أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعدون محسن ضمد - اربعة مقالات في الإيمان: (2)














المزيد.....

اربعة مقالات في الإيمان: (2)


سعدون محسن ضمد

الحوار المتمدن-العدد: 3157 - 2010 / 10 / 17 - 01:46
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


المقال الثاني*: فوتوغرافية الوعي

الدين الذي أسس له محمد كان يتغير باستمرار وبحسب الزمان والمكان؛ فالدين في مكة غيره في المدينة، وحتى في مكة كان يتغير باستمرار كلما ازدادت عمليات احتكاك هذا الدين بالمحيط وازدادت بالنتيجة حاجته للانسجام مع هذه العمليات. عندما كان محمد يتعبد في غار حراء كان يتدين، لكن دينه ذاك لم يكن مضطراً لبحث موضوع الزكاة (مثلاً) ولا موضوع الربا، أو موضوع الجهاد، لأنه دين رجل واحد، وسواء قلنا بأن هذه المواضيع كانت موجودة في ذهن النبي لكنه لم يطرحها لعدم وجود الداعي لطرحها، أو لم نقل بذلك، فالموضوع سيبقى واحداً، فأهل مكة ممن كانوا يراقبون محمداً أو يهتمون بشأن دعوته كانوا يتعاملون مع مفهوم الدين بوصفه إطاراً فكرياً وسلوكياً لا يتضمن أبعاداً اقتصادية تتعلق بالزكاة أو الخمس أو توسعية تتعلق بالجهاد. وعندما أخذت دائرة المؤمنين بهذا الدين تتسع أخذ المفهوم يتطور بحسب طبيعة الحراك الفكري والسلوكي الذي تولد بسبب هذا الاتساع، أما عندما انتقل الإسلام من مكة إلى المدينة، فقد تحققت انعطافة كبيرة في مفهومه، إذ تحول من كونه ديناً يسعى إلى بناء ذات الإنسان، على وفق شروط واستحقاقات محددة، إلى كونه ديناً يسعى فضلاً عن ذلك إلى بناء محيط اجتماعي بمواصفات محددة وضمن أهداف وآيديولوجيا واضحة تنسجم مع حاجات قيام دولة فتية.
لهذا السبب عندما تؤمن بمفهوم محدد عن الدين لا تجد له الكثير من المصاديق. مفهوم الدين المرتبط حرفياً بتجربة محمد وزمنه لا ينطبق على مفهوم الدين أيام الخلافة الأموية، ولا العباسية، ولا العثمانية، ولا ينطبق على مفهوم الدين أيامنا هذه. يتغير الدين ـ شأنه شأن جميع الأشياء ـ على أرض الواقع ولا يثبت إلا في أذهان الناس.
من هنا جاء اختلاف المسلمين، فالذين يفهمون الدين بوصفه طريقة الحياة التي كان يعيشها محمد وطبيعة ارتباطه بالسماء، تعاملوا مع الدين بوصفه حالة خاصة ومن ثم جنحوا للتقشف والعزلة عن الناس. أما الذين تعاملوا معه بوصفه قوانين وضوابط شرعت بهدف ضبط الحياة الدنيا فقد جنحوا لعلوم الفقه وتعاملوا مع الدين بوصفه آيديولوجيا يجب أن يعم الإيمان بها المجتمعات جميعها عن طريق نشره ولو بالسيف. وكلا الجانبين يستطيع أن يستدل على رأيه من سيرة النبي محمد، فسيرته في مكة تختلف عنها في المدينة، والدين المرتبط بهذه السيرة أخذ يتعقد شيئاً فشيئاً, وهو ما يعني أن مفهوم الدين كان يتطور حتى في زمن محمد ولا يثبت على حال محددة.
العلاقة بين وعي الإنسان والواقع الذي يعيه كالعلاقة بين جهاز الكاميرا والواقع الذي تصوره؛ فالكاميرا تأخذ صورة واحدة فقط من مجموعة هائلة ومتسلسلة من الصور التي تمثل أحداث الواقع. وإذا أراد المصور أن يبحث عن الواقعة التي سجلتها الكاميرا الخاصة به في لحظة ما، فإنه سيتعب من دون جدوى، فهذه الواقعة لم يعد لها وجود إلا في مكانين؛ في الصورة التي خرجت من الكاميرا وفي الصورة التي احتفظت بها ذاكرته هو..
الفكرة التي تقول: إن الحقيقة الثابتة غير موجودة إلا داخل أوهام الوعي البشري فكرة مُرَّة، ولذلك يرفض وعي البشر التصديق بها. وهذه الفكرة تختصر تجربة التحول التي عَبَرت بي من ثقافة دينية إلى ثقافة لادينية وربما.
إذن ثبات المفاهيم التي ترتبط بواقع متحرك يولد معرفة مشوهة عن هذا الواقع. وهذا ما يحدث بالنسبة للوعي الذي يؤمن بوجود الحقيقة الثابتة، لأن الثابت داخل هذا الوعي هو فقط المعرفة التي يعتقد بأنها تكشف الواقع الذي تحكي عنه كشفاً تاماً، لكن ما تكشفه هذه المعرفة هو صورة قديمة من هذا الواقع، وليس الواقع نفسه الآن أو في المستقبل.
الفكرة التي تقول بأن: الإسلام (المتشدد) هو الصورة الحقيقية للإسلام وأن ليست هناك صورة أخرى أكثر تعبيراً عن هذا الدين غيرها. هذه الفكرة وهمية، والذين يعتنقون هذه الفكرة من المتشددين ويعدونها حقيقة ثابتة لا تقبل التغيير واهمون بالتأكيد. لكن السؤال الجدير بالملاحظة هو: كيف ثبتت هذه الحقيقة؟ والجواب أنها ثبتت لأن المعتنقين لها أخذوا عن الإسلام صورة ملتقطة له في زمن محدد، وتغافلوا عن, أو أغفلوا, صوره الأخرى التي هي صور لا تعد ولا تحصى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* هذه المقالات الأربعة غير مستقلة عن بعضها، بمعنى أنها في الأصل دراسة واحدة قمت بتقسيمها لأربعة أجزاء، لذا يجب قراءة السابق قبل اللاحق، ليتضح المضمون.
وهذا رابط المقال السابق على موقع الحوار المتمدن: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=232014



#سعدون_محسن_ضمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اربعة مقالات في الإيمان (1)
- الوعي الانقلابي
- بغداد مهددة
- رصاصة المثقف
- ذنبكم لا يُغتفر
- بائعو ذمم
- ابو سفيان ومعاوية
- ثقافة التراضي
- حفلة تنكرية
- ميزوبوتاميا
- الفاسدون الكبار
- مفوضية حقوق الإنسان
- كرامات
- الاخلاق
- حكاية عن لص واعمى
- مسرحية الزعيم
- لماذا يا سيدي الكريم؟
- اعترافات آخر متصوفة بغداد (14)
- اعترافات آخر متصوفة بغداد (12-13)
- بمن نؤمن؟*


المزيد.....




- عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي ...
- أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع ...
- الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى ...
- الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي- ...
- استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو ...
- في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف ...
- ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا ...
- فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعدون محسن ضمد - اربعة مقالات في الإيمان: (2)