|
ملابسات المشاهد السياسية والإقتصادية
متعب عالي القرني
الحوار المتمدن-العدد: 3156 - 2010 / 10 / 16 - 11:25
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
تختلف القراءات والتحليلات للمشاهد السياسية والإقتصادية بحسب العلاقات المتينة بين القاريء ومن له ارتباطٌ عضوي بالمشهدِ المُعالج، ويظهر بين طيات هذة التحليلات آراء سديدة وتأويلات حصيفة لا تعطي تلك العلاقات والصداقات الأولوية والإعتبار إبان التحقيق والمسائلة! فالدراسةُ أكاديمية، والتقديمُ منهجي، وليس لآصرةٍ وقرابةٍ أن تعيث في تلك القراءةِ الفساد! لكن الأمر ليس كما يتوقع البعض، إذ قد نلحظ من الطبقات العليا سواء النُخب الثقافية، أو المسؤولين والتجار وذوي المراتب المرموقة، من يشط عما سبق من منهجيات أثناء التأويل والتحليل لأي مشهد سياسي واقتصادي، وقد تُدمغ إسهاماتهم وعطائاتهم التحليلية بختم القراءة المتزلفة المتملقة التي لا زاد فيها ولا ماء.
وحيث أن لكل فئةٍ إجتماعية في مجتمعنا العربي قرائته الخاصة للأوضاع السياسية الإقتصادية الطارئة، سواء كانت قراءاتٌ مستفيضةٌ متعمقة أو اجتهاداتٌ مقتضبةٌ مسطّحة، إلا أن من بين تلك الفئات، فئة عاميّة تسمى الجمهور كثيراً ما تقع ضحية لتلك المطارحات والدراسات. تشغل تلك الفئة المساحة العامة من الوطن العربي من الخليج إلى المحيط، وتعمل في وظيفة المتابع المتأمل لتصرفات النخب الثقافية بجميع أطيافها حيال قضية إقليمية أو إشكالية دولية، ثم تبدأ على إثر ذلك بإفراز قراءات خديجة غير مكتملة أنجبها طيش التفريخ والتوليد لقراءات النخب، فتصطبغ قراءاتهم بلونٍ معمّم، إما نقد ورفض تام، أو تدعيم ومؤازرة شاملة، أو حياد ومراقبة دون أدنى تدخل.
ويُعزى هذا الإختلاف بين القرائتين إلى ملابسات المشهد ومدى اقترانه بالفئات، علاوة على مدى تأثيره في الوسط العام الذي تعيشه تلك الفئة. فإن كان المشهد السياسي-الإقتصادي محفوفاً بسلبياتٍ وسقطاتٍ جليةٍ وسهلة التحليل والتمحيص، فإن المتأمل يلحظ التقاطر البدائي لفئة الجمهور وانقضاضهم على المشهد، ومن ثم إخضاعه للتحليل والتحقيق سواءً قبل أو أثناء أو بعد القراءات النخبوية. ودافع هذا الطيش عاملين، العامل الأول: أن الجمهور ينزع إلى التهور واستعجال التحليل عندما يلاحظ سكوت النخب الثقافية أو على أقل تقدير تحفظها حيال تحكيم المشهد ومدارسته بشكل علني وطائش بالقدر الذي يتوافق مع مطامعه، فتذهب به الظنون إلى أن النُخب تتعامل معه بخشية ومواربة، ولذا يسعى لسد ذلك الخلل بنقاشاته الشخصية مع الشبكة المحيطة به بآفاقٍ أرحب وبإنفلاتٍ مُرسل، فلا حسيب يعاقب، ولا تسجيلَ يوثق، وبهذا يصدح بأراءٍ همجيةٍ بربرية لا تستندُ على بصيرةٍ وتريث ويبدو كمن ناقش الحالةَ بموضوعية. والعامل الثاني يعود إلى أن المشهد المُناقش قد لا يؤثر بشكل راديكالي على وسط الجمهور وبيئته، بل ينصب على فئة أخرى ليس لها علاقة بالجمهور، كأن يكون مداره إحدى الفصائل الثقافية الأدبية، ونقاش الجمهور لذلك لا يأتي إتساقاً مع اهتماماته الأدبية، إنما من باب المناكفةِ والإستئناس بما ليس له ويلةٌ ومغبة على الوسط والبيئة التي يعيشها! فيما إذا كان المشهد ذا إيجابياتٍ ومصالحٍ لفئة الجمهور، تجد الجمهور يستديم صامتاً واجماً في سعادة؛ فلا ينبس ببنت شفة مجادلةً أو معارضةً، ومردُّ ذلك أن المشهد قد أوصد أمامه كل الأبواب المحتملة للمجادلة والتدارس أو التشكي والتألم، فلم يعد ثمة ما يدعو لمهاذرةٍ، قد تدفع الأمرَ ليسير بخلاف مصالح ومطالب الجمهور.
بين الحالتين، تقف ما تسمى بالصفوة الثقافية إلى جانب المسؤولين والتجار على خط الممائلة أثناء استقرائها للمشهدين، وتلعبُ المصالح الشخصية أو حتى المرسلة أدوارها المسرحية في تحليلهم وتفسيرهم للمشهد، درجةَ أن المثقف يُثخن في التقزيم والتحجيم أو الإيغال والتضخيم، ليس تملصاً منه، إنما إعتباراً لضجر صفوة حميمة أخرى قد تتضرر من جراء قراءته القويمة. فحين تتداخل مصالح المثقف مع مغبات وملحقات القراءة السياسية-الإقتصادية، تُرمى المشاهد على طاولة التشريح بلا منهجية، ثم يُسلّط الضوء على نوعية المستفيدين المتضررين، فإما أن يظهر للجميع بقراءة عادلة إن كان الجمهور في عداد المتضررين، أو بقراءة مشوهة معتلّة إن بدت إحدى الفئات الحميمة هي المتضررة، بل قد يصب جام اللائمة على رأس الجمهور ويهمل صفوته الثقافية ذات اليدِ الطولى في تقلبات ذلك المشهد.
والفروقات الملحوظة بين الجمهور والطبقات العليا سواءً النخب الثقافية أو المسؤولين والتجار تكمن في إن الجمهور يساندُ بعضه بعضاً في تحليلاته العفوية الدائمة، فيما تخلّص الطبقات العليا سواءً الثقافية أو التجارية شعرتها من عجينة التثريب ليبقى مكانهم في صفاء وجمالٍ دائمين، وبهذا يفشل المتابع البسيط لقراءات النخب في أن يطرح القضية بطريقة مناسبة، دونما أن يتأثر بالعلاقات التي خلفّها وحقنها النخبويون والمسؤولين والتجار في قراءاتهم اللامنهجية.
#متعب_عالي_القرني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لسان المأمون المقطوع!
المزيد.....
-
إيطاليا: اجتماع لمجموعة السبع يخيم عليه الصراع بالشرق الأوسط
...
-
إيران ترد على ادعاءات ضلوعها بمقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
بغداد.. إحباط بيع طفلة من قبل والدتها مقابل 80 ألف دولار
-
حريق ضخم يلتهم مجمعاً سكنياً في مانيلا ويشرد أكثر من 2000 عا
...
-
جروح حواف الورق أكثر ألمًا من السكين.. والسبب؟
-
الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 250 صاروخا على إسرائيل يوم
...
-
اللحظات الأولى بعد تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL قرب مطار ا
...
-
الشرطة الجورجية تغلق الشوارع المؤدية إلى البرلمان في تبليسي
...
-
مسؤول طبي شمال غزة: مستشفى -كمال عدوان- محاصر منذ 40 يوم ونن
...
-
إسرائيل تستولي على 52 ألف دونم بالضفة منذ بدء حرب غزة
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|