|
عن غلظة آل سعود ( قصة)
حمادي بلخشين
الحوار المتمدن-العدد: 3150 - 2010 / 10 / 10 - 12:33
المحور:
حقوق الانسان
تحوّل
برأس مطرق و صوت كسير يشبه البكاء، قال لجليسه: ـــ... حدث ذلك قبل يومين فقط من الوقوف بعرفة حين عدت من الحرم المكي، ولدى اقترابي من العمارة التي اقطنها رابتني تحركات غير عادية، توقفت قليلا، كان المكان مطوقا، أثناء تراجعي الي الخلف اصطدمت بشاب في مقتبل العمر سألني :" تسكن هناك؟" نظرت إليه، سألته بدوري" ماذا يحدث" قال "لا أدري " أشار الى العمارة التي اسكنها ثم اعاد السؤال من جديد :" تسكن هناك "؟ حين فكرت أن المسالة قد تتعلق بحملة ضد المتسولين قلت" نعم"، لكنني تراجعت حين قرأت الشر في عيني الشاب قلت" لا "حدث ذلك في ثوان معدودة . حين لاحظ الشاب اضطرابي سحب بطاقة عليها صورته، أشهرها في وجهي بطريقة أمريكية ثم أعلن:" أمن وقائي!"،و هو يعيد دفتره سألني :" ماهي جنسيتك" خطرت ببالي المقولة الشعبية "اذا كان الكذب ينجّي، الصدق أنجى و أنجى" قلت "تونسية" طالبني بأوراق الشغل و الإقامةأجبته" لست عاملا و لا مقيما بل أنا حاجّ" قال لي" هات جواز سفرك". قال لي وهو يتصفحه " ولكن هذا الجواز ليبي" قلت له" لم أحصل على جواز سفر تونسي". سألني" هل أنت من أصحاب السوابق العدليّة ؟" قلت " نعم ولكن.." لم يمهلني حتى أكمل .. بطحني أرضا كما يفعل بأي لصّ أو قاتل، لم يرحم شيخوختي ولا حتى نبل ما جئت من أجله. ما إن استوثق من وضع الكلبشات في معصميّ حتى سحب هاتفه النقال ثم طلب سيارة سرعان ما أقبلت ولها نفير يصمّ الآذان. دفعوني داخل السيارة ثم رموني في الحجز، في اليوم الثاني دعيت للتحقيق، سألني المحقق السعوديّ عن طبيعة السّوابق العدلية التي حرمت بسببها من الحصول على جواز سفر قلت له:" كل ما في الأمر أنني صحبت ابنتي للمستشفى.. كانت محجبة.. في طريقنا تصدّي لنا شرطيّ، أتجه الشرطي نحو ابنتي مباشرة وحاول إنتزاع غطاء رأسها، أمسكت بيده محاولا إبعاده، أثناء التحامي به سقطت قبعته..أحالوني على محكمة قضت بسجني سنتين نافذتين بتهمة الاعتداء على موظف أثناء أداء مهمّته!.. دوّت قاعة المحكمة بالضحك حين قارن الحضور عظم جثة الشرطيّ و طوله الفارع، و شبابه الغضّ، بالقياس الي ضآلة بنياني، و قصر قامتي و كبر سنّي، ممّا أضطر القاضي الى إبدال التهمة الي ما سمّاه "عرقلة رجل أمن إثناء أداء مهمته". قلت للقاضي" هل كان عليّ مساعدته على تعرية إبنتي؟!". لعنني القاضي ثلاثا ثم قال لي" ابنتك ليست أشرف من بنات فخامة رئيس الجمهورية، وهنّ مكشوفات الشعر، كما أنك لست أفقه من مفتي الجمهورية الذي أقرّ اجتهاد فخامته في مسألة الحجاب". أبدى المحقق السعودي بعض تفهم لكنه لم يأمر بإطلاق سراحي، قال لي إن المسألة تتعلق بأمن الدولة. و لا بدّ للتحقيق أن يأخذ مجراه. قلت له" طيب اتركوني أتم حجّي ثم أشنقوني بعد ذلك، إذا كان شنقي يعزز أمن الدولة" أبدى لي أسفه مجدّدا . قال" هذا لا يمكن أبدا" قلت له ان الكفار في السّويد ومعظم الدول الأروبية يسرّحون عتاة المجرمين اذا طلبوا زيارة عاهرة او شريك في اللواط فهل تسمحون لي بلقاء الله على جبل عرفات لساعة من الزمن؟" قال لي" لسنا في السويد لنسمح للمساجين بكل ما ذكرت". قلت له" و لكنني ظننت انني في بلاد الحرمين حتى يتفهم عقلاؤها وضعية أحد رعايا دولة إلحاديّة، حملته عاطفته الدينية على بذل تحويشة العمرفي سبيل أداء فريضة الحج" في نهاية التحقيق أعلمني الضابط بأنه سيقع تسليمي للسلطات التونسية التي ستحاسبني على تزوير وثيقة رسمية و استعمال مزور واجتياز الحدود بدون ترخيص.. كنت اعلم ان كل مخالفة منها تكلفني أربع سنوات سجنا..
كلما مضى شوط في حكايته زادت طأطأة رأسه الذي كاد يستقر على الطاولة التي تفصلهما عن بعضهما.. لم يكن يعلم ان صاحبه قد استسلم للنوم فور تأكده من موضوع الحكاية:
ـــ في اليوم الثالث لعيد الأضحى أطلّ عليّ أبو مساعد.. سبع.. ابن ليل.. من خيرة الرجال، في الخامسة و العشرين لكنه يبدو في الخامسة و الثلاثين.. كان يتردّد على السجن بصفة دوريّة لإدمانه الخمر ولجوئه للعنف الشديد.. حالما رآني تعلق برقبتي، أشبعني ضمّا و تقبيلا قال لي إنني أشبه والده بشكل لا يصدّق، حتى انه كشف عن زندي باحثا عن علامة مميزة كان يحملها والده هناك.. حين لامه نزيل متديّن عن شرب الخمر، أعلن بلا مبالاة" في فورة سكري أتوب الي الله.. أعده صادقا:" لو صحوت غدا و وجدت آل سعود قد رحلوا، فستكون آخر سكرة لي، حين أفيق من سكري وأجد القوم جاثمين على صدورنا، أجدّد نيّة السكر!"... علمت فيما بعد أن أميرا من الأسرة الحاكمة قد قام بافتكاك والدة مساعد من بين احضان أسرتها، لا لشيء إلاّ لأنها راقت له.. قضى والد مساعد غمّا وهو في ريعان الشباب، بين عشية و ضحاها وجد مساعد نفسه يكابد ألم اليتم و الضياع... كان دائما يردّد" لو تمكنت من ذلك اللعين فسأشرب الخمر في قحف رأسه". حين حكيت لمساعد عن مأساتي قال لي "أبشر يا طويل العمر، ما يكون إلاّ الخير".. كانت لمساعد كلمة مسموعة بين المساجين. لكنني لم أتصور قط ،انه كان قادرا على فك اسري! في اليوم السادس من قدومه، أمرني مساعد بالتجهز للرحيل، بعد دقائق دخل علينا سجّان حملني الي عنبر المتسولين، لبثت هناك قليلا، بعد ذلك وجدت نفسي تحت قبة السّماء!.. كانت تفصلني سبع ساعات فقط عن لقاء رفيق رحلتي.. كنا قد اتفقنا مقدما على التواجد في زمان و مكان معنيين في صورة تفرقنا الإضطراري. لم أمتلك الشجاعة للرجوع الي العمارة التي كنت أقطنها للبحث عن بقية تحويشة عمر خصصتها للتجارة... عدت الي تونس معدما... بخل صهري حال دون مساعدتي، وجدت نفسي على الرّصيف، بعد أن وقع طردي من شقة عجزت عن تسديد ايجارها.. لجأت الي الحدائق العمومية كي أنام، لكنني طردت منها الى الخرائب، لم تكن لي ضمانات اجتماعية تقيني عوائد الدهر.. كما أن سوابقي العدلية وحالتي الصحية قد حالتا دون حصولي على شغل، خصوصا، وقد تكررت مخالفاتي بسبب عدم التزامي بما تعهدت به كتابيا، من وجوب حلق لحيتي، وعدم التشبه بما سموهم إرهابيين، رغم تأكيدي لأعوان الأمن، انها لحية صعلوك فقد كل شيء حتى إيمانه.
حين أتم كلامه تفطن عادل بن صالح انه كان يكلم نفسه. حرك يد صاحبه: ــ إبراهيم ... إبراهيم أفق، هل نمت كعادتك؟ هب صاحبه مذعورا: ــ ماذا حدث؟ تثاءب إبراهيم طويلا: ـــ الله يهديك يا خويا عادل، عكرت جوّنا بأسطوانتك المكررة . تطلع إبراهيم الي الساعة الحائطية، صفق وهو يقول: ــ يا نادل... جئنا بزجاجة أخرى، فقد دنا موعد الإغلاق الذي حدّدته وزارة الداخلية، و لمّا نقض وطرنا من البابليّة!
أوسلو 4 جويلية 2009
#حمادي_بلخشين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصتان قصيرتان ( صوت ، إقبال)
-
تصفية ( قصة قصيرة)
-
7 نوفمبر! (قصة قصيرة)
-
جغرافيا ! خنزير (قصتان قصيرتان)
-
لؤم / قصة قصيرة
-
رد على مقال :أسئلة إلى الله
-
لأجل هذا ينتحر المثقفون (رد خاطف على مقال السيد قاسم حسين صا
...
-
حول العداء الأمريكي الإيراني الطريف ( قصة بالمناسبة)
-
إعدام
-
كيف و لماذا تم ايصال الخميني للسلطة 4/4
-
كيف و لماذا تمّ إيصال الخمينيّ للسلطة 3/4
-
كيف و لماذا تم ايصال الخميني للسلطة 2/4
-
كيف و لماذا تمّ إيصال الخمينيّ للسلطة 1/4
-
ما صحّ عن النبي آه و النبيّ كمان!
-
الخبر اليقين عن خؤولة معاوية للمؤمنين
-
دعوة للتمتع بآيس كريم من جحيم بن عليّ!
-
وقفة سريعة مع روجي غارودي في كتابه الإسلام الحيّ
-
عن اسراف آل سعود(قصة بالمناسبة)
-
كيف أوقعنا البخاريّ في مخرأة حقيقيّة( قصة بالمناسبة)
-
حول ضعف وهشاشة دولنا العربية( قصة بالمناسبة)
المزيد.....
-
ترامب ينشئ مركز احتجاز للمهاجرين في غوانتانامو.. وكوبا تندد
...
-
تفاصيل عملية تبادل الأسرى الجديدة بين -حماس- وإسرائيل
-
ترامب يوجه بإرسال 30 ألف مهاجر غير شرعي إلى غوانتانامو.. وكو
...
-
أمر تنفيذي لترامب لاحتجاز ما يصل لـ-30- ألف مهاجر في -غوانتا
...
-
ترامب يقرر تحويل غوانتانامو إلى مركز احتجاز لعشرات الآلاف من
...
-
الجمهوريون يحثون ترامب على معاقبة الجنائية الدولية لإصدارها
...
-
-تصرف وحشي-.. رئيس كوبا يندد بخطة ترامب لاحتجاز مهاجرين في غ
...
-
وفد قيادي من حماس يلتقي أردوغان في أنقرة ويبحث آخر التطورات
...
-
ترامب يوقع مذكرة رسمية تمهد لاحتجاز المهاجرين في غوانتانامو
...
-
الأونـروا: مـا الـعـمـل بـعـد الـقـرار الإسـرائـيـلـي؟
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|