|
العنصرية من الآن دستورية
يعقوب بن افرات
الحوار المتمدن-العدد: 3152 - 2010 / 10 / 12 - 07:55
المحور:
القضية الفلسطينية
التعديل في قانون المواطنة العنصرية من الآن دستورية
اقتراح تعديل قانون المواطنة، الذي صادقت عليه الحكومة حديثا، والذي يقضي بأنّ على كلّ فرد يرغب في الحصول على المواطنة الإسرائيلية أن يعلن عن ولائه لدولة إسرائيل "كدولة يهودية وديمقراطية"، ينظر إليه الكثيرون كاستفزاز زائد تجاه المواطنين العرب. يُطرح السؤال، ما الذي دفع، في هذا الوقت بالذات، وزير القضاء لاقتراح التعديل للقانون، الذي يتعلّق بعدّة آلاف من الأفراد الذين يطلبون الحصول على المواطنة كلّ سنة، معظمهم ليسوا عربًا، ولا ينكرون الطابع اليهودي للدولة. أُقرّ في وثيقة الاستقلال وفي قوانين الأساس للدولة منذ زمن، أنّ إسرائيل هي دولة يهودية. رموز الدولة، مثل نجمة داود والشمعدان، لا تترك مكانًا للشكّ في ذلك، وكذلك القوانين الكثيرة كقانون العودة وأوامر الطوارئ والأوامر الأخرى، التي تمنح الأفضلية لليهود على غيرهم من المواطنين.
كما كان متوقّعًا، يثير اقتراح التعديل الجديد معارضة كبيرة من طرف دوائر في المعارضة. الصحافي ناحوم برنيع انتقد الاقتراح بشدة: "القانون المقترح لا يبدو عنصريًا فحسب، بل هو كذلك حقًّا. يُلزم هذا القانون غير اليهود بالإعلان بأنّهم سيكونون موالين للدولة اليهودية، لكنّه يعفي اليهود من هذا الالتزام. أعفى اليهود، لأنّ حاخامات اليهود المتزمّتين (الحرديم) ليسوا على استعداد لإعلان الولاء، ليس للدولة ولا ليهوديتها وبالتأكيد ليس لكونها ديمقراطية. النتيجة صعبة. هذا القانون لا يتساوى مع القوانين العنصرية التي أُقرّت في نينربرغ، لكنّ تُشتمّ منه نفس الرائحة". (ملحق يديعوت أحرونوت، 8/10/10)
يرجع تعديل القانون الحالي إلى الجدل الذي كان قائمًا قبل خمس سنوات بين ممثّلي المواطنين العرب والدولة، عندما أنشأ عضو الكنيست السابق عزمي بشارة حزبًا رفع شعار "دولة جميع مواطنيها". مهّد هذا الشعار الطريق للأحزاب العربية والمؤسّسات التي تمثّل المواطنين العرب، لتحدي الدولة لأوّل مرّة، وكشف التناقض الكامن في تعريف الدولة، بين اليهودية والديمقراطية. الى هذا التحدي بين الأقلّية العربية والدولة، دخل ليبرمان واستغل الخلاف كدعاية انتخابية وحاز حزبه على 15 مقعدًا في الانتخابات الأخيرة، وأصبح وزير الخارجية الذي يملي جدول أعمال الحكومة.
الوثيقة التي نشرتها سنة 2006 لجنة المتابعة للوسط العربي بالتعاون مع لجنة رؤساء السلطات المحلّية العربية، تحت العنوان "التصور المستقبلي للعرب الفلسطينيين في إسرائيل" تقول: "تعريف الدولة كدولة يهودية واستغلال الديمقراطية في خدمة يهوديتها، يُخرجنا من صفوفها ويضعنا في مواجهة مع طابع وماهيّة الدولة التي نعيش فيها".
وثيقة "التصور المستقبلي" تطرح السؤال بكلّ إشكاليته، هل الديمقراطية الإسرائيلية تشمل الأقلّية العربية؟ جاءت الوثيقة كردّ فعل على عدم الانتماء الذي يشعر به المواطنون العرب في إسرائيل منذ أكثر من ستّين سنة. لم يكن مجرد تعريف الدولة كدولة يهودية هو الذي دفع القيادة العربية إلى مواجهة الدولة، وإنّما كان ذلك التمييز المُمَؤسَس الذي يعاني منه المواطنون العرب. لا يمكن أن تتحقّق الديمقراطية في دولة قائمة على تمييز بنيوي نابع من تعريفها كيهودية. الجدل القائم بين المواطنين العرب والدولة ليس حول حقّها في تعريف نفسها كيهودية، وإنّما حول حقّها في التمييز ضدهم. إقصاء الجمهور العربي عن صفوف المجتمع الإسرائيلي، ألقت به إلى هوامش هذا المجتمع. لا يدور الجدل الحقيقي حول تغيير النشيد الوطني أو العَلَم، وإنّما حول المستقبل الغامض الذي ينتظر مئات آلاف الشباب العرب.
العنف المستشري في القرى والمدن العربية، ومنها الاضطرابات حول تعيين مديرة المدرسة في عين ماهل وأعمال القتل التي تنفَّذ في وضح النهار في الناصرة ويافا واللد وأماكن أخرى، تعبّر جميعها عن انهيار الجهاز التعليمي العربي وعن البطالة المتفاقمة وعن الفقر المتزايد وعن عدم قدرة السلطات المحلّية العربية على توفير الخدمات الأساسية للجماهير العربية.
إذا قارنّا بين تعديل القانون الذي أقرته حكومة نتنياهو وبين نيّة ليبرمان الحقيقية، التي انعكست في شعاره الانتخابي "لا مواطنة بدون ولاء"، يمكن القول إنّ التعديل لا أهمّية له تقريبًا. فليبرمان غير معني باختبار ولاء الحاصلين الجدد على المواطنة، وإنّما وضع علامة سؤال بالنسبة لولاء المواطنين العرب عموما. في الشهر الماضي عرض ليبرمان فوق منبر الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتّحدة رؤياه السياسية، التي تقضي بنقل المناطق التي يسكنها المواطنون العرب من إسرائيل إلى السلطة الفلسطينية.
نتنياهو ومعه معظم المؤسّسة الإسرائيلية يعلمون أنّ شعار ليبرمان "اشتراط المواطنة بالولاء ليهودية الدولة" يعني خلق دولة فصل عنصري (أبرتهايد)، ويناقض الادّعاء بأنّ إسرائيل هي دولة يهودية وديمقراطية. لذلك عمليًا اقتراح التعديل الأخير للقانون لا يمسّ بالمكانة المدنية للمواطنين العرب في الدولة، بل يكتفي بمن يطلب الحصول على المواطنة. ومع هذا يدلّ التعديل على تدهور خطير في العلاقات بين الدولة ومواطنيها العرب. فبدل التعامل بجدّية مع مطالب القيادة العربية بالمساواة، تردّ الحكومة بتغيير القانون ولسان حالها يقول للمواطنين العرب: لن تحصلوا على "دولة جميع مواطنيها"، بل وأكثر من ذلك، إنّ في نيّتنا أيضًا إخراجكم من صفوف المجتمع الإسرائيلي وتمييزكم في كلّ مجالات الحياة. بتجرّئكم على الاعتراض على يهودية الدولة، فقدتم شرعيتكم كمواطنين متساوين فيها.
كان من الممكن التوقّع من دولة قُبلت مؤخّرًا لمنظّمة الدول المتطوّرة (OECD) والتي تحاول الانضمام إلى الاقتصاد العالمي، والتي تعرّف نفسها على أنّها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، أن تغيّر توجّهها تجاه المواطنين العرب. تقارير بنك إسرائيل ومؤسسات أخرى واستنتاجات لجنة أور التي حققت في أحداث أكتوبر سنة 2000، تثير الانطباع الزائف بأنّ الدولة تحاول بالفعل مواجهة مشاكل التعليم والعمل والصحّة والإجحاف الذي خلّفته سياسة التمييز الممارسة ضدّ المواطنين العرب. ولكن بين الاعتراف بالإجحاف وبين العمل على تصحيحه، تقف حكومة يمينية تؤمن بأيديولوجية قومية وعنصرية وتمنع أي تغيير. مع الأسف الشديد، ممارسات الحكومة الحالية التي تؤدّي إلى تفاقم الصراع، تزيد من الشكوك والانغلاق والتعصّب القومي والتطرّف في صفوف المواطنين العرب.
صحيح ان الفجوة القومية بين العرب والدولة اليهودية شاسعة، ولكن هناك تصدعات خطيرة بدأت تضرب المجتمع اليهودي نفسه، هذه المرة على مستوى طبقي. تمارس الدولة سياسة التمييز ليس فقط تجاه العرب، وإنّما تجاه كلّ العمّال عربا ويهودا أيضًا: عمّال شركات المقاولين والمعلّمين في الكلّيات والفنّانين والسائقين وعمّال الصناعة والعمّال الأجانب وأبنائهم. فحقوق هؤلاء في الحصول على مكان عمل ثابت وحقوق اجتماعية، باتت مهضومة. دولة إسرائيل "اليهودية" تخدم أقلّية غنية فقط، قلّة قليلة من العائلات الثرية التي سلبت ممتلكات الدولة وتتصرّف بها كما يحلو لها، دون أيّ التزام اجتماعي ومسؤولية عن المجتمع. التحقيقات الجارية ضدّ ليبرمان نفسه هي احد الشواهد على ذلك.
من هنا، فالتغيير الاجتماعي الحقيقي يتطلب تصورا جديدا من جمهور العاملين، اليهود والعرب، يطمح الى العيش بدولة ديمقراطية حقيقية، مبنية على العدالة الاجتماعية والمساواة بين العرب واليهود، لا يكون فيه مكان لأسوار العنصرية والتطرّف القومي المظلم.
#يعقوب_بن_افرات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ليبرمان يقول الحقيقة
-
سلام فياض والسلام الاقتصادي
-
المفاوضات السلمية والثمن الذي يرفض نتنياهو دفعه
-
لماذا أنقذ اوباما نتنياهو من العزلة؟
-
الأسطول التركي يخلط الأوراق السياسية في إسرائيل والمنطقة
-
المسيرة الخائبة لتحرير جلعاد شليط
-
حزب دعم : النظرية والعمل الجماهيري
-
إجماع دولي: ارفعوا الحصار عن غزة
-
الأزمة بين إسرائيل والولايات المتّحدة - تعثّر الحلف الإسترات
...
-
اوباما والتسوية القسرية
-
المحرقة والمعادلة
-
ابو مازن مصر على موقفه
-
دبي والأبراج المزدهرة
-
أبو مازن يُلقي حربته
-
الاحزاب العربية – ثلاثة مواقف دون برنامج
-
تقرير جولدستون: لائحة اتهام شديدة دون آلية للتنفيذ
-
تفاؤل؟ مسألة سياسية لا اقتصادية
-
دولة فلسطينية خلال عامين؟
-
المستوطنات أوّلاً!
-
نظام ولاية الفقيه في مأزق تاريخي
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|