تعليق 23/7
منذ اسابيع ووسائل اعلام النظام من صحف ومجلات واذاعة وتلفزيون، مشغولة بتعداد ما قدمه انقلاب 17 تموز لجماهير شعبنا العراقي، وفي جميع المجالات. ولم تخجل هذه الوسائل، وهي تخفي واقعاً مريراً، لم يعد يجهله القاصي والداني، من ان تتحدث عن تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية، وعن نهضة في التمدن والعمران قفزت بالعراق، نحو آفاق التقدم والازدهار على حد زعمها.
لكن المواطن العراقي، الذي يسمع هذا الكلام، يبستم الماً ويتميز غيظاً، وهو يقارن بين حاله وبين ما يكتب عنه ويقال. سخرية مرة تطفح بها روحه، وهو يختنق من شدة الحر في قيظ تموز اللاهب، بسبب انقطاعات الكهرباء. يحاذر وهو يمشي، من الحفر والمستنقعات التي تملأ شوارع مدينته. يعزي كل يوم واحداً من اقاربه او جيرانه برحيل طفل او فقدان عزيز. يقتصد حتى في ارغفة الخبز، حذراً من جوع غد. تسكنه الحمى وتفتك الامراض بجسده، وهو لا يستطيع مراجعة طبيب او مستشفى، بسبب فقره وارتفاع الاسعار. يهمس لنفسه، اذ ليس باستطاعته ان يصرّح علناً، عن اي رخاء يتحثون؟! وايّة كارثة حلت بالعراق وشعبه منذ صادفتنا وجوههم الغبراء؟ اين كنا، وكيف اصبحنا، ايتها الصحف والمجلات المنافقة؟ لكن وسائل اعلام صدام، والمرتزقة الذين يديرونها، وينتفعون من مسلسل اكاذيبها، يغمضون اعينهم عن رؤية الواقع، ويكتبون ما يملى عليهم، وما يرضي الدكتاتور وغروره، اما المتسولون الذين يملأون الشوارع، والجنازات التي تصدم النظر كل لحظة، واكوام القمامة التي تزداد كل يوم، فأعين صحفيي صدام لا تراها واقلامهم غير معنية بها!
ان حصاداً حقيقياً لاربعة وثلاثين عاماً، منذ اغتصاب حزب صدام للسلطة، يوضح ان العراق عاد عقوداً عديدة الى الوراء، وتتجسد هذه العودة بشكل صارخ، في موت ملايين العراقيين موتاً لا معقولاً، في حروب اجرامية وغير مفهومة، او في حصار ظالم جلبه الطاغية نفسه بمغامراته ومسلسل حماقاته. كما تتجسد العودة الى الوراء في ملايين العراقيين الذين ملأوا عواصم العالم، وفي شتى اركان المعمورة، هاربين من بطش صدام واجهزته الارهابية. هذا اضافة الى تراجع مستوى التعليم في المدارس والمعاهد والجامعات، وفي انهيار المؤسسات الصحية من مستشفيات ومستوصفات ومراكز بحوث طبية وغيرها، وفي تدني الثقافة ممثلة في المسرح الرخيص والادب الهابط، والفن المتدني. كما تتجسد العودة الى الوراء في غياب الخدمات البلدية وانعدام الامن، وانتشار الجريمة.
ان حصاداً حقيقياً لابد ان يتحدث عن كل ذلك، لا ان يزوق واقعاً مريراً، يعرفه العراقيون وتتحدث عنه كل وسائل اعلام العالم، ولكن اين الواقع مما يطرب اذان الطاغية، ويرضي غروره؟ وما دام هو يملك القرار على كتبته، فليستمر في تعذيبهم، وليستمروا هم فيما يريد لهم ان يكتبوه. اما نحن ابناء هذا العراق الجريح، فالحقيقة واضحة امامنا، وسنسعى جاهدين لتغييرها، وتعديل مسارها! ولنا ثقة كاملة بان نفلح في ذلك في وقت غير بعيد!.