|
نحو مراجعة نقدية .. أفكار مطروحة للنقاش
حزب الاتحاد الشعبي الكردي في سوريا
الحوار المتمدن-العدد: 954 - 2004 / 9 / 12 - 11:19
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
هيئة التحرير توطئة : مع اقتراب موعد انعقاد المؤتمر العاشر لحزبنا، والذي يترافق مع جملة من إفرازات وتداعيات الحالة السياسية في المنطقة، وتوازنات القوى والمراكز الدولية والإقليمية، وما يستجد في الأوضاع الداخلية من توجهات وملامح وقراءات لمستقبل المشاريع المطروحة، والتي قد تهدف إلى إجراء تغييرات عميقة في البنى القائمة، وخلخلة المسارات المستندة إلى ثقافة الحرب الباردة والنموذج الشمولي في الفكر والثقافة ومصالحها، وانعكاسات كل ذلك على القضية الكردية، وسياسة تعبيراتها . نحاول جادين الوقف على ملامح المستقبل السياسي الكردي، من خلال مراجعة نقدية شاملة – من وجهة نظرنا – لمجمل الآليات والسلوكيات المتبعة، داعين الشرائح والفئات الغيورة الداعية إلى تصحيح ركائز ومقومات الفعل النضالي، المشاركة في توجيهنا نحو تنبني ما يخدم مستقبل قضيتنا . ولعل ما نطرحه ونقف عليه الآن ، تشكل أرضية لبلورة قضايا الحوار والتحاور الكردي – الكردي، وتساهم في إغناء بعض الملفات المطروحة ليس إلا .
في الجانب السياسي : بعد عقود من الممارسة السياسية، وجملة من التغييرات البنيوية في الواقع الكردي، سواء بشكله المباشر أو بتأثير الظروف والمناخات السياسية، واختبار الحركة لأكثر من شكل ولون في العمل السياسي، يكثر الحديث في الآونة الأخيرة، عن تأسيس مرجعية كردية، بهدف لم شمل المواقف، وتأطير الفعل والإمكانات، وتسخيرها لخدمة الأهداف والمطالب القومية، وكل من زاوية نظر معينة، وخدمة لمآرب وغايات قد لا تخدم الفكرة (المرجعية ) في جزئياتها ومضامينها. وقد اشتد وتيرة هذا الحديث خاصةً بعد أحداث آذار الدامية ووقوف الأطر الكردية وجهاً لوجه أمام استحقاقات الفعل النضالي ومتطلباته، من جهة، ومشاريع السلطة، التي توضحت أكثر فأكثر من أي وقت آخر، بأنها مستعدة بغية حفاظها على نمطية آلياتها الداخلية والخارجية، وتوازناتها السلطوية، الاعتماد على لغة الحديد والنار بحق أبناء المجتمع، من جهة ثانية، وحالة الاحتقان الذي يلف غالبية الشارع السوري، سواء العربي منه، الذي يتصرف تجاه القضايا الوطنية ، وخاصةً الكردية منها، وفق عقلية اقصائية، وثقافة عروبية متعصبة، غير آبهة بما يدعوا إليه بعض شرائحها المتنورة، أو الكردي الذي ما زال يعيش تحت وطأة القهر والجور، والمشاريع التي تهدف النيل منه وطمس معالم هويته القومية، من جهة ثالثة، وتذمره - الشارع الكردي - من شكل تعاطي حالة التشرذم الكردي مع ما حدث، وأدائها لما تفرضه عليها مجريات الأحداث، ورسمها للموقف السياسي، من جهة رابعة، بالإضافة إلى العقم الذي يلف حالة الحراك الكردي المؤطر، وتشتت الطاقات والإمكانيات الفكرية والسياسية، بحكم التوازنات الكردية – الكردية (الحزبية)، والشرخ الحاصل بين الهرم الحزبي والقاعدة الجماهيرية، وغيابها عن المشاركة في دفع آليات العمل نحو مرامي البرامج السياسية حتى في حدودها الدنيا، وعدم قدرة بعض التعبيرات الخروج من كماشة السياسات والمشاريع السلطوية، والبعض الآخر عن عقلية المؤامرة، والتعامل مع أي فعل نضالي على أنه نتاج مؤامرة يقف وراءه إما جهات معينة أو أيادً مدسوسة، والتي لا تنسجم مع ما تطرحه مفاهيم المرحلة من الحرية والتعددية وحقوق الإنسان، وما يتم العمل من أجل بناء تكتلات سياسية واقتصادية كبيرة بهدف بناء ركائز نظام عالمي جديد، وعولمة الفكر والثقافة، وبالتالي اجتثاث بؤرة التوتر ومحاربة نوازع الشر وثقافة الإرهاب ، ومعالجة القضايا القومية والإنسانية . ومن قراءة سريعة لوضع الأطر والحالة السياسية الكردية، سواء ما قبل أو ما بعد (انعطافة آذار)، بغية الوقوف عليها واستخلاص العبر منها، نستطيع القول، بأن جملة من التراكمات السلبية، والتخبطات السياسية والتنظيمية وبالاعتماد عليهما، لا تؤهل لانبثاق نموذج حي يمتلك قدرة التكييف مع متطلبات الفعل التغييري . خاصةً ونحن نرى بأن الخلافات الجوهرية الدائرة كردياً لدى غالبية الأطر، وخاصةً المتشابهة اسماً – حتى لو تجاوزنا نسبياً المراحل السابقة، بمشاريعها وإفرازاتها وشرعية أو عدم شرعية كل طرح - بعيدة كل البعد عن ما يتم الترويج لها على أنها فكرية أو سياسية، بل تتمحور جلها في شرعية الاسم، ومشروعية انضمامها إلى كتلة سياسية (سواء الجبهة أو التحالف) بغض النظر عن تآكلها، وتآكل الإطار نفسه وإفراغه من مقومات النضال وإبقائه على ذاك الاسم فقط، أو البحث وراء مكاسب حزبية / شخصية لا تمت إلى البرامج المطروحة نفسها، ولا إلى سمات العصر الذي بات يتسم بالشفافية وحل قضايا الخلاف بتغليب الجوهري على الثانوي . وبالتالي فإن أية فكرة أو أي مشروع مهما كانت صيغته وبرنامجه سوف لن يتكلل بالنجاح من جانب المتعربشين بأسمائهم وشخوصهم وامتيازاتهم، إذا كان من شأنه أن ينسف إحدى تلك الأسماء المتشابهة أو الامتيازات، والأنكى من ذلك، تمسك البعض ببرامج تلك الكتل التي هي نتاج اصطفافات سياسية ولدت بفعل التوازنات، وضعف القوى المؤسسة لها نتيجة الانشقاقات التي لحقت بها، والوهن الذي أصاب أدائها، وليست بهدف الارتقاء بالفعل النضالي، أو محاولة على طريق رأب الصدع في الجسم الكردي . أضف إلى ذلك، أن ما حدث في المناطق الكردية من خلال أحداث 12 آذار، قد أدخل شرخاً كبيراً في البنى السياسية الكردية المؤطرة، ورسخ قناعة مطلقة، كنا نتداولها قبل الأحداث أيضاً، بأن آليات العمل السياسي الممارس لم تعد تجد نفعاً في الواقع العملي. بمعنى آخر، عبرت الأحداث عن هشاشة الأطر والرؤى، وكذلك ضعف الموقف وانهزاميته، وسطحية القائد الذي لم يكن بمستوى الحدث والتعامل مع إفرازاته . فالأحداث، ومن خلال الفعل ورد الفعل، قد وجهت رسالة إلى الحركة تتلخص فحواها، بأن خمسين عاماً من النضال، وجملة من المشاريع السياسية، لم تستطع أن تفعل فعلها، وتؤثر في ذهنية المواطن الكردي، بل على العكس تماماً تم تجاهلها ونسفها والقفز عليها، إن لم نقل مواجهتها . مع إدراكنا بأن غياب الديمقراطية وقمع الحريات العامة، المترافقة مع المشاريع الاقصائية، تصب في خانة تهميش القوى المحركة للنضال عن القيام بدورها في تحريك الطاقات وتفعيل الأدوات النضالية، لكن ما نود الوقوف عليه، هي الممكنات التي تتم نسفها من قبل تعبيراتنا المؤطرة لأسباب نعتقد أنها باتت واضحة لنا ولدى الجميع . من هنا، وإذا ما امتلكنا القدرة على تحليل الواقع والوقائع وتوصلنا إلى قناعة، بأن ما هو آت أكبر بكيثر مما حصل، كان علينا أن نفكر ملياً بآليات العمل المستقبلي . والتي تتلخص – بتصورنا – في العمل نحو تأسيس مرجعية كردية، تشكل إحدى تجسيدات الفعل الديمقراطي، وليست حلقة جديدة لإعادة إنتاج تجربة المجلس العام للتحالف الديمقراطي، أو خدمة لمراكز القرار الكردي، وتوجهات السلطة في لم الشظايا الحزبية المبعثرة ووضعها تحت وصايتها، بهدف تدجين بعض المواقف التي تحاول أن تعبر عن ذاتها بين الحين والآخر، وتجسد الحدود الدنيا من تطلعات الإنسان الكردي في أن يعيش حراً ، مصاناً وكريماُ ، وذلك من خلال بعض النشاطات الجماهيرية أو الحوارات الوطنية. بمعنى أن تكون محددات كل طرح وسقف أي مشروع ، قابلاً للتجسيد في الواقع العملي، وأن يكون قوامه الأطر والفئات التي تؤمن بالممارسة السياسية العملية، وليست التنظيرات والمناقشات العقيمة التي لا تخرج من دائرة الزوايا المغلقة . فالمرجعية المعقودة الآمال عليها، هي قيد عدة شروط واستحقاقات وترتيبات، وتشكل بمجملها المدخل نحو تحقيقها، ولا يمكن لنا أن نخطو ولو خطوة واحدة باتجاه إنجازها، إذا لم نمتلك مقومات القوة، ونبتعد عن دائرة المشاريع السلطوية وتوازنات المصالح. حيث أن الحالة الكردية، وظروف العمل السياسي، وذهنية الشارع الكردي، تستوجب امتلاك مصادرها. بمعنى آخر لا بد أن تكون هناك نواة سياسية ذات تأثير وفاعلية، لتساهم في تجسيدها . فهي ليست - مطلقاً – كما يتم الترويج لها أو تجميل صورتها، لأن البناء على ما هو قائم، بنموذجه وآلياته ونمط تفكيره، والذي هو وريث ثقافة انهزامية، وفكر سياسي مهزوم ومنكسر، وآليات تنظيمية أقرب ما تكون إلى النموذج العشائري القبلي، وبغياب مشاركة مجمل الطاقات والفعاليات هو ضرب من ضروب العبث ليس إلا. فسلوكيات الحركة، وبالتحديد مراكز قراراها في واد، وما يتم طرحه في آخر. حيث أن استحقاقات المرحلة، تفرض وبقوة، بلورة طرح سياسي يواكب ومجريات التغيير . من هنا – ودون الدخول في التفاصيل – نستطيع القول، بأن ما تتطلبه المرحلة هي عملية ردم في مجمل سلوكياتنا وآلياتنا، وبالتالي البناء وفق نموذج حي وقابل للحياة ، يأخذ بعين الاعتبار تداعيات الفعل التغييري وبواطن المشاريع المستقبلية التي تتبلور ملامحها في منطقتنا شيئاً فشيئاً. وهي رهن المشروع الكردي المستقبلي، الذي يجب أن يتجسد بالإضافة إلى قيادة ميدانية ملمة بحيثيات الأمور – في برنامج سياسي واضح الصيغ والمعالم، لأن الحاجة لا تكمن في مشاريع عريضة / فضفاضة، وقابلة للتآكل عند كل حدث أو تغيير، أو خاضعاً لتأويلات، والتراجع عنه أمام الضغوطات ، بل الحاجة تكمن في برنامج شفاف يقف على ثوابت الطرح السياسي الكردي، ويوظف كل موقف من خلال تجسيد معين . كأن يقف على حقيقة الوجود الكردي في سوريا، ومدى ارتباط المسالة الكردية بمسألة الديمقراطية، والانسجام بين المفهوم المطروح بخصوص التلازم بين النضالين الوطني والقومي ، وشرح متطلباته ومطاليب الشعب الكردي، وتشكيل لجان بشأنه للتحاور مع المعنيين بشأن الحراك الديمقراطي الوطني بما فيها السلطة، وتقييم مكونات المجتمع السوري وبنية النظام . ولا بد هنا من الانكباب على التجارب الإنسانية الحية بغية توظيفها قدر المستطاع في خدمة القراءة الكردية لأشكال النضال السياسي، ولا ضير من قراءة متأنية في التجربة الكردية في كردستان العراق، بحكم أنها شكلت خزينة نضالية، ومواكبة لمجمل التغييرات التي رافقت صيرورة الفعل النضالي في المنطقة، سواء من جهة تشكيل الدول والكيانات القومية في مرحلة ما بعد الاستعمار، أو من جهة اختبارها لجميع أشكال العمل النضالي، سواء المسلح أو السياسي والدبلوماسي ، بغية الاستفادة منها، كونها احتلت موقعاً هاماً ومتميزاً في عملية الحراك السياسي الدائر في المنطقة، لأنها استطاعت بحكم تفاعلها مع مستجدات الوضع السياسي، أن ترتقي بأهداف ومطالب الشعب الكردي، وأن توظف خياراته ضمن إطار معادلة العراق الديمقراطي التعددي الفيدرالي . ويمكننا القول هنا، بأن النقطة الحاسمة في التحولات التي طرأت على المنهج السياسي الكردي في العراق، ترافقت مع أحداث حرب الخليج الثانية، وبالتحديد منذ انتفاضة 1991 وتأمين الملاذ الآمن . حيث بدا واضحاً، بأن ما استجد في الوضع الكردي، وإن كان يستند إلى الموروث النضالي التاريخي، اعتمد بشكله الأساسي على موازين القوى التي أفرزتها انهيار المعسكر الشرقي، والمعادلات السياسية الجديدة المطروحة على صعيد منطقة الشرق الأوسط . بمعنى آخر، نستطيع القول، أن ما تم إنجازه من مكتسبات على أرض الواقع، كان أكبر بكثير من المكاسب التي حققتها الحركة الكردية على مر تاريخه النضالي، مقارنة بحجم التضحيات، وأشكال النضال السابقة . وبما أن المشهد الكردي في العراق كان وما زال يؤثر على الفعل السياسي الكردي عموماً وفي سوريا خصوصاً، بل أكثر من ذلك كان يشكل بالنسبة للحركة الكردية عموماً الحلقة الأقوى، فلا بد من أخذ العبر والدروس من تلك التجربة، والاسترشاد بها، بل وتوظيفها قدر المستطاع وذلك حسب خصوصيات التركيبة الاجتماعية والسياسية في سوريا. في الجانب التنظيمي : إن خصوصية المرحلة تحتاج – كما قلنا – إلى عملية ردم ، وأن هذه العملية - الهدم ثم البناء - تحتاج بالضرورة إلى فكر نقدي، ووسائل عملية، والتي ما تزال خاضعة إلى جملة من المكونات والعراقيل في البنى التنظيمية، والتي تتحدد في ما يسمى بدستور وقوانين الضبط، والذي يتجسد في حالة الأطر بالنظام الداخلي. فمن حيث النظام الداخلي، نعتقد أن المهمة الأساسية، أو المدخل الصحيح، نحو البناء يكمن في هدم الحلقة القوية والضعيفة في آن معاً في النظام الداخلي، والتي تتجسد في مفهوم المركزية الديمقراطية في البناء الحزبي . تلك الحلقة القوية في تسلط القيادة على كل الحزب واحتكارها لكل الحزب، والضعيفة في تواصل الحزب مع الشارع والسياسة معاً. كون أن الفكرة تجسد مبدأ التبعية وولاية الفقيه، لا المساهمة والإحساس بمسؤولية بناء الموقف ونشره وتعميمه . وتتصل هذه الحلقة أتوماتيكياً بنقطة أهم وأشد وطأة على الحياة الحزبية، والتي تتلخص في شخصنة الحزب، من خلال ولاءها للقائد الأبدي. هذه النقطة التي هي – إضافةً إلى عوامل متكاملة - سبب مجمل السلبيات، من اصطفافات وتوازنات وولاءات ، في الجسم الحزبي. لذلك لا بد من الوقف عليها، وتسخيرها وفق مفردات العصر، ومفاهيم الديمقراطية . بحيث يجب أن يكون هناك ضابط زمني للقائد والقيادة، تجنباً من اصطباغ الحزب بشخصه، ومساهمة في فتح المجال أمام الطموحات والخبرات، التي تتبلور من خلال تداول السلطة، والانفتاح على الآخر والإقرار به ، وبإفرازات الواقع والوقائع ، وبالتعددية حتى ضمن الإطار الواحد، وعدم التمترس خلف مبررات ، شخصية كانت أو مواقفية ، وبأن الكل عرضة للخطأ، إن لم نقل الانزلاق وليس هناك من هو معصوم عنه . هذه النقاط – إذا ما تحققت - من شأنها فتح آفاق ولو ضيئلة أمام تطور الجسم التنظمي، وتبقى رهن القيود على الصعيد السياسي، إذا لم تمتلك وتستند على ذهنية العمل السياسي الأفقي. بمعنى إشراك مجمل الفعاليات الكردية الفاعلة في صنع القرار الحزبي. وهذا يتطلب امتلاك ثقافة الانفتاح على الشارع، والتخلي عن المكتسبات الحزبية التنظيمية الوهمية. بحيث نرتقي إلى إمكانية تشكيل لجان مهمتها التواصل مع الشرائح المستقلة، وإن أمكن تأطيرها بشكل ينسجم وطموحاتها، بغية إشراكها في رسم القرار . باختصار، ردم الحواجز بين ما هو حزبي ومستقل . هذه العملية بحد ذاتها، تعتبر بمثابة المحك وحقل اختبار لنجاح الفكرة، بحيث إذا ما تحققت، يمكن إنجاز قيادة ميدانية متخصصة، وذلك بمشاركة المستقل الذي لديه الاستعداد بالانخراط في العمل التنظيمي ، سواء بشكله المباشر أو من خلال هيئات استشارية. خلاصة القول بهذا الخصوص، أن نمتلك القدرة والرغبة على لفظ موروثات أشكال العمل النضالي العقيم، لنتمكن من إنجاز مرجعية كردية يساهم فيها الكل حسب إمكاناته المتاحة .
أما في الجانب الحزبي : نعتقد أنه ليس بخاف على أحد ما يعانيه الجسم الحزبي من عراقيل ومعوقات، والتي تعود بحالاتها إلى جملة من الأسباب، منها: الوضع السياسي العام في البلد، والذي يسوده غياب الحريات الديمقراطية وانتشار مظاهر الفساد السياسي، نتيجة تعامل السلطة مع القضايا الوطنية ومعالجتها وفق حلول أمنية، واستمرارها على القوانين والممارسات الاستثنائية، من أحكام عرفية وحالة الطوارئ، والذي يصب بمجمله في خانة تفرد حزب البعث بمقاليد البلد ، وانتعاش النزعة الشوفينية في مواجهة القضية الكردية، والتعامل معها وفق حلول أمنية مستندة على القمع والترهيب ، إضافة إلى الجمود المسيطر على دستور البلاد، وتحويله إلى كتاب مقدس لا يجوز المساس به إلا لخدمة السلطة نفسها، والذي – الدستور – يهمش التركيبة الاجتماعية والقومية والسياسية في البلاد، بما فيها القومية الكردية – القومية الثانية في البلد - ، ناهيك عن غياب قانون ينظم الحياة السياسية والحزبية، ويفتح الباب أمام الطاقات الوطنية لأن تقوم بدورها في البناء الوطني . هذه الأسباب مترافقة مع ما جرى ويجري من حولنا ، من سقوط المعسكر الشرقي بمفاهيم وتوازنات المرحلة ، وبروز ملامح نظام عالمي جديد ، يستند إلى رؤية مغايرة، وعدم امتلاك الأطر الحزبية قدرة تحليلها والوقوف عليها، ساهم إلى حد بعيد في خلق نوع من اللاستقرار في الجسم الحزبي، حيث أضحى عرضة للمد والجزر والتآكل إلى أن جاءت أحداث آذار، ووقوف الشارع والحركة معاً وجهاً لوجه أمام خيارات الواقع ، ليتم التأكيد على نقطة هامة تتلخص فحواها بأنه لا بديل عن الإطار المنظم في الحالة الكردية بغض النظر عن التباينات وأشكال الخلاف . لكن وبما أن الحزب يشكل في جوهره إحدى تجسيدات المجتمع المدني، وهو شكل للوجود المجتمعي الكردي في سوريا ، معناه التاريخي ونضاله الوطني وموضوعية وجوده قومياً وديمقراطياً ، تحدد ماهيته كمشروع سياسي لقومية تتعرض لشتى صنوف الصهر والقمع والتذويب الشوفيني ، كما وتتحدد أهمية وجوده تاريخياً ، من قدرته على تحديد هويته الديمقراطية ، وطرح مواقفه تجاه مجمل القضايا القومية الكردية أو الوطنية السورية ، وبالتالي تجدده الدائم وامتلاكه للقدرة على تقييم مساره وتحديث آليات عمله النضالية للدفاع عن قضية شعبنا الوطنية ، فلا بد أن يكون سلمي البناء والأسلوب ، ليبرالي التوجه ، يعتمد في بنائه حرية الرأي ، وديمقراطية الموقف والممارسة ، وفي فعله العملي ، السياسي والثقافي والاجتماعي ، على عمل مؤسساتي متنوع ومتعدد في إطار القاسم المشترك الاعظمي لجميع الأعضاء ، من حيث نوع من اللامركزية في اتخاذ القرار ، بالاستناد على الإرث النضالي للشعب الكردي في سوريا ، ومصلحته القومية والوطنية ، كمكون فاعل في المجتمع السوري . وبالاستناد على ذلك، ولقناعتنا بأن المستقبل سيكون حتما إلى جانب قضايانا العادلة، وأن ما نهدف إليه هي مهمة الجميع، فإننا نهيب برفاق اليوم والأمس والأمس القريب، وحتى بالغيورين على مستقبل قضيتنا، الخروج من داوئر الشك والتشكيك، والعمل معاً وسوياً نحو رسم آليات ، هي تكون كفيلة بلفظ ما يجب لفظه، وتثبيت ما يجب ترسيخه . بمعنى آخر الابتعاد عن العقل المؤامراتي وممارسات النسف والاقصاء، والانكباب على برنامج عمل يؤطر ما من شأنه الارتقاء بما يجب أن يرتقي، ويطمح إليه نحن البسطاء من شعبنا . مع أننا على يقين تام بأن حزبنا هو الآخر يعاني من بعض التراكمات السلبية في كيانه، وما زال أداؤه السياسي والتنظيمي أسير بعض الأخطاء والانزلاقات. لكننا على ثقة بأننا سنحاول تلافيها بإرادة الغيورين على الخط الذي ننتهجه، ومساندة الحريصين على مستقبل قضيتنا وشعبنا ووطننا. فبتكاتف جهودنا، وعملنا المشترك، كلنا أمل في أن ننجز ما هو مطلوب منا ويهدف إليه جماهيرنا .
* المقال الافتتاحي لصحيفة – اتحاد الشعب – العدد 324 – آب 2004 ، التي يصدرها حزب الاتحاد الشعبي الكردي في سوريا .
#حزب_الاتحاد_الشعبي_الكردي_في_سوريا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وماذا بعد » التهدئة « .. ؟. *
-
رسالة إلى الشارع السوري ..فليكف المزاودون عن المتاجرة
المزيد.....
-
بالصور..هكذا يبدو حفل زفاف سعودي من منظور -عين الطائر-
-
فيديو يرصد السرعة الفائقة لحظة ضرب صاروخ MIRV الروسي بأوكران
...
-
مسؤول يكشف المقابل الروسي المقدّم لكوريا الشمالية لإرسال جنو
...
-
دعوى قضائية ضد الروائي كمال داود.. ماذا جاء فيها؟
-
البنتاغون: مركبة صينية متعددة الاستخدام تثير القلق
-
ماذا قدمت روسيا لكوريا الشمالية مقابل انخراطها في القتال ضد
...
-
بوتين يحيّد القيادة البريطانية بصاروخه الجديد
-
مصر.. إصابة العشرات بحادث سير
-
مراسل RT: غارات عنيفة تستهدف مدينة صور في جنوب لبنان (فيديو)
...
-
الإمارات.. اكتشاف نص سري مخفي تحت طبقة زخرفية ذهيبة في -المص
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|