صفاء ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 3151 - 2010 / 10 / 11 - 17:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بالكونيه !!!
المشهد السياسي في العراق في غاية الغرابه والطرافة في ان معا,
وجه الغرابة ان اللعبة السياسيه في العراق قد افرزت مجموعة لامتناهية من المتناقضات التي لم يشهدها اي نظام ديمقراطي من قبل ووجه الطرافة انها ساوت بين كل الفرقاء في امرين مهمين اولهما صراعهم المحموم في سبيل السلطة والنفوذ وثانيهما استعدادهم لان يسحقوا مبادئهم( او على الاقل ما حاولوا ايهامنا انها مبادىء) باعقاب احذيتهم وامام الملأ
النتائج المتقاربه التي حصل عليها كل من السيدين علاوي والمالكي مع وجود العداء الشخصي بينهما والذي يمنع تحالفهما او اشتركهما في حكومة واحدة برئاسة احدهما جعل اللاعبين الاصغر حجما هم اسياد الموقف
الصدريون لعبوها صح هذه المره , ولربما لاول مره , اياد علاوي يسعى لاسترضائهم والمالكي يبذل كل جهده لاستمالتهم وهم يفرضون شروطهم بمنتى الثقة بالنفس
من المعلوم ان كل من السيدين علاوي والمالكي لا يستطيع ان يشكل حكومة بمعزل عن اصوات الائتلاف الوطني العراقي وحيث ان الحصة الاكبر من اصوات الائتلاف تعود للصدريين بحكم اكثريتهم العدديه المعروفه فيه لذا اصبح لزاما على كل منهما ان يضمن اصوات الصدريين اذا اراد ان يتربع على كرسي رئاسة الحكومة المقبله
السيد علاوي يقود تكتلا غير متجانس مكون من القوميين العرب واللبراليين وكبارالعسكريين المتقاعدين وشيوخ العشائرواناس اخرين محسوبين على احد المكونات الطائفيه دون غيرها ومثل هذا الخليط غير المتجانس لايمكنه من التفاوض مع الصدريين بحرية ومرونه اضافه الى ان علاقاته الوثيقه مع الدول الاقليميه المؤثرة مثل مصر وسوريا والسعوديه تؤثر بشكل ما على خياراته التفاوضيه معهم
السيد المالكي يقود ائتلافا اكثر مرونة واقل تشددا وهو اكثر انقيادا له من تيار السيد علاوي وهو مقبول جدا ان لم يكن مدعوما من ايران التي تدعم الصدريين في نفس الوقت وهذه كانت نقطة مهمة لصالحه
والسيد المالكي كان يعرف من اين تؤكل الكتف
السيد المالكي يعلم ان موقعه في عنق الزجاجه لايخرجه منه الا حبال الصدريين فصمم ان يشتريها بكل ما يملك من ثمن لان السلطة اغلى واثمن
نظامنا الديمقراطي الفتي ليس نظام مؤسسات حيث ان تغير شخص الحاكم سوف يترك المؤسسات بحالها ودون ان تتأثر اعمالها او تتغير طرق ادارتها بل ان نظامنا مازال نظام اشخاص وبالتالي فان زوال الحكام يؤدي الى زوال كل ما بنوه خلال فترة حكمهم ويؤدي الى تغير الكثير من الامور وفقدان الكثيرمن المحسوبين عليهم لامتيازاتهم ومواقعهم والسيد المالكي يعلم هذا علم اليقين
يعلم انه ما ان يتبدل شخص الحاكم حتى يفقد عشرات الالاف من اتباعه وانصاره ومن يواليه امتيازاتهم ونفوذهم ويخسر ضعفهم مناصبهم وكراسيهم ويحرم مثلهم من رواتبهم التقاعدية ومعاشاتهم ويفقد اضعافهم رتبهم الفخرية واوسمتهم وانواطهم وتفتح الاف الملفات المتعلقه بالفساد والاختلاس وهدر المال العام واستغلال النفوذ ان لم يكن بدافع تحقيق العدالة فبدافع الانتقام والتنكيل وبالتالي كان بين امرين احلاهما مر فكان لابد من الصدريين
الصدريون اعلنوا انهم لايقبلون بولاية ثانية للسيد المالكي وهذا ما صرح به زعيمهم الشاب مقتدى الصدر من منفاه الاختياري بقم لاحد الفضائيات المعروفه رافضا بذلك كل المغريات التى عرضها عليهم السيد المالكي حسب قوله ومنها الحقائب الوزاريه والمناصب المهمة واطلاق سرح المعتقلين من انصاره
موقف الصدريين هذا كان متوقعا خاصة وان السيد المالكي لم يكن (ابيض الوجه) معهم خلال فترة حكمه فهو قد شتت قواهم وحد من سطوتهم وتأثيرهم بعد ان اقصاهم عن مجالس المحافظات وزج بناشطيهم في السجون والمعتقلات واغلق اكثر مكاتبهم وضيق الخناق عليهم وابعدهم عن اجهزة الجيش والشرطة وكانت تهمة خطيرة في وقت ما ان يكون المرء صدريا
وطيلة سبعة اشهر تلت اعلان النتائج بائت كل محاولات السيد المالكي لاحتواءهم بالفشل الذريع فالسيد الصدر رفض استقبال وفود المالكي التي قصدته الى مدينة قم وتيار الاحرار الذي يمثلهم اعلن كباقي مكونات الائتلاف العراقي الموحد عن دعمه ترشيح السيد عادل عبد المهدي لرئاسة الوزراء
من يوم اغلاق صناديق الاقتراع والى ما قبل ايام كان موقف الصدريين على حاله لم يتغير, لم تنفع معهم الاغراءات ولم تخوفهم التهديدات ولم تجتذبهم التجاذبات ولم تؤثر فيهم الاملائات والمراهنات وكانوا واضحين( او كنا نتصورهم هكذا) في رفضهم التجديد للسيد المالكي بولاية ثانية وفجأة حدث ما لم يكن بالحسبان وما لم يدر في خلد احد
اي مغفل هذا اللذي يظن ان السياسة بها مبادىء؟ واي احمق ذلك الذي يعتقد ان السياسيين لديهم ثوابت وخطوط حمراء او خضراء او صفراء او من اي لون كانت؟
السياسه لاتعرف عدوا دائما او صديقا دائما وانما تعرف مصالح دائمة يجب ان تتحقق مهما كان الثمن الذي يجب ان يدفع , والغاية السياسية تبرر الوسيلة المستخدمة لبلوغها مهما كانت وكيفما تكون
الصدريون المعروفون براديكاليتهم وبقلة خبرتهم وضعف درايتهم وقصر نظرهم في الامور السياسية( لعبوها صح) هذه المرة واثبتوا انهم دهاة بشكل لا يصدق
فبعد فترة من التهميش والابعاد القسري الذي فرضه عليهم السيد المالكي الذي اقصاهم عن الحكومه وعن كل مفاصل الدولة والمواقع والمؤسسات الحساسة والمراكز المهمة بل حتى وصل الامر به ان امر بتسريح الشرطة والعسكريين الذين ثبت او يشك بولائهم لهم في بعض محافظات الوسط والجنوب , بعد كل ذلك هاهم يتهيئون لدخول حكومته القادمة دخول الفاتحين
الحقائب الوزارية المهمة وربع المناصب والوظائف في الجيش والشرطة والاجهزة الامنية الاخرى وربما هناك امور اخرى لم يعلن عنها كل ذلك كان ثمن الحبل الذي انزلوه للسيد المالكي لاخراجه من عنق الزجاجه والذي كان لابد له من القبول به
يبدو الان ان الامر كان هكذا منذ البدايه , الموضوع موضوع مساومات , كم تعطيني؟ وكم ستعطي فلانا؟ وماذا ستأخذ لنفسك؟ ماهي الوزارات والسفارات والادارات العامة والمناصب المهمة والمواقع الحساسة التي ستكون من حصتي وحصة اتباعي؟ هل تعطيني حقيبة الداخلية لاتحكم في الشارع واقمع خصومي واكمم افواههم؟ ام اخذ حقيبة المالية لكي املأ جيوب اصحابي بعد سنوات من الفقر والفاقة والتهميش؟ ام اتولى حقيبة النفط كي اقوم بتهريب النفط ومنتوجاته الى دول الجوار ولكي اتمتع بالرشاوى والهبات والهدايا التي تغدقها جولات التراخيص النفطية سيئة الصيت؟ ام حقيبة الدفاع لكي اشتري الاسلحة القديمه والمستهلكة باضعاف اثمانها واحصل من وراءذلك على هامش ربح يفوق الخيال ام تعطيني الخارجية لكي اجد فرص تعيينات راقية في السلك الدبلوماسي وفي اجمل بلاد الله لالاف العاطلين من انصاري ممن لم يكملوا تعليمهم
من النكات السياسية التي كانت متداولة ايام نظام صدام حسين ان احد صغار البعثيين قد ضاقت به الحال واضر به الفقر فقرر ان يترك البلد لبحث عن فرصة عمل في خارج العراق كي يصلح اموره المتدهوره ويعود لاهله بما عساه ان يقضي عنهم ديونهم ويصلح من احوالهم فوضع سلاحه الذي سلمه له مسؤوله الحزبي مع الحربه ومخازن العتاد و(الزمزمية )في كيس من الخيش يسميه العراقيون (كونيه) بالكاف الثقيله وطلب من امه ان تذهب به بعد مغادرته البلاد الى الفرقة الحزبية وتسلمه الى المسؤول الذي اعطاها اسمه, وفعلا ذهبت به العجوز فاستشاط المسؤول غضبا وصرخ بها : أهكذا يتركنا ابنك ويهرب في مثل هذه الظروف؟ اين القيم؟اين المبادىء؟ فاجابته العجوز التي لم تسمع بهذه المصطلحات من قبل( يمه كلهن خلاهن بالكونيه)
اذن هذا ما استغرقهم سبعة اشهر من التفاوض والمباحثات والوفود والزيارات والجولات المكوكية على عاصمة الاقليم وعواصم دول الجوار, ماذا لي؟ وماذا لك؟
هذه حقيقة الامر اذن , وهذا ما كانوا يتفاوضون فيه , مناصب مهمه ومراكز حساسة وسلطات واسعة وامتيازات ضخمة يجب الاتفاق على كيفية اقتسامها واموال طائلة ونفوذ واسع ورواتب خيالية وفرص عمل ووظائف كبيرة يرغب كل طرف بحصة الاسد منها لتشملهم وتشمل اقاربهم وذويهم والمقربين منهم و تمتد الى ابناء ابناءهم اما القيم والمبادىء فهي ..................(بالكونيه)
#صفاء_ابراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟