|
العراق بلد المفاجآت والمناورات
جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي
(Bashara Jawad)
الحوار المتمدن-العدد: 3157 - 2010 / 10 / 17 - 18:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا أستطيع أن أصدق ما يجري على أرض الرافدين اليوم من جانب القوى السياسية المتصارعة على الكرسي الأول والتي سمحت وتسمح لنفسها بممارسة كافة الأساليب، الأخلاقية واللاأخلاقية، لتحقيق غاياتها الذاتية. فرفاق الأمس القريب، الذين كانوا متجمعين في ما كان يعرف بتجمع المعارضة العراقي في المنفى لمقارعة نظام البطش والديكتاتورية، يخوضون اليوم حرباً سياسية وإعلامية لا هوادة فيها تكاد تجهض العملية السياسية الوليدة وتهدد بتقويض هذه الديمقراطية الفتية كما يسميها المراقبون الغربيون . إن تأخير تشكيل الحكومة ليس بذاته العيب الذي يمكن أن توسم به العملية السياسية، فأعرق الديمقراطيات الغربية عاشت نفس الحالة وأقصد بها هولندا سنة 1977 حيث دام المأزق السياسي بعد إعلان نتائج الانتخابات التشريعية هناك 208 يوماً وكان رقماً قياسياً تجاوزه العراق اليوم ببضعة أيام. الملفت للانتباه أن الأدوار والمواقف تتغير في العراق مع إيقاع تغير اتجاه وسرعة الرياح الموسمية. ففي لحظة اعتقدنا أن حجر العثرة أمام السيد المالكي هو التيار الصدري المتزمت في مواقفه المناوئة لرئيس الوزراء ، على الأقل ما ظهر منها إعلامياً، لكننا فوجئنا بتغير جذري لهذا التيار ويقال أنه جاء إثر ضغوط كبيرة تعرض لها زعيم التيار رجل الدين الشاب مقتدى الصدر المقيم في قم لإتمام دراسته الحوزوية والمطلوب قضائياً من قبل العدالة العراقية بتهمة قتله لنجل المرجع الديني الشيعي الأعلى السابق أبو القاسم الخوئية وهو السيد عبد المجيد الخوئي الذي كان يدير مؤسسة الخوئي الخيرية في لندن حيث كان لاجئاً، والذي تصر عائلته اليوم على محاكمة الجناة الذين ارتكبوا هذه الجريمة الوحشية بحق إبن المرجع، مما جعل بعض المعلقين يتندرون بأن العراق ليس بحاجة إلى حرب أخرى أسموها بحرب أبناء المراجع ، فهناك مقتدى الصدر إبن المرجع الشهيد محمد محمد صادق الصدر وعبد المجيد الخوئي إبن المرجع أبو القاسم الخوئي الذي كان يطمح قبل اغتياله بلعب دور جوهري في مستقبل العراق السياسي، ومؤخراً حاول السياسيون جر السيد جعفر الصدر نجل الشهيد المرجع محمد باقر الصدر للعبة المناورات السياسية واللعب به كورقة ضاغطة ومنافسة بحجة كونه مرشح التسوية الذي يمكن أن يخرج العراق من المأزق السياسي، وكان هناك شهيد المحراب محمد باقر الحكيم إبن المرجع السيد محسن الحكيم الذي لم يمهله الإرهابيون القدر الكافي من الوقت ليقوم بواجبه السياسي تجاه بلده فاغتالوه في حرم الإمام علي وخلفه أخوه الراحل عبد العزيز الحكيم على رأس التنظيم السياسي الشيعي الأول في العراق وهو المجلس الأعلى الإسلامي الذي يقود زمام المناورات السياسية الشرسة اليوم بزعامة نجل عبد العزيز الحكيم وهو الشاب الطموح عمار الحكيم، الذي ورث أبوه في قيادة تياره السياسي، ضد المطامح السياسية المشروعة لرئيس الوزراء العراقي الحالي السيد نوري المالكي زعيم قائمة دولة القانون الفائزة في الانتخابات بـ 89 مقعداً نيابياً بعد القائمة العراقية التي يترأسها أياد علاوي التي حصدت 91 مقعداً نيابياً وصارت تصول وتجول في بلدان المنطقة والدول الإقليمية والدول المجاورة وتمارس ضغوطاً ، وتقدم الإغراءات للقوائم الأخرى، وتملأ الساحة الإعلامية بالضجيج والتهديد بالانسحاب من العملية السياسية برمتها ومقاطعتها إذا لم تكلف رسمياً بتشكيل الحكومة برئاسة زعيمها أياد علاوي وهي الأخرى تخوض حرباً سياسية وإعلامية وتقوم بمناورات سياسية يصعب تجاهلها أو عدم أخذها بالحسبان. كانت لعبة المحاور والتحالفات السياسية على أشدها في العراق قبل وإبان وبعد الانتخابات الأخيرة التي جرت في السابع من آذار الماضي 2010، فأياد علاوي جمع حوله عدداً كبيراً من الشخصيات والكتل والحركات والأحزاب السياسية غير المتجانسة والمختلفة في آرائها ومواقفها وطروحاتها وطموحاتها وأهدافها السياسية تحت لافتة القائمة العراقية والتي اعتبرها المكون السني في العراق بمثابة ملاذه الأخير لخوض المنافسة السياسية في الانتخابات ووقف ورائها بكل ثقله وقوته بعد أن تخلى الناخب السني عن جبهة الوفاق التي كانت تمثله في الحكومة السابقة. أما المكون الشيعي فقد تجمع تحت قائمتين متنافستين على تمثيله هما دولة القانون وإن كانت تعلن أنها قائمة وطنية وليست طائفية ولا تنوي أو ترغب اعتبارها ممثلاً للمكون الشيعي إلا أن أغلب المنضوين تحت رايتها من الشيعة، وقائمة الإئتلاف الوطني التي ضمت التيار الصدري والمجلس الأعلى الإسلامي وحزب الفضيلة والمؤتمر الوطني بزعامة أحمد الجلبي وتيار الإصلاح المنسلخ أو المنشق عن حزب الدعوة بزعامة إبراهيم الجعفري وبعض الشخصيات المستقلة الأخرى. وبالطبع هناك التحالف الكردستاني المتين ظاهرياً والذي يعيش صراعات داخلية شديدة بعد ظهور كتلة التغيير والتيار الإسلامي الكردي في داخله. وهناك بعض السياسيين الطموحين الذين لم يفلحوا في قراءة صحيحة للمشهد السياسي العراقي وتقويمه جيداً مثل كتلة وحدة العراق بزعامة وزير الداخلية جواد البولاني الخ... بيد أن نتائج الانتخابات أفرزت واقعاً معقداً جديداً يمكن أن يفتت هذه التكتلات الهشة في أية لحظة وقد بدأ التصدع في جسد التحالف الوطني الذي ضم قائمتي دولة القانون والإئتلاف الوطني بل ربما سيحدث تصدع داخل الإئتلاف الوطني ذاته وربما حتى داخل المجلس الأعلى الإسلامي خاصة بعد الإشاعات التي ترددت في وسائل الإعلام عن نية هادي العامري زعيم منظمة بدر بتأييد ترشيح المالكي عن التحالف الوطني مما أثار حفيظة السيد عمار الحكيم وحزب الفضيلة اللذين قاطعا اجتماعات التحالف الوطني لتقديم مرشح توافقي واحد عنه وذهبا للمناورة مع منافس التحالف الوطني المتمثل بالقائمة العراقي لتشكيل تكتل من 130 نائباً من مجموع 325 نائباً، لقطع الطريق على محاولات السيد المالكي تأمين الأصوات الضرورية لاعتلائه منصب رئاسة الحكومة والتجديد له لولاية ثانية والذي نجح نظرياً بتأمين 132 صوتاً نيابياً لصالحه وبحاجة إلى أصوات الأكراد لضمان العدد السحري وهو 163 نائباً لتأييده داخل البرلمان. من هنا يمكننا القول أن حرباً جديدة بدأت لتعقد المشهد السياسي العراق وتربكه أكثر فأكثر يمكن تسميتها بحرب المحاور السياسية الجديدة بعد أن أعلنت القائمة العراقية تشكيل محور الـ 130 المكون من القائمة العراقية والمجلس الأعلى الإسلامي وحزب الفضيلة وتجمع العدالة والوحدة وتحالف الوسط المكون من التوافق ووحدة العراق، لدعم ترشيح السيد عادل عبد المهدي لرئاسة الحكومة وبالتالي ستتوقف النتيجة النهائية لهذه المباراة السياسية على موقف التحالف الكردستاني الذي سيكون بمثابة بيضة القبان. وكان السيد برهم صالح قد أعلن من على قناة الشرقية بما معناه أن التحالف الكردستاني يميل لمحور المالكي أكثر من محور منافسه لوجود عناصر وشخصيات وحركات سياسية داخل تكتل علاوي لا يثق بهم الأكراد، مما أثار امتعاض الرئيس مسعود برزاني الذي يود أن يكون على مسافة واحدة مع جميع المتنافسين وسيحسم موقف تحالفه وفق مواقف الكتل السياسية الأخرى من الورقة التفاوضية الكردية ذات التسعة عشر بنداً. وكان الناطق الرسمي بإسم الحكومة السيد علي الدباغ أعلن أنه أعد مع السيد نوري المالكي استراتيجية من عشرة نقاط لضمان فوزه في التصويت البرلماني القادم تتعلق بتعهد رئيس الوزراء بالرجوع لشركائه والتشاور معهم في عدد كبير من الأمور السيادية والاستراتيجية العليا لكن ذلك لن يكون كافياً لإعادة الثقة المفقودة بين رئيس الوزراء العراقي وحلفاء الأمس الذين اتهمه بعضهم بالتفرد بالقرار وتجاهل آراء ومطالب شركائه في الحكومة السابقة وتشكيله حكومة ظل موازيه تأتمر بأوامره فقط ، الأمر الذي ينفيه السيد المالكي بشكل قاطع، حيث أن صيغة المحاصصة أعاقت عمل الحكومات السابقة على نحو فعال. وأخيراً لا بد من الإشارة إلى الدور الذي تلعبه دول الجوار في حلبة الصراع السياسي العراقي حيث تتبنى إيران إعادة ترشيح السيد نوري المالكي بينما تعارض ذلك المملكة العربية السعودية التي تفضل خصمه أياد علاوي وكانت سوريا تعارض التجديد للسيد المالكي إلا أنها غيرت رأيها مؤخراً بفضل تدخل إيران لإقناعها بتغيير موقفها تجاه المالكي الذي استقبلته في دمشق بغية إعادة العلاقات العراقية السورية إلى مجراها الطبيعي، ويمكن قياس ذلك على مواقف دول أخرى مثل مصر والكويت وتركيا والأردن، التي تتصرف وفق مصالحها الخاصة من هذا المرشح أو ذاك .
#جواد_بشارة (هاشتاغ)
Bashara_Jawad#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإنسان بين إله العلم وإله الدين والخوف من المجهول
-
هنيئاً للحوار المتمدن
-
هل سيسمح الوسط العلمي بتجاوز آينشتين يوماً ما؟الكون ذلك المج
...
-
الكون ذلك المجهول؟
-
هل نحن على مشارف الأفق الكوني؟
-
الزمن المتخيل والضوء المتحجر و لغز الفرادة الكونية؟
-
مقترح طوباوي للخروج من المأزق السياسي العراقي
-
هل سيقهر البشر -المستحيل - بفضل العلم؟
-
الأجسام المحلقة مجهولة الهوية OVNI حقيقة أم خيال ؟
-
صفحات منسية في سجل العلاقات العراقية الفرنسية الحلقة الرابعة
-
صفحات منسية في سجل العلاقات الفرنسية العراقية الحلقة الثالثة
-
صفحات منسية في سجل العلاقات الفرنسية العراقية: الحلقة الأولى
-
صفحات منسية في سجل العلاقات الفرنسية العراقية: الحلقة الثاني
...
-
ماذا لو تهورت إسرائيل؟
-
العلم والدين: أيها أنجع لبلوغ المعرفة؟ 2
-
العلم والدين: أيهما أنجع لبلوغ المعرفة؟
-
العراق بين طاحونة الإرهاب وابتزاز السياسيين
-
الكون وأبعاده اللامتناهية بين العقل العلمي والعقل الخرافي 1
-
الكون وأبعاده اللامتناهية بين العقل العلمي والعقل الخرافي 2
-
هل هناك مصدر آخر للكون المرئي؟
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|