|
الدين السماوي طقوس و فروض على الأرض
عهد صوفان
الحوار المتمدن-العدد: 3165 - 2010 / 10 / 25 - 21:51
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الدين السماوي طقوس و فروض على الأرض
البحث عن الحقيقة طبيعة بشرية نمارسها جميعاً. كلّنا يجتهد ويفكّر طويلاً علّه يصل إلى اليقين في كل خطواته . و كلّنا ينظر ويلمس الأشياء ليتأكد مها.. نحن بشر اعتدنا أن نلمس بأيدينا ونرى بعيوننا ونشعر بكلّ حواسنا بما هو حولنا.. تعلّمنا أن نصل إلى اليقين بالاستدلال والاستنتاج. وأبدعنا في علوم المنطق والعلوم التي تفسّر الظواهر الطبيعية والاجتماعية والإنسانية. لأننا بطبعنا نحب أن نلمس الحقيقة ونكون قريبين منها.. وكلّنا يقول بكلامه وسلوكه أنه يعشق الحقيقة و يأخذ بها وأنّه علمي ومنطقي. والكلّ يقول أنا لا أؤمن بالسحر وكلام السحرة ولا بالكلام الإنشائي لأني واقعي وعملي والتجارب خير دليلٍ وبرهانٍ على صدق الوقائع. حتى أننا اخترعنا الأمثلة التي تدلّ على أن الواقعية هدف الجميع وهي وحدها تحمينا من الانجراف وراء الظنون والتخيلات...
ولكن حياتنا ليست كلّها ثوابت وحقائق ملموسة.بل بعضها خارج حدود النظر والآخر نراه دون أن نتمكن من لمسه واختباره ومعرفة جوهره. وهنا تبدأ الأسئلة مع الذات. وتبدأ شطحات العقل الباحث عن حقيقة ما يرى وما بعده من مجهول.. من منّا لم يسأل نفسه وهو في حالة شرود وتأمّل ماذا يوجد في الكون البعيد؟؟..
ما هو شكل النجوم وما هي حقيقتها وماذا يوجد عليها وهل تصلح للحياة؟؟.. من خلق الكون ومن خلق خالق الكون؟؟.. لماذا خلق الإنسان والحيوان والنبات؟ هل لنعبد الخالق؟ هل لنعيش بضع سنين ونموت؟؟.. لماذا تنتصر جرثومة صغيرة علينا فتقتلنا؟ لماذا نعيش بعذاب وألم ومرض؟؟.. لماذا نحن غير قادرين على رؤية الكون كل الكون بعيوننا المجردة؟؟.. لماذا لا نطير ونخترق الكون نفتشه ونبحث فيه؟؟..
الأسئلة كثيرة وكبيرة وتصل إلى كتب ومجلدات وهي لا تنهي وصعبة جداً في آن. واجهها الإنسان منذ وجد لأنّها كانت ألغازاً حقيقيةً عصية ً على الإجابة والفهم..هذه الأسئلة راودت الإنسان العادي الباحث عن لقمة يأكلها والإنسان الطامح بالسلطة والتسلّط على بني جنسه. والإجابات كانت ضرورة ملّحة للإنسان الباحث عن التسلّط. لأن الإجابات يمكن أن تحمل له الثروة والسلطة.. فتخيل آلهته ونسب لها خلق كلّ شيء. نسب لها المقدرة والمعرفة والكينونة الدائمة وأنطقها بما يرغب. ورسمها صورة عن رغباته ومشاعره.. ووضع نفسه الوسيط بينها وبين قومه وأنّه يتلقّى الأوامر منها. بل بعضهم قال عن نفسه أنّه ابن الإله أو هو الإله المتجسّد... وهذه الأفكار حتى تترجم إلى سلطة على أرض الواقع تحتاج سلوكاً مؤطّراً ومفروضاً. ولا يكفي أن يقول لهم أنّ الإله الخالق كلّمه وتحدّث إليه لأنه أحبّ البشر وخلقهم من طين. بل كان ضرورياً وضع أسس للعبادة تميز بين من يؤمن ويخضع لممثّل الإله ومن لا يؤمن ويرفض هذا الغيب..هذه الأسس كانت طقوساً واجبة التنفيذ. تجمع المؤمنين كما يجمع الراعي قطيعه حوله. فكتبوا الفروض والطقوس وربطوها برضى الآلهة. فالآلهة لا ترضى إن لم نصلّي لها يومياً. ولا ترضى إن لم نصوم ونجوع ونقدّم لها القرابين والذبائح. ولا ترضى إن لم نبني لها دور العبادة نصلّي فيها ونتقرّب منها هناك ونتضرّع لها طالبين عونها ومساعدتها.. حددت لنا كل المناسبات الواجب أن نحتفل بها ونتذكرها وندعوها بها. وحددت لنا كيف نتكلّم بذكرها ونأكل بذكرها وكيف ننام ونلبس بذكرها وكيف نمشي ونعمل ونحن نذكرها ونطلب المغفرة منها.. لأن آلهتنا لديها مؤسسات عقاب كبيرة. وعقابها لن ينتهي بأفران التعذيب الملتهبة...
الطقوس الدينية أنزلت الدين من السماء إلى الأرض وحولته من نداء إلهي سماوي للبشر إلى سلوك وطقوس وعبادات تُؤدى بغطاء من القداسة والخشوع. تسلب المؤمن قدرة التفكير والتحليل ليكون حاضراً وجاهزاً لقبول التعليمات الإلهية. نشأت الطقوس منذ نشأة الأديان وتشرّعت معها.بوعود بالثواب وتهديد بالعقاب. حتى تزرع الخوف فينا وتضمن خضوعنا لها. فالخضوع ينتهي بحياة أبدية خالدة وأنهار من العسل والخمر والغلمان وحور العين ونعيم لا ينتهي ومتع تدوم تحاكي رغباتنا النفسية والجسدية. أما رفضها فينتهي بعذاب أبدي دائم وشيٍّ ورعب ونار لا تنطفئ!!.
أغرونا إن أطعنا ونفذّنا الطقوس وهددونا إن رفضنا بالموت.. فتحولت حياة البشر إلى طقوس وعادات وسلوكيات دينية انتشرت في البيوت وفي العمل وفي الشارع. حتى غدت شكلاً من أشكال الإدمان اللا إرادي الذي تملك عقولنا واستقرّ فيها وكأنّها جينات وراثية تولد مع الشخص وتتكون في نواته الأولى.. وكما يورّث الآباء أبناءهم صفاتهم البيولوجية صاروا يورثونهم هذه المعتقدات والطقوس. فالدين وراثي والتوريث إجباري. قبلت الجينات أم لم تقبل... هذه الطقوس الدينية مثّلت الشرنقة الحقيقية التي وضعت فيها العقول. بل التصقت بها حتى صار المؤمن لا يقبل أن تناقشه في أمور الدين والمعتقدات والطقوس وهو غير قادر على تصور وجود عقيدة أخرى غير عقيدته..هو مؤمن بالغيب الوراثي. لا يقرأ. لا يعلم شيء. ولا يريد أن يقرأ ويتعلّم بنفسه أو أن يبحث ويتأكّد.. هو يطلب الخلود ويحب الحياة التي وعده الإله بها وأعطاه ثواباً على ذلك متعاً كثيرة فلما لا يقبل؟؟؟..
علماً أنّ الفكر المقابل الرافض للإيمان يقول له: أنت هنا في رحلة قصيرة تنتهي بالموت ولا خلود ولا بعث جديد. سوف تنتهي إلى تراب وغبار تذريه الريح وتجرفه الأمطار. سوف تموت إلى غير رجعة... هو يحاول أن يصدّق الأديان لأنها قدمت له رجاءً وأملاً بحياة أخرى فيها السعادة والخلود. فيها الفرح الدائم. لا مرض ولا حزن ولا ألم ولا وجع... وفي بعض الأديان يصبح كملائكة السماء.. إنه مميّز عند الإله ومحبوب منه...
كل هذه النعم والمميزات مشروطة بتنفيذ الفروض والطقوس. وهذا ما دفع المؤمن لأن ينفّذ هذه الطقوس ويسمع أقوالها ويتّحد معها روحياً وجسدياً بعلاقة قوية وثابتة يخاف أن يزعزعها أحد. حتى وإن ثبت له أنّ الحقائق العلمية تخالف ما يعتقد. لأنه تبرمج وبنى كلّ أحلامه عليها وجهد وعمل لأجلها. لذلك من الصعب تدمير كلّ هذه الأحلام التي رسخت واستوطنت عقله. وهو لا يريد أن يصدّق أن أسس أحلامه وهماً زائفاً وغيباً مطلقاً... كلّ الأديان قدّمت مشروعها بمجموعة من الطقوس والعبادات والفروض. ولم تقدّم منظومة قيم باستثناء المسيحية التي شذّت قليلاّ عن القاعدة لظروف تخصّ نشأتها لها بحث آخر...
فعند السومريين الذين أرّقهم الوصول إلى الخلود. كان توقهم إليه كبيراً وظاهراً في الملاحم التي كتبوها. في أرض دلمون أرض الخلود.المكان الطاهر حيث يعيش الإله انكي.. بنوا الهياكل والتماثيل للآلهة السومرية وقدّم كهنتهم الصلاة والعبادات للآلهة خوفاً من غضب الطبيعة القاسية.وشرّعوا الأعياد الدينية المقدّسة ( عيد الزكمك الأول )حيث زواج ممثلة الآلهة نانا وممثل الإله دموزي... وقدموا القرابين لآلهتهم وكانوا أول من قال العين بالعين والسن بالسن..ونظموا طقوسهم الدينية ونشروها حتى صارت جزءاَ من كل كتاباتهم الفكرية والأدبية..
انتقلت هذه الطقوس إلى البابليين فتغيرت الأسماء وتبدلت المواقع وتطورت. لكنها كانت في سياق واحد هو قوننة السلوك البشري بقوانين ( طقوس دينية ) تسهّل قيادة المؤمنين على الكهنة الذين احتكروا كافة الطقوس واحتكروا العلاقة مع الآلهة....فقد كانت تجري الطقوس البابلية لتقوي الآلهة في صراعها مع قوى الفوضى في الكون. وكانت تقام بمشاركة الملك وكلّ الكهنة حيث كان كبير الكهنة يتلو ملحمة الانيوماايليش البابلية أمام المؤمنين ليؤكد عظمة الإله الفائق القدرة مردوخ. وإسقاط عظمة الإله على الملك حمو رابي الذي كان أشهر ملوكهم .لأنّ ملحمة الانيومايليش كانت في عهده فامتص قوتها الدينية ووضعها بين يديه طقوساً وفروضا وعبادات جعلته الملك الأول في التاريخ البابلي..
أما في اليهودية فقد تم ربط كلّ سلوك إنساني بعقوبة إلهية وكفّارة تُقدّم حسب طقس خاص. أي كلّ تصرّف بشري يقابله طقسٌ ديني يبدأ بتقديم ذبيحة دموية خاصّة وشيّها ورشّ دمها وفقاً لطقسٍ ديني يشرف عليه الكاهن حامي الشريعة الإلهية.. هذه الطقوس لم تكف ليسير هذا القطيع خلف سلاطينه فتمّ إضافة التلمود وما به من طقوس وفروض جديدة تسدّ كلّ منافذ التمرّد والابتعاد عن عبادة يهوه.. لقد عرف مشرّعو الدين أن البشر يحتاجون إلى الأغلال الدينية الطقسية فأحكموا صناعتها ليفرضوا الخضوع العقلي لا اللساني فقط..
أما في المسيحية فقد رفض المسيح كلّ الطقوس مكتفياً بتقديم رسالة إنسانية صرفة.لم يطلب صوماً أو صلاةً بل خيّر أتباعه بقوله من أراد أن يصلّي ومن أراد أن يصوم .. ولكن الكنيسة من بعده ولأنّها طالبة سلطة وسلطان لم تقبل أن يكون الدين هو محبة فقط. أو علاقة خاصة مع الخالق. لأن ذلك ينهي دورها وسلطانها. فبدأت الكنائس بتشريع الطقوس الدينية. طالبوا المؤمنين بالصوم الذي يستمر طوال أيام السنة وطالبوا بالصلاة والاجتماع في الكنائس لسماع الصلاة والعظات. واخترعوا الصلوات والترانيم حتى أنك لا تسمع أحدهم يقرأ الإنجيل.وحتى في الكنائس يقرؤون عشرات الصفحات واحدة منها من الإنجيل والباقي من اجتهاد الكنيسة.. ومع ذلك بقي حال المسيحيين أفضل لأن الكنيسة لم تستطع أن تلغي الإنجيل من حياة المسيحيين وبقي هو المرجع الأساس لهم....
أما في الإسلام فقد كبر طوق الفروض والطقوس ليشمل كل التصرفات والسلوكيات البشرية بموجب ما يعرف بالشريعة التي لم تكف أيضا لإحكام سيطرة النص الديني فتمّ دعمها بنصوص الأحاديث والسنة. بحيث صار المسلمون يعتبرون كتابهم كتاب دين ودنيا وصالح لكل زمان ومكان وأنه مكتوب بلوح محفوظ عند الله وقد أُنزل محمولاً عن طريق الملاك جبريل. فلا مجال لنقاشه والبحث فيه أو السؤال عنه.. الصلاة فرض والصوم فرض والحج فرض والحجاب والنقاب فروض واللباس والمظهر والطعام والختان والميراث كلّها محددة بفروض وحدود. كل السلوكيات أسقطت عليها التشريعات. فصارت الشريعة بالتوسع الحالي أشبه بسجن كبير يطوق المسلم من خلال الاجتهاد والفتوى والأحاديث والتفاسير الكثيرة.. تطبيق هذه الفروض يدخل المسلم جنات النعيم ويغفر خطاياه. ويجعله من الفرقة الناجية من العذاب..
كلّ الأديان توعدت غير المؤمنين بأشدّ العقوبات وبالعذاب الأبدي. لأنهم لم يقدموا الفروض المطلوبة للإله وكلّها أيضاً وعدت التائبين العائدين إلى الإيمان بالمغفرة وأخذ نصيبهم من متع الجنة. وكلّها زرعت الخوف والرعب في النفوس. حتى ينصاع الجميع ويقبل بالنصوص ويخضع للطقوس... هكذا صارت الأديان السماوية مجرد طقوس تؤدى خوفا من غضب الإله السماوي...
#عهد_صوفان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المذهبية عدو الدولة الوطنية
-
مآخذ النظام الرأسمالي كبيرة ولن يشفع له تفوقه على النظام الا
...
-
المسيح الثائر. متقدّم رفض العهد القديم
-
أيّ ملّة عند الله هي الملّة الناجية؟؟
-
هل الإله خلق الإنسان ضعيفا أم الإنسان خلق الإله قويا ؟
-
الدين مشروع سلطة استمر بالمقدس
-
الله الخالق يخلق أرضا متصدعة وقاتلة لأبنائها
-
الصنمية توأم الإنسان منذ كان
-
قراءة نقديّة للنصّ المقدّس – التلمود ضرورة توراتية
-
لماذا أبدع اليهود وفشل المسلمون؟
-
القداسة مدخل صناعة الطغاة والغيب بداية السقوط
-
مرة أخرى من المسئول عن تخلفنا؟؟
-
من يحب فلسطين يوحد الفلسطينيين
-
القلمُ جريمته كبرى
-
عصر الدولة الدينية انتهى
-
المرأة في الحديث والسيرة الإسلامية
-
كيف نقاوم الإرهاب والتطرف؟؟
-
قراءة نقدية للنص المقدّس - القضاء والقدر في القرآن 6
-
ترانيم دول العبيد
-
أساطير الخلق والتكوين في منطقة الشرق الأدنى القديم
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|