أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - المسيحيون والمواطنة وناقوس الخطر















المزيد.....

المسيحيون والمواطنة وناقوس الخطر


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3160 - 2010 / 10 / 20 - 18:31
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كان المسيحيون وما زالوا جزءاً من النسيج الاجتماعي والسياسي والتاريخي لبلدان المنطقة وشعوبها، ولعل واحداً من سرّ جمال التكوينات الثقافية العربية، ولا سيما للمشرق العربي هو التنوّع والتعددية التي عرفها، دينياً وقومياً وسلالياً ولغوياً واجتماعياً، لكن المنطقة ولأسباب موضوعية وأخرى ذاتية، عامة وخاصة شهدت هجرة مسيحية في العقود الأخيرة الماضية، وبالطبع فإن هناك أسباباً في ما يتعلق بالهجرة، قسم منها سياسي وبعضه لأسباب اجتماعية واقتصادية، وقسم آخر منها يتعلق بما تعرّض إليه المسيحيون من هضم للحقوق ومن بعض أشكال التمييز ضدهم . وإذا كان المسيحيون قبل نحو قرن من الزمان يشكلون نحو 20% من سكان المنطقة، فإنهم اليوم لا يزيدون على 5%، وقد تتراجع نسبتهم أكثر من ذلك، كلّما ارتفعت موجة الهجرة وازدادت معاناتهم وشعورهم بالاستيلاب .

وقد حاولت “إسرائيل” منذ قيامها، التركيز على تهجير المسيحيين وفصلهم عن المسلمين، بهدف تفريغ فلسطين من المسيحيين بزعم أن الصراع ديني، وهو بين المسلمين واليهود وليس كيانياً حقوقياً يتعلق بشعب احتلت أراضيه (مسلمين ومسحيين ودروزاً ومن كان فيها من اليهود) وبين مغتصب ومستعمر استيطاني إجلائي .

إن محاولة “إسرائيل” تصوير الصراع باعتباره صراعاً دينياً وليس صراعاً حقوقياً ووطنياً وأرضياً إنما تستهدف عزل المسيحيين عن المسلمين وتقسيم الفلسطينيين أنفسهم ليسهل استهدافهم جميعاً . وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن المسلم لا يختلف عن المسيحي وعن الدرزي في الدفاع عن الأرض والحقوق والقيم الوطنية والإنسانية .

كما زعمت الصهيونية أن صراعها سماوي، وإنْ كان يتعلق بأرض الله الموعودة لشعب الله المختار، وبالتالي فهو صراع إلغائي، إقصائي، تناحري لا مجال فيه لحل سلمي، إذْ لا يمكن حلّه الاّ بالقضاء على الطرف الآخر وتهجيره وإجلائه، لإحلال مستوطنين محلّه . وهكذا ازدادت ضغوط الصهيونية على المسيحيين بشكل خاص لإجلائهم، وفي القدس وحدها كان هناك في أربعينات القرن الماضي وقبيل قيام “إسرائيل” نحو 45 ألف مسيحي لم يبق منهم بسبب عمليات التهجير سوى أقل من 5 آلاف مسيحي، كما انخفض عدد المسيحيين في فلسطين من 600 ألف نسمة إلى نحو 50 ألفاً (47 ألفاً منهم في الضفة الغربية و3 آلاف في قطاع غزة حسب برنارد سابيلا، ويؤلفون 25 .1 مليون نسمة من سكان فلسطين البالغ عددهم في الداخل نحو 4 ملايين نسمة) .

إن مشروع القانون “الإسرائيلي” الأخير بخصوص الجنسية بقدر استهدافه العرب والمسلمين، فإنه يستهدف أيضاً المسيحيين العرب، خصوصاً اشتراط أداء قسم الولاء لدولة “إسرائيل اليهودية الديمقراطية” (النقية)، وهو يعني وضع نحو 20% من سكان البلدان الأصليين من الفلسطينيين خارج قانون الجنسية عملياً في إجراء عنصري غير مسبوق .

وحاولت “إسرائيل”، لاسيما خلال اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، التي عملت على تغذيتها على القول إن بؤرة الصراع في الشرق الأوسط لم تكن الصهيونية ودولة “إسرائيل”، بدليل أن الحرب العراقية الإيرانية، دامت ثماني سنوات بالكمال والتمام، ولم تكن “إسرائيل” طرفاً فيها، كما حاولت أن تروّج أن الحرب إسلامية إسلامية، بين عراق “سنّي” وإيران “شيعية” وهي حرب طائفية كما زعمت، ثم قالت إن الحرب بين دولتين نفطيتين، وعندما غزت القوات العراقية الكويت في العام ،1990 قالت إن الحرب عربية عربية، خصوصاً بعد مشاركات عربية، إضافة إلى قوى التحالف في عملية تحرير الكويت وشن الحرب على العراق . وكانت “إسرائيل” أكثر الدول غبطة عند فرض مجلس الأمن الدولي الحصار على العراق، والأكثر انتشاءً عند إقدام بول بريمر على حل الجيش العراقي وتفكيك ماكنة الدولة وإضعاف الوحدة العراقية، وتمهيد السبيل للطائفية السياسية .

وقد شهد العراق خلال سنوات الحرب العراقية الإيرانية وما بعده سنوات الحصار الدولي وفرض العقوبات عليه هجرة واسعة للمسيحيين، لكن سنوات ما بعد الاحتلال كانت هي الأقسى والأكثر هجرة، حيث أدّت إلى تهجير نصف المسيحيين تقريباً، لاسيما بعد استهدافهم من جماعات إرهابية ومتطرفة، باسم “الإسلام السياسي” في ظلّ انقسام وتشظي الأوضاع، علماً بأنهم ليسوا طرفاً في الصراع السياسي الهادف للوصول إلى السلطة، والاستحواذ على مراكز النفوذ والقرار، وقد استهدفوا لكونهم مسيحيين أولاً، ثم استهدفوا لأنهم جزء من الاستهداف العام، ولكن ذلك ليس بمعزل عن محاولات لتفريغ العراق من المسيحيين الذين قدّموا على مدى تاريخهم خدمات جليلة للعراق وللأمة العربية، على جميع الصُعد الفكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية والأدبية والفنية والتاريخية والقانونية والعلمية .

لقد كان المسيحيون هدفاً سهلاً للإرهاب، وضحايا جاهزين لفرض نمط سياسي وديني واجتماعي معيّن، في إطار صراع أصولي طائفي ومذهبي وإثني، وغالباً ما يتم التشكيك بأصولهم ووطنيتهم وولائهم، وينسى هؤلاء أن مسيحيي الشرق هم أهل الشرق، والمسيحية كانت موجودة في منطقتنا قبل الإسلام، وأن السيد المسيح شرقي بتراثه وليس غربياً، فالمسيحيون ليسوا طارئين أو مهاجرين جاؤوا ليستقروا في هذه البلدان . إنهم ليسوا رعايا، بل هم مواطنون لهم الحقوق وعليهم الواجبات ذاتها التي على الآخرين . وإذا افترضنا حقوقاً للمواطنة، فينبغي أن تقوم على أساس المساواة وعدم التمييز بسبب الدين أو العرق أو اللغة أو المنشأ الاجتماعي أو غير ذلك .

شخصياً، لا أنظر إلى المسيحيين كأقلية، وأشعر بقدر من الانزعاج عند استخدام مصطلح “الأقلية” على المكوّن الثقافي المسيحي أو غيره سواء أكان قومياً أم دينياً، على الرغم من أن الأمم المتحدة جاءت على ذكر حقوق الأقليات في إعلان صدر عنها في العام ،1992 لكنني أميل إلى استخدام مصطلح “التنوّع الثقافي”، سواء أكان أغلبية أم أقلية، لأن لها خصوصية وتميّزاً وتاريخاً وعادات وطقوساً مختلفة . وقد يكون مناسباً استخدام مصطلح الأقلية والأكثرية في المعادلات السياسية وفي نتائج الانتخابات النيابية أو غيرها، أمّا بخصوص القوميات والإثنيات والأديان، فأجد أن استخدام مصطلح التنوّع والتعددية أقرب عندي من غيره للتعبير عن الحالة .

إن تعاظم الهجرة المسيحية، سيؤدي إلى قيام مجتمعات أحادية بعيدة عن التنوّع والتعددية، وستدور هذه المجتمعات حول نفسها، وتتعرض إلى التآكل، لاسيما لمكوّنات مهمة في نسيجها الثقافي، على ما في ذلك من خسارة لمقوّمات وكيانات جوهرية تشكّل جزءاً من الفسيفساء الاجتماعية والدينية والثقافية ومن البنيان الاجتماعي للدول العربية المشرقية .

إن اضطرار المسيحيين إلى الهجرة من الكيان الصهيوني أمر مفهوم بسبب السياسة العنصرية الاستعلائية الإجلائية، لكنه في ما يتعلق بالبلدان العربية والمشرقية الأخرى هو رسالة سلبية وسوداء إلى العالم أجمع بأن مجتمعاتنا تضيق ذرعاً بالتنوّع الديني والاختلاف الثقافي، لاسيما لغير المسلمين، ولعلّ ذلك سيدفع المسلمون ثمنه باهظاً قبل غيرهم، فهو خسارة لطاقات وكفاءات وسكان أصليين في بلداننا، يشكّلون جزءاً مهماً من حضارتنا وتاريخ مجتمعاتنا وشعوبنا . ولا يمكن تصوّر بلدان عربية ومشرقية من دون وجود مسيحي مؤثر في المشهد العام .

لقد تصدر فرانسيس المراش وفرح أنطون وشبلي شميل وأديب إسحاق الدعوات التي نادت منذ القرن التاسع عشر إلى قيام دولة الحرية والعدالة والمساواة، دولة أساسها العقل والعقلانية، وما أحوجنا اليوم إلى مثل تلك الدعوات، التي أريد بها تعضيد مجتمعاتنا لتسير في دروب التنوير وتحرز استقلالها وتتطلع إلى وحدتها .

إذا كانت دولة محتلة مثل فلسطين تشهد هجرة شرسة ودولة مثل العراق بعد الاحتلال شهدت إرهاباً أعمى يضطر معه المسيحيون إلى الرحيل، فإن المسيحية العربية في سوريا شهدت تراجعاً من 5 .16% في العقود الثلاثة الأخيرة من الزمان إلى نحو 10%، وأن نحو 700 ألف مسيحي لبناني هاجروا بعد اتفاق الطائف لتعاظم الشعور بالاغتراب، وأن الكثير من شباب الأقباط في مصر همّهم الرئيس الهجرة، الأمر الذي بحاجة إلى وقفة تأمل في أسس المواطنة، لاسيما مبادئ المساواة والعدالة والحرية، تلك التي تشكل جوهر الفكرة الإنسانية في الهوية والانتماء .

وبالقدر الذي تُحمى فيه الهويات الفرعية وتُصان حقوقها، فإن الهوية الوطنية الجامعة ستكون الوعاء الحاضن لها في إطار مواطنة موحدة تقدّم الحقوق الإنسانية فوق كل الاعتبارات، ولعل ذلك ما حاول البابا بنيديكتس السادس عشر التنبيه إليه، في إطار التنديد بالإرهاب الديني في افتتاح أعمال السينودس حول الشرق الأوسط الذي تستمر أعماله حتى يوم 24 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري . إنه ناقوس خطر وعلينا التفكّر في صوته وصداه .



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار عربي صيني حول الماضي والحاضر والمستقبل
- “إسرائيل” دولة نووية هل يصبح الأمر الواقع واقعاً؟
- ازدواجية المعايير وانتقائية المقاييس وسياسة الهيمنة!
- هل الصين دولة نامية؟
- انسحاب أم إعادة انتشار؟
- المثقف والهاجس المفقود
- بعد التعويض العراقي لأمريكيين من يعوّض العراقيين؟
- بلجيكا في مواجهة الانقسام
- المفارقات الكبيرة بين الرأسمالية المتوحشة والرأسمالية ذات ال ...
- الحريات الأكاديمية
- الغزو الأمريكي نجح عسكرياً وفشل سياسياً والفراغ الحكومي يعيد ...
- ما يريده بايدن من العراق
- التنمية الموعودة والشراكة المنشودة!
- اعتقال العقل
- الحق في التنمية
- كوسوفو وقرار محكمة لاهاي: أية دلالة مستقبلية؟
- جديد الفقه الدولي: كوسوفو وقرار محكمة لاهاي أية دلالات عربية ...
- جرائم بلا عقاب
- دلالات قمة نتنياهو أوباما نووياً
- ثلاث سلطات تلاحق المثقف


المزيد.....




- -نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح ...
- الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف ...
- حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف ...
- محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
- لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
- خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
- النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ ...
- أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي ...
- -هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م ...
- عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - المسيحيون والمواطنة وناقوس الخطر