فلاح علي
الحوار المتمدن-العدد: 3153 - 2010 / 10 / 13 - 14:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بنزولنا من جبل كَارا مساء 30-9-1988 وعبورنا من ممر لمجرى مصنوع من الاسمنت من تحت الشارع الذي يربط بين منطقة العمادية ومنطقة الدوسكي ,نكون بهذا تمكنا من كسر خط الحصار العسكري الاول الذي فرض علينا لمدة شهر , وبقينا في تلك الليلة في المنطقة المحصورة بين شارع العمادية ديرا لوك وهو يشكل خط الحصار العسكري الثاني وبين خط الحصار الاول . فكان إختبائنا في حوض بري كَار أو دشت زية , وفي منطقة جبلية بالقرب من قرية اسبندار خلفو فكانت مهمتنا في اليوم التالي من الاختباء هو كسر خط الحصار العسكري الثاني المتمثل بشارع العمادية ديرا لوك .
عبور شارع العمادية :
في مساء اليوم التالي تجمعنا في الغابة الجبلية القريبة من قرية اسبندار خلفو القريبة من دشت زيه لنتهيئ للحركة , و ما أن حل الظلام حتى بدأنا بالنزول من الجبل على شكل مسافات واحداَ بعد الآخر بأتجاه حوض بري كَارا , الذي يفصل بين شارع العمادية وجبل كَارا , لغرض عبور شارع العمادية . الشارع مرتفع عن منطقة سيرنا نحن في منخفض ولكن هذا المنخفض فيه سواقي مياه جافة كنا نسير في داخلها . وصلنا بالقرب من الشارع على مسافات متباعدة ننتظر إشارة العبور, وبدأ العبور واحداَ واحداَ وبمسافات وبشكل سريع تمت عملية العبور بنجاح .
وصعدما سلسلة جبل متين من جهة العمادية وبحركة سير حلزونية حتى أصبحت العمادية على يسارنا وعلى يميننا نهر الزاب , كان خط سيرنا بأتجاه ناحية كاني ماسي القريبة من الحدود التركية . علينا عبور هذه المنطقة الخطرة بسرعة قبل بزوغ الفجر, لانها منطقة تلال مرتفعة وخالية نوعما من الاشجار , وكانت أمامنا سلسلة من الربايا العسكرية علينا إختراقها , بدأ الضوء يتضح ويتطلب منا سير سريع حوالي 3 إلى 5دقائق فرداَوبمسافات متباعدة , وكانت تفصل بين ربية وأخرى أيضاَ مسافة متباعدة نوعما وبعد إنتظار دقيقيتن خلف تله ننتظر تعليمات آمر المفرزة ,لعبور المنطقة المكشوفة ما بين الربايا . فقال الرفيق أبو زياد لنتجاوز هذه المنطقة يتطلب سير سريع وبمسافات وبدون حركة أو صوت أوكَحة . بدأنا بالحركة وتجاوزنا منطقة الخطر ولكن لا يزال هناك رفاق بعدنا , في هذه الاثناء سمعنا كَحة من أحد الرفاق , وكان الرفيق مام أحمد في هذه اللحظات الحرجة جائته سعله وكان يسير خلفة إبنه الرفيق عابد فرد عليه بالكوردي ( بابا مو كَالو لحد إيكَح) . في هذه الاثناء سمع حرس الربيه الكَحه والصوت فصاح الجندي بصوت عالي وباللغه العربية ( هذوله حرامية إجوا علينا) . ولكن لم يطلق النار لتجاوبه الربايا الاخرى ويبدوا يحتاج منهم وقت لاستطلاع المنطقة , وفي هذه اللحظات تمكن جميع الرفاق من عبور المنطقة المكشوفة , وأصبحنا في مكان أمين نوعما والربايا خلفنا وواصلنا سيرنا بأتجاه الحدود التركية , وبعد حوالي ساعة من السير إختبئنا في منطقة غابات في الاراضي العراقية . ونحن في الاختباء في النهار ظهرت طائرات عراقية تستكشف المنطقة , ولكن لكثرة الاشجار يصعب رؤيتنا . وفي المساء بدأنا حركتنا ووصلنا إلى الزاب الاعلى وهي منطقة متداخلة بين الحدود التركية والعراقية . وإختبئنا في ذلك النهار في غابات تلك المنطقة , وكان أمامنا نهر الزاب وفي الجهه الثانية من النهر يوجدمعسكر للقوات التركية وليس أمامنا خيار إلا عبور الجسر , بأمكاننا أن نعبر في النهار ولكن خشيتنا من أن يسلمنا الجيش التركي إلى السلطة العراقية . فأختبئنا في النهار في هذه المنطقة الجبلية وبالقرب من نهر الزاب لا حظنا أن حركة الطيران في المنطقة كانت مكثفة,لقد حلق الطيران العراقي عدة ساعات حول المنطقة , ولكن بحكم الغابات لم يتم إكتشافنا من قبل الطيران العراقي .
ليلة دخول الاراضي التركية :
وقبل غروب الشمس في اليوم التالي ودعنا يزدين الشقيق الاكبر للنصير جمال مراني حيث كان في زيارة للفوج الاول ووقع في الحصار , فهو كان يرغب بالعودة لعائلته وعاد إلى أهله في محافظة دهوك .توجهنا نحو الجسر لعبورة وعددنا بعد عودة يزدين أصبح 32 نصير ,وما أن وصلنا إلى الجسر ببعد حوالي40 متر حتى توجهت نحونا من الجانب الآخر من نهر الزاب قوة عسكرية ,مؤلفة من ثلاث سيارات جنود قال الرفيق أبو زياد آمر المفرزة لن نعبر الجسر للنتظر قدومهم , لانه يعتبر تحدي لهم نحتاج رفيق يعرف اللغة التركية , ورفيق يتحدث معهم بأسمنا وتم إختيار الرفيق أبو فلمير ممثل عنا والرفيق كريم يجيد اللغة التركية لغرض الترجمة . فترجل الجنود الاتراك من سياراتهم وهم بكامل تجهيزاتهم وعدتهم القتالية يتقدمهم قائدهم العسكري برتبة مقدم إسمه مصطفى عبروا الجسر سيراَ على الاقدام . ووقف في المقدمة الرفيق أبو فلمير وبجانبه الرفيق كريم , ووجه الضابط وبلهجة حادة سؤاله من أنتم وماذا تعملون هنا؟ فأعلمه الرفيق أبو فلمير بوجهتنا لدخول الاراضي التركية , والتسليم للسلطات المحلية كلاجئين مؤقتين فمنعنا من العبور وطلب مناالعودة للاراضي العراقية . ومع إصرار الرفيق أبو فلمير على أن يعطي إذن لنا بالعبور , على الفور أعطى الضابط التركي أمر لمجموعة عددها 10 جنود بالالتفاف خلفنا وصعدوا سفح الجبل وإتخذوا مواقع لهم , تطل علينا وقال لهم عندما أوجه لكم أمر بأطلاق النار صوبوا نيرانكم بأتجاههم ولكن إلى الاعلى , ولا تستهدفوهم هذا ما أعلمنا به الرفيق كريم الذي يجيد اللغة التركية وهو من القومية التركمانية . في هذه الاثناء توجه الرفيق أبو فاتن نحو الرفيق أبو فلمير وقال له إطرح عليه مبلغ من المال , إلا أن الرفيق أبو فلمير لم يفاتح الضابط التركي بهذا الموضوع , ومع إصرار الضابط التركي على عودتنا , توفرت لكل الرفاق قناعة بالانسحاب والعودة ثانية لعبور الجسر في الليل , إنسحبنا مسافة حوالي كيلوا متر واحد عن الجسر وتوجهنا نحو وادي قريب , وكانت بالقرب من الجسر تقع قرية كوردية تركية . ويلاحظ في تلك المنطقة أن الحدود متداخلة بين البلدين , وبعد إنسحاب الجنود توجه نحونا ثلاث رجال من القرية وجلبوا لنا الخبز والسكر والشاي , وطرحوا فكرة إستعدادهم لأيصالنا إلى الحدود السورية مقابل مبلغ من المال , وبدأ الرفاق يفاوضونهم عن المبلغ المطلوب .
إنقسمنا في هذه الاثناء إلى مجاميع لعمل الشاي , وقلت لمجموعتنا سأجمع لكم الحطب ولكن سأجلبه لكم من الاعلى , فصعدت إلى القمة وهي عبارة عن سلسلة جبلية تمتدد إلى منطقة العمادية . وبدأت بجمع الاخشاب وقبل حملها والنزول إلى الرفاق , شاهدت شخصاَ مسلحاَ يتقدم بأتجاهي وبمسافة حوالي 500 متر فأنتظرته لانه لايمكن النزول قبل التأكد منه . وأقترب وكان مسلح وفي ملابس البيشمركَا وما أن وصل لي سألته من أنت قال أنا من الحزب الديمقراطي الكوردستاني , فتقدمت نحوه وعرف بنفسه وقال أنا إسمي (محمد محسن) من العمادية . فعرفته بنفسي من أنصار الحزب الشيوعي العراقي , وقلت له إني أعرفك سبق وأن خرجنا مره في مفرزة مشتركه , وشرحت له الموقف وقال أنا جأت لاعبر الجسر في هذه الليلة , وسنعبر سوية وسوف أعلمكم بأتجاه سيركم بعد عبور الجسر . فقلت له للننزل سوية إلى الرفاق لأعرفك عليهم ,وفعلاَ بارك الرفاق هذه الصدفة وقدوم البيسشمركَا محمد محسن . وتغيرت وجهة سورية , وعبرنا الجسر في الليل وكان محمد محسن يعرف المنطقة بشكل جيد . وبعد عبورنا الجسر توجه محمد محسن نحو الجبل المقابل للجسر في داخل الاراضي التركية , وصعدنا الجبل بحركة حلزونية دقائق ونحن فوق الجبل , وأصبح المعسكر التركي على يميننا من جهة الشارع داخل الاراضي التركية وننظر له من الاعلى ,وواصلنا سيرنا على قمة الجبل ولمدة حوالي ساعتين . بعدها وقف الرفيق محمد محسن وقال علية السير من هذا الاتجاه وسنفترق . وبالنسبه لكم في أسفل هذا الجبل قرية تركية فأنتطروا هنا إلى الفجر وإنزلوا إلى القرية وتناولوا فطور الصباح, وأقضوا نهاركم فيها وأطلبوا منهم مساعده لينقلوكم للقرية الاخرى في الليل , لألا توقعوا في أسر الجند رما التركية وأن أهالي القرية الكوردية التركية سوف يساعدونكم .
ودعنا الرفيق محمد محسن بحرارة وما أن حل الصباح نزلنا إلى القرية التركية الكوردية من الجبل , وقد إستقبلنا رجال القرية إستقبالاَ حاراَ , وشعرنا بتضامنهم الحار معنا وأمضينا نهارنا في القرية وفي المساء خرج معنا رجلين من القرية , وأوصلونا إلى القرية التالية وأوصوهم بالاهتمام بنا . وكانت كل القرى التي تنقلنا بينها هي قرى كوردية في الاراضي التركية , بعد آخر قرية أعطوا لنا وجبة غذاء جيدة لانه لا توجد أمامنا قرية تركية بعد لاننا توجهنا نحو الحدود الايرانية . وكان سيرنا بحذر لانها منطقة تقع بين الحدود التركية- الايرانية , علينا إجتيازها والحذر والخشية هنا ليس فقط من الجندرما التركية وإنما من الجيش الايراني والحرس الثوري , ودخلنا الاراضي الايرانية وسرنا على سلسة جبلية وعلينا تجنب الحرس الثوري أو الجنود الايرانيين , لهذا كان سيرنا بحذر وجهتنا هي الوصول إلى منطقة راجان الايرانية التي تقع أسفل السلسلة الجبلية على الحدود الايرانية التركية .
في عصريوم 15-10-1988 نزلنا من الجبل بأتجاه قرية راجان , التي تقع على سفح السلسلةالجبلية والتي يوجد فيها قيادات من الحزب الديمقراطي الكوردستاني العراقي , وما أن وصلنا إلى القرية إستقبلنا إستقبالاَ حاراَ من بيشمركة الحزب الديمقراطي الكوردستاني . وأخذنا قسطاَ من الراحة حوالي وقدم لنا الشاي .وبوصولنا إلى راجان كان قد مضى علينا بالتمام والكمال 15 يوم سير على الاقدام من جبل كَارا عبر الاراضي العراقية التركية إلى قرية راجان في الاراضي الايرانية .
لن نتمكن من المبيت في مقر الحزب الديمقراطي الكوردستاني في راجان بحكم عدم توفر الامكانية لاستيعاب هذا العدد , فجلبوا لنا سيارات إستوعبت حوالي 24 رفيق وبقية الباقي في راجان لعدة أيام , وتوجهت بنا السيارات إلى قرية زيوا , التي تقع على الحدود الايرانية العراقية القرية غالبيتها عراقيين أكراد , وأنزلتنا السيارات في منطقة منصوب فيها الخيام , وخرج من الخيام لاستقبالنا رفاقنا الانصار الذين سبقونا في الوصول إلى إيران وكان إستقبال وعناق حار وتوزعنا معهم نشاركهم السكن في هذه الخيم نصبت لهم في منطقة مكشوفة تتسهم بتياراتها الهوائية المتقلبة . الخيم كان عددها كثير جميع ساكنيها أنصار وعوائل الانصار كان بعضهم في أفواج أربيل وقاطع بهدينان ومن الفوج الثالث .
كنا لا نستطيع النوم بشكل جيد في هذه الخيم من شدة البرد , في أحد الليالي وفي الساعة الثالثة ليلاَ سقطت عدد من الخيم على ساكنيها من الانصار , وذلك لكثرة الثلوج التي تساقطت في تلك الليلة .
بدخولنا إلى إيران وقعنا في حصار ثاني ولكن ليس عسكري , وواجهتنا مشاكل وصعوبات وتحديات كثيرة ومتنوعة . ولكنها تختلف عن تلك الصعوبات والتحديات التي واجهتنا في جبل كَارا . حصار إيران الأختياري إستمر سنتان , تحملها الأنصار بخصالهم المتميزة وقدراتهم العالية النادرة المثال في مواجهة الظروف الصعبة .
ولكن في النهاية إنتصر الأنصار على كل الصعوبات, ونالوا حريتهم وبرهنوا أن الأنصار الشيوعيين وحزبهم أقوى من كل الصعاب .
12-10-2010
#فلاح_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟