|
اسطورة حب فرهاد و شيرين فى آداب شعوب الشرق
جودت هوشيار
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 3157 - 2010 / 10 / 17 - 20:30
المحور:
الادب والفن
ثمة عدد كبير من الأساطير و الحكايات و القصص الشعبية الشائعة فى فولكلور و أدب أكثر من شعب واحد ، لعل فى مقدمتها الملحمة الشعرية " فرهاد و شيرين " أو " خسرو و شيرين " التى لها نصوص فولكلورية مختلفة و معالجات أدبية عديدة فى التراث الثقافى لشعوب الشرق الأوسط و الأناضول و آسيا الوسطى . و كما هو واضح من أسماء أبطال هذه الأسطورة و مسرح أحداثها و وقائعها أنها ( فارسية – كردية ) الأصل ، لأنها تستند الى وقلئع تأريخية حقيقية لها علاقة بالشعبين الفارسى و الكردى . كان خسرو أحد آخر الحكام الفرس فى نهاية الفترة التى سبقت الفتح الأسلامى لبلاد فارس أو العجم كما يقول العرب ، حيث حكم البلاد خلال الفترة الواقعة بين عامى ( 591- 628 ) م . و كانت شيرين زوجته ، و وردت سيرتهما فى العديد من المصادر التأريخية . و أبرز من عالج هذه الأسطورة هو الشاعر الفارسى العظيم الفردوسى (940 -1020 ) م و ذلك فى مؤلفه الشهير " الشاهنامة " . لقد خلد الشاعر قصة حب " خسرو و شيرين " فى ملحمة شعرية رائعة ، تعد من عيون الأدب الكلاسيكى الشرقى و العالمى ، بيد أنه لم يذكر شيئا عن فرهاد الذى ورد أسمه لأول مرة فى مخطوطة تعود للمؤرخ الطاجيكى – الفارسى (بالامى ) كتبت فى أواخر القرن العاشر . و المعروف أن (بالامى ) قد توفى فى العام 996م . أما الشاعر ( آغاجى ) الذى عاش فى الفترة الممتدة من أواخر القرن العاشر الى منتصف القرن الحادى عشر ، فأنه يذكر أسم فرهاد حين يتحدث عن الأسطزرة الشعبية عن شق قناة عبر صخور جبل بيستون من جبال كردستان . كما كتب الشاعر الأذرى نظامى كنجوى ملحمة شعرية عن " خسرو و شيرين " و ذلك فى العام 1181م و أهداها الى ذكرى زوجته الحبيبة التى فارقت الحياة و هى فى عز شبابها . شيرين هى البطلة الرئيسية لهذه الملحمة ، و قد أسبغ الشاعر عليها السجايا الأنسانية الرفيعة ، فهى طيبة ، قوية الأرادة ، نقية السريرة ، و ذات أخلاق حميدة . و هى صفات و فضائل يفتقر اليها خسرو كأنسان و حاكم للبلاد . كان عشق فرهاد لشيرين من جانب واحد أى أن شيرين لم تبادله الحب ، و مع ذلك فأن فرهاد أقدم على تضحية كبيرة من أجلها حين حقق رغبتها فى شق قناة عبر جبل بيستون لغرض أيصال الماء ألى الجهه الأخرى من الجبل ، وهى مهمة شاقة ( و تكاد ان تكون شيه مستحيلة بمقاييس ذلك العصر ) و لكن فرهاد أنجزها على أحسن وجه و أثار هذا العمل الخارق اعجاب شيرين من جهة وحقد و كراهية خسرو من جهة أخرى . كان خسرو يغار من فرهاد و يتحين الفرص للأنتقام منه ، و لأنه كان يعرف مدى عمق حب فرهاد لشيرين ، فقد لجأ الى الخديعة و أرسل اليه من يخبره كذبا أن شيرين ماتت... الصدمة تهز كيان فرهاد و الفاجعة الأليمة تهد صحته ، فيفارق الحياة حزنا و كمدا على حبيبته الغالية . و اذا كان فرهاد فى ملحمة كنجوى شخصية ثانوية ، فأنه البطل الرئيسى فى الروايات الفولكلورية لهذه الأسطورة التأريخية الشعبية . و يعتقد بعض المستشرقين و منهم ع. علييف فى كتابه الذى يحمل عنوان " خسرو و شيرين فى آداب شعوب الشرق " ( موسكو – 1962 ) ان ذلك قد حدث تحت تأثير ملحمة الشاعر الأوزبكى ( نوفوى ) ( 1484 م ) " فرهاد و شيرين " فقد حاول ( نوفوى ) أن يضفى على فرهاد الصفات و السجايا الأنسانية السامية . فرهاد فى هذه الملحمة يتمتع – اضافة الى بسالته و شهامته و رجولته – بخصال و قيم رفيعة ، فهو دمث الخلق ، ذكى ، يحب العمل و ذو مهارة فنية عالية ( شق قناة بيستون ) . و على النقيض من ذلك رسم الشاعر صورة سلبية للغاية لخسرو كأنسان خبيث و غادر و حاكم مستبد ، يتسبب فى موت فرهاد ، و لكن القدر يمهل و لا يهمل ، حيث نراه بعد حين يلقى جزاءه العادل و يقتل على يدى أبنه . و فى العصر الحديث ألهمت هذه الأسطورة عددا من الشعراء البارزين ، قكتبوا مسرحيات شعرية مستمدة من أحداثها و وقائعها ، وفى مقدمتهم الشاعر التركى الكبير ناظم حكمت الذى ألف مسرحية تحت عنوان " حكاية حب " أو " فرهاد و شيرين " و قد قدمت هذه المسرحية على أشهر مسارح العالم لسنوات طويلة متتالية ( فى موسكو و باريس و برلين و غيرها من العواصم ) . و فى أذربيجان كتب الشاعر فورغوف مسرحية " فرهاد و شيرين " التى ترجمت الى عدد من اللغات الأجنبية و قدمت على مسارح جمهوريات الأتحاد السوفييتى ( السابق ) . و لا بد من الأشارة هنا الى أن معهد الأستشراق فى مدينة بطرسبورغ الروسية ، قام بجمع نصوص فولكلورية كردية و شرقية لهذه الأسطورة و بذلت جهود مشكورة من قبل علماء المعهد لدراسة هذه النصوص و مقارنتها و تحليل مضامينها و أبراز قيمتها الفنية و سماتها الجمالية و يحق لنا ان نتساءل هنا : الى متى نظل نتعرف على تراثنا الشعبى و أدبنا الكلاسيكى من خلال المستشرقين الأجانب ؟ و عندما نقول ذلك فأننا لا نبخس الجهود المضنية التى بذلها المستشرقون الكردولوجيون فى سبيل اخراج كنوزنا الكلاسيكية و الفولكلورية من ظلمات الماضى الى النور و نفض الغبار عنها و تحقيقها و ترجمتها و نشرها . و لهم دين فىأعناقنا و فضل كبير على ثقافتنا ، و نأمل ان يحذو الدارسون الكرد حذوهم . و كنا فى دراساتنا عن التراث الكردى ٌقد أشرنا الى تقصير وزارة الثقافة فى أقليم كردستان عن النهوض بمهامها الأساسية و خصوصا تشكيل فرق عمل تتولى توثيق تراثنا الفولكلورى - الشفاهى الباذخ و الجميل ، لأننا ان لم نوثق هذا التراث فأن الزمن سيمحو ما تبقى منه لحد الآن . , قلنا ذلك و كتبنا و ناشدنا المسؤولين فى وزارة الثقافة الكردستانية ان يتحركوا فى هذا الأتجاه . ذهب وزير و جاء آخر و لم يتغير شىْ على الأطلاق ، و بقيت المهرجانات الشغل الشاغل و الهم الأكبر لهذه الوزارة . و ها نحن نناشدها من جديد ان تلتفت الى هذه الناحية ، لأن تراثنا الثقافى عصب هويتنا التى يتحدثون عنها ليل نهار .
#جودت_هوشيار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الترجمة فى عصرالعولمة
-
السياسة فى العراق : مهنة من لا مهنة له !
-
نظرية أوروبية الجذور، يعشقها العرب
-
بحثا- عن قيادة ديمقراطية حقيقية للعراق
-
الحلم الضائع في بحر إيجة
-
فى أنتظار جرجل العراق
-
من المستفيد من أحتكار المعلومات ؟
-
عودة ظاهرة بشير مشير
-
أسبرانتو - لغة المستقبل
-
عراق غيت
-
صك الأنتداب الأميركى الجديد للعراق
-
البيت الأبيض فى اليوم الأسود
-
النفط و الديمقراطية
-
دروس و عبر من تجربة صحفية ناجحة
-
كلاشنيكوف و الحكومة العراقية
-
الأمبراطور الفنان
-
حول النتاجات الفكرية للكتاب الكورد المدونة باللغات الأخرى
-
من ينقذ العراق من زعماء المحاصصة ؟
-
الصحافة الكردية بين الأمس واليوم
-
موسم سقوط اوراق التوت
المزيد.....
-
وزيرة الثقافة اليونانية: متحف الأكروبوليس مكان مثالي لحفظ من
...
-
من هنا رابط موقع ايجي بست 2024 لتحميل فيلم ولاد رزق 3 وأهم أ
...
-
قصيدة : فَلسَفَةُ العَزَاء - الشاعر العراقي : - - - - محسن م
...
-
في انتظار الموت
-
عـشقٌ من طرفٍ واحد
-
الشاعر العراقي : - - - - محسن مراد الحسناوي - فَلسَفَةُ العَ
...
-
-دانشمند-.. خطوة نحو رواية معرفية عرفانية
-
مصر.. أول رد من نقابة الممثلين بعد فبركة صورة رانيا يوسف بال
...
-
أحداث مسلسل قيامة عثمان الحلقة 165 مترجمة للعربية وأهم القنو
...
-
رسمي وشغال 100%.. رابط دخول ايجي بست 2024 اتفرج على فيلم ولا
...
المزيد.....
-
نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح
...
/ روباش عليمة
-
خواطر الشيطان
/ عدنان رضوان
-
إتقان الذات
/ عدنان رضوان
-
الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد
...
/ الويزة جبابلية
-
تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً
/ عبدالستار عبد ثابت البيضاني
-
الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم
...
/ محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
-
سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان
/ ريتا عودة
-
أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة
/ ريتا عودة
-
صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس
...
/ شاهر أحمد نصر
-
حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا
/ السيد حافظ
المزيد.....
|