|
دور الإعلام في دعم المجتمع المدني
خالد الكيلاني
الحوار المتمدن-العدد: 3164 - 2010 / 10 / 24 - 06:10
المحور:
المجتمع المدني
مقدمة كيف ينبغي أن تكون العلاقة بين المجتمع المدني والإعلام، وكيف تبدو هذه العلاقة واقعيا؟ وهل حققت شيئا إيجابيا لصالح المجتمع؟ وهل هناك ثمة عوائق تحول دون وصول تلك العلاقة إلى مرحلة متقدمة؟ وما الذي يحتاجه الطرفان للوصول إلى علاقة ايجابية وفاعلة بينهما؟. في السطور التالية نحاول الإجابة عن هذه التساؤلات للمساهمة في إيجاد رؤية لعلاقة تجمع بين المجتمع المدني والإعلام بما يعمل على تحقيق رسالة الطرفين المنطلقة من هدف مشترك يتمثل في تحقيق المشاركة الحقيقية للمجتمع في الشأن العام. وإذا كان الفكر السياسي قد توصل منذ عدة قرون مضت أنه يجب لبناء الدولة الحديثة وجود ثلاث سلطات تتعاون معاً وتستقل كل واحدة منهما عن الأخرى، وهي السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. فإننا يجب أن نعلم أن تقدم ونمو ورقي المجتمعات الحديثة يقوم على ثلاث ركائز هي: - قضاء مستقل ونزيه - صحافة حرة مستقلة - مجتمع مدني قوي وفعال والمجتمع المدني لكي يكون قوياً وفعالاً يحتاج إلى صحافة حرة مستقلة تدعمه وتنشر أفكاره بين الجماهير، والصحفيون يحتاجون إلى منظمات المجتمع المدني التي تعمل بين الجماهير لتمدهم بالأخبار والأفكار والحلول لمشكلات هذا المجتمع، وأيضاً للدفاع عن الصحفيين أنفسهم في مواجهة تعسف السلطة أو جور مؤسساتهم، والاثنان (المجتمع المدني والإعلام) لا ينعمان بالعيش ولا يستطيعان أن يمارسا مهامهما إلا في ظل وجود قضاء مستقل ونزيه يحميهما من تغول السلطة أو تخلف المجتمع. وبالتالي لا يمكن تصور وجود مجتمع صحيح وراقي ومتقدم يفتقر إلى علاقة صحيحة ومتوازنة بين المجتمع المدني ووسائل الإعلام. وهو الأمر الذي سوف نتطرق إليه في المباحث التالية: أولاً: المجتمع المدني ووسائل الاتصال الجماهيري انتشر في السنوات الأخيرة مصطلح المجتمع المدني في الأدبيات العربية للتعبير عن القوى الاجتماعية المختلفة والمتعددة التي تنشط في المجتمع في إطار منظم بهدف تحقيق مطالب واحتياجات الجماعات التي تمثلها. ويعتمد المجتمع المدني في أنشطته وفي تحقيق أهدافه على وسائل الإعلام للوصول إلى السلطة والفعاليات السياسية في المجتمع. والسؤال الذي يُطرح هنا هو إلى أي مدى تساهم وسائل الاتصال الجماهيري في نشر ثقافة المجتمع المدني وإلى أي مدى تخدم وسائل الإعلام المجتمع المدني، ومن جهة أخرى إلى أي مدى يؤثر المجتمع المدني في وسائل الإعلام ويجعلها أدوات في خدمة المجتمع ووسائل للمراقبة والنقد والاستقصاء، وقوى تضمن التوازن داخل الآلة السياسية في المجتمع. ومن هنا نتساءل عن ماهية الأدوار التي تلعبها المؤسسات الإعلامية في الوطن العربي فيما يتعلق بالتنشئة الاجتماعية ونشر الوعي السياسي وثقافة الديمقراطية وثقافة الحوار والاختلاف والتعددية والتنوع. والعلاقة هنا جدلية بين المجتمع المدني ووسائل الإعلام حيث أن المجتمع المدني يتأثر بوسائل الإعلام ويؤثر فيها ومن جهتها تتأثر وسائل الإعلام بالمجتمع المدني وتؤثر فيه. فكلما كان المجتمع المدني قوياً وفعالاً ومشاركاً في مجريات الأحداث في محيطه كلما فتح المجال واسعا أمام وسائل الإعلام لتغطية هذه الفعاليات والأحداث لتكون المؤسسات الإعلامية في المجتمع منبراً للحوار والنقاش من أجل القرار السليم والحكم الرشيد. ولقد ساهم انتشار العولمة وثورة المعلومات والاتصالات والمجتمع الرقمي وانتشار الانترنت وانتشار التعليم وتوفر المعلومة والوصول إليها بسهولة في بلورة ونضج فكرة المجتمع المدني في الوطن العربي. وهذا الكيان المسمى بالمجتمع المدني الذي يتكون من مختلف التنظيمات والفعاليات داخل المجتمع يهدف إلى تقاسم السلطة مع الدولة انطلاقا من مبدأ أن عهد الدولة المتسلطة والدكتاتورية والطاغية قد ولى. ومن هنا يتمثل دور المجتمع المدني في خلق توازن بين القوى الاجتماعية، كما يعمل المجتمع المدني على إفراز فضاء مستقل منتج لقيم العدالة والمساواة والحرية. فالمجتمع المدني هو فضاء للحرية، يتكون من شبكة العلاقات التي تقوم على الاختيار والاقتناع والحرية، حيث أنه يمنح الأفراد قدرة على النشاط الطوعي الحر. ويعمل المجتمع المدني على تنظيم العلاقات داخل تنظيمات مدنية تحقق استقلالا نسبيا عن الدولة من ناحية وعن قوى السوق من ناحية أخرى. فالحياة المدنية هي الفضاء الطبيعي للعمل الحر الذي تنمو فيه قدرات البشر وإمكانياتهم وقدراتهم على حب الاستقلال ونبذ التسلط والقمع. ويستقي المجتمع المدني قوته من الثقافة المدنية التي تتمحور حول الحرية والمساواة والمواطنة وهي في أساسها قيم عامة تتفرع عنها قيم تؤمن بالتفكير الحر الخلاق والفعل الحر المسئول والحرية التي تستمد قيمتها من مبدأ الفرد الأخلاقي الذي يؤمن بأن حريته تعني حرية الآخرين. وأدوات الاتصال الجماهيري في المجتمع هي التي تنقل ثقافة المجتمع المدني من مستوى الوعي الفردي والجماعي إلى مستوى الوعي العام. وبهذا تصبح الثقافة المدنية جزءا لا يتجزأ من وعي الأمة. هنا يتوجب على وسائل الاتصال الجماهيري أن تقدم خطابا إعلاميا هادفا يحمل في طياته قيما اجتماعية راقية تنبع من المجتمع وقيمه ومبادئه. وهذا يعني أن المؤسسات الإعلامية عبر البرامج الحوارية والدراما والأفلام والتحقيقات والأخبار يجب أن تعكس هموم وثقافة المجتمع المدني. فنشر ثقافة المجتمع المدني بحاجة إلى مؤسسات إعلامية ووسائل اتصال تؤمن بالمجتمع المدني وتؤمن بالمثقف العضوي وبالقيم المجتمعية الأصيلة. فالمشرف على المؤسسة الإعلامية والقائم بالاتصال يجب أن يؤمنا بالمجتمع المدني وبالثقافة المدنية وبرسالة يعملان من أجل تحقيقها لصالح المجتمع بأسره وليس الركض وراء الإعلانات والربح السريع أو العمل لمصلحة أصحاب النفوذ السياسي والمالي في المجتمع. فوسائل الاتصال الجماهيري هي التي تنتج الوعي الاجتماعي وهي التي تكرس القيم والعادات والتقاليد والنسق القيمي والأخلاقي في المجتمع ومن ثم فهي مطالبة بنشر ثقافة المجتمع المدني. والمؤسسات الإعلامية هي الأدوات التي تنمي الثقافة المدنية وتعمل على نشرها وتقويتها والتصدي لثقافة العنف والتطرف والإقصاء والفردية والمادية ورفض الآخر. فوسائل الاتصال الجماهيري هي الحليف الاستراتيجي للمجتمع المدني وهي الوسيلة الفعالة والأداة الضرورية لتحقيق مبادئه وقيمه في المجتمع. فمضمون وسائل الاتصال الجماهيري هو الغذاء الروحي والفكري والعقلي للثقافة المدنية وأداء هذه المؤسسات في المجتمع يعتبر سلوكا مدنيا يدعم المجتمع المدني والثقافة المدنية. فالمجتمع المدني في نهاية المطاف هو وعي وثقافة وقيم ومبادئ تترجم إلى سلوك وعمل يومي يؤمن بروح الجماعة والمصلحة العامة. ويرى عدد من النقاد والباحثين أن ضعف أداء وسائل الإعلام في المجتمع يعود بالدرجة الأولى إلى ضعف المجتمع المدني انطلاقا من مبدأ أن الإعلام هو مرآة عاكسة للوسط الاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي الذي يوجد فيه ويتفاعل معه. فإذا كان المجتمع المدني ضعيفا فهذا ينعكس سلبا على أداء المؤسسات الإعلامية في المجتمع، فالإعلام القوي والفعال لا ينمو ولا يتطور ويزدهر إلا في مناخ الديمقراطية والحرية والرأي والرأي الآخر، ووجود القوى المضادة والفاعلة في المجتمع التي تراقب وتنتقد وتعمل من أجل مشاركة الجميع في تحقيق المساواة والعدالة في المجتمع وفي جعل كل فرد في المجتمع مسئولاً وواعياً وحراً. ويمكن التفرقة بين الإعلام والمجتمع المدني تبعاً لوظيفة كل منهما كالتالي: الإعلام تكمن وظائف الإعلام بمختلف وسائله في تعريف المواطنين بالقضايا الأكثر أهمية بالنسبة للمجتمع, كما تعمل على عرض مختلف الأفكار والتحاور حولها، إضافة إلى أداء دور مهم في عمليتي الرقابة والمساءلة للحكومات،بما يساعد المواطن على أداء دوره في مشاركة السلطة في اتخاذ القرار. المجتمع المدني بعيدا عن التعدد في تعريف المجتمع المدني ومراحل نشأته يمكن القول "أن المجتمع المدني هو رابطة اجتماعية تقوم على الاختيار الفردي الطوعي حيث يدخل فيها الأفراد دون إجبار ويتقدمون إلى التنظيمات القائمة بطلب الانضمام إلى عضويتها بإرادتهم الحرة التي تجعلهم يلتزمون بمبادئها ويسهمون بجدية في أنشطتها، ووجود هذه الرابطة الاجتماعية يحقق للمجتمع ككل مزيداً من الاستقرار، كما يضمن تقييداً لسلطة الدولة ومنعها من الاستبداد". وهذا الشكل من التنظيم الاجتماعي يتكون من مجموعة من المؤسسات المتنوعة تعليمية ومهنية وسياسية وثقافية وحقوقية كالنقابات والاتحادات العمالية والمهنية والجمعيات الأهلية، وكذلك الخيرية ……الخ والتي تسودها قيم ومبادئ التسامح والقبول بالآخر والحوار السلمي واحترام الحرية والخصوصية الفردية. ولا يعني هذا القول إن المقصود بالمجتمع المدني أساساً إيجاد معارضة سياسية في مواجهة الدولة، إذ أن فاعلية المجتمع المدني- بكافة تكويناته- تنطوي على أهداف أوسع وأعمق من مجرد المعارضة، إنها المشاركة بمعناها الشامل في مختلف المجالات.
ثانياً: العلاقة بين الإعلام والمجتمع المدني ليس هناك مواصفات محددة للعلاقة بين الإعلام والمجتمع المدني يمكن اعتبارها مقياسا أو مؤشرا لعلاقة جيدة أو غير فاعلة، لكن يمكن القول أن العلاقة بين الطرفين علاقة تكاملية، أو علاقة تأثير وتأثر. فالإعلام الفعال الذي يعزز الديمقراطية ويؤثر فيها ويتأثر بها هو ذلك الإعلام الذي يستند إلى مجتمع مدني فعال وإلى قوى مضادة داخل المجتمع تعمل على إفراز ثقافة ديمقراطية وحراك سياسي يقومان على المراقبة وكشف الحقائق والوقوف أمام الفساد والتجاوزات واستغلال النفوذ والسلطة. الحالة المصرية وبالنظر إلى الواقع الفعلي في مصر تبدو العلاقة بين الإعلام والمجتمع المدني في الغالب علاقة سطحية، غير قائمة على رؤية بعيدة المدى. وتمثل هذه العلاقة السطحية انعكاسا لواقع الطرفين (منظمات المجتمع المدني والإعلام) حيث نجد الأول يعاني من قيود عديدة تحول دون قيامه بدوره الفعلي جراء استلابه استقلاليته بنصوص قانونية والتضييق عليه من قبل السلطة بما يصل أحيانا إلى اتهام بعض مؤسسات المجتمع المدني بالعمالة والارتهان للخارج في حال بروز أنشطة لتلك المؤسسات لا تصب في اتجاه سياسة السلطة. وفي ذات الاتجاه يشهد الواقع وجود عوائق عديدة تحول دون قيام وسائل الإعلام بدورها نتيجة القيود المفروضة على حرية التعبير وحرية الحصول على المعلومات. ولا تزال السلطة تنظر للصحافة كأداة لتثبيت سيطرتها على المجتمع ووسيلة لتعبئة الجماهير لصالحها، وهي لذلك تنظر إلى دور الصحافي على أنه مكمل لدورها، ينبغي عليه أن يكيل لها المدح والتسبيح، ونموذج ذلك يبدو جليا في وسائل الإعلام الحكومية المسماة بالقومية وكذلك تلك الموالية للسلطة. ووفق هذه النظرة يصبح الصحفي من المغضوب عليهم إذا استقصى وبحث وانتقد، والشواهد على ذلك كثيرة ومنها المضايقات والمطاردات والمحاكمات التي تجرى ضد الصحفيين، وليس من قبيل المبالغة القول إن الإعلام في نظر بعض مؤسسات المجتمع المعارضة للسلطة كالأحزاب مثلا، ليس بعيدا عن تلك الزاوية الضيقة أيضا، حيث لا يراد منه سوى أن يؤدي وظيفة تعبر عن رأي تلك الجهات، وتنتقد باتجاه واحد وأحيانا وفق مقاييس محددة سلفا بما يحد من دور الإعلام الحقيقي. كما تسود نظرة لدى البعض في المجتمع المدني إلى الإعلام كناقل لخبر أو حدث معين بعيدا عن تأثيره في ذلك الحدث، وفي التعريف به، وفي صياغة وتحرير اتجاهاته الأساسية، ضمن رسالة تساهم في توجيه الرأي العام. ومن ينظر إلى الإعلام بهذه النظرة يكتفي بما يعتبره شهادة توثيق حصل عليها من تناول إعلامي سطحي عن نشاطه أيا كان مستواه أو أثره، وقد ساعدت وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية على تعميق هذا المفهوم الخاطئ. وينبغي أن ينظر المجتمع المدني إلى الإعلام كوسيلة تؤدي إلى جانب نقل الأحداث وظائف التربية والتثقيف وإعادة تشكيل الوعي وتزويده بوسائل التفكير وتمكينه من الرؤية وتكوين الآراء والاتجاهات. بمعنى آخر ينبغي النظر إلى الإعلام كعنصر من عناصر ثقافة المجتمع المدني، يؤدي دوره الحقيقي في الحياة المجتمعية، كوسيلة للتثقيف وتشخيص مواضع الخلل في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية. في المقابل نجد أن اهتمام مختلف وسائل الإعلام بمنظمات المجتمع المدني، يركز على تغطية الأنشطة التي تقوم بها تلك المنظمات بصورة آنية وسطحية، دون متابعة أهم القضايا التي تثيرها تلك المنظمات ومحاولة توسيع نطاقها للوصول عبرها إلى نتائج أكثر إيجابية لصالح الطرفين ولصالح المجتمع ككل. وحتى ندرك أهمية الإعلام بالنسبة للمجتمع المدني أو أي مشروع أخر فهناك مثال من نيجيريا فقد وجد البنك الدولي أن هناك عدداً من المشروعات في دولة نيجيريا بعد تنفيذها تكلفت مبلغ 2 مليون دولار ولم يكتب لها النجاح، وتكرر ذلك الأمر مع عدة مشروعات تالية، وبالبحث اكتشفوا أن المشروعات كان ينقصها الاهتمام بدعم عنصر الإعلام. ومن المفترض أن يقوم الإعلام بإبلاغ المجتمع الذي ولد فيه المشروع بفوائده وأسباب إنشائه، ومع إغفال هذا العنصر أحجم الناس عن المشروع وبالتالي كتب عليه الفشل. وسوف نستعين في معرفة العلاقة بين الإعلام والمجتمع المدني من خلال التغطيات الصحفية بدراسة حديثة أجرتها الدكتورة أمال كمال لكلية الإعلام بجامعة القاهرة بالتعاون مع كلية الإعلام بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، وتعنى هذه الدراسة بتحليل الصورة المقدمة عن المجتمع المدني في مصر بمختلف منظماته ( جمعيات أهلية – نقابات مهنية – نقابات عمالية ) في عينة من الصحف المصرية قومية وخاصة وحزبية، كما تعنى بدراسة المحددات المؤثرة في صياغة صورة تلك المنظمات ، ومدى الاتفاق أو الاختلاف في ملامح هذه الصورة من صحيفة لأخرى . واتساقا مع هذا الهدف، فقد استهدفت الدراسة الإجابة على مجموعة من التساؤلات الرئيسية الخاصة بكثافة الاهتمام الذي أولته العينة المختارة لدور المجتمع المدني وقضاياه؟ استنادً للمعايير الخاصة بحجم الاهتمام ونوعه، والفنون التحريرية التي تم توظيفها لتقديم صورة المجتمع المدني. كما استهدفت الدراسة تحليل المصادر الصحفية وآليات توظيفها في صياغة التغطية الصحفية مع إبراز حدود الاتساق أو الاختلاف بين صحف الدراسة ودلالاته. وقد استندت الدراسة في معالجتها الوصفية إلى معيارين أساسيين أولهما: منهج التحليل المقارن وتحليل المضمون كميا وكيفيا على عينة مختارة من الصحف ذات التوجهات المختلفة سواء فيما يتعلق بسياساتها التحريرية و توجهاتها السياسية والأيديولوجية، أو في اهتمامها بالمجتمع المدني ودوره. وتشمل عينة صحف الدراسة: ـ الصحف القومية: الأهرام ( يومية ) وأخبار اليوم ( أسبوعية ) ـ الصحف الخاصة: المصري اليوم – الدستور – نهضة مصر ( يومية ) ـ الصحف الحزبية: الأهالي ( أسبوعية ) أما المعيار الثاني فقد استند إلى فترة زمنية محددة بسته أشهر (هي الفترة من يناير 2008 وحتى يونيو 2008) وقد شهدت تلك الفترة مجموعة من الأحداث والقضايا المجتمعية التي ساعدت في رسم ملامح دور المجتمع المدني من زوايا ورؤى مختلفة، استناداً لطبيعة التغطية الصحفية، وتحديدها للقوى السياسية والمجتمعية الفاعلة. فقد أظهرت عملية تحليل المواد الصحفية مجموعة من النتائج ذات الدلالات والمعاني الخاصة بادراك ونظرة الصحفيين للمجتمع المدني ودوره المجتمعي والتنموي وموقعه في التفاعلات العامة التي تشهدها الساحة المصرية، وتتجلى هذه الدلالات بوضوح في مجموعتين من النتائج الرئيسية أولهما يتعلق بالسياسة التحررية وسبل معالجة قضايا المجتمع المدني المصري، وثانيهما تتعلق برؤى تلك الصحف للمجتمع المدني ومنظماته. أ : السياسة التحريرية وسبل معالجة صحف العينة للمجتمع المدني فرض تباين الأطر والفنون الصحفية في تناول شئون المجتمع المدني في مصر نفسه كنتيجة أساسية تكشف عنها درجة الاهتمام ومساحة التغطية الصحفية في العينة المختارة. 1ـ اهتمام صحف الدراسة بالمجتمع المدني: تشير النتائج إلى كثافة الاهتمام بتغطية أخبار منظمات المجتمع المدني. وقد كانت صحيفة المصري اليوم في مقدمة الصحف موضع الدراسة اهتماما بتغطية أخبار المجتمع المدني المصري ومناقشة قضاياه، حيث احتلت الترتيب الأول بنسبة 37.8%، تليها جريدة الأهرام في المرتبة الثانية بنسبة 29.5%، ثم نهضة مصر والدستور بفارق كبير بنسبتي 13.5%، 12.5% على التوالي ويرجع تزايد الاهتمام بالمجتمع المدني إلى تعدد الاحتجاجات والاعتصامات والإضرابات التي قامت بها العديد من الفئات المهنية والعمالية خلال فترة الدراسة . 2ـ موقع المادة الصحفية: تشير نتائج التحليل إلى غلبة ظهور المواد الصحفية المعنية بالمجتمع المدني في الصفحات الداخلية للصحف موضع البحث، ويرجع ذلك إلى ارتفاع نسبة القصص الخبرية التي تغطي أنشطة الجمعيات الأهلية خاصة في المجالات الخيرية والتطوعية والتي تعتبرها الصحف من الأخبار الخفيفة التي تنشر في الصفحات الداخلية، فضلا عن موقع الصفحات الداخلية المتخصصة للمجتمع المدني. 3ـ الفنون الصحفية: أظهرت نتائج البحث غلبة المواد الإخبارية في تغطية صحف الدراسة لشئون المجتمع المدني مقارنة بمواد الرأي. فقد ارتفعت نسبة تلك المواد عن ثلثي المواد الصحفية المنشورة حول موضوع البحث، وهو ما يمكن إرجاعه بالنسبة لصحيفة الأهرام للتوسع في نشر الأخبار القصيرة التي تعني بمتابعة نشاط الجمعيات الأهلية على وجه الخصوص. في حين يمكن إرجاع زيادة المواد الإخبارية في الصحف الخاصة إلى اهتمامها بتغطية الاحتجاجات التي شهدتها بعض النقابات المهنية والعمالية، والتوسع في نشر التقارير الإخبارية بشأن حقوق الإنسان وحريات التعبير. هذا الاتفاق بين الصحف الخاصة والقومية ـ إلى حد كبير ـ في الاهتمام بالمتابعة الخبرية للأحداث، ارتبط أيضاً باتفاق أخر في انخفاض نسبة الاهتمام بتقديم قضايا المجتمع المدني من خلال إطار عام يهتم بتوسيع اطر المعرفة والإدراك بأهمية دور المجتمع المدني ومنظماته من ناحية، ويدعو القارئ للمشاركة الايجابية بالقدر الذي يساهم في تنمية ثقافة التطوع من ناحية ثانية، فضلا عن نشر الوعي العام بأهمية المسئولية الاجتماعية لكافة شرائح المجتمع. 4ـ طبيعة المصادر الإخبارية: - تكشف النتائج عن وجود اختلاف بين صحف الدراسة فيما يتعلق بالمصادر التي اعتمدت عليها في التغطية الصحفية لمنظمات المجتمع المدني، حيث ارتفعت نسبة الاعتماد على المصادر الرسمية في صحيفتي أخبار اليوم والأهرام بنسبتي 21.5% و12.3% على التوالي في حين لم تتعد نسبة الاعتماد على المصادر الرسمية في سائر الصحف عن 8.9%. - اتفقت صحف الدراسة في تزايد الاعتماد على المصادر التي تنتمي لمنظمات المجتمع المدني في المواد الصحفية موضع التحليل. فقد كانت صحيفة المصري اليوم الأكثر اعتمادا على تلك المصادر بنسبة 70.9%، تليها صحيفة نهضة مصر بنسبة 68.5% ثم الدستور بنسبة 68.5% ثم الأهالي بنسبة 50%، في حين كانت الأهرام أقل الصحف اعتماداً على مصادر من مؤسسات المجتمع المدني. وكذلك الأخبار التي تعني بمتابعة أخبار الجمعيات الأهلية بدون تحديد المصدر آليات توظيف المصادر: تشير نتائج تحليل العينة إلى وجود ارتباط واضح لعملية توظيف التواجد المكثف لمصادر معينة (حقوقية / رسمية) واستخدام تصريحاتها ومقولاتها لدعم مواقف معينة على حساب سياسات ومصالح أطراف أخرى، وقد تم ذلك عبر عدة مسارات: - استعراض تصريحات متكررة لمصادر رسمية عديدة تؤكد على التنسيق بين الوزارات والأجهزة الحكومية لحل مشكلات العمال وضمان حصولهم على حقوقهم ورفع مستوى معيشة العديد من الفئات المهنية والعمالية، وقد ظهر ذلك في الصحيفتين القوميتين موضع البحث. - إعلاء خيارات بعض المنظمات المدنية حيث يتم استدعاء مصادر وتصريحات تلقي التبعة على الحكومة في تقييد العمل الأهلي، ووضع المعوقات أمام حرية التنظيم واستقلال المجتمع المدني. - لا يقدم الخطاب الخبري في الصحف الخاصة موضع البحث تغطيته للأحداث بصورة متوازنة إذ يتم تقديم المصادر الحقوقية في مساحات كبيرة داخل القصص الخبرية دون تفنيد أو معارضة لمقولاتها من جانب مصادر رسمية. - يتم توظيف تصريحات المصادر الحقوقية داخل الخطاب الخبري لصحف الدستور ونهضة مصر من أجل الهجوم على السياسات الحكومية فيما يتعلق بـاستقلال منظمات المجتمع المدني، وانتقاد التدخل الحكومي في النقابات المهنية والعمالية. 5ـ منظمات المجتمع المدني موضع الاهتمام: تشير نتائج الدراسة إلى تفاوت واضح في اهتمام الصحف بمنظمات المجتمع المدني خلال فترة الدراسة، وإلى تباين في الأولويات التي توليها الصحف لكل نوعية من تلك المنظمات ويفسر ذلك في ضوء تباين أنماط ملكية الصحف وتنوع السياسات التحريرية لكل منها، وذلك على النحو التالي: - ارتفعت نسبة الاهتمام بالجمعيات الأهلية وكانت في مقدمة اهتمامات صحف الأهرام بنسبة 61.8%، وأخبار اليوم بنسبة 36%، ونهضة مصر بنسبة 35.2%، والأهالي بنسبة 61.1%، ويمكن تفسير ذلك في ضوء زيادة نسبة المواد الإخبارية التي تهتم بتغطية ومتابعة الأنشطة الخيرية التي تقوم بها العديد من الجمعيات الأهلية. - ارتفعت نسبة الاهتمام بالنقابات المهنية في جريدتي الدستور والمصري اليوم بنسبتي 61%، و46%، على التوالي. ويفسر ذلك في ضوء السياق السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي اتسمت به الفترة الزمنية للبحث والتي شهدت العديد من الاحتجاجات والإضرابات في مختلف الفئات للمطالبة بتحسين مستوى المعيشة، وقد ازداد اهتمام الصحف بتلك الأحداث التي شهدتها فترة الدراسة والتي كانت النقابات المهنية طرفا أساسياً فيها . - ارتفعت نسبة الاهتمام بالنقابات العمالية في الصحف الخاصة والحزبية موضع التحليل مقارنة بالصحف القومية، وقد كانت صحيفة الأهالي أكثر الصحف اهتماما بتغطية الأحداث المتعلقة بالنقابات العمالية وذلك بنسبة 25 % يليها الدستور بنسبة 20.3 % ثم المصري اليوم بنسبة 19.3 % ويفسر ذلك في ضوء السياسة التحريرية لصحيفة الأهالي والتيار الفكري الذي تعبر عنه . - طبيعة الجمعيات الأهلية: تشير نتائج البحث إلى وجود تفاوت واضح بين الصحف القومية من جانب والصحف الخاصة والحزبية من جانب آخر من حيث ماهية الجمعيات الأهلية موضع اهتمام الخطابات الصحفية موضع التحليل. ففي حين بلغت نسبة الاهتمام بالجمعيات الأهلية ذات النشاط التنموي 83% من جملة اهتمامات صحيفة الأهرام بالجمعيات الأهلية ونسبة 100% من جملة اهتمام صحيفة أخبار اليوم بالجمعيات الأهلية، انخفضت نسبة الاهتمام بالجمعيات التنموية في سائر الصحف موضع الدراسة لتصل إلى 40% في الأهالي، و23.5% في نهضة مصر، و30% في المصري اليوم، و8% في صحيفة الدستور. كما أظهرت النتائج تباين حجم الاهتمام بمتابعة الجمعيات الحقوقية بين الصحف القومية من جانب والصحف الخاصة والحزبية موضع البحث من جانب آخر، وقد ظهر أثر التيار الفكري الذي تمثله كل صحيفة على حجم هذا الاهتمام وطبيعته، فقد كانت صحيفتا الدستور ونهضة مصر أكثر صحف الدراسة اهتماما بالجمعيات الحقوقية وذلك بنسبة 68% من إجمالي الجمعيات التي وردت في خطاب صحيفة الدستور وبنسبة 65% في صحيفة نهضة مصر، ومن جانب آخر انخفضت نسبة الاهتمام بالمنظمات الحقوقية في الأهرام إلى 3% فقط بينما ندر هذا الاهتمام واختفى خلال فترة الدراسة في صحيفة أخبار اليوم. كذلك أوضحت النتائج بروز الحركات الاجتماعية في خطاب الصحف الخاصة موضع الدراسة في حين تم إغفال أي قصص خبرية أو تقارير تتناول هذه الحركات في الصحف القومية موضع الدراسة.وقد كانت صحيفة الدستور أكثر الصحف اهتماما بالحركات المدنية وذلك بنسبة 24% من إجمالي اهتمام الصحيفة بالجمعيات الأهلية، تليها المصري اليوم بنسبة 13.2%، ثم نهضة مصر بنسبة 2.5%. 6ـ الأطر الإخبارية: تباينت الأطر الإخبارية التي قدمت من خلالها صحف الدراسة شئون المجتمع المدني، إذ اختلفت الصحف القومية عن الخاصة والحزبية موضع البحث في ترتيب تلك الأطر، ففي حين كانت أطر التنمية (31%) والاهتمامات الإنسانية (15%)والمسئولية (27.5 %) هي الأطر السائدة في معالجات الأهرام، تراجع ورود هذه الأطر في المعالجات الصحفية للصحف الخاصة والحزبية موضع البحث حيث تأخر ورود إطار التنمية إلى الترتيب السادس في المصري اليوم بنسبة 5.3%، والترتيب الأخير في الدستور بنسبة 9%، كما تراجع ترتيب إطار الاهتمامات الإنسانية إلى الترتيب الأخير بنسبة 9 % في الدستور، وفى المصري اليوم 2,9 % وفى نهضة مصر 4,9 % وفى الأهالي 2,7 % ، في حين كان إطار الصراع من أبرز الأطر السائدة في الصحف الخاصة فقد احتل الترتيب الأول في الدستور بنسبة 37,2 % والترتيب الثاني في المصري اليوم بنسبة 29 % ، في حين تراجع إلى ذيل قائمة الأطر التي قدمت من خلالها الأهرام شئون المجتمع المدني ولم تتعد نسبة وروده 6,4% . - تباينت توجهات الخطابات الصحفية على مستوى الكيف في تناولها شئون المجتمع المدني في إطار المسئولية. فقد ركزت صحيفة الأهرام على إبراز قيام المؤسسات الحكومية والوزارات بمسئولياتها تجاه المواطنين، والتأكيد على جهود الجمعيات الأهلية (غير الحقوقية) في القيام بمسئولياتها المجتمعية والتركيز على التزام القيادات النقابية العمالية بمسئوليتها ورفض العمال الاشتراك في الاعتصامات مع "التيارات والعناصر المندسة"، وقيام اتحاد العمال بمسئوليته في نزع فتيل التوتر. في المقابل ركزت صحيفتا الدستور ونهضة مصر ضمن إطار المسئولية على إبراز عدم قيام الوزارات والأجهزة الحكومية بمسئولياتها وتقاعسها عن أداء دورها، وعدم جدية الحكومة في تحسين الأوضاع المالية لبعض الفئات مثل الأطباء. والتركيز على القصور في النقابات العمالية، والهجوم على التنظيمات النقابية الرسمية بعدم تعبيرها عن مصالح العمال ووجود مساحة تفصل بينها وبين العمال وانشغال النقابيين بصراعاتهم من أجل المناصب التي تدر الأموال على حساب الاهتمام بقضايا العمال . ومن الملاحظ، اختلاف صحف الدراسة فيما يتعلق بورود إطار الحريات المدنية والحقوق النقابية الذي كان واضحا في الصحف الخاصة (على سبيل المثال بنسبة 21.1%في المصري اليوم ) في حين ندر ظهوره في الصحف القومية محل البحث. ب: رؤى صحف الدراسة للمجتمع المدني في مصر 1ـ أوضاع منظمات المجتمع المدني بصفة عامة : تشير النتائج إلى تباين رؤى صحف الدراسة لأوضاع منظمات المجتمع المدني. فقد ربطت الأهرام ضعف تلك المنظمات بمجموعة من العوامل التي يأتي في مقدمتها سيطرة الحكومة عليها خلال النصف الثاني من القرن العشرين من ناحية، ووجود بعض الاختلالات البنيوية في هذه المنظمات من ناحية ثانية، وافتقارها إلى التقاليد الديمقراطية من ناحية ثالثة، بينما أبرزت أخبار اليوم دور المجتمع المدني كشريك ثالث في التنمية واعتبار منظماته الأكثر التصاقا بالقواعد الشعبية والأقدر على تقديم الخدمات العامة بين المجتمعات المهمشة. من جانب آخر اهتمت سائر صحف الدراسة بالقيود التي تواجه المجتمع المدني وتحجيم دوره وتناقض ذلك مع التزامات حقوق الإنسان التي وقعت عليها الحكومة المصرية، هذا فضلا عن ذكر العديد من التحديات التي تواجه العمل الأهلي ومنها: ضعف الوعي المجتمعي، ونقص مساحة المبادرة لدى المواطن، وتأثيرات الفقر، وانخفاض مستوى المعيشة، واعتبار هذه التحديات مفسرا لضعف المشاركة المجتمعية في العمل التطوعي . وفي النهاية تؤكد الدراسة على استخلاص جوهري يتعلق بالدور المؤثر الذي تضطلع به ملكية الصحيفة والتيار الفكري الذي تعبر عنه ومن ثم سياستها التحريرية في تقديم صورة معينة لدور المجتمع المدني في مصر. كما تبرز نتائج الدراسة أثر السياسة التحريرية للصحيفة و التوجه الذي تعبر عنه في اختيار المصادر الصحفية مما يسفر عن توجيه المعالجات الصحفية نحو إبراز سمات معينة لصورة المجتمع المدني واستبعاد سمات أخرى، والتأكيد على موقف معين يتفق والسياسة التحريرية للصحيفة والأهداف التي تبغي تحقيقها وتهميش مواقف أخرى. فقد كان إطار الحريات المدنية والحقوق النقابية أكثر بروزا في الصحف الخاصة والحزبية موضع الدراسة، في حين ندر الاهتمام به في الخطاب الصحفي للصحف القومية عينة البحث. وقد ظهر ذلك في اهتمام المصري اليوم بإطار الحريات النقابية والعمالية والتوسع في النشر عن التدخل الحكومي في العمل النقابي وفى الانتخابات النقابية والعمالية وانتقادات منظمة العمل الدولية لمصر في ذلك الشأن، وقد تم تجاهل مثل هذه الموضوعات تماماً في صحيفتي الأهرام وأخبار اليوم. كما أن الصحف الخاصة التي تتبنى قيما ديمقراطية ليبرالية أعطت مساحة للنشر وتغطية أخبار المجتمع المدني انطلاقاً من رؤيتها الخاصة لأهمية نشر أفكاره والتعرف على دوره بهدف تنمية هذا الدور. ولذا سعت إلى تناول بعض القضايا الشائكة التي تواجه المجتمع المدني مثل إشكالية التمثيل والتعددية النقابية، وهو ما تم إغفاله عمداً في الصحف القومية محل البحث. وهكذا، تكشف نتائج الدراسة عن الحاجة لإجراء العديد من الدراسات لزيادة مساحة المعرفة الدقيقة للعديد من الجوانب التي كشفت عنها الدراسة والتي تناولتها بمستويات مختلفة، والتي يأتي في مقدمتها: طبيعة الثقافة التي يرسخها الإعلام بشأن المجتمع المدني، ودور وسائل الاتصال الحديثة كالانترنت وما صاحبه من أشكال جديدة كالمدونات والمواقع الاجتماعية مثل "الفيس بوك" في نشر الثقافة المدنية. هذا فضلا عن الحاجة إلى التعرف على الصحف والمطبوعات الصادرة عن منظمات المجتمع المدني والمواقع الالكترونية التي تطلقها تلك المنظمات وحدود الدور الذي تقوم به في التفاعل مع المجتمع وفى التعبير عن قضاياه. كما تبدو الحاجة ماسة لإجراء العديد من البحوث الميدانية حول مدى انتشار الثقافة المدنية وقيمها بين فئات المجتمع المختلفة، خاصة الشباب وحدود دور الإعلام في نشر وترسيخ تلك الثقافة. ثالثاً: إشكاليات العلاقة بين منظمات المجتمع المدني والإعلام
لقد بات المجتمع المدني أحد أدوات التغيير الفعلية والناشطة، بحيث لم يعد يقتصر دوره على تقديم الخدمات التنموية فحسب، لا بل أصبح ناشطا أساسيا في الدفاع عن الديمقراطية والحريات ومحاربة الفساد بكل أشكاله، والدفاع عن حقوق الإنسان من خلال المراقبة والرصد وتنظيم حملات المدافعة والمناصرة والدعوة للمشاركة في صنع الخيارات التي تؤثر في حياة المواطنين. وبمعنى آخر، فان مهمة المجتمع المدني هي تمكين المجتمع من اجل الانتقال به من واقع الرعية إلى المواطنة والمشاركة في بناء المجتمع. وبذلك، لم يعد كافيا مجرد التحدث وعرض الأهداف والحقوق فحسب، لا بل باتت مسألة التغيير ضرورية ينخرط فيها المجتمع المدني بكل مكوناته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بما فيها وسائل الإعلام. ومما لاشك فيه أن للإعلام دوراً في التوعية والتعبئة والمتابعة والرصد والتنظيم. وفي مراحل التخطيط للحملات الميدانية التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني والتي تستهدف التغيير على مختلف مستوياته، يلعب للإعلام دورا بارزاً، وفق ما يطلق عليه اصطلاحا "الإستراتيجية الإعلامية الفعالة". وفي هذا السياق، ولكي يتمكن المجتمع المدني من الاستفادة القصوى من الإعلام، لا بد من الإجابة على عدة تساؤلات: كيف ينشأ تحالف بين منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام؟ ، وكيف يتم التخطيط للحملة الإعلامية وبالتالي التوجه نحو وسائل الإعلام واستثارتها؟ كيف يمكن لوسائل الإعلام أن تساهم إلى جانب مؤسسات المجتمع المدني في الحملات كشريك معني في عملية التغيير؟ ولإقامة علاقة متينة بين وسائل الإعلام والمجتمع المدني يجب أن تراعى المصالح المشتركة لكلا الطرفين. وفي ذلك يجب آن نراعى سعي منظمات المجتمع المدني لتأمين التغطية الإعلامية للنشاطات والتحركات التي تقوم بها، وهو دور اقرب لان يكون إعلانيا فيساهم في الترويج للقضايا التي تعمل عليها وفي توعية الجمهور لها ، مستفيدا من التأثير الكبير للإعلام في المجتمع. وأن تنخرط وسائل الإعلام في الحملات، وتتبناها كإحدى قضاياها الأساسية، فتساهم في إثارة الرأي العام وتعبئته، لا بل تساهم في صناعة رأي عام قادر على الاستجابة إلى تحديات التغيير. وللمساهمة في التقريب بين وسائل الإعلام والإعلاميين ومنظمات المجتمع المدني لا بد من تغيير وجهة الاهتمام لدى الإعلام. فغالبا ما تستقطب الإعلام القصص المثيرة، والوضع الأمني في البلد، أو الوجوه السياسية، وممثلو الحكومات، وأعضاء البرلمان، فيعطونهم الأولوية والاهتمام على حساب الأنشطة التي تنظمها منظمات المجتمع المدني. وبالتالي على هذه الأخيرة أن تراعي قدر الإمكان هذه الحاجة التسويقية وتسعى إلى توفيرها من غير أن يؤثر ذلك على مضمون الرسالة المطلوب إيصالها إلى المواطن. ولا بد من بناء الثقة بين الإعلام ومنظمات المجتمع المدني التي تشكك بكفاءات الإعلاميين وعدم اطلاعهم على الملفات بشكل كاف ودراستها بما يمكنهم من التعبير عنها بطريقة جيدة. وبالمقابل، يعتبر الإعلاميون أن منظمات المجتمع المدني لا توليهم الاهتمام الكافي ويتهمونها بحب الظهور وبمحاولة تلميع صورتها وبالوصولية والانحياز إلى جهاتها المانحة، وأن أغلب هذه المنظمات هدفها البحث عن المال فقط. وفي هذا السياق، على وسائل الإعلام والإعلاميين أن يركزوا على مضمون الرسالة ويعملوا على إيصالها إلى المواطنين بأكثر الوسائل المهنية الممكنة بمعزل عن موقفهم من هذه المنظمات. وفي كلتا الحالتين، هناك تواصل مفقود يتطلب جهودا متبادلة من كلا الطرفين ، بحيث يعطي الإعلاميون الاهتمام الكافي لممثلي منظمات المجتمع المدني ولأنشطتهم وبرامجهم، في حين تولي منظمات المجتمع المدني اهتماما كافيا بالوسائل الإعلامية وتراعي ظروفها وتحترم التوقيت الملائم في نشر وإيصال الخبر أو المعلومة. والمطلوب في الحالتين التركيز على الرسالة والأهداف الإحداث التغيير المطلوب في المجتمع، وهو هدف مشترك الوسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني. وغلى الرغم من أن المنظمات الحقوقية قامت وما زالت تقوم بأدوار مهمة في توسيع مساحات الحرية، ومساعدة المجتمع المدني على النهوض، إلا أنها لم تنجح بشكل كاف في أن توصل رسالتها إلى المجتمع، كما أنها لم تراكم خبرة كافية تؤهلها للتعامل الكفء مع الصحافة لثلاثة أسباب كالتالي : 1- لا تهتم منظمات المجتمع المدني بجاذبية مطبوعاتها، ومواقعها الالكترونية، ربما لأنها لا تعتمد على محترفين، وربما لأنها لا تنطلق من أن دورها هو جذب الجمهور لرسالتها وبالأدوات المتعارف عليها، وهو ما يمكن إجماله بأنها تفتقد خبرة التسويق، وربما لا تهتم بها في الأساس. 2- لا تجيد تلك المنظمات بشكل كبير التسويق للقضايا التي تتبناها. والأمثلة كثيرة، منها مثلاً التقارير التي تصدرها هذه المنظمات، فرغم خطورة ما تتضمنه، إلا أن الأمر في الأغلب الأعم يتوقف عند حدود إصدار هذه التقارير.
3- لا تتعامل منظمات المجتمع المدني بكفاءة مع الصحفيين، ربما لأنها لا تتفهم أن هذه المهنة لها متطلبات - بحكم طبيعتها - منها على سبيل المثال أن الفيصل ليس دائما أهمية الحدث، ولكن جاذبيته. فالعلاقة مع الصحافة والصحفيين، ومع المجتمع كله تحتاج إلى حملات تسويق مبتكرة، وقادرة على الجذب والحشد ثالثاً: مقترحات لإيجاد علاقة أكثر إيجابية بين المجتمع المدني والإعلام لا يمكن غض الطرف عن محاولات قائمة للتنسيق بين مؤسسات مجتمع مدني وشخصيات إعلامية وأخرى ناشطة في المجالين السياسي والحقوقي بدأت تخلق نوعا من العمل الجماعي ذي الأثر الايجابي، لكنها محاولات لا تزال محكومة بالعلاقات الشخصية أكثر من سيرها نحو المؤسسية، كما لا تزال أنشطتها أقرب إلى ردود الأفعال أو إلى التحرك وفق مستجدات الواقع وليس وفق برامج مدروسة وذلك ما يفسر عدم قدرة تلك المحاولات على التركيز على قضايا محددة والعمل على انجازها. وإزاء ذلك تبدو الحاجة ماسة إلى علاقة وثيقة قائمة على المؤسسية بين منظمات المجتمع المدني من جهة وبينها وبين الإعلام من جهة أخرى بما يساهم في نشر ثقافة المجتمع المدني ويحقق معنى الشراكة الحقيقية للمجتمع صاحب السلطة الفعلية وبما يعمل على إزالة الصلة القائمة بين الطرفين على العلاقات الشخصية. كما نحتاج من أجل ذلك إلى وجود مؤسسات إعلامية حرة تكون هي جزءا من مؤسسات المجتمع المدني. مؤسسات إعلامية حرة تمتلك الإدارة والتنظيم والهيكلة والوسائل والكادر البشري المؤهل. فالإعلام الحر يساعد على تحسين كفاءة منظمات المجتمع المدني، والعكس صحيح أيضا. ومن خلال وجود تلك العلاقة يستطيع الطرفان تبني برامج تعمل على: 1- النضال من أجل تغيير التشريعات المعيقة لإنشاء منظمات المجتمع المدني ومزاولتها لأنشطتها والمعيقة كذلك لحريّة إصدار الصّحف وملكيتها وإدارتها وحرية التعبير وتدفق المعلومات وتداولها. 2- النضال من أجل رفع أشكال الرقابة الضمنية على وسائل الإعلام والمطبوعات وعلى منظمات المجتمع المدني بما يضمن ممارستها لمهامها بحرية واستقلال. 3- وضع برامج تدريبيّة خاصّة بالإعلاميين لتمكينهم من أداء دورهم الرقابي تجاه الحكومة والمجتمع المدني في نفس الوقت. وفي هذا المجال يمكن أن تعمل منظمات المجتمع المدني والإعلام على وضع أولويات لقضايا توجه نحوها بعض أنشطتها - مع تفرد كل منها بأنشطة أخرى - بما يؤدي إلى انجاز تلك القضايا ومن أمثلة ذلك: 4- تبني أنشطة تضغط في اتجاه إقرار مشروع قانون الحق في الحصول على المعلومات المطروح أمام مجلس الشعب منذ سنوات طويلة. 5- تبني أنشطة تضغط في اتجاه تعديل قانون الجمعيات الأهلية (القانون رقم 84 لسنة 2002) بما يزيل القيود المفروضة على إنشاء منظمات المجتمع المدني وممارستها لأنشطتها في عدد من التشريعات. 6- تبني أنشطة تضغط في اتجاه تجسيد حقوق الإنسان وفق المعايير الدولية في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية من خلال التركيز على حقوق محددة. 7- إعداد وتدريب بعض كوادر الجمعيات على إدراك أهمية الإعلام والوعي بكيفية التعامل معه، وتوعية الإعلاميين بطبيعة ومشاكل ودور المجتمع المدني. 8- مطالبة الجمعيات الأهلية بالتعامل بقدر من الشفافية والوعي بأهمية نشر أخبارها وانفتاحها على الإعلام والمجتمع. 9- تحديد مساحات ثابتة في وسائل الإعلام لأخبار المجتمع المدني والتعريف بدوره. ولكن كيف نفعل العلاقة بين الإعلام ومنظمات المجتمع المدني؟، نعتقد أن الأمر يحتاج لعدة خطوات، منها على سبيل المثال لا الحصر: - دعوة الجمعيات إلى إقامة مراكز إعلامية. - تخصيص ساعات إرسال في الراديو والتليفزيون. - تخصيص صفحة في الجرائد اليومية. - تخصيص حملات إعلانية مدفوعة الأجر عن النشاط الأهلي. - إنشاء جهاز في وزارة التضامن الاجتماعي لتوفير المعلومات عن الجمعيات والتعريف بأنشطتها. - وجود منسق إعلامي داخل كل جمعية. وأخيراً يبقى أن هناك دوراً لتلك لجمعيات عليها أن تقوم به للتواصل مع الإعلام أهمه على الإطلاق مسألتين هما: - توفير بيانات صحيحة من خلال الشفافية عن أنشطة الجمعية. - عقد ندوات ودعوة أجهزة الإعلام للتعريف بأنشطة الجمعيات. - عقد دورات تدريبية للإعلاميين من كافة الوسائل (صحافة مطبوعة – إذاعة – تليفزيون – صحافة إلكترونية) لتدريب هؤلاء الإعلاميين على كيفية التعامل مع القضايا التي تتبناها منظمات المجتمع المدني وخاصة المنظمات الحقوقية.
(هذه الدراسة هي محور المحاضرة التي سوف يلقيها الكاتب يوم الإثنين 25 أكتوبر في مشروع برنامج الدورة التدريبية الرابعة للإعلاميين حول دور الإعلام في دعــم المجتمع المــدني التي تنظمها المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان)
#خالد_الكيلاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
موسم سقوط الأقنعة
-
الجماهير وإغتيال حقوق الإنسان
-
شهيدة دريسدن ... وقتلى نجع حمادي
-
س وج في قضية أوكامبو والبشير
-
جمال مبارك ... حصرياً من واشنطن
-
الطيب جداً جداً ... صالح
-
قضاة ... وقضاة
-
لكنه بكاء ... كالبكاء
-
مباحث مكافحة الفتاوي
-
ثلاثة أسئلة تبحث عن مؤلف
-
أزهى عصور التحرش
-
قنابل مسيحية في انتظار البابا(1) - الرعية في مواجهة الكنيسة
...
-
عفريت العلبة ... لم تخيب الظن فيك
-
صورة الرئيس
-
يا زمان الشعر... في أسيوط
-
استقلال القضاء...ضرورته، ومفهومه، ومقوماته
-
يا استفتاءاتك يا مصر!! - في الذكرى الثالثة ليوم الأربعاء الأ
...
-
احتكار الوطنية مرة أخرى
-
حزب الله .... وحزب الشيطان
-
ثلاثون قمة والأوضاع العربية أصبحت في -الحضيض-
المزيد.....
-
أول وزير خزانة مثلي الجنس.. ماذا نعلم عن الملياردير سكوت بيس
...
-
مقتل واعتقال 76 ارهابيا في عملية فيلق القدس بجنوب شرق ايران
...
-
-الدوما-: مذكرة الجنائية الدولية لاعتقال نتنياهو ستكشف مدى ا
...
-
الداخلية الفنلندية توقف إصدار تصاريح الإقامة الدائمة للاجئين
...
-
الإعلام الإسرائيلي يواصل مناقشة تداعيات أوامر اعتقال نتنياهو
...
-
هذه أبرز العقبات التي تواجه اعتقال نتنياهو وغالانت
-
الأمم المتحدة: إسرائيل منعت وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لق
...
-
مقارنة ردة فعل بايدن على مذكرتي اعتقال بوتين ونتنياهو تبرزه
...
-
كيف أثر قرار إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت على دعم
...
-
سفير ايران الدائم بالأمم المتحدة: موقفنا واضح وشفاف ولن يتغي
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|