|
الإعجاز بين الفهم واللافهم
محمد شرينة
الحوار المتمدن-العدد: 3166 - 2010 / 10 / 26 - 12:32
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
معظم ان لم يكن كل الناس مسلمون لأن لديهم دليل قطعي على صحة الإسلام فالقرآن معجزة وفيه إعجاز لغوي وعلمي إلى ما هنالك. لكن ما معنى معجزة او إعجاز وكيف عرفنا أن القرآن يحقق هذا المعنى؟ لنبدأ بمعجزات الأنبياء قبل الإسلام فإبراهيم نجى من النار وموسى صارت عصاه حية تسعى وعيسى أحيا الأموات، فهل يدل ذلك او يلزم بشيء؟ لنفترض أن أريل شارون أفاق من غيبوبته ودخل النار وخرج سالما مرة أو مرات ثم حول مئات العصي إلى حيايا تسعى وأحيى من الموت أبي وخالي وعمتي فهل أصدق أنه بطل سلام وان الفلسطينيين معتدين؟ ولنفرض أن رجل بسيط طيب يدعي أن له بذمة رجل آخر مبلغ من المال، فعل كل ذلك وقال فقط أن ذلك يدل على أنه صادق فهل تحكم له اي محكمة محترمة بشيء؟ طبعا في الحالتين الجواب واضح وهو: لا. المعجزة لا يمكنها أصلا أن تثبت شيئا وعلى كل حال لدينا الكثير من الأحاديث الصحاح التي تقول لنا أن المسيح الدجال – الكذاب – سيأتي في آخر الزمان ويقوم بمعجزات فيزرع القمح صباحا ويأكل من سنبله عصرا إلى غير ذلك فهل هذا هو دليل على صدق دعواه؟ ولنعد الآن إلى معجزة القرآن ومع التأكيد على أن المعجزة اي معجزة لا يمكن ان تدل على شيء إلا أن الوضع فيما يخص القرآن مختلف كثيرا فإلقاء رجل في النار وخروجه سالما أمر غير مألوف حتما، بمعنى انه عجيب لكن فيما يخص القرآن ليس هناك ما هو غير مألوف. يتحدى القرآن الناس بأن يأتوا بمثله ولكن من أبده المعلومات أن لا شيء في العالم يشبه الآخر وهذا التحدي يشبه تماما القول أن رشدي أباظة هو أجمل رجل ونحن نتحدى المخالف بأن يأتينا برجل بجماله ومعلوم أن المقدمتين باطلتين، فلا المرحوم هو أجمل رجل يمكن الاتفاق عليها بل من يحب رشدي هو من يقول ذلك ولا الإتيان برجل مثل رشدي ممكن لأن لكل شخص وكتاب وشيء في هذا العالم خاصية فريدة لا يمكن أن تتكرر. بعد ان يقرأ المُطَلِع على الأدب عدة قصائد لشاعر وكتاب أو اثنين لمؤلف يصبح قادرا على معرفة أن شعر ما هو ليس لذلك الشاعر وان مقطعا ما لا يمكن أن يكون لذلك المؤلف. في البداية حتى يكون هناك شيء يسمى معجزة في القرآن، بمعنى مخالف للمعتاد، يجب أن يتفق كل الناس على ذلك كاتفاقهم على أن بقاء رجل في وسط النار لساعات وخروجه سالما هو أمر غير مألوف أو معجز. لكن فقط المؤمنين بالقرآن هم من يرونه معجزا ولكننا أنما نحتاج المعجزة من أجل المنكر لا من أجل المقر. غير المقرين بصحة القرآن يرونه كتابا عاديا ويردون التحدي على الإتيان بمثله كالتحدي على الإتيان بمن هو مثل رشدي أباظة أو شارلي شابلن. وعلى كل حال فمعظم العرب خاصة في الوقت الحاضر غير قادرين على فهم القرآن وتلمس مواضيع إعجازه دون مساعدة أحد، ناهيك عن كل الأمم التي لا تعرف العربية، فكيف يكون القرآن معجزا إذا؟ المعجزة كالخروج سالما من النار هو أمر يجب أن يدركه كل البشر بصورة بديهية لا تحتاج إلى أدنى تفكير ومنذ الوهلة الأولى ويدركون كذلك غرابتها أو اختلافها عن المألوف وإلا لم تكن معجزة، فإذا كان الفارسي أو الصيني يحتاج لأن يستمع ويفهم مطولا لشرح الشيخ فلان حتى يقتنع بمعجزة القرآن فأي معجزة هذه؟ ولنعد إلى البداية، هل تثبت المعجزات شيئا؟ المعجزات هي أمور مخالفة للمألوف كخروج إبراهيم المفترض سالما من النار وهي كما أسلفت لا يمكن أن تثبت شيئا حتى لو تكررت فكيف بها وهي تقع مرة واحدة، فلماذا تعتمد الأديان إذا على المعجزات في تصديق دعواها؟ الجواب هو أن الأديان لا تنطلق من الفهم بل من التغطية على الفهم أو اللافهم. إنها تخاطب إنسان يائس عاجز مشلول نفسيا وفكريا يقول: اعطني دليل واحد على صدق ما تقول وسأصدقك إلى الأبد في كل ما تزعم. لكنه أصلا عاجز عن التفكير والتحليل لذلك الطريقة الفضلى هو إعطاؤه دليل غير عقلي دليل وهمي يبدو حسيا. وبهذه الوسيلة رأينا وما نزال نرى ما لا يحصى من البشر مسلمين ومسيحيين وغيرهم يستدلون على صحة اعتقادهم بأوليائهم وقديسيهم. الفهم الحقيقي يتعلق بما يتحقق دائما ويمكن فهمه لا ما يتحقق لمرة أو عدة مرات بحيث لا يمكن معرفته وبالتالي فالمعجزات هي هروب مقصود من طرق التفكير الصحيحة إلى نوع من الألعاب السحرية. بتفكير بسيط سيتبين أن الصحة الفكرية هي في الجانب المعاكس للمعجزات حيث يمكننا ملاحظة الظواهر مرارا وتكرارا والوصول إلى فهم صحيح لها: اي في العلم لا في الإعجاز لذلك وجدت نفسي منذ بدء مرحلة بحثي عن الحقيقة أنتقل إلى العلم وما تقوله الأمم التي تعتمد على العلم لا إلى المعجزات وما تعتقده الأمم التي تبحث عن معجزة. أخيرا ما هي المعجزة؟ إنها وسيلة سحرية للتخدير لا أقل ولا أكثر فماذا يعني أن يفعل أحد شيئا لا يستطيع غيره فعله وعلاما يدل؟ ومع أن القرآن لا تنطبق عليه فرضية المعجزة إلا أنه وبفرض أنه يحوي ما يقولون وعندها سيكون غريب، لكن أن يزرع الدجال القمح صباحا ويحصده عصرا أعجب، المعجزة ليست إلا تعلقا بوهم من قبل شخص وطد العزم وانتهى بأن يستسلم للخداع. بالتالي فان مجرد الحديث المستمر عن المعجزات وعن أشكال الإعجاز في القرآن دليل قاطع على القطيعة المستمرة بين المسلمين وبين العقل فالعقل لا ينطلق من المعجزات والغرائب بل من المفهومات. المحاولة كلها هي دعوة إلى عدم الفهم: إذا حاولت أن تفهم صحة الإسلام فانك لن تفهمها لكن سندلك على صحته بمعجزة! هذه الطريقة هي المعاكس على طول الخط للتفكير العلمي. فهي تكافئ القول أن السيارة من نوع م هي أفضل سيارة في العالم وبدلا من أن يقال للمشتري من قبل المتسوق فكر في مزاياها وتبحر في جميع أنواع السيارات حتى تجيد المقارنة ثم قرر بنفسك ان كانت سيارتنا هي الفضل أم لا؟ قارن بين الدين الذي يأمر بقطع الأيدي ورجم الناس ويجعل المرأة نصف رجل في الإرث والشهادة وربع رجل في الجنس وبين غيره من الأديان ثم احكم. لكن ما ذا يقال لشاري السيارة المسكين السابق: حتى تتأكد من أن سيارتنا هذه هي الأفضل انظر إلى هذا العصفور انه أجمل عصفور في العالم، قد لا تراه أنت كذلك اليوم لكن ما ان تعتاد عليه حتى تراه، والأهم انه لا أحد في العالم قادر على صنع عصفور نسخة طبق الأصل عنه الا بالاستنساخ كما أنه من البديهي أن أحدا لن يستطيع أن يصنع نسخة طبق الأصل عن القرآن أو أي كتاب آخر إلا بالنسخ او الطباعة.
#محمد_شرينة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإله كصديق
-
تحول أسلوب السلطة في الإسلام بعد فتح مكة وتأثيره على الإسلام
-
سأغفر لله
-
قيمة الدين بشكله القديم
-
السقوط
-
هل هناك عقلانية زائدة؟
-
الأشراف والتهجين
-
الايمان الأصيل والإلحاد وجهان لحالة واحدة
-
رب شرير أم إسلام قديم؟
-
الرغبة والفكر
-
حلم مزعج وحذاء
-
لماذا يغيب الابداع والاختراع في العالم العربي؟ ( الإلحاد كحا
...
-
أسأل نفسي، متى مت؟
-
القاعدة السمائية الثالثة
-
سماء وصدر
-
الزواج والاحتشام عند البشر والحيوانات
-
نظام الإدارة والتقويم في القرآن
-
المدلى من فرج الزمان
-
النسيان كعلاج
-
آخر الشموس
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|