توحي وسائل الأعلام الغربي، وتردده وسائل الإعلام العربي يومياً، بأن الإستعدادات تجري، على قدم وساق، من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا، لشن حرب جديدة ضد العراق، وتعد الإدارة الأمريكية، هذه المرة، بأنها "جادة" في تغيير النظام العراقي، وفي "تخليص" الشعب العراقي والجيران من صدام حسين..
حيال ما يهدد شعبنا ووطننا من مخاطر جدية، ومشاكل وتداعيات جديدة وخيمة، جدد حزبنا موقفه الواضح والصريح الرافض للحرب وللتدخل العسكري الأجنبي، معتبراً بأن أمثل وأفضل عملية تغيير للخلاص من الدكتاتورية هي التي تتم على أيدي جماهير شعبنا وقواته المسلحة بقيادة تحالف قوى المعارضة الوطنية، وفق مشروع وطني ديمقراطي، وبتضامن ودعم دولي مشروع .. فبذلك فقط نضمن قيام نظام عراقي- ديمقراطي موحد ومستقل، اَمن ومستقر.
هذا الموقف السليم جوبه بمعارضة، ووجهت له العديد من التساؤلات، ومنها: لماذا يرفض الحزب خيار الحرب حتى لو كان فيه خلاص شعبنا من النظام الدكتاتوري ؟.. وثمة من يبرر وقوفه الى جانب الحرب، متجاهلاً ما تنطوي عليه من مخاطر كبيرة، بالزعم أن العراقيين في الداخل يريدون الحرب، حتى ولو على خراب كل شيء، مادامت ستخلص العراق من طغمة المجرمين الأوباش، مرددين أن بقاء نظام صدام حسين وزمرته جاثماً على صدر العراقيين يشكل بحد ذاته قتل بطيء للجميع، وتدمير وخراب لكل شيء لم يدمر ويخرب بعد..
برأينا أن مثل هذه التبريرات ليست جدية، وتتعارض مع المبادئ الأخلاقية والإنسانية.وإذا تجاوزنا ذلك، فانه ليس من حق أحد أن يقرر نيابة عن الناس في الداخل، المبتلين بالنظام وجرائمه مباشرة، لماذا يعيشون، ومتى يموتون،عبر خيار الحرب والموت وهلاك اَلاف الأبرياء..هذا إذا إستثنينا مدى جدية الإدارة الأمريكية ، وهي التي فقدت مصداقيتها أمام العالم، في تحقيق التغيير المنشود لصالح شعبنا، بعيداً عن مصالحها الأسترايجية في المنطقة، ومدى جدية تعاطفها مع طموح الشعب العراقي في إقامة النظام الديمقراطي المنشود، بعيداً عن هيمنتها وخدمة سياساتها، وعن تخوف الأنظمة المجاورة، الحليفة لها، من تأثير النظام القادم عليها، وهي الساعية الى فرض بديل فوقي، ولا أدل على ذلك من إقتصارها لمهمة المعارضة العراقية على البحث عن مستقبل العراق ما بعد تغيير نظام صدام، وليس البحث في عملية التغيير-على حد تعبير الرفيق حميد مجيد موسى- سكرتير اللجنة المركزية للحزب .
لقد شهد الملايين من أبناء وبنات شعبنا العراقي أهوال الدكتاتورية والحرب، ولمس العراقيون، كباراً وصغاراً، وعن قرب، كم هما بغيضتان وبشعتان في اَن.. إن ما سببه النظام الدكتاتوري الصدامي العفلقي، وسياساته الهوجاء، والحروب التي شنها داخلياً وخارجياً، طيلة ثلاثة عقود ونيف، وهو المسؤول الأول عن فرض الحصار الأقتصادي الدولي وإستمراره منذ 12 عاماً، وما خلفه من كوارث ومصائب وفواجع، طالت الغالبية الساحقة من أبناء وبنات شعبنا، على إختلاف قومياتهم وفئاتهم وأديانهم وطوائفهم ومذاهبهم وإتجاهاتهم السياسية، وكل ذلك سحقهم وأنهكهم للغاية، مثلما جعلهم يدركون بوعي تام ما للدكتاتورية والحرب من نتائج وتداعيات خطيرة على كل فرد منهم، وعلى المجتمع برمته، وعلى مستقبل أجياله.. ومهما " تمرس" الأحياء على ما عانوه من أهوال وفضائع على أيدي الديكتاتورية، وصمدوا تجاهها لحد الآن، فهم، بتقديري، غير مستعدين ليتحملوا المزيد منها، ناهيكم عن أنهم لا يستحقون ذلك أبداً، وإنما هم بأمس الحاجة للحياة الحرة، وللعيش الكريم، للسلام والطمأنينة وراحة البال، ليكونوا على أهبة الإستعداد للمساهمة في بناء و اعمار البلد وبنيته التحتية وإعادة دورته الإقتصادية السلمية، لينعم بالرخاء و الإزدهار..
كل هذه الحقائق والوقائع والمعايشة المريرة عززت ورسخت من موقف شعبنا وقواه الوطنية الحريصة، ومنها حزبنا الشيوعي العراقي، الرافض للديكتاتورية والحرب، وعدم التعويل على أي منهما في حل القضية العراقية و الأزمة الراهنة . ومما زاد في القناعة بهذا الموقف السليم ورسخه أيضاً هو ان إشكاليتا الدكتاتورية والحرب إتسمتا في ظروف بلدنا بسمتين خاصتين، أولهما- تحول الحرب الى إشكالية ملازمة للدكتاتورية، ونتيجة طبيعية لسياساتها المستهترة والرعناء،. وثانيهما – أن الحرب، التي عرفت غالباً كونها حرباً خارجية، بين بلد واَخر، أو بين طرفين متناحرين، معتدي ومعتدى عليه، ظالم ومظلوم، بوصفها "نزاعاً مسلحاً يكمن في جوهره إستمرار للسياسة بقوة السلاح " ( إ. فرولوف)، جعلها النظام الدكتاتوري، أولاً وقبل كل شيء، حرباً داخلية، ضد المواطنين،لا بل وإستخدم خلالها شتى صنوف الأسلحة، ويضمنها المحرمة دولياً، ومنها الأسلحة الكيمايوية والبايولوجية، وجرب بعضها لأول مرة على العراقيين، قبل الآخرين، فأثبت صحة مقولة كلاوز فيتزر "الحرب هي إمتداد للسياسة".
ولابد من التنويه الى أن الحرب الأمريكية الجديدة ضد العراق ستكون مختلفة جداً عن سابقتها، حيث ستكون واسعة وشاملة، من جهة، ومن جهة أخرى ستعمد القوات الأجنبية خلالها الى عدم تقديم خسائر بشرية، أو أن تقدم في أسوء الأحوال أقل ما يمكنها، وهذا يعني أنها ستعتمد كلياً على توجيه الضربات للعراق من بعد، عبر الطائرات والصواريخ والقنابل الجديدة والمجربة المطورة، فتكاً وتدميراً، لتحقيق هدف دحر قوات صدام حسين والخلاص منه ومن زمرته. علماً بأن التقارير العسكرية، التي سربت،عن عمد، تشير الى تصنيع البنتاغون لسلاح دمار شامل جديد، أعد خصيصاً لإستخدامه ضد العراق، وبضمنه قنابل نووية صغيرة الحجم، لتدمير أوكار النظام. من جهته، فان نظام صدام لن يتوانى، هذه المرة، بالتأكيد، عن إستخدام ما لديه في ترسانته العسكرية من أسلحة، دفاعاً عن النفس، وإستماتة في بقائه على سدة الحكم.. وبالتالي فان ما سيستخدم من أسلحة من قبل الطرفين سوف لن يفرق بين عسكري ومدني، وسيكون ضحيته بالتأكيد اَلاف الأبرياء من أبناء وبنات شعبنا.وتجربة أفغانستان الأخيرة ما تزال ماثلة بكل نتائجها وتداعياتها، حيث إستخدم الأمريكان أحدث أنواع الأسلحة وأشدها فتكاً ودماراً، راح ضحية " النيران الصديقة" و " القتل بالخطأ" اَلاف الأفغان الأبرياء، وبخاصة من النساء و الأطفال، الى جانب المقاتلين.. وثمة فوارق كبيرة بين العراق وأفغانستان !
25/7/2002