أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - في شأن -الثمرة المحرمة- وأصول الكلام الصحيح















المزيد.....

في شأن -الثمرة المحرمة- وأصول الكلام الصحيح


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3157 - 2010 / 10 / 17 - 15:34
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


هناك شرير في قصة تطورنا الاجتماعي السياسي الحديث هو "دولة مركزية قامعة استوردتها نخب التحرر الوطني" من أوربا واستوردت معها ضربا من "علمانية لا عقلانية" توصف أيضا بأنها "علمانية العسكر"، وهناك طرف بريء كان واقعا "تحت إكراهات" ذلك الشرير الاستئصالي هو الإسلاميون. هذا ملخص ما يقوله الأستاذ ممدوح الشيخ في مقالته: "...بل خسر العلمانيون وخسرت العلمانية أيضا!" ("الحياة"، 28/9/2010)، التي يرد فيها على مقالتي "خسر العلمانيون وفازت العلمانية" (الحياة، 19/9/2010). وكنت رأيت أن ما تحقق من فوز لخيار حزب العدالة والتنمية في استفتاء على إصلاحات دستورية جرت في تركيا في 12/9/2010 هو خسارة للمعسكر العلماني التركي الذي عارض الإصلاحات، لكنه فوز للعلمانية ذاتها وشهادة لها لا عليها. ورأيت في المقالة أنه يتعين التخلص من فكرة انضباط العلاقة بين الدين والعلمانية في بلداننا بمحصلة صفرية ترهن دوما تقدم العلمانية بتراجع الدين والعكس بالعكس.
ورغم أن الأستاذ الشيخ يمنح درجة "صحيح إلا قليلا" لنقدي فكرة المحصلة الصفرية إلا أنه لا يصدر عن غير المحصلة هذه حين يتعجب في مطلع مقاله من اعتباري أن "انحياز الغالبية في تركيا إلى خيار اقترحه الإسلاميون" حسب تعبيره "انتصارا للعلمانية". وعن مثل ذلك يصدر قوله إن نتائج الاستفتاء التركي "ترجمة افتراضية للعبة إما أو، لكن عبر التصويت". والحال أن "لعبة إما أو" ليست غير صيغة أخرى للمحصلة الصفرية، وما تفترضه من علاقة صراع تناحري أو وجودي بين العلمانية والدور العام للدين.
كنت دللت على خطل هذا الطرح المشترك بين الإسلاميين والعلمانيين عموما بواقع أنه ما من تعارض بين الإصلاحات التي جرى التصويت عليها في تركيا وبين العلمانية، وأن الحزب الذي يحكم البلاد منذ سنوات مجاهر بالتزامه العلمانية، ولم يستهدف أبدا أسسها في بنيان الدولة وتعريفها لنفسها (دولة- أمة تركية) وفي التعليم والنظام القانوني... فإذا لم يكن ثمة أجندة سرية للحزب التركي، فأظن أن كلامي على فوز العلمانية والحزب الإسلامي معا في مكانه. وكنت رأيت أيضا أنه انتصر الإسلاميون فيما خسر تصور صلب واستبعادي للإسلام، ألفنا في العالم العربي أن نعتبره هو الإسلام ذاته. ولقد رأى الشيخ أن في ذلك من "البلاغة أكثر مما فيه من الحقيقة". هنا، وفي مجمل مقاله، يبدو ناقدي مالئا يده من "الحقيقة"، منزها من الشك في مدى تملكه لها. مثل هذه الدرجة من اليقين جديرة بأن تدفع المرء إلى تحسس عنقه.
التصور الصلب للإسلام، وقد توسعت فيه قليلا في مقالة لاحقة ("الحياة"، 26/9/2010)، يقضي أنه دولة وعلم وقانون وأخلاق وأمة. ومقابله يمكن التكلم على مفهوم لين، يتمحور الإسلام فيه حول الإيمان، وتستقل فيه عن الدين شؤون الدولة (وليس السياسة حتما) والعلم (وليس كل معرفة بالضرورة) والأخلاق (وليس كل ضوابط سلوكية) والقانون العام (وليس أية قواعد والتزامات خاصة) وتعريف الأمة (دون مساس بتعاريف أية جماعات فرعية لنفسها). التصوران هذان تاريخيان على حد سواء. ولا يطابق أي منهما "الإسلام الصحيح". هذا الأخير مفهوم غير تاريخي، لا يوجد في الواقع، وإن أمكن له أن يتمتع بوجود مفهومي، كركيزة يستند إليها مؤمنون لضبط الفهم والسلوك الديني في أي عصر. الإسلام كائن تاريخي، تتغاير صوره حسب البيئات التاريخية والاجتماعية، وحسب التجارب المكونة للبلدان المختلفة، وحسب موازين القوى الاجتماعية والسياسية والمعرفية في كل منها. وحين تكلمت في مقالي المنقود على أن الإسلاميين أشبه ببيئاتهم المتنوعة منهم بأصل عقدي مشترك، لم أكن أعرض مبدأ مقبولا على نطاق واسع في التفكير الاجتماعي والتاريخي المعاصر فقط، وإنما كذلك أسجل اعتراضا على تصور علماني رائج، يعتبر أصحابه أن الإسلاميين هم الإسلاميون، وأن إسلاما يشبه نفسه في كل مكان هو المحدد الرئيس، أو ربما الأوحد، لتفكيرهم وسياساتهم. أما الإسلاميون فأعلم أن تعريفهم لأنفسهم بالإسلام الواحد الثابت الذي لا يتغير هو مصدر شرعيتهم وحجر الزاوية في تكوينهم، فلا مطمع لي بإقناعهم بالعكس. لكن هذا موقف إيماني، لا تقوم عليه المعرفة الاجتماعية ولا أية سياسات عامة عقلانية.
الأستاذ الشيخ يعتقد أن "ما يفعله أردوغان هو جعله [الإسلام التركي] دينا ودولة وعلما وأخلاقا وقانونا وأمة لكن بآليات ديمقراطية". لا يسوق ما يثبت صحة قوله الخطير هذا، الذي لو كان صحيحا لجاز اتهام أردوغان وحزبه بالازدواجية والخداع. يفضل بدلا من ذلك نسبة "خطيئة خطيرة" إلى العلمانيين العرب (هكذا دون تمييز)، هي في الوقت نفسه "رسالة مقدسة" يعتنقونها، وتتمثل في منع هذه الرؤية [الإسلام الصلب] من أن تطرح في ساحة العمل العام"، وذلك بهدف "منع المجتمع من الأكل من الثمرة المحرمة"، أي الحكم الإسلامي. لكن من لا يحمد الله على الحرمان، حين يرى الثمرة "محلّلة" في بلدان مثل إيران والسودان...؟
ولا يحاول الأستاذ التمييز بين تيار إيديولوجي علماني وبين حكوماتٍ ينسبها هو إلى العلمانية، ولا يحاول إيضاح مضمون الفكرة العلمانية أصلا، وإن أشار بسرعة إلى تمييز المرحوم عبد الوهاب المسيري بين علمانية شمولية وعلمانية جزئية، وإلى فارق مفترض بين علمانية أوربية مضادة للدين فيما يبدو، وعلمانية أميركية أكثر إيجابية حياله. وهو لا يبدو مستعدا لقبول تمييزات مفهومية داخل الإسلام كتلك التي قبلها بخصوص العلمانية. كما لا يتساءل كيف لا يكون الإسلام استئصاليا إن كان في الوقت نفسه "دينا ودولة وأخلاقا وقانونا وأمة". هل يبقى مكان لأي كان إلى جانبه؟ هل من فرصة ولو لـ"علمانية جزئية" في ظل هذه الإسلامية الشمولية؟
وبينما يستحسن ناقدي نقدي لعلمانيين أتراك يعتنقون علمانية صلبة، فإن فكرة مقالي الرئيسية عن فوز العلمانية وخسارة العلمانيين لا تنال منه إلا علامة "ليس صحيحا". لكن هنا أيضا يسوق اعتبارات عامة بدل أن يبرهن على ما يقول: "فالعلمانية تواجه اختبارات صعبة في الغرب والشرق، ومشكلتها هي الدين والتدين وليس الإسلام الصلب". هذا قبل أن يقول شيئا عن ساركوزي وفكرة العلمانية الإيجابية التي يزكيها. وقبل ساركوزي (ونِعم المثال!) كان تمثل بالرئيس الأميركي السابق بوش (والنِّعم أيضا!). لا يبدو أن ناقدي يخشى أن يتهم بـ"الاستيراد"، وبرداءة البضاعة المستوردة فوق ذلك!
المشكلة في مجمل طرح الأستاذ ممدوح الشيخ أنه يبدو مالكا لأصل صحيح، يعرض عليه أقوالي فتظهر له "صحيحة" أو "صحيحة إلا قليلا" أو "غير صحيحة" بالمرة. أليس هذا ساذجا بعض الشيء؟ وبينما لم يتضح لي ما هو هذا الأصل، فإنه يبدو على علاقة وثيقة بـ"الإسلام". هنا تمسي السذاجة خطيرة.
ختاما، فهم الأستاذ كلامي على "إسلام دستوري" على غير وجهه السليم. ظن أني أقصد إسلاما يقبل فكرة الدستور، فكان أن أحال على "وثيقة المدينة". لكن بصرف النظر عن أي جدال حول اعتبار الوثيقة دستورا، فإن ما عنيته بالإسلام الدستوري هو الإسلام غير المطلق أو المقيد، أي أيضا غير السيادي، أو ببساطة اللين.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرة عامة إلى بعض ملامح الاجتماع السياسي السوري المعاصر
- هذا التفاوض متهافت، و-عملية السلام- كاذبة
- التمركز حول الدين في تنويعتين إيديولوجيتين
- محمد أركون.. منقذا من الضلال!
- الإصلاح الإسلامي: من -الدين الصلب- إلى -الدين اللين-
- خسر العلمانيون، وفازت العلمانية!
- هل المثقفون مسؤولون عن نوعية تلقي أعمالهم؟
- -النظرية الثقافوية في التاريخ- ووكلاؤها العامون
- الغيلان الثلاث وأزمة الثقافة العربية: مقالة غير عقلانية
- ياسين الحاج صالح في حوار مفتوح مع القراء والقارئات حول : الي ...
- إسرائيل ك-لاعدل- جوهري مستمر
- الدولة، الدولة أيضا، الدولة دوما
- في -السياسة الطبيعية- والمشكلات غير السياسية
- أهي نهاية الحداثة السياسية العربية؟
- في الخروج من بنية مغلقة لا مخرج منها
- التدين الإسلامي والحاجة إلى أخلاقية عامة
- في شأن النقاب وحركة التنقّب الاجتماعي
- -المسألة النِّقابية- وعبء المرأة المسلمة
- في تاريخية الإسلام المعاصر وحداثته - إلى روح نصر حامد أبو زي ...
- هوامش مناورة.. الولاء كنظام وكعلاقة سياسي


المزيد.....




- هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب ...
- حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو ...
- بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
- الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
- مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو ...
- مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق ...
- أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية ...
- حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
- تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - في شأن -الثمرة المحرمة- وأصول الكلام الصحيح