|
اسئلة المشهد المسرحي في الناصرية...التاليف المسرحي من رؤى القمع الى مناخات الحرية
ياسر عبد الصاحب البراك - جماعة الناصرية للتمثيل
الحوار المتمدن-العدد: 952 - 2004 / 9 / 10 - 10:33
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
المسرح في جنوب العراق أسئلة المشهد المسرحي في الناصرية ( 1 ) التأليف المسرحي من رؤى القمع إلى مناخات الحرية ياسر عبد الصاحب البراك ( جماعة الناصرية للتمثيل ) لا يحمل المشهد المسرحي في مدينة الناصرية – جنوب العراق ذلك الإرث الكبير من المنجز المسرحي على صعيد النص المسرحي كصياغة أدبية لها قوانينها واشتراطاتها البنيوية بسبب اقتصار التجربة المسرحية في المدينة على العروض المسرحية التي تؤسس هيكليتها على بعض ( التخطيطات ) التاليفية ، إذ أن أي مراجعة لذلك المنجز ستقودنا في النهاية إلى اكتشاف العديد من العلل والإشكاليات التي رافقت مسيرة تلك التجربة وفي مقدمتها عدم تفريق الكاتب المسرحي بين الصياغة الأدبية للنص المسرحي ، وامكانية تجسيده العياني ، فاغلب النصوص المسرحية التي أنجزت كانت تكتب من اجل أن تقدم على الخشبة ، وليس في ذلك أية إشكالية لان النص المسرحي لايحيا إلا بالتجسيد العياني على الخشبة ، إلا أننا نجد أن المنجز التاليفي في الناصرية يفرط كثيرا بصيغ التأليف الأدبية مقابل قصدية التقديم على الخشبة ، لذلك لا نجد ثمة منجزا مهما في هذا السياق إلا في استثناءات قليلة لايمكن بمجموعها أن تشكل إرثا مسرحيا يمكن الاعتماد عليه ، خاصة بالنسبة للأجيال الجديدة في مجال التأليف ، فنرى أن اغلب الصيغ التاليفية التي ظهرت مطلع التسعينيات من القرن الماضي قد اعتمدت على موهبتها الشخصية ، إضافة إلى المنجز العراقي والعربي في هذا المضمار ، ولعل اسلم طريق برأينا لمعرفة إشكاليات المشهد التاليفي المسرحي في المدينة ، هو الدخول في حوار مؤسس على أسئلة ثلاثة مع صانعي الجهد الجيد في ذلك المشهد لنعمق رؤانا في القراءة الدقيقة والمتبصرة لمفرداته التي يقف في صدارتها المؤلف علي عبد النبي الزيدي وعباس منعثر وعمار نعمة جابر ، حيث قدم هؤلاء الثلاثة رؤاهم المسرحية عبر هيمنة كاملة للخطابات النفعية والدعائية في مسرح المدينة ، إلا انهم استطاعوا وعبر تجربتهم الشخصية أن ينأوا بخطاباتهم المسرحية باتجاه تحقيق مشروعهم الشخصي في إنجاز نصوص مسرحية تعبر عن رفضهم المطلق للأنظمة الشمولية التي تحد من قدرة التعبير وتقمع الأصوات المختلفة معها ، وعن أهم سمات مشهد التأليف المسرحي في الناصرية يقول المؤلف علي عبد النبي الزيدي : لم يستطع كتاب المسرح في هذه المدينة أن ينتجوا خطابات ذات رؤى لها القدرة على اختراق المؤسسة الثقافية عندنا إلا في حدود ضيقة جدا ونادرة ، وهذا ( الاستثناء ) حاول أن يكون شجاعا وجريئا في تناوله لطروحات الواقع ، ومن هنا نجد أن واقع التأليف المسرحي في الناصرية كان الجزء الأكبر منه منحازا لسلطة المؤسسة الثقافية ومهادنا لسياستها ، والتأليف المسرحي في الناصرية يجرنا بالتأكيد للحديث عن التأليف المسرحي العراقي في العقود الثلاثة الماضية ، كان فيها الكاتب المسرحي غارقا بوهم الإبداع ، وخدعة تمثل قضايا الواقع وسواها من الأكاذيب والنفاق الإبداعي .. وهو في حقيقة الأمر قد بنى لنفسه حاجزا كبيرا يفصله عن الناس ، إذ أن اغلب الخطابات كانت تعيش في ضبابية تارة وأخرى هي لسان حال المؤسسة الثقافية ، لذلك نجد أن الكاتب الحقيقي الشجاع في العراق عموما كان يعيش في غربة وعزلة فرضتها طبيعة تعامل هذه المؤسسات الفنية والثقافية . أما الكاتب عباس منعثر فيرى أن النصوص التي اطلع عليها تتراوح بين كتابة سيناريو إخراج ( حيث المؤلف المخرج ) وبين تتابع حوارات ، سمات النمطين : البحث عن الموضوع الحيوي مفارقا – أحيانا – البعد المستقبلي ، أفقية البناء الدرامي ، غياب الهندسة كضرورات برهنة ، عدم استقلال الشخصيات بحدود جغرافية- نفسية- لغوية معينة ، طغيان الصوت الواحد للمؤلف ، التغاير مع الدقة في البناء السايكلوجي ، تناول المكان بصورة انعكاسية عن الفكرة ( الفكرة : تصحر ، المكان : صحراء ) ، تكرار الذات اسلوبيا ، النظرة السوداوية للعالم مع ضيق أفق الرؤى .. الغياب الإبداعي إذن ، هو السمة الرئيسة ، ولعلنا في مضمار الانتظار اكثر من التحقق . في حين يرى الكاتب عمار نعمة جابر : إن أية محاولة للخروج بمفهوم واضح لمشهد التأليف المسرحي في مكان ما يلزمنا أولا أن نمارس دورين متوازيين ومتوازنين في نفس الوقت ، دور المؤرخ ، ودور الناقد ، كون المسالة لها علاقة معقدة في ما يمكن أن نطلق عليه مفهوم محاولات للكتابة المسرحية ، والتي تستمد وضوحها التاريخي من عملية التقييم ( النقدي ) لتلك المحاولات ، أما إذا حاولنا أن نرتقي ببعض تلك المحاولات إلى مستوى النص المسرحي ، فإننا أيضا بصدد أن نمارس هذين الدورين ولكن هذه المرة بشكل آخر ، شكل يمكننا من خلاله وضع النص المسرحي في مستواه التاريخي والنقدي معا ، وبهذا نستطيع أن نخرج بمفهوم واضح . والسمة الواضحة لمشهد التأليف المسرحي داخل مدينة أدبية كمدينة الناصرية تغلب عليه عموما صبغة ( محاولات للكتابة المسرحية ) ، وحين نقول ذلك فان ذلك لا يمنع بتاتا من وجود بعض المحاولات الجيدة التي جاءت من خلال العدد الصغير لكتاب المسرح في المدينة ، حيث استطاعت بجدارة أن ترتقي نحو مستوى النص ، بل إن بعضا منها ترك آثارا طيبة في مسيرة التأليف المسرحي داخل المدينة وخارجها ، لكننا ومن خلال هذه الآثار القليلة نستطيع أن نشاهد زحفا ( سلحفاتيا ) في سلم التأليف المسرحي العام في المدينة . وعن الكيفية التي استطاع بواسطتها الكاتب علي عبد النبي أن يتمثل تجربة المسرح العراقي في نصوصه المسرحية قال : ربما أكون صوتا مغايرا لأغلب الطروحات المسرحية في التأليف المسرحي العراقي حيث كنت أفكر دائما كيف يمكن للنص المسرحي أن يكون وثيقة إبداعية في عصر كانت الوثائق المزيفة تظهر فيه بشكل مروع ، أي أن كما هائلا من الوثائق تكتب كل ساعة وسط صمت فني وثقافي لامحدود ، من هنا كنت أرى كيف يمكن أن يكون الإبداع شاهد عصر بعد مئات السنين ، كيف للأجيال القادمة أن تقرأ التاريخ الذي عشنا تفاصيله من خلال الشعر والقصة والمسرحية .. هذه العملية جرتني لتشخيص الأحداث والوقائع اليومية والتي أراها ساخنة ومؤثرة في وقتها ، وبالمقابل كنت مهتما كيف أن يكون صوتا منفردا وله خصوصيته في واقع التأليف المسرحي في العراق . أما الكاتب عباس منعثر فيقول انه حاول استثمار الواقع العراقي اكثر من النصوص ، وعلى العموم تقف ( البساطة المؤثرة – زنكنة ) و ( شعرية الدراما – الصائغ ) و ( الاحتراق الوجودي في أتون اللغة – شاكر ) كمؤثرات محلية . بينما الكاتب عمار نعمة جابر يرى أن : تجربة المسرح العراقي عموما مرت بأطوار ومراحل مختلفة ، إذ يمكن ومن خلال التجارب الكبيرة فيها أن نستقرئ أنها تقدمت بشكل واضح نحو مستوى عال في الطرح والمضمون والأسلوب الدرامي مما يمكنها من الارتقاء واثبات انطلاقتها نحو العالمية . والتركيز على تجربة متقدمة بهذا الشكل سيعطي وبدون شك دفعا واضحا نحو السمو في التجربة المسرحية ، خاصة التأليف المسرحي ، وقد حاولت فهم وتمثل هذه التجربة في محاولاتي التاليفية لما تمتلكه تجارب المسرح العراقي من مقومات رؤيوية وبنيوية كبيرة تحقق للكاتب مساحة كبيرة من الرؤى والأفكار عبر التأسيس على منجز المسرح العراقي خاصة في الرؤية الشعرية التي نجدها في مسرحيات جليل القيسي ومحيي الدين زنكنة ، تلك المسرحيات التي تتميز بجودة البناء وفرادة الحدث الدرامي ودقة الشخصيات ، إضافة إلى اللغة العالية والمعبرة عن مناخات القمع والإرهاب والخيبة والنكوص التي تعيشها اغلب الشخصيات ، لذلك فان نصوصي تسير بهذا الاتجاه الذي أراه فاعلا في بنية المشهد المسرحي العراقي ككل . وعن التغييرات التي ستطرأ على رؤى المؤلف المسرحي العراقي في عصر الديمقراطية والتعددية الفكرية يقول الكاتب الزيدي : المبدع هو الذي يخلق هذه المناخات بطريقة أو بأخرى ، وجدت أم لم توجد ، ولا ينتظر رحمة الآخر بجلب هذه ( المناخات ) ، اغلب كتاب المسرح العراقي كانوا يرددون جملا كثيرة تتعلق بعدم قدرتهم على التعبير في عصر الرقيب ورجال الأمن وسلطة الثقافة .. في حين كنت أجد نفسي لاعلاقة لي بهذه الجمل ، اكتب ما أشاء وضد من أشاء لااعتبارات لأي شيء مهما كان ، القضية - كما أرى - تتعلق بصدق الكاتب وإيمانه بقضايا وطنه وحرصه الشديد أن يكون مؤثرا في كل الظروف ، من هنا أرى أن رؤى الكاتب المسرحي ما بعد التغيير عليها أن لا تثق تماما بالقادم من الأحداث ، أما مفردات الديمقراطية وتعدد الأفكار ، فهي تحتاج إلى التعامل معها بحذر، لان الكاتب المسرحي عندنا ابن واقع لايمكن له أن يكون واثقا كل الثقة بهذه المفردات التي تحتاج إلى مناخات صحية . أما الكاتب عباس منعثر فيرى أن عصر الديمقراطية والتعددية أفق انتظار ، بالنسبة للكتابة تغير شيء ولم تتغير أشياء ، مالم يتغير – ولن – هو متطلبات الكتابة ، الجمال والتعبير عن الهواجس الإنسانية الموغلة في العمق ( الطين العراقي المتحرك ) ، أي تخليد اللحظة – جماليا – على جبهة المحو والتغني بالفرح ، السلطة عندي ضرورة إبداع ، وسواء كانت مؤسسة سياسية قامعة أو تابوات عرفية أو دينية ، فهي شكليات ، السلطة الحقيقية سلطة إبداع وقوانين خلق ، لماذا تموت النصوص المباشرة ، لارتباطها بالنظرة الآنية فتنتج مقتربات آنية مقرونة بأحداث محددة الزمان والمكان ، مهملة المحرك الداخلي والمشترك من الوجود غير القابل للتحين ، هي كتابة حافزية لادافعية ، تستقصي الخارجي ( السياسي مثلا ) وتفتقر إلى أهم عناصر الديمومة : التأمل والتاني والنظر إلى المعطيات من عدة وجوه ، هذا ما تحتاجه اللحظة العراقية الراهنة في دوامة التغيير الكوني ، الرؤيا التكاملية لعناصر الوجود البشري ، بالنسبة لي أحاول استكناه النسغ ، معرفة موقعي ( ككيان بالنسبة إلى موجودات الكون ) ، معرفة قوانين ترابط الأشياء ، أحاول – في الكتابة – استيعاب التحول والتناقض مع الانفعالية بفعل جاذبية قوة الأحداث ، أحاول الانتظار حتى تهدا العاصفة كي أرى بوضوح ، وبانقضاء العاصفة وصفاء التأمل سنرى الأفق وسنتحسس الطريق إليه . أما ماهي التغييرات التي ستطرأ فذلك رهن المستقبل ، وبشيء من التوقع المختصر ، فان المؤلف – ذا القدرة الحدسية العالية – سيستمر في القبض على الجوهري ، مالا يموت ولا يتغضن بفعل الزمن ، وبتأثير الاكتفاء المادي النسبي وتخفيف سلطة الإعلام الموجه ، وفسحة الحرية ، سيضيء مناطق كانت مظلمة حتى وقت قريب ، سيقوم بحرث السنين العجاف السابقة ، سيقرا تاريخ العراق الحديث ، وسيكشف لنا في أية فنتازيا كنا نعيش ، سيكون بالإمكان ولوج المسرح السياسي ، ستتسع الرؤى بالاحتكاك بالتجارب العالمية والعربية ، ومن خلال عودة المهرجانات ، مع تخفيف مركزية العاصمة ، سيأخذ المؤلف المحلي فرصته للكشف عن قدراته وستتعدد أساليب الكتابة عنده ، سيسهل الانتشار بفضل وسائل الاتصال ، أما مؤلف اللحظية فسيكتب نصوصا هزلية عن الدكتاتورية بطرق سطحية ، وسيجد آخرون ( صدامات ) جديدة يكتبون لها ، الفرصة مواتية لمؤلف الغد كي يجلس إلى نفسه ، مبتعدا عن بيع نفسه للشيطان ، مستثمرا تاريخ أسلافه القريب . ويرى الكاتب عمار نعمة جابر في هذا السياق ، أن القيود التي ظلت تكبل القلم لعقود كثيرة ، فرضت على الكاتب شكلا وقالبا لا أرى أن الكثير سيتمكن من التخلص منه بيسر ، ولكن التغييرات السياسية والفكرية داخل الكيان العراقي ، وفي عصر رفع فيه شعار الديمقراطية والتعددية الفكرية ، سيفرض حتما تغييرات لا أغالي حين أنعتها بالجوهرية في رؤى ومفاهيم المنظومة الفكرية للمؤلف المسرحي ، وازاحته باتجاه مساحة الوضوح والانتماء الحقيقي لمشكلات الواقع ضمن عوالم الرأي والرأي الآخر ، وسيحمل الخطاب المسرحي إصرارا على الوجود المؤثر في إطار ما يرغب ودونما قيود .
#ياسر_عبد_الصاحب_البراك_-_جماعة_الناصرية_للتمثيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
-
محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
-
لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
-
عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا
...
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|