أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - خالد صبيح - ملامح من مشاكل الاندماج في السويد (2)















المزيد.....

ملامح من مشاكل الاندماج في السويد (2)


خالد صبيح

الحوار المتمدن-العدد: 3161 - 2010 / 10 / 21 - 19:42
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
    


(2)



ظاهرة اللجوء في السويد لها تاريخ قديم. فالسويديون من بين الشعوب التي جربت الهجرة وتوفرت على تجربة ووعي بهذه الظاهرة وأنتج كبار كتابها أعمالا أدبية عالجت المعاناة النفسية والاجتماعية للمهاجرين. لقد هاجر كثير من السويديين في أواخر القرن التاسع عشر إلى ارض الأحلام( أمريكا) بسبب التدهور الاقتصادي وحالة الفقر التي عاشها المجتمع السويدي بعمومه والريف بشكل خاص. وفي نفس الوقت شهدت ارض السويد هجرات إليها منذ الحرب العالمية الثانية وتصاعدت بتزايد الطلب على الأيدي العاملة في الستينات والسبعينات لتزداد وتيرتها، بعدما اجتاحت العالم الحروب والحروب الأهلية وتعاظم الاستبداد السياسي، في الثمانينات لتصل إلى ذروتها في التسعينات وبداية الألفية الثالثة.

وتنوعت عبر هذه المدة الزمنية أجناس وخلفيات اللاجئين، وتعددت أسباب هجرتهم.

ذكر لي احد الأصدقاء إن المسؤولة عن استقبال اللاجئين في المدينة التي يقطنها قد طلبت من دائرة الهجرة ، وكان ذلك في الثمانينات، أن يرسلوا لها قدر المستطاع لاجئين عراقيين.

لماذا العراقيون بالذات؟

كان جل اللاجئين العراقيين آنذاك، بمختلف أديانهم وقومياتهم، أصحاب قضية ومواقف، سياسية في اغلبها. فقد كانوا ينحدرون من مختلف القوى السياسية التي عارضت النظام ألبعثي، غير ان اليساريين والشيوعيين كانوا قد شكلوا الجسم الأكبر للاجئين في تلك الفترة. وكان هؤلاء من المتعلمين والمثقفين وأصحاب المواهب، كتاب وفنانين وغيرهم، وكانوا أيضا من منحدرات مدينية أعانتهم على استيعاب معطيات واقع المجتمع الأوربي وارثه الثقافي والحضاري، بالإضافة إلى أن الكثير من هؤلاء لم تكن السويد محطتهم الأولى في رحلتهم الأوربية، وهذا اكسبهم خبرات اجتماعية أعانتهم على التكيف، أو على الأقل عدم التصادم، مع معطيات الواقع الجديد. بالإضافة إلى أن أعداد هؤلاء اللاجئين كانت قليلة نسبيا، وهذا يقلل عادة من الآثار السلبية لوجودهم.

هذا الواقع هو الذي جعل هذه المسؤولة تحبذ مجيء العراقيين إلى مدينتها. لكن بعد العام 1992 وصلتها نوعيات من العراقيين جعلتها تغير قناعاتها بهم.
فبعد هذا العام، وأنا أتحدث عن تجربة العراقيين لقربي منها، تغير الواقع، وما عاد العراقيون الذين يأتون إلى السويد نخبة سياسية وثقافية متعلمة، وإنما أناس من مختلف الانحدارات بعد أن توسعت حرب النظام ألبعثي لتشمل الشعب العراقي كله. وأكاد اجزم بأنه مع توافد هؤلاء قد تسربت الأفكار والتقاليد الاسلاموية بين اللاجئين العراقيين، وذلك لان عددا كبيرا من الوافدين الجدد، وبسبب انحدار غالبيتهم من الريف، الذي شكلت التقاليد الدينية الى جانب العشائرية محور الوعي فيه، كانوا يشكلون القاعدة الاجتماعية والسياسية للأحزاب الإسلامية الشيعية. وبالتأكيد قد تسربت وسط هذا التدفق العشوائي أعداد كبيرة من (المتخلفين) ومن الذين يحملون قيم وثقافة تتعارض مع الثقافة الأوربية، بل ولا حتى يمكنها أن تجد لها أرضية للتفاهم معها. وكلنا يعرف أن انتفاضة آذار 1991 في العراق كانت قد أطلقت السجناء من سجونهم، وكان من بين هؤلاء اعتى المجرمين والشواذ. وقد واصل هؤلاء طريقهم ،بعد معسكرات رفحاء والارطاوية في السعودية، بحكم تطور الأحداث، إلى أوربا. وكانت للسويد حصتها منهم.
ولكم أن تتصوروا الواقع الجديد بعد انقلاب الصورة. فقد كثر عدد اللاجئين وتردت نوعيتهم وكثرت مشاكلهم، وقد ترافق هذا كله مع بعض الصعوبات الاقتصادية والسياسية في البلد، مما حول اللاجئين وعملية دمجهم إلى معضلة سياسية وإدارية واجتماعية.

هناك أيضا سبب آخر شديد الأهمية؛ هو إن اغلب اللاجئين قادمون من بلدان ومجتمعات فيها الأنظمة السياسية مستبدة، مجتمعات ليس فيها تقاليد ديمقراطية ولا احترام لحقوق المواطنة، فادى هذا بقليلي الوعي من هؤلاء إلى فهم مشوه للأسلوب الذي استقبلتهم السويد به. فقد فهم بعضهم الليونة في التعامل، وهي طريقة لم يألفوها في ثقافتهم، على أنها مدعاة للتسيب وعدم الالتزام، وهذا انعكس بصورة سلبية على اولى واهم الالتزامات؛ وهي تعلم اللغة؛ باعتبارها أهم مداخل الاندماج في المجتمع، واثر هذا بدوره على سرعة ومرونة انخراطهم في سوق العمل أو الإعداد المهني وغيره من ما يعين اللاجئ على الانخراط في المجتمع، لاسيما بين من تخطوا سن الشباب.
كثيرا ما كنت اسمع عبارة ( إنني أتيت لارتاح وأعوض ما عشته من إرهاق وخوف والخ..) ورغم بعض المشروعية في هكذا رغبة إلا أن ذلك لايعني إن الذي يطلب الراحة يباح له أن يتجاوز التزاماته. والذين حملوا هذا الفهم، وشجعتهم عليه بعض اللامبالاة من المؤسسات السويدية، قد دفعوا ثمنا غير قليل لاحقا. فقد ظلوا يواجهون صعوبة في تسيير أمورهم اليومية، وواجهوا صعوبة في الدخول إلى سوق العمل، ومع تأزم الوضع الاقتصادي في البلد وتقادم هؤلاء صارت إمكانية بناء مستقبل مقبول لهم أمرا يزداد صعوبة باستمرار. وفي نفس الوقت فأن هؤلاء بقوا يعانون من نوع من الفصام داخل المجتمع ودخلوا في دائرة مغلقة، لان عوقهم في اكتساب مستلزمات الاندماج في المجتمع جعلهم يعيشون في غربة محكمة عنه، وزاد من نفورهم منه، فتضاعفت معاناتهم وازدادت حدة شعورهم بالغربة. وبقوا يعيشون في دوامة وفصام لأنهم لا يعيشون واقعهم في المجتمع الجديد إلا على مضض، ولم يعثروا على ما يعوضهم انقطاعهم عن ثقافتهم الأولى وأشيائهم الحميمة، وهكذا دخلوا في غربة لانهائية لاسيما بعدما وصلتهم الفضائيات فصار عالمهم الحقيقي هو العالم الافتراضي الذي وفرته لهم التكنولوجيا الحديثة. والعالم الافتراضي لايمكنه أن يعوض عن العالم الحقيقي ولا أن يكون بديلا له. لهذا تعمقت غربتهم وصاروا منقطعي الجذور وعاجزين، في نفس الوقت، عن استنبات جذور جديدة لهم.

ومال هؤلاء، في آلية دفاع غريزية عن الذات، إلى إسقاط عجزهم في التعلم والاندماج إلى عيوب تكمن في طبيعة المجتمع السويدي وفي اللغة السويدية ذاتها. وهكذا، بدلا من أن يعو أسباب المشكلة الحقيقية، وان يلجأوا إلى معالجتها، انطووا أكثر فأكثر على ذواتهم، وانغلقوا ثقافيا واجتماعيا، ونشأت بسبب هذا الانغلاق حواجز نفسية بينهم وبين المجتمع ساعدتهم عليه بعض المفاهيم والممارسات الخاطئة التي مارسها السويديون، بمزيج من حسن النية واللامبالاة، بتوفيرهم مستلزمات هذا الانغلاق، من خلال توفير قنوات العزل الثقافي والاجتماعي لهم (وسأعود لهذا لاحقا).

ولم يكن هذا وحده سببا في ضعف عملية الاندماج داخل المجتمع، وإنما هناك أيضا المانع ألعقيدي والأيدلوجي الذي تمارسه مجاميع من المتعصبين قوميا وثقافيا، الذين يرتابون، بطبيعتهم، بكل ماهو مختلف عنهم. فقد سعى هؤلاء المتعصبون لتكريس الخصوصية القومية والثقافية داخل المجتمع السويدي بعزل أنفسهم بصورة مقصودة وممنهجة عن الجميع خوفا من ادعاءات غريبة باضمحلال الخصوصية القومية أو خوفا من الانقراض القومي حسب تعبيرهم (ومن ابرز هؤلاء السريان).

وأيضا هناك مجاميع الأصوليين المتعصبين من مختلف الأديان الذين جعلهم حاجز العقيدة، شدة وضعف الإيمان بالنسبة للمسيحيين، والاختلاف الديني الجوهري بالنسبة للمسلمين، يحملون مفاهيم عن انحلال أخلاقي مفترض في المجتمع السويدي، ركزت بصورة أساسية على جانب حرية العلاقات الجنسية والعاطفية المتاحة في المجتمع، ومن بين ابرز هؤلاء وأشدهم تعصبا هم الأصوليون الإسلاميون.

والملفت أن لهؤلاء جميعا قدرات متنوعة ومتفاوتة في التأثير على وعي الأفراد المنتمين لهم، منعتهم وتمنعهم من الاندماج الحر والطليق في المجتمع الجديد، ووضعت لهذا الاندماج والانتماء شروطا تناسب هيئتها المغلقة، والتي تتعارض بداهة مع الأبعاد الضرورية لعملية الدمج من حيث هي آلية بناء اجتماعي قائم على قيم التعدد والتنوع غير المشروط بخصوصية متطرفة تعزل ما تعتبره مؤثرات غير منتمية لأرثها الثقافي، لتكرس بالتالي تخندقها وعزلتها كأمر طبيعي وضروري، وبهذا التفكير المغلق فان هؤلاء قد أضفوا على عملية الدمج وادخلوا إليها عناصر غير ديمقراطية، ومتردية حضاريا، ومتخلفة عن مستويات التقدم في المجتمع السويدي، وهذا أمر غير مقبول في عملية التلاقح الثقافي، لان الأخيرة ينبغي أن تقوم على أسس حضارية منفتحة وذات أفق ديمقراطي يقبل الآخر ويتفاعل معه، وهذا يتعارض جوهريا مع الانحصار والانغلاق الثقافي والقومي والديني الذي تسعى لتكريسه هذه الجهات.

بيد أن هذه وغيرها من المعوقات، سواء تلك التي تتعلق بنقص الوعي لدى اللاجئ وبفهمه القاصر للآليات التي تحرك المجتمع السويدي، وللقيم التي تتحكم به، أو بتلك التي تديرها بوعي قوى واعية وقاصدة لدورها، (وتفاصيل العاملين كثيرة ومتنوعة)، لايمكنها أن تؤثر وتنتعش لو لم تستطع أن تخلق لنفسها، وتعثر على ثغرات في طبيعة المجتمع السويدي، وفي عمل مؤسساته، تعينها على العرقلة المقصودة والعفوية لعملية الاندماج.

قيل( إن التربية تسبق المؤسسة). ولكننا نستدرك بالقول إن المؤسسة تربي أيضا.

لنرى إذن كيف تعاملت المؤسسات السويدية مع عملية الاندماج وما هي نواقصها ومكامن الضعف فيها.

يتبع



#خالد_صبيح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملامح من مشاكل الاندماج في السويد (1)
- هل هناك تجربة اشتراكية ناجحة؟
- مشكلة الحجاب في المجتمعات الاوربية
- صفقة خاسرة
- أللاجئون في أوربا
- الانتخابات السويدية2
- انتخبابات السويد 1 انبعاث العقلانية
- احداث بشتاشان
- شيء من لوثة الايدلوجية
- تشاركوننا جرائمنا أو نشارككم براءتكم
- شبح التطرف في كردستان
- شهداء منسيون
- معوقات وحدة اليسار العراقي
- صناعة الخصوم
- معضلتان يساريتان
- تعرف الأشياء بأضدادها
- عبء التاريخ
- طرائف ديمقراطية
- قراءة اولية في انتخابات مجالس المحافظات
- شارة النصر


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية / هاشم نعمة
- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية / مرزوق الحلالي
- الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها ... / علي الجلولي
- السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق ... / رشيد غويلب
- المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور ... / كاظم حبيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟ / هوازن خداج
- حتما ستشرق الشمس / عيد الماجد
- تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017 / الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
- كارل ماركس: حول الهجرة / ديفد إل. ويلسون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - خالد صبيح - ملامح من مشاكل الاندماج في السويد (2)