اسماعين يعقوبي
الحوار المتمدن-العدد: 3150 - 2010 / 10 / 10 - 00:22
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
ان التدقيق في مهام موظفي وزارة العدل, لا يعطي سببا مبنيا للتأكيد على خصوصية معينة فيها, فهي بالطبع مختلفة عن مهام التدريس التي يقوم بها الأستاذ, أو الفحص والجراحة التي يقوم بها الطبيب الجراح أو البرمجة التي يقوم بها التقنيون والمهندسون سواء في القطاع العام أو الخاص, وهي كذلك مختلفة عن عمليات نقل المواد أو صناعتها أو تحويلها, أو بيعها أو إتلافها..., فهي مهام متنوعة ومعقدة قد تتطلب مجهودا خاصا يتجاوز في غالب الأحيان ما يسمح به التوقيت الإداري العادي لجميع الموظفين, لكنها من حيث خطورتها وتأثيرها العام والخاص لا تصل إلى مهام الطبيب, أو مسيري محطات الطاقة, أو ناقلي النفايات السامة...
إن الخصوصية التي يتحدث عنها محاربو و أعداء العمل النقابي في القطاع, لا تأتي إذن من طبيعة المهام التي يزاولها موظفو قطاع العدل, وإنما, كما توحي به تدخلاتهم من حين لآخر, في ارتباط هذه الأخيرة في عملها بآجال قانونية لا يمكن تغييرها وتسبب في ضياع حقوق الآخرين. صحيح أن كل إجراء بالمحكمة مقيد, فرفع الدعوى والاستئناف له آجال القانونية, وتقديم المتهمين قد يتسبب الإضراب في تأخيره وفي قضاء المتهم لأيام أخرى داخل الزنزانة وهو بريء, كما انه قد يتسبب في تأخر إطلاق سراح معتقل انقضت عقوبته خلال أيام الإضراب... إلا أن إضراب موظفي العدل ليس الوحيد الذي يمكنه التأثير على هذه الآجال. فإضراب النقل مثلا قد يشل حركة المرور ويحول دون وصول الموظفين الى أماكن عملهم, كما إن إضراب مستخدمي وكالات الكهرباء والماء قد يكون له التأثير نفسه... فهل هاته مبررات كافية لضرب العمل النقابي لأصحاب النقل ووكالات الماء والكهرباء..., أما من حيث الخطورة, فمقارنة وضعية معتقل قد يزيد يوما أو يومين في المعتقل مع وضعية إنسان في مستشفى عمومي بين الحياة والموت ويحتاج لتدخلات عديدة من راديو, تحليلات, مهدئات الى عملية جراحية, ومئات الأمثلة الأخرى انطلاقا من توقف معمل حيوي عن الإنتاج, شلل مؤسسة تعليمية, الى توقف الحركة بمطار دولي... خير مخيب لآمال المتربصين بالعمل النقابي.
إن هؤلاء كمن يقول: نحن مع الإضراب, ولكن يجب ألا يؤثر هذا الإضراب على سير المرفق ومصالح المتقاضين ومداخيل الصناديق...
إذا كان الإضراب بالصيغة التي يريدونها, أي إضراب بلا تأثير, فكيف سيتم الضغط على الوزارة الوصية ومن خلالها الحكومة والدولة للاستجابة لأبسط مطالب شغيلة وضعها المادي والمعنوي ميؤوس منه ولا يحتمل المزيد من التسويف والمماطلة وربح الوقت.
ان الخصوصية الحقيقية التي يتميز بها موظفو قطاع العدل تتمثل حقيقة في:
_ كون 45 في المائة من الموظفين يتقاضون مبلغا هزيلا لا يتجاوز 2200 درهما شهريا, ويفرض عليهم العمل في مناطق صعبة: الرباط, الدارالبيضاء..., فتصوروا حالة هذا الموظف اجتماعيا, اقتصاديا, نفسيا... خصوصا بعد العزم الكبير لدى الاعمال الاجتماعية لتوقيف خدمة النقل مقابل دراهم معدودات
_ كون الموظفين يعملون في ظل قانون اساسي مادته الاولى لا تعترف بهم كجزء من المحكمة: "تحدث هيئة لكتابة الضبط بوزارة العدل تعمل في حدود الاختصاصات المخولة لها قانونا وتنفذ ما تأمر به المحكمة من إجراءات مسطرية، وتكون في وضعية عادية للقيام بالوظيفة بمختلف محاكم المملكة وبالمصالح المركزية واللاممركزة بوزارة العدل". فحسب هذه المادة, الموظفون شيء والمحكمة شيء آخر. وهذا الإطار القانوني تزكيه عمليا تصرفات بعض المسؤولين الذين يضعون أمام المحاكم اشارات توقف السيارات تحمل صيغة: خاص بالسادة القضاة والمحامين, أي ممنوع على الموظفين بالصيغة العكسية للجملة
_ كون الموظفين يعملون في ظل تبعية مطلقة يزكيها تصريح لوزير عدل سابق قال فيه بأن هناك خمس موظفين لكل قاض. ففي جل الدول والوظائف والمهن, نحدد عدد الموظفين بالنسبة للمواطنين الذين هم منطلق وهدف اية ادارة, فنقول طبيب لكل X مواطن او سيارة اسعاف لكل Y مواطن, او معلم, قاض, كاتب لكل S مواطن, وفي هذا الاطار يندرج الفصل 100 من قانون المسطرة الجنائية: يمكن لقاضي التحقيق بعد إخبار النيابة العامة بمحكمته ان ينتقل صحبة كاتبه قصد القيام باجراءات التحقيق خارج نفوذ المحكمة التي يمارس فيها مهامه, والفصل 119 من نفس القانون: يستمع قاضي التحقيق بمساعدة كاتبه الى كل شاهد ..., فالكاتب موظف الدولة بالمحكمة وليس كاتبا لقاضي التحقيق...
_ كون الموظفين يشتغلون في بنايات متهالكة ومفتقدة لأبسط الشروط المريحة من تدفئة ومكيفات...
_ كون وزارة العدل من أغنى الوزارات بمداخيلها, لكن وللأسف موظفوها محرومون من كل شيء: مخيمات اصطياف, منح, تعويضات, نقل في المستوى, رحلات,
ان هذه الخصوصية الحقيقية, هي التي دفعت بالموظفين إلى تأسيس إطار نقابي يدافع عن مطالبهم ويحميهم من تعسفات وتجاوزات المسؤولين, حيث نجد في مشروع الملف المطلبي للنقابة الوطنية للعدل ك د ش (التي كانت اول نقابة بالقطاع) مايلي: "بالرغم من المجهودات التي يبذلها العاملون بكتابة الضبط سواء من حيث الإنتاجية والمردودية, وذلك باعتراف جميع مساعدي القضاء, وجميع من لهم علاقة بهذا الجهاز, لقد ظل هؤلاء الموظفون ولعقود من الزمن يعانون من التهميش والتجاهل على جميع المستويات سواء بالنسبة للمسؤولين المباشرين وكذا المشرع".
وتضيف الوثيقة: "إن هدفنا من تأسيس النقابة الوطنية للعدل هو إبراز هذه المفارقات المتزايدة الحدة, أي تناول قضايا هذا الجهاز والعاملين به, على جميع المستويات وذلك بهدف القيام بالإصلاحات الضرورية المتجلية في الجوانب المادية والبشرية والتشريعية التي نجد ان هذا الجهاز والعاملين به في امس الحاجة اليها".
وكان من اهم المطالب التي وضعتها النقابة الوطنية للعدل:
حقوق نقابية ومنها: احترام ممارسة الحق النقابي باعتباره حقا دستوريا والكف عن كل المضايقات والانتهاكات والتجاوزات والتنقيلات التعسفية وتمكين المسؤولين النقابيين من كل الحقوق المخولة لهم بمقتضى القوانين والاعراف الجاري بها العمل,
مطالب قانونية ومنها: وضع قانون اساسي خاص بجهاز كتابة الضبط باشراك النقابة وبلورة حقيقية لاختصاصات مؤسسة رئيس كتابة الضبط ضمانا لاستقلالية هذا الجهاز,
مطالب ادارية ومنها: تسوية ملف الترقية الداخلية مع الاستفادة من الترقية الاستثنائية, العمل على تحريك سلاليم الاجور مع الغاء نظام الكوطا, تنظيم امتحانات مهنية على جميع السلاليم الادارية, ادماج الموظفين في سلاليم الاجور المطابقة للشهادات المحصل عليها في الاطار المناسب لمؤهلاتهم العلمية, تسوية ملف كتاب الجماعات والمقاطعات بالسماح لهم باجتياز المباراة المهنية بعد ترسيمهم, ترسيم جميع المؤقتين والمياومين والعرضيين في الاطار المناسب لمؤهلاتهم العلمية...
مطالب مادية ومنها: العمل على تعديل مرسوم الحساب الخاص وذلك بقصد تعميم الاستفادة من التعويضات والرفع من قيمتها مع الغاء مبدأ تصنيف المحاكم, احداث قانون خاص بتعويض موظفي وزارة العدل, التعويض عن ايام الديمومة ماديا ومعنويا, التعويض عن الساعات الاضافية, التعويض عن البذلة بالنسبة لكتاب الجلسات, تعويض العاملين بالصندوق, احداث قانون خاص بالتعويضات عن الحراسة الخاصة بالمباريات, مراجعة شبكة الارقام الاستدلالية بالرفع من ارقامها ومن القيمة المالية لها وذلك في انتظار مراجعة شاملة ومنصفة للفئات المرتبة في جميع السلاليم, الرفع من التعويضات العائلية...
تحسين ظروف العمل ومنها: ضرورة توفير بنايات ملائمة مع تجهيزها بما يسمح بالعمل في ظروف مريحة, الاهتمام بالتكوين المستمر ليتمكن الموظف من الاحاطة بالقوانين والمساطير المتبعة وكافة المستجدات على الساحة القانونية والقضائية وذلك باحداث مدرسة وطنية لتكوين موظفي كتابة الضبط, تخصيص وسيلة النقل للموظفين العاملين بمصالح التبليغ والتنفيذ...
مطالب معنوية ومنها: مراعاة ظروف الموظف الاجتماعية عند التعيين وتنظيم حركة انتقالية على غرار باقي الوزارات, تمكين الموظفين المحالين على المجالس التاديبية من الاطلاع على ملفهم الشخصي بحضور ممثلين عن النقابة الوطنية, ضرورة تخصيص بطاقة مهنية لجميع الموظفين...
مطالب مهنية ومنها: ولوج المهن الحرة (المحاماة, الخبراء, العدول, التوثيق العصري, اعوان قضائيين), ولوج سلك القضاء...
جمعية الاعمال الاجتماعية: مراجعة القانون الاساسي للجمعية مع احداث نظام داخلي, دمقرطة الجمعية باشراك المنخرطين في التسيير والمراقبة وتمثيل الاعضاء النقابية, خلق فروع للجمعية في كل دائرة قضائية بالتراب الوطني...
كما شمل الملف المطلبي ميادين الاستشفاء والتطبيب, ميدان السكن, مراكز التموين والمقتصديات, ميدان النقل, الاصطياف والمخيمات الصيفية...
خلاصة القول, ان العمل النقابي بقطاع العدل واقع تزكيه جميع القوانين الوطنية والدولية, كما تزكيه عمليا وجود نقابات في القطاع في دول تجعلها الدولة نموذجا يحتدى به في التنمية والتقدم المأمول, وان تزايد وتصاعد وتيرة الاضرابات التي تشل الحركة بقطاع ذي أهمية كبرى, ما هو إلا نتيجة حتمية لواقع مر تعيشه شغيلة العدل في ظل تجاهل تام ووعود زائفة دامت لسنوات عديدة.
#اسماعين_يعقوبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟