرين أمكن نشر مجموعة من المنشآت الصناعية في العديد من المدن العراقية وخاصة في كل من بغداد والبصرة والموصل وبعض المدن الأخرى. ولعب قطاع الدولة دورا أساسيا في عملية التنمية الصناعية بسبب موارد النفط المالية, في حين جاءت مشاركة القطاع الخاص والقطاع المختلط بالدرجة الثانية والثالثة.
ومن الجدير بالإشارة إلى أن الزيادة في عدد العاملين في الصناعات التحويلية جاء على حساب القطاع الزراعي حيث كانت الهجرة الريفية واسعة جدا إلى المدن خلال تلك السنوات, رغم أنها لم تستطع أن تستوعب الكثير منهم. وقد أثر المنحدر الريفي للعاملين الجدد الذين لم يحصلوا على أي تأهيل صناعي ضروري بشكل سلبي على إنتاجية العمل وعلى عمليات الصيانة والإدامة في تلك المنشآت وعلى وقوع حوادث وإصابات كثيرة أثناء العمل وعلى زيادة العطلات في المكائن وتوقفها عن الإنتاج. وفرضت الدولة على المنشآت الحكومية تشغيل عدد كبير من العمال يفوق حاجتها بكثير بما يؤدي إلى رفع تكلفة الإنتاج وتدهور إنتاجية العمل للفرد الواحد. ويمكن لأرقام قيمة الإنتاج الصناعي التحويلي في هذه الفترة توضيح هذا التطور والتوسع في الإنتاج الصناعي.
تطور مشاركة قطاع الصناعة التحويلية في قيمة الإنتاج المحلي للفترة 1975-1989
(بملايين الدنانير العراقية)
السنة الصناعة التحويلية
بالأسعار الجارية نسبتها إلى الناتج
المحلي الإجمالي الصناعة التحويلية
بالأسعار الثابتة نسبتها إلى الناتج
المحلي الإجمالي
1980 709.0 4,5 709.0 4,5
1981 717.1 6,4 غ.م. غ.م.
1982 949.8 7,4 غ.م. غ.م.
1983 988.6 7,7 غ.م. غ.م.
1984 1255.4 8,3 غ.م. غ.م.
1985 1425.1 9,2 760.0 6,9
1986 1755.8 11,4 722.7 5,9
1987 2071.1 11,1 942.5 6,0
1988 2641.0 12,8 962.1 6,1
1989 2694.2 12,3 861.1 7,3
المصدر: زيني, محمد علي د. الاقتصاد العراقي في ظل نظام صدام حسين تطور أم تقهقر. مؤسسة الرافد للنشر
والتوزيع. لندن. 1995. ص 290/291.
قارن:الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي. الحسابات القومية للبلدان العربية 1975-1987 وتقديرات
1988. الجزء الأول. الجداول القطرية. الكويت مايو 1989. ص 41.
ومنه يستدل على ثلاثة مؤشرات مهمة, وهي:
- الارتفاع الملموس في نسبة مشاركة الصناعة التحويلية في تكوين الناتج المحلي, رغم التقلبات التي طرأت على تلك المشاركة.
- أثرت الحرب العراقية-الإيرانية بصورة مباشرة على تلك التقلبات بالنسبة للنفط الخام والصناعة التحويلية.
- بروز تضخم مفرط تجلى في ارتفاع أسعار تلك الفترة وفي القفزات غير الاعتيادية في قيمة ونسبة مشاركة الإنتاج الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي وفق الأسعار الجارية, في حين كانت نسب المشاركة وفق الأسعار الثابتة أكثر واقعية.
وجدير بالإشارة إلى أن حربي الخليج الثانية بشكل خاص قد عطلت إلى حدود بعيدة القدرة الإنتاجية في الصناعة التحويلية, وأعادت العراق إلى فترة ما قبل التصنيع. فمؤشرات السوق العراقية تؤكد, رغم شحة المعلومات والحجر الحكومي المفروض على نشر الإحصائيات منذ عام 1978 والحكم بالإعدام لمن يخالف ذلك, إلى أن المؤسسات الصناعية العراقية التي نجت من التدمير أو التي أعيد تشغيلها, وهي قليلة عموما, كانت لا تنتج بالمتوسط سوى ربع طاقتها الإنتاجية الفعلية (عدا الصناعات العسكرية التي عادت في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي إلى إنتاج يقدر بحدود 50 % من طاقتها الفعلية) .
وبسبب سياسات النظام والحروب والحصار الاقتصادي تراجع حجم الإنتاج الصناعي التحويلي في عام 1990 كثيرا بالقياس إلى عام 1980. إلا أن الإحصاء الرسمي يشير إلى زيادة طفيفة حيث بلغت قيمة الإنتاج في عام 1990 حوالي 720 مليون دينار عراقي, أي زيادة مطلقة قدرها 11 مليون دينار عراقي أو بنسبة قدرها حوالي 1,6 % بالقياس إلى عام 1980. وهذه الزيادة في الأرقام ناتجة عن استخدام الأسعار الجارية في وضع الإحصائيات, رغم أن الإحصاء الحكومي كان يعترف بتردي قيمة الإنتاج الصناعي في الفترة 1990-2002.
الإنتاج الحرفي
شهد اقتصاد الإنتاج السلعي الصغير (الحرفي) في العراق في فترة السبعينات, وبخاصة بعد عملية تأميم النفط الخام, انتعاشا كبيرا بسبب زيادة الطلب على إنتاج وخدمات هذا القطاع التقليدي. وارتبط ذلك بتزايد موارد النفط الخام وتوجيه نسبة كبيرة منها سنوياً لإقامة المشاريع الاقتصادية ومشاريع الصناعات العسكرية وتنامي حركة بناء العمارات الخاصة بالوزارات والمؤسسات والمنشآت الحكومية ودور السكن الخاصة ومشاريع عمرانية أخرى. وتضاعف خلال سنوات قليلة عدد المشاريع الحرفية وعدد العاملين في هذا القطاع أكثر من مرة, كما جرت عملية تحديث كبيرة وعفوية في وسائل وأساليب إنتاجه, وتطور مستوى العاملين فيه نوعيا ومهنيا, وتحسنت ظروف العمل, إضافة إلى تحقيق هذه الفئة الاجتماعية الدءوبة أرباحا عالية خلال فترة وجيزة. وكانت أرباحها لا تشكل سوى جزء يسير جدا من الأرباح الخيالية التي كانت قد حققتها فئات البرجوازية المقاولة والعقارية والبرجوازية التجارية الكبيرة وبعض شرائح من البرجوازية البيروقراطية والبرجوازية الصناعية المتوسطة, وبشكل خاص خلال سني العقد الثامن والفترة الأولى من العقد التاسع. إلا أن الأرباح الخيالية كانت من نصيب الشركات الأجنبية. ويمكن العودة إلى تقارير وزارة التخطيط وإحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء خلال تلك الفترة (1970-1978) لمعرفة الدفعة القوية التي حظيت بها الصناعات الصغيرة والحرفية في العراق خلال سنوات العقد الثامن والدور الذي لعبته في تأمين نسبة لا بأس بها من حاجات البناء الاقتصادي في العراق وتغطية نسبة مناسبة من حاجات الاستهلاك المحلي, إضافة إلى زيادة عدد العاملين وتحقيق أجور جيدة للعاملين في هذه الصناعات وأرباح عالية لأصحاب المشاريع. إلا أن هذه الفترة التي أطلق عليها بالفترة الذهبية لم تستمر طويلا, إذ انتهت بالنسبة للبرجوازية الصغيرة والبرجوازية المتوسطة مع بداية الحرب العراقية-الإيرانية واستمرارها ثماني سنوات عجاف. فهذه الحرب وحرب الخليج الثانية أتتا على عدد كبير من العاملين في منشآت الإنتاج الحرفي الصغير والمشاريع الصناعية والخدمية الصغيرة, أو ابتعدوا عن الإنتاج والنشاط الاقتصادي بسبب الإفلاس وإصابات الحروب, حيث جند النظام ما يزيد على مليون إنسان في حروبه المجنونة وزجهم في أتون المعارك العسكرية, أو بسبب هروبهم من الخدمة العسكرية والهجرة إلى خارج العراق.
وخلال السنوات التي أعقبت حرب الخليج الثانية تراجع بشكل كبير الطلب على منتجات وخدمات هذا القطاع الاقتصادي الحيوي الذي كان يساهم بنسبة مهمة من حجم الإنتاج الوطني غير النفطي بسبب تراجع الاستثمارات الحكومية وتقلص الاستيراد وتراجع نشاط القطاع الخاص وغياب الشركات الأجنبية. فالتراجع الكبير في الطلب على منتجاته ونشاطه من جانب قطاعات الإنشاءات والتشييد والنقل والصناعة والزراعة والنفط الخام ومصافي النفط أدى إلى تفاقم ظاهرة لجوء أصحاب المشاريع الصناعية الصغيرة والحرفيين إلى سد أبواب ورشاتهم ومحلات عملهم وتصفية نشاطاتهم والانتقال إلى صفوف جيش العاطلين عن العمل أو التفتيش عن مجالات عمل أخرى. وواجهت الغالبية العظمى من العاملين في هذا القطاع مصاعب جمة من أجل استمرار مشاريعهم الصغيرة بالإنتاج, ناهيك عن تطويرها أو زيادة حجم الإنتاج السنوي فيها أو تحسين نوعية ذلك الإنتاج. إن هذه الفئة الاجتماعية التي كانت تلعب دورا مهما في الاقتصاد العراقي وتساهم بحيوية في إنتاج الدخل القومي والثروة الاجتماعية والتي كانت تشكل جزء مهما من الفئة المتوسطة في المجتمع تراجعت اقتصاديا وتحول الكثير من أفرادها ليشكلوا جزء مهماً من الفئات الفقيرة والهامشية في المجتمع.
القطاع الزراعي
أصدر مجلس قيادة الثورة في عام 1970 القانون رقم 117 الخاص بالإصلاح الزراعي, إذ تم بموجبه تعديل القانون رقم 30 لسنة 1959, ومن الناحية النظرية يعتبر القانون الجديد أكثر تقدماً من القانون الأول ومحاولة لمعالجة الأوضاع التي كانت تسير نحو الأسوأ بالنسبة للزراعة وحياة الفلاحين وتموين الأسواق المحلية بالمنتجات الزراعية. وحقق الإنتاج الزراعي نمواً ملموساً في إنتاجه النباتي وتطوراً في ثروته الحيوانية واتساعاً وتحديثاً في أسطول صيد الأسماك بسبب المبالغ الكبيرة التي وجهت لاستصلاح الأراضي وتطوير الري والبزل وغسل التربة من الأملاح. وأمكن خلال النصف الثاني من العقد الثامن التوسع في استيراد المكائن والمعدات الزراعية والبذور المحسنة والأسمدة ومواد المكافحة. ولعبت محطات تأجير المكائن والمعدات الزراعية الحكومية دوراً مهماً في مساعدة الفلاحين على استخدامها, خاصة وأن عدد المرشدين الزراعيين قد نما في الريف بشكل ملموس.
ولكن القطاع الزراعي بدأ يتعرض إلى نكسة جديدة وتراجع عن الجهود التي بذلت والموارد المالية الكبيرة التي صرفت من أجل تطويره لأربعة أسباب جوهرية برزت واضحة في نهاية النصف الثاني من العقد الثامن وقبل بدء الحرب العراقية-الإيرانية بوقت قصير, وهي:
1. التراجع عن تنفيذ قانون الإصلاح الزراعي وبدء استعادة كبار الملاكين وشيوخ العشائر للأراضي التي كانت قد صودرت منهم في السابق, مما أدى إلى حرمان الفلاحين منها. وعبرت هذه السياسة عن حصول تغيير في وجهة التفكير النظام, خاصة بعد أن تسلم صدام حسين القيادة المباشرة في صيف عام 1979, بعد المجزرة البشرية التي نفذها ب 22 من قادة حزيه وحكمه وكوادره الأساسية.
2. تجنيد مئات الآلاف من الفلاحين الشباب في الجيش والشرطة وقوات الأمن والقوات الخاصة وحرمان الريف منهم, إذ لم يبق في الريف سوى النساء والأطفال والرجال من كبار السن والمرضى. خاصة وأن مشاريع البناء وغيرها قد سحبت هي الأخرى أعداداً كبيرة من الفلاحين إلى مختلف المدن العراقية. وعندما بدأت الحرب واستمرت سنوات كثيرة, اتسعت ظاهرة تجنيد الفلاحين وصغار المنتجين في المدن والمثقفين وموظفي الدولة وكل القادرين على حمل السلاح, مما حرم الاقتصاد الوطني من مشاركتهم في الإنتاج والخدمات. وكانت الحروب العراقية الداخلية والخارجية قد أتت على حياة ما يزيد على مليون وربع المليون إنسان, إضافة إلى المعوقين والجرحى والهاربين من العراق.
3. توقف واردات العراق لأغراض تنمية القطاع الزراعي بسبب مصاعب النظام المالية التي تفاقمت تدريجاً منذ بداية الثمانينات وسحب المركبات والساحبات والمعدات الأخرى من القطاع الزراعي ووضعها تحت تصرف الجيش.
4. توجيه الموارد المالية المتوفرة لأغراض استيراد السلع الاستهلاكية لأغراض الجيش واستيراد الأسلحة والتجهيزات العسكرية مما حرم الريف والزراعة من كل دعم وتطوير.
ونتيجة لكل ذلك بدأت الزراعة العراقية تعاني مجدداً من المشكلات السابقة, إذ عجزت عن توفير المواد الزراعية الأولية للتصنيع المحلي والسلع الاستهلاكية بكميات كافية لأغراض الاستهلاك المحلي, مما أجبر النظام على زيادة وارداته الزراعية لتغطية حاجة السوق المحلي والقوات المسلحة. وتفاقمت المحنة بعد صدور قرار فرض الحصار الاقتصادي التي ساهمت في بروز الظواهر التالية:
1. سيادة العلاقات الإنتاجية شبه الإقطاعية في الريف والزراعة العراقية مع وجود جزئي ومحدود للعلاقات الرأسمالية. إذ أن مجموعة صغيرة من كبار ملاكي الأراضي الزراعية وشيوخ العشائر الجدد والقدامى هي التي تستحوذ على مساحات واسعة جداً من أخصب الأراضي الزراعية. وعدد غير قليل من هؤلاء كان من أبناء المسئولين في النظام السابق من الذين تحقق لهم ذلك الاستحواذ وفق قرارات وإجراءات خاصة صادرة عن مجلس قيادة الثورة. وبسبب عدم استتباب الوضع في العراق فأن هذه العلاقات المتخلفة والاستغلالية ما تزال سارية المفعول حتى بعد سقوط النظام.
1 - تقلص كبير جداً في إنتاج المحاصيل الزراعية ومنتجات البستنة من خضر وفواكه, إضافة إلى تدمير أسطول صيد الأسماك وحرق الغابات وتراجع حقيقي في الثروة الحيوانية.
2 - تراجع شديد في خصوبة التربة نتيجة إنهاكها المستمر والتخلي عن استخدام الدورة الزراعية (أو) وبسبب نقص المخصبات وتدهور حالة الري والبزل وغسل التربة والعجز المالي عن توفير إمكانية إدامتها والعناية بها.
4- ارتفاع شديد ومتواصل في أسعار المحاصيل والسلع الزراعية لصالح المحتكرين من التجار المهيمنين على السوق.
5. إن المتضرر الرئيسي من وراء كل ذلك هم الفلاحون الفقراء الذين حرموا من الأرض وشردوا إلى المدن أو الذين يعملون لدى المستحوذين على الأراضي الزراعية, وهي التي ما تزال تدفع بالفلاحين إلى المدن للحصول على فرص عمل, رغم استحالة ذلك في الوقت الحاضر.
6 - تفاقم حالة التمايز الطبقي في الريف, وبشكل خاص بين فئات كبار ملاكي الأراضي الزراعية وأغنياء الفلاحين من جهة وبين الفئات الفقيرة والعمال الزراعيين من جهة أخرى. وتشير المعلومات إلى أن درجة استغلال الفلاحين من جانب كبار الملاكين وأغنياء الفلاحين آخذة بالاشتداد وليس هناك من يدافع عنهم أو يسترد بعض حقوقهم, خاصة وأن جيش العاطلين كبير جدا, وان هذه الفئات تحاول, كما يبدو, الانتقام من الفلاحين الفقراء والعمال الزراعيين بسبب تأييدهم السابق لقانوني الإصلاح الزراعي الأول والثاني.
العلاقات الاقتصادية الدولية للعراق
تسنى لنظام البعث أن يقيم خلال فترة زمنية قصيرة شبكة واسعة من العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية على المستويين الإقليمي والدولي, وبخاصة منذ النصف الثاني من العقد الثامن. ولعبت موارد النفط المالية أولا, والأجهزة السياسية والاقتصادية والفنية والأمنية التي أقامها لهذا الغرض والحركة النشيطة غير البيروقراطية والمرنة لهذه الأجهزة ثانيا, دورا كبيرا في تأمين التوسع المستمر لتلك العلاقات. وكانت أهداف هذا التوسع في العلاقات متنوعة وذات وعي وهدف مسبقين لما يريده النظام منها لاحقا. وساهمت هذه العلاقات بدور إيجابي فعال في رفع معدلات النمو الاقتصادي وتسريع عملية التنمية وتنامي تجارته الخارجية. ولكنها ساهمت في الوقت نفسه بدور سلبي إزاء إقامة المجتمع الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان وتكريس دولة القانون والشرعية الدولية أولا, وفي إثارة الفوضى في النشاط الاقتصادي, كما لم تساعد على تخفيف التشوه والتبعية التي بقى العراق يعاني منهما ثانياً.
اتسعت علاقات العراق الاقتصادية والتجارية والفنية الخارجية مع الدول الرأسمالية والاشتراكية ومع الكثير من البلدان النامية, ولكنها بقيت محدودة وجزئية مع الدول العربية. واتخذ هذا التوسع أبعاداً جديدة بعد تأميم المصالح الأجنبية في النفط العراقي وبدء زيادة إنتاج وتصدير النفط الخام والتعديل الكبير الذي حصل على أسعاره عالمياً. وكان التوسع مع الدول الرأسمالية المتقدمة في مجال العقود التجارية وعقود إقامة المشاريع الاقتصادية والخدمات وشبكات الري والبزل كبيراً جديداً وحاسماً. ويمكن للجدول التالي أن يوضح نسب التبادل التجاري العراقي لبعض سنوات فترة السبعينات وتوزيعها الجغرافي للفترة 1970-1980:
تطور التبادل التجاري العراقي خلال الفترة 1970-1980 بالنسب المئوية
البيان الصادرات بالنسب المئوية الواردات بالنسب المئوية
السنة 1970 1972 1974 1976 1978 1980 1970 1972 1974 1976 1978 1980
الدول العربية 8,2 5,8 3,8 4,9 4,8 5,1 7,1 6,1 3,7 1,8 1,7 5,2
الدول الرأسمالية 80,9 78,5 72,0 68,1 66,6 59,4 54,1 51,3 61,6 78,5 79,6 78,1
الدول الاشتراكية 4,4 2,0 3,9 7,1 7,8 0,1 26,9 28,1 14,6 10,3 10,9 3,4
الدول النامية 6,5 13,7 20,3 19,9 20,8 35,4 11,9 14,5 20,6 9,4 8,1 14,6
المجموع 100,0 100,0 100,0 100,0 100,0 100,0 100,0 100,0 100,0 100,0 100,0 100,0
قارن: رشيد, عبد الوهاب حميد د. التجارة الخارجية وتفاقم التبعية العربية. الدراسات الاقتصادية معهد الإنماء العربي. الكويت. بيروت. 1984. ص
168 و178.
ومنه يتبين أن الدول الرأسمالية قد هيمنت على القسم الأعظم من الصادرات والواردات تليها البلدان الاشتراكية ثم البلدان النامية فالدول العربية. ويلاحظ أن واردات العراق من الدول الاشتراكية قد انخفضت بشكل خاص في عام 1980 بسبب إيقاف تصدير الأسلحة إلى العراق مع اندلاع الحرب العراقية-الإيرانية, في حين ازدادت مع الدول الرأسمالية منذ عام 1976 وتواصلت في فترة الحرب العراقية الإيرانية أيضاً. وكانت أضعف الحلقات في التبادل التجاري العراقي هي الدول العربية.
وعرف الميزان التجاري خلال الفترة الواقعة بين 1975-1990 وفرة واضحة بسبب صادرات النفط الخام ثم تراجعت ابتداء من عام 1981 لتستمر حتى عام 1987 ثم تظهر الوفرة لتتراجع في الفترة اللاحقة وخاصة في فترة التسعينيات حيث بدأت مديونية العراق بالتفاقم. ويمكن للأرقام التالية توضيح ذلك.
جدول يوضح تطور صادرات وواردات العراق للفترة الواقعة بين 1975-1990 (مليون دولار أمريكي)
السنة قيمة صادرات النفط قيمة الواردات الوفرة العجز
1975 6854 8302 - 1448
1976 8435 5811 2624 -
1977 11601 8574 3027 -
1978 13467 7251 5946 -
1979 16843 11784 5059 -
1980 33903 16857 17046 -
1981 12150 23934 - 11784
1982 11230 28311 - 17081
1983 9783 10960 - 1177
1984 11401 9979 1422 -
1985 10392 10559 - 167
1986 7455 8905 - 1450
1987 9618 7292 2326 -
1988 9613 9287 326 -
1989 2185 9600 2585 -
1990 10479 6378 4101 -
المصدر: 1) الحسابات القوية للبلدان العربية 1975-1987 وتقديرات 1988 الجزء الثاني. الجداول التجميعية, ص 96 وص103. الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي, الكويت مايو/ أيار 1989.
2) التقرير الاقتصادي العربي الموحد 1992, الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي, الكويت 1993. , ص 329.
ويفترض أن نشير هنا إلى الحقائق التالية:
- أهتم النظام العراقي بإقامة مشاريع اقتصادية إنتاجية وغير إنتاجية بذخية في مختلف فروع الاقتصاد الوطني غير متجانسة مع حاجات وإمكانيات العراق الفعلية ومستوى تطوره البشري والتقني, أي تفاوتها الكبير مع مستوى تطور القوى المنتجة المحلية بشكل عام.
- استيراد كميات هائلة من السلع الاستهلاكية بمبالغ طائلة وإغراق الأسواق المحلية بها والعمل المنظم والهادف إلى تنشيط النزعات الاستهلاكية والبذخية في المجتمع والتي كان لها تأثيرها السلبي المباشر على سلوكية الفرد العراقي وموقفه من اتجاهات التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
- كما خصص القسم الأكبر من إيرادات النفط الخام لصالح تنمية وارداته السنوية المختلفة. ورغم تلك الزيادة في قيمة وارداته واصل ميزانه التجاري تسجيل وفرة متطورة من سنة إلى أخرى خلال الفترة الواقعة بين 1975-1980 بسبب ضخامة كميات النفط المصدرة سنويا.
- وأن أول عجز ظهر في ميزانه التجاري قد اقترن بالحرب العراقية-الإيرانية.
- ويعتبر عام 1981 بداية نشوء مديونية العراق الخارجية, سواء تلك التي يدفع عنها فوائد عالية ومتراكمة سنة بعد أخرى أو تلك الديون التي منحت له من الدول العربية التي كانت لها مصلحة مباشرة بالحرب ضد إيران والتي ساهم بعضها بتزويده أموالا أخرى لمواصلة وتطوير أبحاثه النووية. واعتبر النظام العراقي المخلوع, وكان على حق في هذا, أن هذه الديون غير قابلة للتسديد وتعتبر ميتة.
- ومنذ عام 1986 بدأ الميزان التجاري العراقي يسجل مرة أخرى وفرة ولكنها لم تكن كافية بأي حال لتغطية حاجات العراق لمواصلة الحرب أو فيما بعد لإعادة تعمير ما خربته تلك الحروب, والتي كانت بداية التحرش بالكويت وضمن أسباب غزوها.
وقبل الحرب العراقية-الإيرانية وخلالها وبعد إيقافها وجه العراق موارد مالية كبيرة جدا لصالح إقامة أكبر ترسانة للأسلحة التقليدية الحديثة في العراق ولصالح إقامة وتطوير الصناعات العسكرية. وتشير المعلومات المتوفرة إلى أن العراق خلال الفترة الواقعة بين 1976-1990, أي مع بدء ارتفاع موارد النفط الخام السنوية وحتى سنة غزو الكويت, قد صرف المبالغ التالية للإغراض العسكرية, وبضمنها واردات أهم الأسلحة التقليدية الحديثة. وغالباً ما كانت مصروفات استيراد الأسلحة أو تصنيعها وتلك المخصصة للأغراض العسكرية لا تظهر في أقيام الواردات. ويمكن متابعة تلك الأرقام في الجدول التالي:
تطور المبالغ السنوية المصروفة للأغراض العسكرية
في العراق خلال الفترة 1976-1990
السنة المصروفات/ مليون دولار $ 1996 = 100
1976 2584 100,0
1977 2700 104,5
1978 2556 98,9
1979 3235 125,2
1980 3353 129,8
1981 14007 542,1
1982 21952 849,5
1983 28596 1106,6
1984 31590 1222,5
1985 23506 909,7
1986 16531 639,7
1987 17073 660,7
1988 12868 498,0
1989 10720 414,9
1990 9268 358,7
الإجمالي * 200539 -
المتوسط السنوي 13369 -
المصدر: التقارير السنوية لمعهد ستوكهولم لبحوث السلام للفترة 1981-1991
*) يضاف إلى هذا المبلغ 50 مليار دولار أمريكي وجهت لأغراض استيراد وإنتاج
أسلحة الدمار الشامل في العراق حسب إحصائيات سبري. ويزداد عندها المتوسط
السنوي ليصبح 16,7 مليار دولار أمريكي سنوياً
ويفترض أن يشار هنا إلى أن خزينة الدولة قد تعرضت لأساليب نهب شرسة وواسعة من خلال توقيع العقود الخاصة بتوريد السلاح أو إقامة المنشآت والثكنات العسكرية وعقود إقامة المشاريع الصناعية العسكرية من جانب قيادات الحزب القومية والقطرية وبعض كبار موظفي الدولة من العسكريين والمدنيين. ولم يكن هذا بعيداً عن علم صدام حسين.
لقد لعبت هذه السياسات دورا كبيرا في استنزاف نسبة عالية جدا من إيرادات النفط الخام وقلصت القدرات التراكمية المتاحة فعلا لإغراض التثمير الإنتاجي وساهمت في توفير مستلزمات ممارسة السياسات المغامرة للنظام والتي أدت إلى الانهيارات اللاحقة والتي يعاني من نتائجها الشعب كله في الوقت الحاضر. وعادت إيرادات النفط العراقية مرة أخرى إلى اقتصاديات تلك الدول التي استوردت النفط الخام أساسا, وهي الدول الرأسمالية المتقدمة وبعض الدول الاشتراكية قبل انهيارها. وإذا كانت المجموعة الأولى من الدول قد جنت من جراء ذلك أرباحا عالية جدا وخيالية بالقياس لواقع وإمكانيات العراق, فأن أرباح المجموعة الثانية, الإتحاد السوفييتي وبقية البلدان الاشتراكية حينذاك, لم تكن سوى فتات موائد. ومع ذلك فإن تلك الدول كانت من بين أهم المتعاملين الأساسيين مع النظام وبخاصة في مجال استيراد وتصنيع الأسلحة والمعدات العسكرية الأخرى. وكان الشعب العراقي هو الخاسر الأكبر في موارده النفطية والمالية والبشرية من وراء كل ذلك, بما في ذلك عمليات تدمير لأسلحته الكيميائية والجرثومية والصواريخ وبعض التجهيزات الخاصة بالنشاط النووي حيث تحمل العراق تكاليف ذلك التدمير وتكاليف اللجان المشرفة عليه والمنفذة له في العقد السابق.
قطاع الدولة والقطاع الخاص
كان الموقف من قطاع الدولة ودوره وسعة نشاطه يشكل واحدا من أبرز الصراعات الاقتصادية والاجتماعية بين القوى السياسية والاجتماعية المختلفة في العراق منذ أربعينات هذا القرن, ثم اتخذ إبعادا جديدة بسبب تطور قدرات الدولة المالية التي ارتبطت بوجود النفط واستخراجه وتصديره من جانب الشركات الأجنبية وهيمنة الأخيرة على القسم الأعظم من تلك الثروة نفطا ومالا, والحد الفعلي الكبير من قدرة العراق على استخدام النفط وموارده المالية في التنمية الوطنية وفي إغناء الثروة الاجتماعية وفي تعزيز الاستقلال والسيادة الوطنية. وأتخذ هذا الصراع إبعادا جديدة في أعقاب ثورة تموز عام 1958 وفي الانقلابات السياسية التي أعقبتها. واعتبر الموقف المساند لزيادة دور ونشاط قطاع الدولة في مختلف فروع الاقتصاد الوطني, إضافة إلى موضوع التصنيع وحل المسألة الزراعية والموقف من شركات النفط الأجنبية ومن الرأسمال الأجنبي ونشاطه في اقتصاديات البلاد, واحدا من أكثر المعايير أساسية في تقييم السياسة الوطنية والقومية لهذا الحزب أو تلك الجماعة السياسية, بغض النظر عن مستوى الأداء في هذا القطاع وعن النتائج المترتبة عن نشاطه ودوره والفئات الاجتماعية التي يخدمها أو مدى مساهمته في إغناء الثروة الاجتماعية أو بالأساس طبيعة السلطة وسياساتها الاقتصادية والاجتماعية والمصالح التي تمثلها وتدافع عنها. ولم يشذ عن هذه القاعدة حكم البعث بعد وصوله إلى السلطة بانقلاب عسكري في عام 1968 ضد السلطة التي كانت تمثل بهذا القدر أو ذاك الاتجاه القومي الناصري في العراق, إذ كان هذا الاتجاه قد أبدى اهتماما خاصا بقطاع الدولة الاقتصادي التزاما بنهج عبد الناصر وتماثلا مع اتجاه التطور في مصر حينذاك والقناعات الخاصة لبعض المشاركين في الحكم أو المساندين له. وقد بادرت القوى القومية الحاكمة حينذاك إلى إصدار تشريع التأميمات في تموز/ يوليو من عام 1964 التي شملت جميع القطاعات الاقتصادية الأساسية في الاقتصاد العراقي وبخاصة القطاع الصناعي والمصارف والتأمين والنقل والتجارة. وكانت الضربة الأساسية قد توجهت في حينها إلى البرجوازية الوطنية المتوسطة التي كانت تتعاطف مع حكم عبد الكريم قاسم والتي اتخذت مواقف سلبية من الحكم ومن النشاط الاقتصادي . ومع ذلك فلم يكن الوضع الاقتصادي يتحمل حينذاك مثل هذه الإجراءات وأثرت بشكل شديد على مواقف ونشاط البرجوازية الوطنية عموما. وكانت تلك الإجراءات لا تبتعد كثيرا عن محاولة التماثل مع إجراءات التأميم الواسعة التي بدأ بها جمال عبد الناصر في عام 1961 وواصلها حتى عام 1965 وتوجهت ضد أغلب فئات البرجوازية المصرية وبخاصة الكبيرة والمتوسطة .
وساهمت التغيرات التي وقعت على قطاع النفط الخام في النصف الأول من العقد الثامن, وبشكل خاص موجة التأميمات في الأقطار العربية واستخدام التأميم كسلاح في النضال ضد الهيمنة الأجنبية وفي سبيل تحقيق المصالح العربية وتعديل أسعاره وزيادة حجم الإنتاج والتصدير, بدور مهم في تأمين ارتفاع كبير في موارد العراق المالية السنوية وإلى زيادة دوره وتوسيع مجالات نشاط قطاع الدولة. كما ساهمت عوامل ضعف البعث وهزال قاعدته الاجتماعية والسياسية والرغبة في الهيمنة على الاقتصاد العراقي في دفع مجلس قيادة الثورة إلى رفع مكانة ودور قطاع الدولة ليحتل المركز الأول في مجالات كثيرة حتى أوائل العقد التاسع. وبلغت أهمية قطاع الدولة النسبية 81,4% في العام 1980, و59% في قطاع الدولة التجاري و59% بالنسبة للعاملين في قطاع الدولة . ومع ذلك بقي القطاع الخاص يحتل مكانة مهمة في الاقتصاد الوطني باستثناء قطاع النفط الخام, كما احتل قطاع الدولة المركز الأول في تحقيق رأس المال الثابت الإجمالي بسبب موارد النفط المالية العائدة للدولة. يشير الدكتور عباس النصراوي إلى ذلك فيقول: "فعلى الرغم من تمكن القطاع الخاص عام 1981 تحقيق ما نسبته 20% من تكوين رأس المال الثابت الإجمالي, 1/3 الناتج المحلي الإجمالي, 15% من إجمالي الواردات, فقد تباينت مساهمة هذا القطاع بشكل ملحوظ. ففي عام 1981 على سبيل المثال ساهم القطاع الخاص بما يقارب 49% من الناتج المحلي المتولد في القطاع الزراعي, 45% بقطاع الصناعة التحويلية, 44% بالتجارة الداخلية, 72% بقطاع النقل والمواصلات" . كما كانت مشاركة القطاع الخاص بقطاع التشييد 95,3%, وبالقطاع الاستخراجي 1,3% فقط .
وتميز التوسع الكبير في قطاع الدولة الاقتصادي بالسمات التالية:
• عفوية كبيرة في إقرار الاستثمارات والمشاريع الاقتصادية والابتعاد عن دراسة فعلية للجدوى الاقتصادية والاجتماعية من إقامتها.
• ضعف الإدارة الاقتصادية للمشاريع الحكومية وتدخل فظ من جانب الدولة في تحديد نشاط هذا القطاع والأيدي العاملة فيه وأسعاره دون العودة أو الأخذ بنظر الاعتبار آليات السوق ومصلحة الاقتصاد الوطني والربحية الضرورية لبعض مجالات نشاطه.
• تحمل الدولة خسائر فادحة كانت تدفع من موارد النفط المالية بسبب عدم اعتماد تلك المشاريع على المحاسبة الاقتصادية العقلانية والمتابعة والمراقبة والسعي إلى تقليص التكاليف ورفع إنتاجية العمل وتحسين النوعية. فالمعايير الاقتصادية كانت مفقودة تماماً.
• تضخم الجهاز الإداري والفني والقوى العاملة في المشاريع الحكومية التي كانت تلتهم موارد الدولة دون أن تقدم مساهمة فعالة في القيمة المضافة. ومن الجدير بالإشارة إلى أن جهاز الدولة في السلك المدني الاقتصادي وغير الاقتصادي قد تضخم بشكل استثنائي خلال الفترة الواقعة بين 1969-1978 مثلاً, إذ ارتفع العدد من 346000 إلى 662856 موظف ومستخدم , وارتفع هذا العدد في الفترة اللاحقة ثم بدأ بالتقلص الكبير في أعقاب الحرب العراقية-الإيرانية.
• البذخ في إقامة المشاريع الاقتصادية لقطاع الدولة وحصول تأخر كبير في إنجازها كان يرفع من تكاليف إنجازها. وكان على الطرف العراقي في غالب الأحيان تحمل الفرق في التكاليف بسبب عجز مؤسسات الدولة على تأمين انسياب سريع للمعدات والمواد الأولية إلى العراق. وكانت غالبية المشاريع تمنح للشركات الأجنبية المتعددة الجنسية على أساس تسليم المفتاح, مما أعاق عملية تطوير الخبرة وتكوين الكادر الفني العراقي وإلى بروز مصاعب كبيرة في تشغيلها وإدامتها.
وبدأ دور قطاع الدولة الاقتصادي بالتراجع المتسارع لعوامل كثيرة بسبب تفاقم المشكلات الاقتصادية لتلك المشاريع وتفاقم الخسائر المالية وعجز الدولة عن توفير الأموال اللازمة لدعمها مما دفع بها إلى بيع الكثير من تلك المشاريع إلى القطاع الخاص التي استأثر بها أعوان وأقارب أو حاشية النظام المخلوع, إذ أنها بيعت بأبخس الأثمان, خاصة وأن النظام العراقي كان بحاجة ماسة إلى الأموال لتمويل حروبه الخارجية . وفي ضوء هذه الإجراءات والأوضاع تراجع دور قطاع الدولة وتقلصت قاعدته الاقتصادية وانخفضت أهميته النسبية إلى 63% في العام 1989 وفي القطاع الدولة التجاري إلى 0,3% وللعاملين في قطاع الدولة إلى 21,4% . وارتفعت الأهمية النسبية للقطاع الخاص في مختلف المجالات وعلى حساب تقلص مكانة ودور قطاع الدولة الاقتصادي. واتخذت عملية التراجع أبعاداً كبيرة في العقد الأخير من القرن العشرين, بحيث لم يعد يلعب دوراً ملموساً ومهماً في الحياة الاقتصادية للبلاد, في ما عدا في مجال البنوك وشركات التأمين.
رابعاً: عواقب السياسات الاقتصادية والاجتماعية في العراق
كانت لهذه السياسات عواقب واضحة إذ أنها عمقت الأزمة ودفعت بها إلى نهاياتها المنطقية بسبب ما نشأ من اختلالات كبيرة في العملية الاقتصادية في العراق. والتي يمكن بلورتها في الملاحظات التالي:
* تفاقم ظاهرة الاختلال في توزيع وإعادة توزيع الدخل القومي وفي سوء استخدامه بما أدى إلى أعاقة تحقيق نمو اقتصادي معجل ورفيع. وتجلى هذا الاختلال
- اختلال العلاقة بين الاستثمار والاستهلاك لصالح الأخير وإعاقة عملية التراكم الرأسمالي؛
- اختلال العلاقة في توزيع الاستثمارات بين القطاعات الاقتصادية المختلفة؛
- واختلال في توزيع الاستهلاك بين الفردي والاجتماعي؛
- اختلال في توزيع الاستثمارات بين المناطق الاقتصادية المختلفة مما ساهم في تعميق فجوة التطور في ما
بين المدن العراقية وبين المدينة والريف؛
- وتسبب كل ذلك في خلق سلسلة من الاختلالات الأخرى في العلاقة بين القطاعات الاقتصادية المختلفة وفي مدى الاستفادة من الخدمات الحكومية من جانب الفئات الاجتماعية وخاصة الكادحة منها.
* وأثرت هذه الاختلالات, بسبب تجاهل القوانين الاقتصادية وآليات السوق, على معدلات النمو الاقتصادي وعلى العلاقة بين الأجور والأرباح في الدخل القومي وتفاقم الفجوة الداخلية بين الأغنياء والكادحين من السكان وتسببت في تنامي التناقض والصراع الاجتماعي, وتجلى أيضاً في ضعف القدرة الشرائية للغالبية العظمى من السكان, وخاصة بعد فرض الحصار الاقتصادي الدولي على العراق, كما وجد تعبيره في زيادة معدلات التضخم وارتفاع الأسعار وانخفاض سعر صرف الدينار العراقي مقابل العملات الصعبة. لقد سحق التضخم المفرط والبطالة الواسعة الغالبية العظمى من الشعب العراقي, ولكنه في الوقت نفسه كون فئة صغيرة من أصحاب السحت الحرام والقطط السمان من أتباع النظام وحاشيته. ويمكن للأرقام التالية أن تشير إلى أوضاع الأسر العراقية المعيشية بين عامي 1988 و1993 وفق ما هو متوفر من أرقام والتي اتخذت أبعاداً أسوأ في السنوات اللاحقة حتى سقوط النظام.
معدلات دخل الأسر الشهرية بالدينار العراقي
التفاصيل 1988 نسبة الأسر إلى المجموع 1993 نسبة الأسر إلى المجموع
الدخل دون المتوسط 337,4 56,0 73,9 62,0
الدخل المتوسط 417,7 7,5 144,9 6,3
الدخل فوق المتوسط 533,2 36,1 288,5 31,0
المصدر: رسول, فائق علي د. تقرير التنمية البشرية في العراق 1995. بغداد. جمعية الاقتصاديين العراقيين. 1995. ص 74.
ويفترض أن نشير هنا إلى ملاحظة مهمة, وهي أن سعر صرف الدينار العراقي في عام 1988 كان يعادل 3,28 دولار أمريكي في حين أصبح الدولار الأمريكي الواحد يعادل في عام 1993 أكثر من 37,7 دينار عراقي, ثم ارتفع في عام 1995 إلى 706 دينار عراقي وفي عام 1996 إلى 3000 دينار عراقي .
* وبرز بوضوح كبير مدى الأخطار المرتبطة باعتماد الاقتصاد العراقي على عوائد النفط الخام في تكوين القسم الأعظم من الدخل القومي وانكشافه على الخارج استيراداً وتصديراً, إضافة إلى عجز الاقتصاد الوطني عن توفير الأمن الغذائي من خلال قطاعي الزراعة والصناعة.
* وساهم هذا الواقع بانتشار المزيد من الأمراض الاجتماعية التي ارتبطت بالحروب والشحة والفقر, مثل الرشوة والمحسوبية والمنسوبية ونهب قطاع الدولة وتزايد مظاهر الجريمة المنظمة والعهر وتعاطي المخدرات والأمراض النفسية والعصبية في المجتمع وهجرة واسعة جداً نحو الخارج قدرت بما يقرب من 3 ملايين إنسان.
* وأخطر ما نشأ في العراق من ظواهر سلبية هي تلك التي ركزت على العشيرة والدين والمذهب بدلاً من المواطنة العراقية, إذ كان النظام وراء تشجيع مثل هذا التحزب للعشيرة والمذهبية بسبب ممارسته لسياسات عنصرية وشوفينية وطائفية.
* كما أدت سياسات النظام إلى انقسام شديد في العالم العربي إزاء سياسة العراق وأوضاعه وإلى توقف ملموس أو تعطل في العمل العربي المشترك في مستويات ومجالات مختلفة وخاصة في المجال الاقتصادي مع العراق, وإلى سقوط العراق في عزلة شديدة وقاسية على المجتمع, كما شوه النظام قدسية مفهوم ومضمون الوحدة العربية بغزوه الكويت ومحاولة فرض الاندماج القسري عليها.
خامساًً: رؤية حوارية في سبل مكافحة الأزمة المستفحلة
بعد أن تطرقنا إلى أسباب بروز الأزمة وأشكال ظهورها والعواقب التي ترتبت عنها حتى الآن على الاقتصاد والمجتمع العراقي, سنحاول في هذه الفقرة الإجابة عن السؤال التالي: ما هي المهمات التي تواجه المجتمع في الحقل الاقتصادي والتي يفترض فيها معالجة الأزمة الراهنة؟
يفترض أن تتوزع الإجابة عن هذا السؤال على اتجاهين: أ) مهمات فترة الانتقال؛ ب) مهمات ما بعد فترة الانتقال أو على المدى المتوسط التي يفترض أن ترتبط بوضع الدستور الدائم وانتخاب المؤسسات الدستورية الديمقراطية لجمهورية فيدرالية وتشكيل حكومة شرعية من قبل المجلس الوطني واستكمال بناء المؤسسات التنفيذية والقضائية وإنهاء وجود القوات الأجنبية. ولكن سأحاول البحث في جانبين وهما: المبادئ والأسس التي يفترض أن تعتمد عليها الجمهورية الخامسة في العراق لتحديد وجهة التطور الاقتصادي والاجتماعي والنهوض بهما أولاً, والمهمات التي يفترض معالجتها في الاقتصاد العراقي للتخلص من بقايا الماضي البغيض الذي خلفته الدكتاتورية الغاشمة ثانياً.
أ. المبادئ والأسس
* الأخذ بمبدأ اقتصاد السوق الحر من جهة, وضمان الاستفادة القصوى من إمكانيات قطاع الدولة من جهة ثانية, وضمان ممارسة سياسة اقتصادية اجتماعية تأخذ بنظر الاعتبار الأوضاع المعيشية والدخل الفعلي للجماهير الواسعة وانتشار العوز والفقر والحرمان وتفاقم الفجوة بين الفقراء والأغنياء. أي يفترض الأخذ بموضوعة "اقتصاد السوق الحر الاجتماعي" الذي يمكن أن ينسجم مرحلياً مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي في العراق في أعقاب الخلاص من نظام الاستبداد والجوع والحرب والموت. أي الاهتمام بسياسة الدعم لأسعار سلع وخدمات حيوية لأوسع أوساط الجماهير وسياسة الأجور وتحديد ساعات العمل والضمان الصحي وعند الشيخوخة وراتب التقاعد ...الخ, بهدف تجنب تفاقم التناقضات الاجتماعية واشتداد الصراعات السياسية وفض النزاعات بالطرق السلمية ووفق آليات ديمقراطية مجربة. ليس هناك ما يقف بوجه ممارسة سياسة اقتصاد السوق الحر التي تنسجم مع واقع المرحلة والحاجة. ولكن هذا لا يعني نقل وممارسة السياسات الاقتصادية للولايات المتحدة في العراق, الذي خرج لتوه من نظام استبدادي وعدة حروب وحصار اقتصادي مديد وفقر مريع وجوع عتيق. نعم, فالعراق بحاجة اليوم إلى بناء العلاقات الإنتاجية الرأسمالية على أنقاض العلاقات الإنتاجية شبه الإقطاعية, ولكن وفق الظروف الملموسة للبلاد لا وفق رغبات الرأسماليين الأمريكيين وسياساتهم العولمية الجارية. فالصيغة الأخيرة تخلق المزيد من المشاكل وتعقد المسيرة الراهنة, لأنها تتجاوز حتى على "برنامج التثبيت الاقتصادي والتكيف الهيكلي" الذي يطرحه كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على البلدان النامية للأخذ به بغض النظر عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يخلقها هذا النموذج لتلك المجتمعات. وهذه الرؤية المتزمتة تعبر عن ذهنية المحافظين الجدد الأكثر تشدداً في الإدارة الأمريكية الراهنة والداعية إلى تنفيذ سياسة اللبرالية الجديدة في سائر أرجاء العالم.
* تستوجب الحالة الاقتصادية الراهنة في العراق أن يلعب قطاع الدولة دوراً نشيطاً وفعالاً إلى جانب القطاعين الخاص والمختلط المحليين, في مجال اقتصاد النفط الخام والمصافي وفي تأمين البنية التحتية للنشاط الاقتصادي والتنمية الوطنية, خاصة وأن الدولة مالكة للثروة الأولية وممولة جيدة في المستقبل القريب. كما أن العراق سيبقى بحاجة ماسة إلى نشاط القطاعين الخاص المحلي ودفعه وتحفيزه لاستثمار رؤوس أمواله في النشاط الاقتصادي الإنتاجي والخدمي وفي مختلف فروع الاقتصاد الوطني وفي مناطق ومحافظات العراق المختلفة, واستعادة رؤوس الأموال العراقية الموظفة حالياً في البنوك الأجنبية وتوظيفها في الداخل.
* وسيكون العراق بحاجة ماسة إلى الاستثمارات العربية والأجنبية شريطة أن تتحدد الأسس والمعايير لنشاط هذا القطاع, وهذا لا يعني الحد من نشاطها بقدر تأمين رؤية واضحة عن نشاطها الواسع المحتمل. ولا بد للمشرع العراقي أن يضع في مقابل فتح الأبواب أمام رؤوس الأموال الأجنبية واتساع قاعدة ونشاط القطاع الخاص الأجنبي برنامجاً اجتماعياً مهماً يحمي من خلاله مصالح العمال والفلاحين والفئات الكادحة وصغار المنتجين والعاملين في مختلف أجهزة الدولة. وأن تكون هناك نقابات عمالية قوية قادرة على الدفاع عن مصالح المنتجين للخيرات المادية في البلاد, إضافة إلى وضع نظام ديمقراطي متقدم وآلية للتفاوض الديمقراطي السلمي من أجل فض النزاعات التي تنشا بين أصحاب رؤوس الأموال والعمال والمستخدمين في مختلف فروع الاقتصاد الوطني وفي أجهزة الدولة. فالانفتاح الفعلي على الاستثمارات الأجنبية يفترض أن لا يعني السماح بغزو اقتصادي أجنبي يهدف إلى الهيمنة الكاملة والفعلية على الاقتصاد العراقي وحرمان المستثمر المحلي, الحكومي والخاص والمختلط, من القدرة على التوظيف بسبب قوة القدرة التنافسية لدى المستثمر الأجنبي أو حرمان أصحاب رؤوس الأموال الوطنية في الدول العربية من استثمار رؤوس أموالهم في الاقتصاد العراقي.
* وأن سياسة الدولة الاقتصادية يفترض أن تتجه صوب تقليص الاعتماد على الموارد المالية لقطاع النفط الخام في إطار برنامج بعيد المدى بعد أن برزت بوضوح مخاطر الاقتصاد الوحيد الجانب. أي تنمية دور قطاعي الصناعة والزراعة في تكوين الدخل القومي وتوجيه استثمارات جيدة لتطويرهما.
* إيلاء الاهتمام الضروري بتغيير بنية الاقتصاد الوطني من جهة وتحقيق التطور المتوازن بين مختلف المحافظات والأقاليم في العراق من جهة أخرى, بما يخفف ثم ينهي التمايز الكبير القائم في ما بينها.
* توسيع التعاون مع الدول العربية لصالح زيادة التعاون والتنسيق الاقتصادي’ التجاري والفني, والعلمي والثقافي.
* ويتطلب الإصلاح الاقتصادي إجراء تغيير واسع النطاق في النظام الإداري وأجهزة الإدارة الاقتصادية في البلاد وتحديثها وفق أسس علمية, تلعب فيها الديمقراطية واللامركزية والمسؤولية الفردية والجماعية والمشاركة في النشاط الاقتصادي والرقابة على مستويات التنفيذ دوراً مهماً فيها وفي قراراتها وتوجهاتها العامة.
* وضع وتنفيذ سياسات مالية ونقدية وضريبية جديدة على أن تراعي واقع الفقر السائد والتباين في الدخول ومستويات المعيشة بما يخفف من جشع ورغبة أصحاب رؤوس الأموال في تحقيق أقصى الأرباح على حساب المجتمع, إذ أن سوء توزيع وإعادة توزيع الدخل القومي يقود دون أدنى ريب إلى نتائج سلبية في مجمل العملية الاقتصادية ويخلق بذلك المزيد من الاختلالات الجديدة. إذن نحن أمام مهمة عقلنة وتقنين الإنفاق الحكومي وتأمين مصادر جديدة لإيرادات خزينة الدولة, وخاصة من العملات الصعبة, على أن لا تتم تلك العقلنة على حساب الكادحين من الناس ولصالح أصحاب رؤوس الأموال. كما أننا بحاجة إلى توظيفات جديدة لتعظيم التراكم الرأسمالي من خلال العناية بالعلاقة العقلانية بين فائض القيمة أو الربح والأجر في توزيع وإعادة توزيع الدخل القومي.
* إن المجتمع العراقي يعاني اليوم من تسرب كبير من الطلبة في مختلف المراحل من مقاعد الدراسة واتساع ظاهرة الأمية من جديد, وخاصة بين البنات, لهذا لا بد أن يرتبط العمل من أجل زيادة معدلات النمو عملاً مبرمجاً وموجهاً لتنمية القوى البشرية وخاصة التعليم المهني والفني والدراسات والبحوث التطبيقية.
* الاهتمام الخاص بتطوير المناطق الاقتصادية العراقية التي عانت من التخلف والإهمال سنوات طويلة من حكم البعث أو حتى قبل ذلك, سواء أكان ذلك في المحافظات الكردية أم العربية من العراق.
* تعرضت البيئة العراقية على مدى العقود المنصرمة إلى تدمير وتخريب وتلوث خطير جداً. فالتلوث لا يشمل الإنسان والولادات الجديدة المشوهة فحسب, بل يشمل الأرض والماء حيث استخدمت الأسلحة المحرمة دولياً في الحروب المنصرمة من جانب النظام ودول التحالف الدولي في حربي الخليج الثانية والثالثة, إضافة إلى وجود أكثر من 15 مليون لغم مزروعة في الأراضي العراقية الحدودية والصالحة للزراعة والمتروكة حالياً. ولا بدم من إيجاد علاقة سليمة بين التنمية القومية ومشكلات البيئة في الفترة القادمة بهدف تنظيفها من التلوث وحمايتها.
لا شك في أن مهمات فترة الانتقال ستتداخل مع مهمات الفترة اللاحقة لها, لهذا لا بد من أخذ ذلك بنظر الاعتبار عند البدء بتحديد المهمات الجوهرية في العملية الاقتصادية والتي نلخصها في النقاط التالية:
ب. مهمات المرحلة الراهنة والقادمة
يتطلب الأمر من مجلس الوزراء ووزارة التخطيط تأكيد العمل المشترك لإنجاز المهمات التالية:
* من أجل تحقيق المهمات الاقتصادية على المدى القصير والبعيد لا بد من خلق شروط ومستلزمات العمل الاقتصادي الناجح, أي توفير الآمن والاستقرار للمجتمع العراقي وللقوى التي تريد مساعدة العراق والتعاون معه للنهوض بتلك المهمات. ولهذا لا بد من التصدي الناجح للعمليات الإرهابية التي تنظمها القوى المحسوبة على قوى صدام حسين أو تنظيم القاعدة وأنصار الإسلام المتطرقة أو القوى الطائفية المتطرفة, الشيعية منها والسنية, التي تقودها تنظيمات محلية. ويمكن التدليل حالياً على وجود تعاون وتنسيق واسعين بين هذه القوى لجعل العراق ساحة للصراع مع الولايات المتحدة وعلى حساب الشعب العراقي والذي ترفضه القوى الأساسية والغالبية العظمى من الشعب العراقي.
* وسيوفر ضمان الأمن الداخلي البدء الفعلي بعملية إعادة إعمار الاقتصاد وإقامة مشاريع إنتاج الطاقة الكهربائية وشبكة الماء الصالح للاستعمال وشبكة البريد والبرق والهاتف وكذلك الهاتف الجوال والحاسبة الإلكترونية والإنترنيت والتوسع بها وضمان وصولها إلى السكان والمشاريع الاقتصادية وحمايتها.
* وضع خطة اقتصادية ذات طبيعة توجيهية عامة تشمل كامل الاقتصاد الوطني, كما تتضمن برنامجاً خاصاً للمشروعات التي يراد التزامها من جانب قطاع الدولة, إذ يفترض أن تحدد مجالات نشاطه بهدف التنسيق مع القطاعين الخاص والمختلط. ويفترض في قطاع الدولة التركيز على قطاع النفط الخام ومصافي النفط وبعض المشاريع الاقتصادية الأساسية مثل الكهرباء والماء والبريد والبرق والهاتف وبعض الصناعات التحويلية التي لا طاقة للقطاع الخاص على النهوض بها.
* توزيع موارد النفط المالية بين ميزانيتي التنموية والاعتيادية وفق حاجات العراق الراهنة التي تستوجب تحقيق تعجيل بإقامة المشاريع الاقتصادية وتحقيق معدلات نمو عالية وتنمية القوى البشرية, وهذا يتطلب الأخذ بالحصص التالية 70 : 30 للخطط االتنموية و30 للميزانية الاعتيادية.
* السعي إلى إدراك مضمون وفعل القوانين الاقتصادية الموضوعية والتعامل الواعي معها بهدف تجنب وقوع اختلالات إضافية ومعالجة الاختلالات الراهنة التي تسببت بوقوع الأزمة. ويتطلب الأمر إيجاد توازن بين التنمية الاقتصادية والتنمية البشرية وبين التنمية الصناعية والتنمية الزراعية, وكذلك بين الأجور والأرباح ...الخ. وتبقى مشكلة المعدلات العالية في النمو السكاني والبطالة الواسعة تحتل موقعاً أساسياً في سياسة الحكومة الجديدة, إذ لا بد من إيجاد حلول عملية لها.
* وضع برنامج خاص لمعالجة المشكلات الاجتماعية وتوسيع الخدمات الضرورية للغالبية العظمى من الشعب التي هي بأمس الحاجة إلى خدمات الدولة في المرحلة الراهنة, ومعالجة تطوير دور المرأة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
* تجديد وتوسيع مشاريع إنتاج وتصدير النفط الخام وفق الاتفاقيات المعقودة سابقا أو توقيع عقود جديدة وفق المواصفات الدولية، على أن توضع سياسة نفطية جديدة بعد تشكيل المؤسسات الدستورية والحكومة المنتخبة, وأن يبقى قطاع النفط الخام بيد الدولة العراقية ولا تمنح أية امتيازات للشركات الاحتكارية الأجنبية. وهذه العملية تستوجب زيادة توظيفات الدولة في قطاع النفط الخام لضمان زيادة إنتاجه وتصديره لتحقيق زيادة في الموارد المالية الضرورية لعبور مرحلة الانتقال وتأمين مستلزمات المرحلة اللاحقة. ويبدو بأن إعادة تأهيل قطاع النفط الخام وموانئ وخطوط أنابيب تصديره تستوجب توظيف ما يقرب من 15 مليار دولار في المرحلة الأولى ومبلغ مماثل في مرحلة لاحقة.
* التوسع بمصافي النفط لتأمين المحروقات والدهون، وكذلك محطات توفير الغاز, وإصلاح السكك الحديد وبقية وسائط النقل الضرورية للسكان والسلع.
* إعادة إعمار المشاريع الصناعية الإنتاجية، سواء بتوفير الأدوات الاحتياطية لها أم موادها الأولية, للبدء أو مواصلة الإنتاج لتوفير السلع الضرورية للسكان.
* إعادة تنظيم نشاط البنك المركزي والبنوك المختصة وفسح المجال أمام تأسيس بنوك خاصة شريطة آن تتوفر لها مستلزمات العمل المصرفي المسؤول.
* فتح الاعتمادات المصرفية للنشاط التجاري توريداً وتصديراً.
* * تنشيط شركات التأمين وإعادة التأمين والسماح بعمل شركات التأمين وإعادة التأمين الأجنبية في العراق.
* تأمين الحد الممكن من الدعم المالي والعيني للفلاحين للقيام بنشاطهم الزراعي, إضافة إلى إعادة بناء وتوسيع مشاريع التخزين والتبريد والنقل لضمان عدم تلف المحاصيل الزراعية والمواد الغذائية.
* إيلاء اهتمام خاص بالمشاريع الصغيرة في مختلف القطاعات الاقتصادية, الإنتاجية منها والخدمية, بسبب حاجتها إلى رؤوس أموال قليلة وتقنيات متوسطة. وفي مقدور قطاع الإنتاج السلعي الصغير تشغيل الكثير من الأيدي العاملة العاطلة حالياً لياًً والمشاركة في إنتاج كمية غير قليلة من السلع التي يحتاجها المستهلك العراقي وفي تكوين الدخل القومي وتطوير السيولة النقدية في السوق العراقية.
* ويفترض أن تحتل مهمة التقليص المستمر للقوى العاطلة عن العمل وتوفير فرص عمل جديدة مكانة خاصة في المرحلة الراهنة بسبب البطالة الكبيرة وآثارها السلبية على الأفراد والمجتمع. ويفترض أن يراعى في هذا الصدد اختيار المستوى المناسب من التقنيات الحديثة لتأمين تشغيل متزايد تدريجا ورفع إنتاجية العمل وتقليص تكاليف الإنتاج في آن واحد. ولا بد من بذل الجهود لاستعادة الكوادر العلمية والتقنية والمهارات التي غادرت العراق والاستفادة القصوى منها في عملية التنمية والإصلاح الاقتصادي.
* الاهتمام بتأمين مستلزمات ومحفزات جذب رؤوس الأموال العربية والأجنبية لاستثمارها في الاقتصاد العراقي شريطة وفق تصورات تساعد على تنشيط العملية الاقتصادية الإنتاجية في البلاد.
* بذل أقصى الجهود لإلغاء الديون المترتبة على العراق من فترة النظام المخلوع وكذلك التعويضات التي يراد فرضها على العراق بسبب الحروب السابقة والتي يمكن أن تمنع تطور العراق وتقدمه عشرات السنين أن تم رفض شطب تلك الديون والتعويضات المفترضة.
* وأخيراً وليس آخراً يفترض العمل من أجل تعبئة الشعب العراقي بكل قومياته وطبقاته وفئاته الاجتماعية واتجاهات الفكرية والسياسية وعقائده الدينية لصالح التخلص من كوارث الماضي ومآسيه والمشاركة في العملية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الجارية في البلاد لضمان تغيير واقع العراق المزري إلى واقع مدني ديمقراطي حر ومتطور اقتصادياً واجتماعياً وحضارياً. وبدون هذه المشاركة الحية والفاعلة سيتعذر حقاً تحقيق المنشود في فترة قصيرة نسبياً. إنها الفرصة التي يفترض أن يستثمرها الشعب لإنجاز طموحاته المشروعة والعادلة. وفي هذا يتطلب وعي المسئولين بأهمية ضمان العدالة الاجتماعية في توزيع الدخل القومي وتقليص الفجوة الراهنة في الدخل ومستوى المعيشة وظروف العمل والحياة.
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟