|
مشكلة الحديث عند المسلمين - 2- السند
محمد وجدي
كاتب، وشاعر، وباحث تاريخ
(Mohamed Wagdy)
الحوار المتمدن-العدد: 3162 - 2010 / 10 / 22 - 22:44
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يتم تناول علم السند وتجريح الرجال عند السنة والترويج له كأنه علم قد حاز الكمال وبلغ الربى ولم يقاربه شيء بعد القرآن في المنهج الإسلامي .. وكيف لا يكون ذلك ، وقد اعتاد القوم أن يوصلوا فحص البخاري مثلا ً وقدرته على التمييز بين الرجال الذين نقل عنهم بصور تكاد تقارب الخيال . فمنها أنه رفض رواية لرجل أشار لبعير له بجراب العلف لتأتي إليه وقد كانت نافرة . فلما وصل إليه سأله : " أكان به طعام ؟ " .. فقال : " لا " .. فقال : " لا آخذ الحديث ممن يكذب على البعير " . وبعيدا ً عن صدق الرواية من عدمها .. فإن سند الحديث لم يكن بالذي يخضع لقواعد عامة تبين العدالة من عدمها فقط أو الخرم من عدمه " رجل مخروم يعني رجل مطعون فيه ( بحسب المصطلح الحديثي السلفي ) ...بل كان السؤال للتبين إن كان مذهبه موافقا ً لمذهب أهل السنة أو ينتمي إلى فرقة مخالفة .. فإن مسلم يروي عن ابن سيرين أن السؤال عن الإسناد لم يبدأ إلا حينما بدأت الخلافات والتناحرات " : لم يكونوا - أي أهل الحديث - يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا : سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم " ( صحيح مسلم – المقدمة ) . إذن فعلة الإسناد ليست البحث في العدالة والصدق والخلو من خوارم المروءة ، ولكن لتبين وتمييز المروي عنه والراوي إن كان على مذهب القوم أو من عدمه . وكان هناك رواة يتم الرواية عنهم ، ونقل الحديث عنهم ، لأنهم كانوا في نظر هؤلاء عدول .. حتى عُلِم عنهم المخالفة لمذهب السنة فتم رفض أحاديثهم جملة وتفصيلا ً ، وناقل هذا الخبر هو مسلم نفسه في مقدمة صحيحه عن سفيان : " كان الناس يحملون - يروون - عن جابر بن يزيد الجحفي قبل أن يظهر ما أظهر فلما أظهر ما أظهر اتهمه الناس في حديثه وتركه بعض الناس . فقيل له : وما أظهر . قال : الإيمان بالرجعة " ( الرجعة من العقائد عند الشيعة وهي الاعتقاد برجعة بعض الصالحين والطالحين إلى الحياة الدنيا بعد الموت كعلامة من علامات الساعة لينتقم المهدي وأنصاره من الظالمين الذين ظلموا آل محمد ، والمهدي هو الإمام الثاني عشر في سلسلة الأئمة المعصومين عند الشيعة الإمامية ،وهو محمد بن الحسن العسكري وما زال حيا ً وفي غيبة بحسب زعمهم " ، ومن قائل آخر بأن الرجعة معناها رجعة دولة الحق على يد آل بيت محمد وعلى يد المهدي المنتظر .. ويختلفون في الأمر بطرق شتى باختلاف مدارسهم ما بين أصوليين وإخباريين ، بل ويختلفون في التفسير وقبول الروايات حول الرجعة باختلاف من مرجع لمرجع ) , ولم يكن الرفض قائما ً تجاه المناوئين من الشيعة فقط .. بل امتد الأمر لكل المخالفين .. فقد ذكر "ابن حجر" في " تهذيب التهذيب " أن سبب رفض رواية " عمرو بن عبيد " لأنه معتزلي ، وذكر نفس السبب "الذهبي " لرفض عمرو بن عبيد في " ميزان الاعتدال " . هذا .. ومع هذا التضييق الذي اشترطه القوم في الذين تتم رواية الحديث عنهم من جهة ما يسمونه العدالة والضبط (يقصد بالضبط سماع الرواي للحديث على الوجه الذي حدده المحدثون في كيفية السماع . مع فهمه وحفظه والثبات عليه حتى يرويه ) (أنظر كتب الرجال وعلم الحديث عن السنة ) – نقول رغم ما اشترطوه في الرواية من عدالة وضبط فإنهم لم يتقيدوا بتلك الشروط في كثير من الأحيان مما يلقي بظلال وارفة من الشك تجاه نيات من كتبوا الصحاح وجمعوه . هل جمعوه بشروط وقواعد عادلة غير مجحفة ولا ميالة ؟ أم أنه ما وافق أهواء القوم وأحوالهم . والكلام ليس على علاته وعواهله . أو أنه بلا دليل ، فإننا نجد مثلا ً أن أبا داود والترمذي والنسائي قد رووا عن " بسر بن أرطأة " الذي يقول فيه " يحيى بن معين " ( رجل سوء ) . وكذلك " ثور بن يزيد بن زياد الكلاعي الحمصي " نجد صحيح البخاري يذخر بروايات كثيرة مروية عنه وغيره من كتب الصحاح .. في حين أن " مالك " كان ينهى عن مجالسته ، وكان الأوزاعي لا يذكر اسمه عنده إلا وأساء القول فيه !!!!!!!
ثم "ز ياد بن عبد الله بن الطفيل البكائي العامري " . . قال ابن المديني : هو ضعيف . . ونقل عن ابن معين قوله : ليس بشئ . . ورغم ذلك تجد أن البخاري ومسلم قد رويا عنه ، وكذلك غيرهما !!!!!!!!!!! وأيضا ً "سالم بن عجلان الأفطس . ." قال ابن حبان : يقلب الأخبار واتهم بأمر سوء وقتل بسببه . . وقال العدي : كان يخاصم في الإرجاء ( المرجئة ) ويدعو لها . . وقال النووي : مرجئ معاند . .ورغم تلك الشهادات السيئة في حقه فقد روى له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة . . ولو تتبعنا النماذج هذه لضاق المجال عن ذكرها .. إنما قصدت هاهنا أن أضرب بعض الأمثلة لتبيان أن تلك القواعد التي يطن بها السلفيون كل يوم ، ويحشون بها فراغ عقول المتابعين لهم على غير هدى ، وينفقون في سبيل الترويج لتلك الفكرة " عصمة كتب الصحاح وبراعة علم الرجال والسند والتجريح والتعديل إلخ " عشرات الأطنان من الأحبار لم يتم تطبيقها ، والأمثلة شاهدة على فساد هذا الزيج والميزان الذي وضعه أناس لم يخل أمرهم هم أنفسهم من التشكيك والزيغ ... فإن الذهبي يصف " سفيان الثوري " ( الذي يحكم على الرواة من حيث القبول أو الرفض " بأنه متفق عليه مع أنه كان يدلس عن الضعفاء !!!! " ، ونفس الشيء تقريبا ً يذكره عنه ابن معين .. فهو يصف المرسلات من أحاديث " الثوري " بقوله " مرسلات سفيان شبه الريح " . ( انظر تهذيب التهذيب لابن حجر وتذكرة الحفاظ للذهبي ) . فهل بعد ذلك يتم تسلم هذا التراث بتلك القداسة عينها التي يروج لها أهل السنة ؟ أم أنه على المرء أن يعمل عقله ويتوقف فاحصا ً ناقدا ً ؟ . وهل نكون في لحظة عدل مع أنفسنا لنكتشف أن المصدر الثاني من مصادر التشريع قد تمت كتابته في غفلة بيد قوم لا يخضعون لقاعدة صحيحة ، ويفرزون من خالفهم لمجرد المخالفة في المذهب ، ويخالفون هم أنفسهم القواعد التي وضعوها للجرح والتعديل وفحص السند .... بل وأنهم هم أنفسهم لم يخل أمرهم من الشك والبعد عن الضبط والعدالة ؟ هل ؟؟؟؟ ربما ولكني ..... أشك .
وربما .. يكون للحديث بقية .
#محمد_وجدي (هاشتاغ)
Mohamed_Wagdy#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يا وطنا ً يحكمك الجهل
-
مشكلة الحديث عند المسلمين
-
المتنصرون : مأساة مستمرة وقضية لا تنتهي
-
أمنية البحر ..... تسبقها تعاويذي – قصيدة نثر
-
ادلة تاريخية ومنطقية تنفي امية محمد
-
تلميحات قرآنية تنفي أمية محمد
-
سِفر ميم واو - شعر
-
إليكِ - شعر
-
وطن ٌ للبيع - روبابيكيا
-
كتاب الجحيم - قصيدة نثر
-
محاورات ٌ بيني وبينه - قصيدة نثر
-
وطن ٌ
-
إرهاصات ٌ عن التعب والميلاد – قصيدة نثر
-
باربيكيو – طلب دليفري للبيه هوهو
-
ارتعاشة كف الحلاج
-
دولة مدنية علمانية ؟ أم دولة مدنية ذات مرجعية دينية ؟
-
أزمة العقل المصري .... دولة دينية أم مجتمع مدني ؟
-
حرية المرأة في اقليم كوردستان ... حقيقية ام زائفة
-
نقوش ٌ على رداء ٍ كهنوتي ٍ لا يزول - نص
-
ادخلوها بسلام ٍ .. آمنين
المزيد.....
-
قائد الثورة الاسلامية يستقبل حشدا من التعبويين اليوم الاثنين
...
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|