أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - امين يونس - من دهوك الى بغداد















المزيد.....

من دهوك الى بغداد


امين يونس

الحوار المتمدن-العدد: 3164 - 2010 / 10 / 24 - 18:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


سائق التكسي الذي أقّلنا من دهوك ، كان من سكنة بغداد ولديهِ موعدٌ عصراً لإصطحاب أحد أفراد عائلته لعيادة الطبيب كما أخبرني ، لذا لم ينتظر حتى " إكتمال النِصاب " على منوال أعضاء مجلس النواب العتيد ، بل عَقدَ العزم على الحَرَكة في السادسة صباحاً ، مُكتفياً بِنَفَرَين ، واحدٌ في الصدر وكان رجلاً كبيراً في السن مُرتدياً الزي الكردي التقليدي ، وأنا حالفني الحظ بإحتلال المقاعد الخلفية الثلاثة . عَبرنا سيطرة آلوكا وبدقائق معدودة وصلنا الى ناحية "فايدة" التي هي من الناحية الرسمية عائدة الى مُحافظة نينوى ، لكنها ومنذ 1991 أي منذ عشرين سنة وهي تحت سيطرة وإدارة محافظة دهوك . وحيث ان أعمال صيانة وترميم قسمٍ من الشارع ، جارية ، فأنه كان مقطوعاً وإضطررنا الى سلوك السايد الآخر والذي جعلتْ منه سيارات الحمل الكبيرة ، التركية والعراقية ، مُزعجاً وخطراً ، خصوصاً وان علامات التحذير لم تكن موجودة في الاماكن المُناسبة . وصلنا الى سيطرة "بدرية" وهي على مُفترق الطريق الذاهب يساراً بإتجاه الشيخان وألقوش وعقرة ، هذه السيطرة إشتهرتْ خلال السنوات الماضية بأنها كانتْ " مُتشددة " ولا تسمح بدخول أهالي المحافظات الاخرى وخصوصاً الذين لايتكلمون الكردية ، لأسباب أمنية ، لكنها الآن أكثر تساهلاً !. عدة كيلومترات قبل الموصل هنالك سيطرة " كردية " أخيرة ، تليها عند مدخل المدينة سيطرة " عربية " او حكومية او سّمِها ماشئت ! . قد تبدو هذه التسميات والتقسيمات مستهجنة وغريبة لِمَن يسمع بها عن بُعد ، وربما لاتعجبني أنا أيضاً ، لكنني أصف الواقع كما هو قَدر المُستطاع . [ بعيداً عن التنظيرات السياسية والمماحكات القومية ، وعلى مُستوى الافراد العاديين من أهالي الموصل ودهوك ، فأن الوضع الامني والشعور بالإستقرار والطمأنينة منذ 2003 ولغاية اليوم ، كان جيداً بصورةٍ عامة في كافة المناطق التي تُديرها سلطة اقليم كردستان في سهل نينوى والقرى المُحاذية والتي يسكنها المسيحيون والايزيديون والعرب . بعكس الوضع المُتردي في مركز الموصل والمناطق التي تُديرها حكومتها المَحلية ] . في كثيرٍ من الفترات خلال السنوات الماضية ، كان معظم أهالي الموصل ، كما أعتقد ، يتمنون ان يحظوا بالأمان على أرواحهم وممتلكاتهم ، بغض النظر عن مَنْ يحكمهم ؟ الاحزاب الكردية ام العربية ، سلطة الاقليم ام سلطة بغداد ؟ ولكن للأسف لم تستتب الاوضاع في المدينة وبعض أطرافها لغاية اليوم ، وما زالتْ العصابات الاجرامية تستطيع فرض الأتاوات على الناس بمختلف مواقعهم . أما في دهوك وتوابعها من المناطق المتنازع عليها ، فالمواطنون يتحملون السلبيات والنواقص وبعض مظاهر الفساد ، مُقابل الأمن والأمان والاستقرار الذي ينعمون بهِ . وهذهِ من مفارقات الوضع الانتقالي الاستثنائي ، الذي كان من المتوقع ان يستمر لفترةٍ قصيرة لاتتجاوز السنتين ، وإذا بهِ يمتد الى أكثر من سبع سنوات ، وليس من الواضح الى متى سيستمر ايضاَ .
عبرنا دجلةَ الى الجانب الآخر من الموصل وغادرنا المدينة بدون اية معوقات ، وفي منطقة قريبة من " الحضر " توقف السائق عند كشكٍ صغير يبيع دبات البنزين ، فسألته لماذا لم يتزود بالبنزين من محطات الوقود في دهوك او الموصل ؟ قال : اولاً ان هذا " معميل " وثانياً ان بنزينهُ أنظف وأرخص ! . كان شابٌ عشريني يشتري من الكشك عند وصولنا ، وعندما ترجلنا من السيارة ، وشاهد الرجل ذو الزي الكردي ، قال فوراً : لماذا تقتلون العرب في كركوك ؟ بوغتَ الرجل وإرتبك ، فتدخلتُ وقلت : ما هذا الكلام ، لااحد يقتل العرب ، ثم اننا قادمون من دهوك ولاعلاقةَ لنا بكركوك . أشرتُ الى السائق بالإستعجال وعاتبتهُ على الوقوف هنا في هذه المنطقة المقطوعة !. أعتقد اننا بقينا أقل من ربع ساعة فقط عند الكشك ، وربما ان الشاب " العربي " كان يمزح او لم يكن جدياً في توجيه هذه التهمة ، او ان ضحك صاحب الكشك ونهره ، أظهر بان المسألة عابرة . ولكن لابُد من التنبيه ان " الشحن " القومي الذي يقوم به بعض السياسيين وتصريحاتهم النارية عبر الفضائيات ، تدفع قسماً من الشباب لإرتكاب حماقات كثيرة ، ونفس هذه المنطقة الممتدة من حمام العليل والكيارة والحضر والشرقاط وبيجي مروراً بتكريت وسامراء الى أطراف بغداد شهدتْ خلال الاعوام السابقة وخصوصاً 2005 لغاية 2008 ، العديد من الجرائم التي راح ضحيتها أمثالي وأمثال الكردي الجالس في المُقدمة ، من الذين كُل جرمهم كان تواجدهم في المكان والزمان الخطأَين !. ان مشهد الكشك هو جزءٌ من الكوميديا السوداء التي نعيشها يومياً ، وان خيالاتنا المأزومة " بفعل التجارب المريرة " تقودنا أحيانا الى إستنباط سيناريوهات اُخرى ، مثلاً لو إستّلَ الشاب العربي مُسدسهُ وأطلق النار على المُرتدي الزي الكردي وأرداهُ قتيلاً ، وصعد الى سيارتهِ وذهبَ الى قريتهِ المُجاورة ، فأنه سيفلت من العقاب ، بل ان لاأحد يتابعه او يحاول إلقاء القبض عليهِ . الشاب يعتقد انه قام بعملٍ شجاع وطيب ، إنتقاماً للعرب الذين يزعم السياسيون انهم قُتلوا في كركوك . والقتيل سيذهب كما يقول المثل العراقي ( بولة بشط ) ، وربما سينزل الخبر على السبتايتل : مسلحون مجهولون يطلقون النار على مواطن في المنطقة الفلانية ويردوه في الحال . وينتهي الأمر !.
ما ان عبرنا بيجي ، وإذا برتلٍ طويل من الحاويات العائدة للجيش الامريكي ، فإضطررنا الى النزول على طريقٍ تُرابي اكثر من كيلومترين ، عُدنا بعدها الى الشارع الرئيسي ، بين تكريت وسامراء كان هنالك رتلٌ للجيش العراقي ، ساهمَ ايضاً في تأخيرنا لبعض الوقت .
من الموصل الى بغداد ، هنالك العشرات من السيطرات الدائمية والوقتية ، لم تقُم اية سيطرة بتفتيشنا او فتح صندوق السيارة او السؤال عن الهويات . وهذا الأمر يدعو الى التأمل والوقوف عنده . فأما ان معظم هذه السيطرات زائدة ولا داعي لوجودها وتحميل الميزانية كُل هذه المصاريف ، بدليل اننا قطعنا 400 كيلومتر من دون أن يسألنا أحد مَنْ انتم وماذا تحملون معكم ؟ أو انها لاتقوم بعملها ولا تُنفذ واجباتها على الوجه الصحيح . هل من المعقول انه لايوجد اي مشبوه او مُخالف يستحق ان يُفَتَش في كل هذه السيطرات ؟ هل الامن عال العال الى هذه الدرجة ؟ وإذا كان كذلك فلماذا التفجيرات والمفخخات وكواتم الصوت التي تزرع الرعب اليومي في بغداد ؟ هل كلها من تنظيم وتنسيق وتنفيذ من داخل العاصمةِ فقط ؟ وإذا كانت كذلك فاين إنتاج الاستخبارات والامن الوقائي والمخابرات ؟ ان مقومات " الدولة " ما زالتْ هّشة وطرية في العراق الجديد كما يبدو !.
وصلنا الى بغداد بعد الواحدة والنصف ، في حين كان من المفروض ان نصل في الحادية عشرة لو كانت الظروف طبيعية . أصّرَ رفيق الطريق ذو الزي الكردي ان يوصله السائق الى " البتاوين " على ان يدفع خمسة آلاف . ورفض السائق توصيلي الى " المشتل " رغم الاغراءات التي قدمتها له ، بحجة انه مُستعجل .
أشرتُ الى تكسي وقلت له نهاية المشتل ، فقال سبعة آلاف ، وبعدَ أخذٍ ورَد وافقَ على أربعة آلاف . كان السائق الشاب سمينا ممتليء الوجنتين ، وأنا لديّ إنطباعٌ لا أدري إن كان صحيحاً أم لا ، بأن البدين طيب القلب ومَرِح ، لذلك بادرتُ الى سؤالهِ بعد ان قال لي : الله بالخير ، مِن اينَ انت ؟ أجاب : من سلمان باك . أردتَ ان أتأكد من كلامهِ ، فسألتهُ هل تعرف الدكتور فلان الذي عيادته عندكم ؟ أجاب على الفور : اليس هو الدكتور الذي يعرج قليلاً ، انه دكتور مُحترم ! . تيقنتُ انه من سلمان باك . ولوقوعنا وسط إزدحامٍ خانق والسيارة تسير كالسلحفاة ، أردتُ ان اُدردش معه ، فسألته : يعني هسة انت مُجاهد لو إرهابي لو شنو ؟ ضحك السائق بإرتياح وقال : عمي آني إنسان فقير على باب الله . وفوك كُل هاي خلوني بالسجن سنتين ، وآني كُلشي ما مسّوي والله العظيم . "مَدَ قدمه قليلاً ليُريني آثار الدريل الذي عّذبوه بهِ" ، وبعد سنتين ، ب 2007 هّدوني كالوا انت بريء ! . آنه اكولك إبن عمي اللح مجاهد ..إرهابي ..بكيفك ، هو معروف بالمنطقة ، وياخذ فلوس وراتب من السعودية ومن إيران ! . بس آني ياهو مالتي ؟ خره بعراضكم على هاي الحواجز الكونكريتية .. والله ذبحتونا !.
أدركتُ بالملموس ان الغالبية العظمى من العراقيين ، على هذه الشاكلة ... طيبون ، أقوياء ، وديعون ، رغم كل المآسي . صاحبنا السائق يتحدث عن إعتقالهِ وتعذيبه وتشويه أجزاء من جسدهِ ، وكأنه يتحدث عن شخصٍ آخر ، في مكانٍ آخر وفي زمنٍ آخر !. في أماكن اخرى غير العراق ، ربما يدخل انسانٌ تعرضَ الى حبسٍ ليومين او نال صفعةً او صفعتين او نُعِتَ بكلامٍ نابٍ خلال التحقيق ، ربما يدخل الى مصحٍ نفسي لمُعالجة الآثار النفسية الخطيرة التي أصابتْهُ . وهنا في بغداد ، تجد في كُل لحظة وفي كل مكان ، شخصاً مَرَ بتجربةٍ قاسية وعنيفة ، ويتحمل تبعاتها ، وهو ليس له ناقة ولا جمل في كل الذي يحدث ! .
إستغربَ السائق عندما رأى الدموع تترقرق في عيني وأنا اُودعه .



#امين_يونس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نفوس العراق 45 مليون نسمة !
- أنتَ تنتَقِد .. إذن انتَ غير مُخْلص !
- هل المطالب الكردية عالية السقف ؟
- احزاب الاسلام السياسي والتضييق على الحريات
- حكومة قوية ..معارضة قوية ، وليس حكومة مُشاركة
- إعتراف ... عدم إعتراف !
- أثرياءنا ... وتطوير البلد
- البعثيون يخافون من التعداد السكاني العام
- اُم كلثوم وتشكيل الحكومة العراقية !
- حاجتنا الى ثورة في التربية والتعليم
- مليارات الدولارات - الفائضة - في العراق
- إستفتاء تركيا وإستفتاء جنوب السودان ..وكُرد العراق
- تعويضات عراقية لمواطنين أمريكيين !
- تحديد يوم العيد والسياسيين العراقيين
- ألقَس بن لادن والشيخ تيري جونز !
- ألقاب ودَلالات !
- هل تعرف أمثال هؤلاء ؟
- متى سيقوم مجلس محافظة دهوك بدورهِ ؟
- تَحيا العَدالة !
- - إنتهاء مفعول - أحمد الجلبي !


المزيد.....




- من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا ...
- ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا ...
- قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم ...
- مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل ...
- وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب ...
- واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب ...
- مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال ...
- -استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله- ...
- -التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن ...
- مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - امين يونس - من دهوك الى بغداد