|
السلطة الديمقراطية والمجتمع
صاحب الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 954 - 2004 / 9 / 12 - 11:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
السلطة هي مجموعة من آليات التحكم في سلوك وتنظيم المجتمع، وبغض النظر عن شكل السلطة فأنها تعتمد كافة الوسائل لفرض النظام، ولا تتردد في استخدام العنف المفرط ضد السكان عندما تتضارب مصالحها مع مصالح المجتمع. تتحكم السلطة في النظم الديمقراطية بالمجتمع من خلال سلسلة من القوانين والتشريعات تحدد من خلالها المدى المسموح به للفرد بالحركة والاحتجاج، فأن تجاوزه أحكمة قبضتها عليه. واتخذت السلطات الديمقراطية من القول المأثور (كيفما تنظم، سوف تتصرف) لإدارة عملها، ومنذ ولاة الفرد يقيد تحت رقم شخصي في أجهزة الكمبيوتر يلازمه مدى الحياة. ولا يسأل عن أسمه في التعاملات مع الدولة بل عن رقمه الشخصي، حيث تسجل جميع خصوصياته (نشاطه السياسي؛ ووضعه العائلي؛ ووضعه الصحي؛ ووضعه المهني؛ وعناوين السكن؛ وعدد مرات خرقه للقانون...وغيرها). وحال تعارض مصالح الفرد مع مصالح السلطة يتم استعراض سلسلة حياته الشخصية، ويتخذ الإجراء المناسب بحقه وفقاً (للقانون!). تعترض الفرد في المجتمع الديمقراطي سبيل حياته سلسلة من الآليات المتحكمة، فكلما تحاشى الاصطدام بالسلطة كلما كانت آليات التحكم السلطوية أقل تأثيراً عليه. وإن كان مبدأ القانون فوق الجميع شاعاً في الدول الديمقراطية، فأنه ليس كذلك عندما يتعلق الأمر بالمصالح السياسية للسلطة، فأن اقتضت مصلحة السلطة زيادة مخصصات السياسيين وعلى حساب دافعي الضرائب لجأت إلى البرلمان لتمرير قرارها. والسلطة الممثلة لأحزاب الأغلبية البرلمانية، لها الحق في انشغال الوظائف وتعيين منتسبيها والمحاصصة مع الأحزاب الأخرى. وحجم الإنفاق الحكومي لتلك المحاصصة الوظيفية لا يكشف النقاب عنه، وتُطلعنا الصحافة الحرة بين آونة وأخرى على حجم المخصصات المالية لبعض السياسيين وهو ما يكفي لنفقات عشرة عائلات في الشهر!. دفعت تلك الثغرات في النظام الديمقراطي أصحاب التوجهات الحرة من منظمات المجتمع المدني للمطالبة بإصلاحه وتحديد صلاحية السلطة السياسية. ويجد ((آلن تورين)) أن المجتمع الأكثر ديمقراطية هو المجتمع الذي يضع الحدود الصارمة لسطوة السلطات السياسية على المجتمع والأفراد. والمجتمع الأكثر حداثة هو المجتمع المعترف صراحة بالحقوق المتساوية للعقلنة ولتحقيق الذات وبضرورة الجمع بينهما. أن المطالبات الجديدة لمنظمات المجتمع المدني لاعتبار المبادئ الديمقراطية نموذجاً عالمياً يستمد تشريعاته من لائحة حقوق الإنسان لتحقيق العدالة والمساواة لسائر البشر، في حقيقته مطالبة صريحة بتحديد صلاحية السلطات (القطرية) ونبذ النظر الأنانية لتحقيق الرفاهية لمجموعة سكانية محددة مقابل وجود مجموعات سكانية أخرى تعاني الجوع والفقر في العالم. حققت الإنجازات والابتكارات العلمية في العقود الأخيرة في العالم فائضاً كبيراً من الإنتاج، انعكس بشكل كبير على رفاهية المجتمعات الغربية، لكنها بذات الوقت زادت من مستويات الفقر والبؤس للمجتمعات الأخرى. ومبادئ العدالة والمساواة في النظم الديمقراطية، ليس من الأنصاف أن تسود مجتمعاتها فقط. في حين دفعت المجتمعات الأخرى ثمن ذلك كونها أسواقاً لتصريف فائض الإنتاج وعدم قدرتها على مجاراة التطور التقني والعلمي الذي تشهده النظم الديمقراطية. وبات المشهد يوحي بالاستغلال وعدم المبالاة لمعاناة الملايين من الشعوب الأخرى، وهذا يعد خرقاً للمبادئ الديمقراطية الداعية للعدالة والمساواة!. وما الزيادة بالمؤيدين الذي يشهدها التيار المناهض للعولمة في العالم الديمقراطي إلا دليل على رفض التحكم الجديد (للديكتاتوريات) الديمقراطية في العالم والمطالبة بالإصلاح لتلك النظم لتجاري بصدق التطلعات الإنسانية. ويعتقد ((آلن تورين)) أن الديمقراطية ليست فقط حالة نظام سياسي، وأنما هي عمل وقتال دائم لجعل التنظيم الاجتماعي تابعاً لقيم ليست في ذاتها اجتماعية. العقلانية والحرية والديمقراطية ليست هي انتصار للشعب حسب ، بل هي عالم الإنجازات والتقنيات والمؤسسات والقدرة الخلاقة المغيرة للأفراد والجماعات. تسعى (الديكتاتوريات) الديمقراطية لعزل مجتمعاتها عن العالم واعتبار إنجازاتها وتقنياتها ورفاهية مجتمعاتها ملكاً صرفاً لها ولا يشاركه بها الآخرين، وأن التزاماتها الإنسانية تجاه الأزمات العالمية لا تعني تحملها المسؤولية لمعاناة الملايين من البشر!. ويمكنها المساهمة المحدودة لحل الأزمات العالمية ( الجوع والفقر؛ ومكافحة الأمية؛ ومكافحة مرض الإيدز؛ ومكافحة التصحر؛ والتخريب البيئي؛ وإسقاط الديون المتراكمة للبلدان الفقيرة؛ والإرهاب؛ والمخدرات...وغيرها) على أن لا يؤثر ذلك على مستوى الرخاء والرفاهية التي تتمتع بها، وتناست تلك (الديكتاتوريات) الديمقراطية أنها تتحمل المسؤولية المباشرة عن تلك الأزمات العالمية، وما الشعوب الفقيرة إلا ضحية لافرازات تلك الأزمات!. ويرى ((آلن تورين)) أن مجتمعاً يحدد نفسه قبل كل شيء بهويته وبأحاديته، لا يمكن أن يكون مجتمعاً ديمقراطياً! أن هذا المنطق لا يفيد سوى السلطة الساعية لاختزال المجتمع إلى أمة وتهميش الفاعلين الاجتماعين فيه. أن الانفتاح وتوسيع دائرة الديمقراطية لتشمل العالم بأسره هو من أهم مطالب منظمات المجتمع المدني، وتلك المطالبة بحد ذاتها تعني توزيعاً عادلاً للثروات والموارد الفائضة على السكان المعوزين. وهذا الأمر يضعف آليات السلطة للتحكم بمجتمعاتها ويرفع من سقف المطالب الاجتماعية الداعية بالإصلاح والتعميم للمبادئ الديمقراطية على بقية مناطق العالم. ويعتقد ((آلن تورين)) عندما تصبح الديمقراطية قوية يحدث ارتقاء بالوعي الديمقراطي نحو المطالبة بالمجتمع المفتوح، وهذا يضعف قوى التحكم في المجتمع لصالح روح الابتكار والاستثمار والعقلنة.
#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأهداف والتوجهات في الفكر الشمولي والديمقراطي
-
المواطنة والديمقراطية في الوطن العربي
-
المبادئ الجديدة للإصلاح في النظام الديمقراطي
-
شرعية الأنا ومقومات الذات
-
المنظومات الشمولية والذات الإنسانية
-
*مناقشة وتحليل للنظام الشرق أوسطي 3-3
-
*مناقشة وتحليل للنظام الشرق أوسطي 2-3
-
*مناقشة وتحليل للنظام الشرق أوسطي 1-3
-
*مواقف دول الشرق الأوسط من النظام الشرق أوسطي 2-2
-
*مواقف دول الشرق الأوسط من النظام الشرق أوسطي 1 -2
-
نصائح مهمة للكاتب للتعامل مع دور الطباعة والنشر في الوطن الع
...
-
محنة الكاتب والقارئ العربي
-
محنة الكاتب مع أجهزة الرقابة الحكومية والسلفية على الثقافة
-
أساليب الغش والخداع التي تمارسها دور الطباعة والنشر مع الكات
...
-
محنة الكاتب مع دور النشر في الوطن العربي
-
السيد مقتدى الصدر بين غياب الرؤية وفشل الهدف
-
حرية الاختلاف تنهل شرعيتها من الديمقراطية
-
.!!النظام الديمقراطي: هو حصيلة روافد من دم العلماء والمفكرين
-
ازمة الثقافة العربية انعكاس لسياسة القمع وغياب الحرية في الو
...
-
أزمة النقد الأدبي في الوطن العربي
المزيد.....
-
صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب
...
-
لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح
...
-
الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن
...
-
المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام
...
-
كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
-
إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك
...
-
العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور
...
-
الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا
...
-
-أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص
...
-
درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|