أحمد عثمان محمد
الحوار المتمدن-العدد: 3164 - 2010 / 10 / 24 - 16:42
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إنتشر الإسلام فى بلادى قبل أن يصل إلى المدينة المنورة!
هذا هو الجواب النمطى الذي تجده جاهزاً عند الإنسان الصومالى البسيط عندما تجادله فى شأن الدين.
يفطن متصفح هذا المقال دون أدنى شك أن هذا الجواب النمطى يشير إلي هجرة الصحابة الأولى والثانية إلي ما كان يعرف أناذاك وحتى بالأمس القريب بأرض الحبشة.
وسرعان مايضيف إلى ذلك إذا أطلت الحوار معه : "لم يُنشرالإسلام في بلادى بحد السيف وإنما إنتشر بالفطرة. " كناية علي أنه أدري بشأن دينه عن غيره لأن أجداده إعتنقوا الإسلام عن قناعة وليس بحد السيف!
"لم يُنشرالإسلأم في بلادي بحد السيف وإنما إنتشر بالفطرة "، هذه الجملة النافية البسيطة قد تكون لب هذا المبحث الذي يتناول فيه الكاتب "الفهم العلمانى للإسلام عند الإنسان الصومالى عبرالزمن" ويقارن ذلك "بالفهم الوهابى للأسلام عند المجتمع السعودى المعاصر" ثم نجاح المؤسسات الدينية السعودية فى تصدير هذا المذهب إلى الصومال وأثر ذلك على المجتمع الصومالى.
ينظرالإنسان الصومال البسيط إلى نفسه اليوم على أنه مسلم أولاَ - أى أن إنتمائه الدينى يسبق إنتمائه الوطنى والقومى- وهو شبيه فى ذلك إلى حد كبير بلإنسان عند كثير من الشعوب التي تنظر إلى الدين بوصفه المكون الأول لثقافتهم، مثل الإنسان الأمريكي ألذي ينظر إلي نفسه على أنه مسيحي أولاً ويقضى معظم أيام الأحاد في التعبد فى الكنائس.
ولإن الإسلام فى الصومال وعند بقية الشعوب القاطنة في القرن الإفريقى كان قبل ولا يزال إسلاماً فطرياً، "لا مركزياً" ولم ينشر بحد السيف فقد كان عليه أن يتميز أيضاً بالإستقرار المذهبي والفكري و بخلوه من الصراعات الطائفية طوال القرون الأربعة عشر الماضية.
أي من بداية وصوله إلى بلاد الحبشة وحتى الربع ألأخير من ستينيات القرن الميلادي المنصرم عندما أسست المملكة العربية السعودية لنفسها معهد خاص بها في مقديشو عاصمة الصومال لغرض لم تفطن إلى خطورته الحكومات التى تعاقبت على البلاد وذلك لأن المجتمع الصومالى بحكم عاطفته الدينية الجياشة يقبل تلقائياً ويتعاطف كثيراً مع كل ما له صلة بالمقدسات الإسلامية فى أرض الحجاز وكل ما يُشتم منه رائحة الإسلام.
سأعود لاحِقا إلى قصة هذا المعهد ودوره في تطور الأحداث الدموية فى الصومال قبل و بعد سقوط الدولة فى أوائل التسعينيات من القرن المنصرم وحتى هذا اليوم.
ظاهرة إنتشار دين الفطرة، بالفطرة في ربوع بلاد الصومال وعند بقية الشعوب القاطنة فى القرن الإفريقي ليست ظاهرة فريدة في القرن الإفريقي، فقد إنتشر الإسلام كما هو معروف في جميع مجتمعات جنوب شرق أسيا (ماليزيا، سنغافورة ، إندونيسيا ، تيلاند ، كمبوديا وغيرهم ) إلي أن وصل إلي أقصى نقطة في جنوب شرق أسيا أي الفلبين وذلك دون أن يلعب السيف أي دور في نشره.
الصومال بلد إفريقي
يعرف الكثيرون من قراء العربية أن الصومال عضو فى جامعة الدول العربية ولكن ما لا يعرفه غير قلة منهم هو أن هذا الشعب وإن كان شعباً مسلمأٌ إلا أنه أولا واَخيراً شعب إفريقى له لغته وثقافته ، ومقومات قوميته التى تجعله مختلفاً وموازيا لأى قومية اُخرى فى العالم.
أنثروبلوجيا، كان المجتمع الصومالى على نقيض مجتمعات الجزيرة العربية المجاورة مجتمعاً اُموياً Matriarch society تلعب فيه المرءة دوراً هاما في فضائه الإجتماعي العام حيث كان يعود لها ملكية منزل العائلة وتسيطر تماماً على إقتصاديات اُسرتها.
ولإن الحالة الإجتماعية لأي مجتمع لاتثبت علي حال فقد تبدل هذا المجتمع الاُموي تدريجا عبر الزمن ومع إنتشار قيم الدين الإسلامى إلى مجتمع أبوى Patriarch society إلا أنه ظل يحمل فى طياته الكثير من إرث المجتمع الاُموي القديم.
أقوي دليل أنثروبلوجى يعضد المذكور أعلأه هو أن بعض العشائر الصومالية مازالت تنتسب إلي الأم حتى اليوم. (كأن تقول على سبيل المثال قبيلة أولاد فاطمة أو قبيلة أولاد سعاد أو ما يوازي ذلك باللغة الصومالية) Habar yonis, Habar caro, Habar Awal, Habar Gidir, Habar Jecel .
كما أن بعض القرى والمدن والميادين المهمة تنسب إلى المرأة مثل مدينة "بلد حواء" فى غرب الصومال وقريه "مريم جوباي" فى الجنوب البلاد وميدان "حواء تاكو" الشهير فى وسط مقديشو وهى ظاهرة إجتماعية تبرز إعتراف وتخليد المجتمع لدور المرءة فى بناء الوطن.
وإعتماداً علي ذلك الإرث الأنثربلوجى الاُموى القديم (سالف الذكر) يستطيع دارس المجتمع الصومالى أن يلاحظ بسهولة أن المراءة عند هذا الشعب وإن فقدت الكثير من سيطرتها على المجتمع للرجل لعدة عوامل أهمها إعتناق هذا المجتمع للدين الإسلامى (وبالتالى إنتشار قيم المجتمع الذكوري الذي يحمله هذا الدين الآسيوى فى طياته) إلا أنها مازالت تؤثر وبقدر كبيرعلى الأقل في صناعة القرارت ألتى تمس مستقبلها الشخصى والاُسرى.
فألفتاة الصومالية بدَوية كانت أم من أهل الحضر مازالت تحتفظ حتي اليوم علي قدر عظيم من حرية الإرادة، ويتمثل ذلك بحقها الشخصى في تحقيق ذاتها و تقريرمصيرها على إنفراد.
فهى تتزوج فى الغالب الأعظم بإرادتها الحرة ودون ضغوط من أسرية تذكر، وقد تقترن "إن تطلب الأمر" بأحد من أندادها دون الحاجة إلى إشعارِ وليُ أمرها بذلك سلفاً.(1)
وبما أن المجتمع الصومالي كان فى الماضى - ولا يزال حتى اليوم - مجموعات من العشائر البدوية المتجاورة التى إكتسبت لنفسها حق الترحل الأبدى نحو المرعى الأفضل والتنقل خلف الغيوم الماطرة، إكتسبت الفتاة الصومالية بدورها من هذا النوع من الحياة "حق الترحل" في ربوع بلادها أو حتى خارج وطنها.
فمن الطبيعى جداً عند المجتمع الصومالى أن تذهب البنت بمفرها وبدون مُحرَم لدراسة الطب فى مدينة بعيدة وقليلة الصلة بالثقافة الإسلامية مثل مدينة "موسكو" عاصمة روسياالإتحادية أو تسافر بمفردها لدراسة الدين الأسلامة فى إحدى كليات البنات جامعة عريقة مثل جامعة الأزهر.
مكا انه من الطبيعى عند هذا المجتمع المسلم أن تسافرالمراءة إلى خارج الوطن للتجارة أو العمل أو حتى المغامرة منفرداً - وبطريقة شرعية أو غير شرعية - إلى أوربا و أميركا أو أستراليا بحثاً عن حياة أفضل لها ولإسرتها وذلك دون أن تشعر هى ، اُسرتها أو المجتمع الصومالى بصفة عامة بأنها أخلت بركن من أركان دينها الحنيف.
وإلي جانب حرية الإرادة التى تتمتع المراءة الصومالية بحكم ذلك الإرث الأنثربولجي القديم تتمتع إيضاً بإستقلال إقتصادى واسع من اُسرتها وزجها نتج عنه فى عصرنا الحاضر سيطرتها شبه التامة على قسم لا يستهان به من إقتصاد الوطن يتمثل فى سيطرتها على تجارة التجزئة فى أسواق المواد الغذائية ومحلات بيع المواد الأستهلاكية وسوق الذهب سواء فى المدن أو القرى.
يضاف إلى ذلك مشاركتها فى جزء كبير من تجارة التصدير والإستيراد.
فالمراءة الصومالية المستوردة شخصية معروفة ومفضلة على سبيل المثال عند تجار الجملة فى أسواق بمباى الهندية الشهيرة.
وطموح المرءة الصومالية الناتج عن حريتها الإقتصادية لا يقف عند حدود وطنها بل يتجاوز ذلك إلى السيطرة على بعض الأسواق التجارية المهمة في الدول المجاورة مثل سوق (إستلى) ثانى أكبر أسواق مدينة نيروبى عاصمة كينيا حيث يقدر سهم المرءة الصومالية من هذا السوق بحوالي 80% من مبيعاته اليومية.(2)
يتبع
المصادر:
1- زواج المسافة : وهو زواج إسلامى مستند إلى المذهب الشافعى ومنتشر فى الصومال والقرن إفريقي
2- الجزيرة نت: http://www.aljazeera.net/NR/exeres/821D4494-E1F1-4F02-AAF6-D11164B4DEDE.htm
#أحمد_عثمان_محمد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟